باريس سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    مذكرات صدام حسين.. تفاصيل حلم "البنطلون" وصرة القماش والصحفية العراقية    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    كيف حافظ الحوثيون على نفوذهم؟..كاتب صحفي يجيب    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    قيادات الجنوب تعاملت بسذاجة مع خداع ومكر قادة صنعاء    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    الدوري الانكليزي الممتاز: ارسنال يطيح بتوتنهام ويعزز صدارته    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العلامة الشيخ "الزنداني".. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    على خطى الاحتلال.. مليشيات الحوثي تهدم عشرات المنازل في ريف صنعاء    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    الفنانة اليمنية ''بلقيس فتحي'' تخطف الأضواء بإطلالة جذابة خلال حفل زفاف (فيديو)    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقومات الجذب الأثري والتاريخي للسياحة في محافظتي تعز وإب
نشر في الجمهورية يوم 03 - 03 - 2007

العزي محمد مصلح : إن اليمن ببعدها الزمني وعمقها التاريخي تمتلك مخزوناً أثرياً وتاريخياً يجعلها قادرة على التصنيع السياحي وبخصوصيات متفردة وشخصية غير متكررة إلى ما حباها الله من موقع هام بتركيبه الجيولوجي وتنوع مناخه وحدوده المائية ووقوعه على أطراف الصحاري اتساعاً في العالم وقربها من خط الاستواء جعل موقعها متميزاً بمناخه وعطائه الدائم..ولقد كان موقع اليمن صالحاً للاستقرار منذ ملايين السنين.. إذ اثبتت الدراسات
الأولية أن اليمن هي مهد الإنسان ومركز انطلاق الهجرات البشرية إلى الأرجاء المعمورة،وإن كان علماء الآثار لايزالوا في حيرة من أمرهم بما يتعلق بالهجرة من اليمن إلى افريقيا أو العكس كما ذهب إليه رئيس
الفريق الأثري لجامعة شيكاغو الدكتورNorman Welen والذي يعتقد بأن الهجرة قد تمت عبر باب المندب في العصر الحجري الأعلى ،ونحن عندما نتحدث عن محافظة إب وتعز إنما نتحدث في نطاق تاريخ
اليمن بمساره الواحد ،إذ تم الكشف عن مواقع للعصور الحجرية التي يعود تاريخها إلى مليون ونصف عام اعتماداً على معطيات كربون «14» من خلال الفحوصات التي أجريت على بعض من الأدوات
الحجرية ومابها من شوائب والتي ترجع إلى تلك الفترة.ومن خلال المسوحات الأثرية لوادي الكدرة وموزع وباب المندب وجبال خرز،حيث تم العثور على مستوطنات بشرية يعتقد بأنها كانت تمثل
مرحلة متزامنة واحدة قد اعتمدت على الصيد في اقتصادهم المعيشي.كما تم مسح المراوح الفيظية من سفوح الجبال حتى الشريط الساحلي للبحر الأحمر.
وتم العثور على مواقع ترجع إلى مليون ونصف سنة في الشريط الساحلي للبحر الأحمر ومنطقة الحداء أما بالنسبة للعصر الحجري الوسيط فهو منتشر في جميع المحافظات وكذلك العصر الحديث الذي يبدأ من عشرة آلاف إلى بداية العصر التاريخي وفي إطار محافظة تعز يوجد العديد من المواقع أهمها موقع روسيان وهو معبد مستطيل الشكل لاتزال معظم أعمدته بارزة يرجع إلى نهاية العصر الحجري وبداية العصر التاريخي.
أما في إطار محافظة إب فقد تم العثور على مواقع أثرية تعود إلى مابين «20007000»ق.م وذلك في منطقة ذو رعين وعلى أطراف ذي يحصب وفقاً لنتائج الدراسات التي أجرتها البعثات الأمريكية على أرض منبسطة للمنطقة الوسطى.أما العصور التاريخية فتنشر بالمحافظتين وعلى امتداد واسع ووفقاً للوثائق التاريخية،ولقد تميزت المحافظتان بأدوار تاريخية في العصر الإسلامي سيما في عهد الدويلات المستقلة، لحيث وقد شكلت مدينة جبلة عاصمة الدولة الصليحية ومدينة تعز حاضرة للدولة الرسولية.
وسوف نتناول المواقع من حيث مقوماتها التاريخية ودورها في الجذب السياحي خصوصاً وأن الكثير من المواقع التاريخية لم تكن مدرجة في إطار برامج السياحة الخارجية أو الداخلية ،وفي محيط المحافظتين إب وتعز وفقاً للآتي:
حصن تعز ومدينة ذو عدينة
لعل الذين سكنوا القلعة من القوم الأول لم يدركوا حينها عندما أسسوا بنيان حصنها إنما هم في الأصل قد وضعوا حجر الأساس لسهلٍ سوف يأتي عليه الدهر لتعمر أرضه وتدب الحياة وتدب الحياة في أوصاله كحاضرة سياسية أو مستقر لسلطان ، ومن المؤكد أنهم كانوا على دراية تامة بأن المقومات الاستيطانية متوفرة على سفح صبر حينما نزلوا هذا النجد واتخذوا منه مستقراً لهم في زمن لانستطيع تقديره في المرحلة الحالية إلا بعد اجراء دراسات دقيقة على القلعة وما في محيطها،وإن تذهب المراجع الإسلامية بتاريخ الحصن إلى بداية الدولة الصليحية كما ورد في كتاب «قرة العيون» وضمن إشارة لحصن تعز ويقال أن عبدالله بن محمد الصليحي قد اتخذها حصناً وقبل الخوض في المراجع لابد من العودة إلى الدراسات الأثرية التي تمت على حصن تعز«القاهرة» وبشكل متأني ،وكذلك الشواهد الأثرية التي تم العثور عليها في محيط سفح صبر الشمالي وعلى قرب من التله،وهي شواهد ترجع قلعة تعز إلى عصور ماقبل الإسلام وفقاً للمعطيات الأثرية التالية:
1 تم العثور على نقشٍ هو برقم «6» والذي يذكر فيه الملك كرب إل وتر يهنعم في القرن الثالث الميلادي في منطقة عقاقة بجوار كلية التربية في الجزء الغربي من مدينة تعز.
2 تم العثور على نقش هو برقم «7» بجنوب كلية التربية بالموقع الذي يعرف باسم «حبيل سلمان» .كما يوجد نقش آخر لم يتم نشره بعد لحيث وتم العثور عليه في إحدى التلال الواقعة غرب المدينة القديمة ،حيث والنقشان يحملان حروفاً آراميه عدا نقش كرب إل وتر.
كما تم العثور على عدد من اللقى الأثرية في القلعة والتي ترجع إلى عصور ما قبل الإسلام وذلك من خلال المجسات التي تم عملها في الجانب الغربي من القلعة وهي ولاشك منقولة من نفس الموقع،وأثناء عمل التنقيب تم العثور على تمثال من الفخار وكذلك رأس خيل يعتقد أنه كان من قطع الشطرنج،أما في السور الثاني من القلعة وفي الجانب الغربي حيث تم الترميم ثم العثور على تمثال فخاري ومبخرتين من الطراز القتباني وخاتم يحمل عنقود العنب كعنصر زخرفي مقدس وشجرة العنب عموماً هي منتشرة في زخارف عصور ماقبل الإسلام وبشكل ملحوظ.كما تم اكتشاف حفرتين منجورتين في الصخر الأولى بقطر «13سم» وأخرى قطرها«5سم» خارج الباب الرئيسي للقلعة جنوباً،ومثل هذا النحت في الصخر هو عادة يتقدم مداخل المعابد لممارسة الطقوس الدينية في ذبح القرابين لتملأ بالدم كقربان للإلهة التي كانوا يتعبدون إليها،وهذا التقليد قد انتشر بشكل ملحوظ في المنطقة التي كانت واقعة تحت النفوذ القتباني واخص بالذكر منطقة العسلة شرقي تعز..وكذلك منطقة يافع ومناطق أخرى.
كما تم التعرف على أقدم جزء يعود إلى عصر ماقبل الإسلام وهو الركن الشمالي الشرقي الذي لايزال محتفظاً بنمطه المعماري والمشيد بطريقة الصفوف الطولية والعرضية لتنقل الضغط من الخارج إلى الداخل مع تراجع الصفوف إلى الداخل بمقدار«5سم» لكل صف وأطوال الأحجار لهذا الجزء تتراوح بين «4060سم» ويرتفع إلى « 30سم» وهو نمط ثابت في هذا الجزء تم التعرف على هذه الأطوال من خلال نزع الأحجار العلوية وبعدد كبير أثناء إزالة الأجزاء الآيلة للسقوط كنوع من المعالجة لمنع الانهيارات،.ويوجد نقش على مدخل الباب الرئيسي للقلعة ويتكون من ستة أحرف حورت أربعة أحرف إلى الخط العربي والحرفين الآخريين لاتزالان على حالهما بالحرف الآرامي ،وإذا ماجُرد النقش من الإضافات يمكن قراءته لقني،أي أمتلك وتم العثور على عدد لابأس به من الأحجار بارتفاعات هي لم تكن من الطراز المعماري الإسلامي أعيد استخدامها عند أساس مدخل البوابة بارتفاع«45سم» و«40سم» و«35سم» وكذلك احجار منحوتة من الجوانب مع بروز في المنتصف بشكل ملحوظ وهو النمط الذي شاع انتشاره في العصر الثالث في العمارة القديمة،وماهو ظاهر على سطح القلعة من الأساسات المنحوتة والتي يعتقد بأنها عبارة عن مدرجات ،إنما هي أساسات لمبانٍ قديمة ترجع في أصلها إلى عصور ماقبل الإسلام.أما في العصر الإسلامي فلم نجد ما يدلل على نحت الأساسات في الصخور كما هو شائع في سد مأرب وفي مناطق ذو رعين ومناطق أخرى متعددة.
ويضاف إلى تلك الشواهد وجود عمود اسطواني لعله كان مستخدم في معبد ما وتاج العمود الأسطواني هو من الفنون القديمة أيضاً وجميع هذه الشواهد لاتقبل الشك بأن قلعة القاهرة تعود إلى عصور ما قبل الإسلام ولربما قد احتفظ باب القلعة بزخرفٍ هو برمز للصليب وبمقاييس دقيقة في الأطوال ولايزال قائماً تحت قوس العقد،وما نظنه هو أن هذا الزخرف قادم من المرحلة التي خضعت فيها المنطقة للاحتلال الحبشي لاسيما وأن القلعة تشرف على خط القوافل القادمة من الجند إلى السواء ثم إلى مواني البحر الأحمر،إلا أن كل ذلك قد لايكون كافياً في منهج الاستقراء العلمي طالما أن هناك تقاطعاً لسياق التسلسل التاريخي وكذلك وظيفة القلعة الأساسية أو تنقلها بين الوظائف خصوصاً وأن الجزء الجنوبي بأبراجه المسننة الذي يجعلنا نمد الأبصار إلى أبراج مدينة براقش «يثل » بنظامها المعماري للأبراج،والذي طرأ عليه ترميماً مع احتفاظه بالأصول الهندسية للبناء القديم وهو ما يلاحظ في الجزء الغربي من السور إلا أن الجزء الشمالي والشرقي قد تبدل حاله تماماً.
أما الثابت لدينا فإن السور الأعلى للقلعة ماهو إلا قصور ومبانٍ مترابطة مع بعضها كما أشار إليه نيبور في المخطط الذي رسمه للقلعة.وبماأن المراجع التاريخية تجهل الجذور التاريخية للقلعة إلى العصر الإسلامي وخصوصاً عندما لم يرد ذكرها عند الهمداني في كتبه المنشورة الأمر الذي جعل الحلقة مفقودة حتى ظهور أول إشارة للقلعة في كتاب «قرة العيون» ،كما أشرنا إلى ذلك آنفاً والحديث عن القلعة لايمكن أن يكون بمعزل عن ذي عدينة التي تنتشر مساحتها من سفح القلعة الجنوبية وسفح صبر كمستوطنة بشرية قل عدد سكانها أو كثر ،ورجوعً إلى ماذكرناه سابقاً عن تاريخ القلعة في العصر الإسلامي وعند عبدالله بن محمد الصليحي فهناك إشارة أخرى تقول بأن عبدالله بن محمد الصليحي قد ولاه أخاه حسن التعكر وهو ما سنتحدث عنه لاحقاً ،وفي كتاب «قرة العيون» ص192 يذكر أن المكرم أحمد قد ولى أبوالفتوح بن الوليد حصن تعز وصبر، ثم تولاه من بعده ابنه اسعد بن أبي الفتوح الذي قتل بداخل الحصن سنة 512ه،ومن المؤكد أن الحصن قد سقط بيد آل الكرندي لمرحلتين الأولى كانت بين «439459»ه ،وحينما توفت السيدة أروى سنة 502ه آلت الأمور إلى منصور بن المفضل بن أبي البركات والذي ابتاع معاقل الدولة الصليحية للداعية محمد بن سبأ بن أبي السعود بن زريع بمائة ألف دينار واتخذ من حصن تعز وصبر مستقراً له،ليأتي بعد ذلك ذكر توران شاه الذي قدم إلى اليمن سنة 569ه والذي باشر حروبه مع آل المهدي وتمكن من إخضاع زبيد ثم اتجه إلى ذي عدينه.كما ورد في كتاب «تاريخ تعز» للمرحوم محمد المجاهد الذي أشار فيه أن توران شاه قد خطط المدينة التي تعرف اليوم بمدينة تعز وهكذا يذهب المؤرخون أن توران شاه هو أول من خطط مدينة تعز،إلا أن الوضع الطبوغرافي قد يجعل من التوسع باتجاه السهل الشمالي أمراً محتوماً لامفر منه،ولم تكن هناك إشارة تفيد أن توران شاه قد شيد بنياناً أو عمر مدرسة.بل أنه تنقل بين المناطق لإخضاعها لسلطان بني أيوب بل أنه ولى على الحصن ياقوت التعزي بعد ذلك.وحينما وصل السلطان طغتكين سنة 572ه باشر التعزي بتسليم الحصن ومعاشرة للسلطان الذي اتخذ سجناً ولربما هو الذي أطلق على الحصن دار الأدب حينما أمر بسجن ابن خطاب الذي تمرد على السلطة الأيوبية حيث مات مخنوقاً في القلعة وفي إشارة ضمنية لعبدالرحمن بن الديبع وهو يتحدث عن الحصون التي أعاد بناؤها طغتكين كما ورد بقوله «وهو الذي بنى حصن التعكر بعد هدمه وحصن حداد وحصن تعز» وهذه أول إشارة ترد في تاريخ بناء حصن تعز.
وفي سنة612ه في عهد السلطان العادل والذي طلع حصن تعز وقبض على علي بن سليمان الصوفي وفي أثناء هذه المرحلة لربما أنه قد أقام وليمة في الحصن بمناسبة زواجه كما ورد في كتاب «بغية المستفيد» ونلاحظ مما تقدم بأن الحصن وذوعدينة قد بدأ يأخذ موقعه السياسي مما يجعل حالة من التوسع العمراني قد بدأت بشكل ملحوظ وخصوصاً بعد بناء المدرسة الأشراقية والمدرسة في المحاريب وفقاً لما تضمنه جدول المرحوم المجاهد والذي أمر بتشييدها طغتكين بن أيوب والمعز من بعده بنى مدرسة السيفية بعد ذلك ،وإن كانت الإشارة غير واضحة بين المغربية والمعزبية.
وفي عهد الدولة الرسولية نلاحظ أن السلطان المنصور عمر بن علي الرسولي مؤسس الدولة الرسولية سنة 628ه 857ه والذي كان يتخذ من مدينة الجند مقراً له قد شيد ثلاث مدارس في ذي عدينة وهي المدرسة الرشيدية والمدرسة الغرابية ويقصد بها المغربة كما حددها محمد بن علي الأكوع والمدرسة الوزيرية في هزيمة والذي دفن فيها بعد أن قتل على يدالمماليك،وعلى أثر هذه الحادثة توجهت أم المظفر إلى حصن تعز والتي تحصنت داخله كما فعلت أم الأفضل حينما اتجهت إلى حصن الدملؤه.
وفي عهد الملك المظفر من سنة 647ه 694ه نلاحظ أن التركيز العمراني كان على المنطقة القديمة«المغربة وذي عدينة» أكثر منه في منطقة التوسع حيث جامعه الشهير والذي يعرف اليوم بجامع المظفر الذي تبدأ سنة 667ه كما هو مكتوب على الباب الغربي للجامع،كما أضاف إلى هذا البنيان المدرسة الشمسية والمدارس التي بناها في المغربة حصراً هي خمس مدارس بينما شيد في ذو عدينة مدرستين ومدرسة أخرى في ذو هزيم نستوضح مما تقدم أن تعز الحالية ماهي إلا حالة من التوسع لذو عدينة،ونستشهد ببيت من الشعر لعبدالله بن الإمام شرف الدين إمام الأمة المحمدية كما ورد في كتاب «المعتبر» والذي جمع بين تعز وذو عدينة بقوله:
«حمى رب الأنام لنا تعزا
وحق لها العدينة أن تعز»
أي أن الإمام عبدالله لم يفرق بين تسمية تعز وذو عدينة،أما بالنسبة لأسماء القلعة فقد عرفت باسم القلعة الحمراء ودار الأدب ودارالسلطان ودار الإمارة وكان للحصن ثلاثة أبواب باب في أسفل القلعة وعرف باب العامة وباب الخاصة أما الباب الثالث لعله كان في السور الداخلي لحصن السلطان ،ومن خلال ماتقدم نذهب بالقول،أن مدينة تعز تعود إلى عصور ماقبل الإسلام..ومن المعروف أن سلاطين الدولة الرسولية قد اتخذوا مدينة ثعبات مستقراً لملكهم ،وأقدم إشارة لذكر مدينة ثعبات كما ورد في كتاب «قرة العيون» أن منصور بن المفضل بن أبي البركات كان ينزل من حصن صبر ويتنزه في منطقة اسمها ثعبات،ومن المعروف أن الملك المؤيد قد بني قصر المعقلي والذي وصف بجماله ما يفوق قصور الأندلس من حيث جمال البنيان وثراء الزخرفة، وقد أكمل بنيانه الملك المجاهد والذي فرغ من بنائه سنة 704ه كما ورد في كتيب «مرآة المعتبر».
وشيد قصر آخر سمي بدار النصر كان يسكنه المجاهد وهو الذي أحاط المدينة بسور لايزال جزءاً منه قائماً حتى اليوم،وكان للمدينة أبواب منها باب الجند،وباب الديباج في الناحية الشرقية.
أما أهم الآثار الذي تعود إلى عصر بني رسول والمعدة للسياحة حالياً.جامع المظفر «667ه» ومدرسة الأشرفية «802ه» ومدرسة المعتبية «896ه» وقبة الحسينية «1002ه» ضريح الشيخ عبدالهادي السودي «896 922ه» سور مدينة تعز «951ه » باب موسى باب الكبير : الذي يرجع إلى عهد الإمامة.
صبر يجمع بين التاريخ والأسطورة
إن جبل صبر في وضعه الجيولوجي عبارة عن كتلة من الجرانيت حيث تحدد عمرها المطلق 7.22+9.0مليون سنة وبذلك يكون انتماؤه للعصر الثالث ويقع بين خطوط الطول 14.34، 13.44 شرقاً وبين خطوط العرض 21.13، 43.13 شمال خط الاستواء في جنوب اليمن ضمن محافظات تعز وهو بعلوه الشامخ يكون بارتفاع 3015عن سطح البحر ويرتفع عن مدينة تعز1500م ،ويكون حصن العروس عند تقاطع خط الطول 44 وخط العرض 13، 30دقيقة ويحده من الشرق سامع وسربت ومن الغرب جبل حبشي والمسراخ وتبلغ المساحة الرأسية والأفقية1100كم2 تقريباً ،وبحكم امتداده الجغرافي وتركيبه الطبوغرافي وما يحيط به من أودية خصبة التي تعتمد على مخارج السفوح من المياه قد شكلت جميعها عوامل جذب للاستيطان وحافز للاستقرار ومع صعوبة التحديد لتاريخ المرحلة الأولى للاستيطان، إلا أن الإنسان قد استغل كل شبر صالح للزراعة وحول المنحدرات إلى لوحات هندسية تتناغم بانسيابها مع مايحيط بسفح صبر من مروج خضراء جعل منها لوحات هلالية ومستطيلة لايمل الناظر إليها بامتداداتها الواسعة،أما ذكر صبر في المصادر التاريخية فمن المحتمل أن يكون صبر الذي ورد في نقش النصر لكرب إل وتر 700ق.م الذي شن حملة على مدن المعافر ولم يعطي مبرراً لهذه الحملة حينما دمر مدينة شرجب وذبحان وجبا وضبر وأظلم وأروي ومن خلال ذكر اسم صبر بعد جبا مباشرة فمن المحتمل أن يكون اسم صبر هو ضبر الذي استبدل فيه الضاد بالصاد،وهناك قصة تروى بأن النبي شعيب وآخاه صالح قد دفنا في منطقة حطاب وهي الواقعة بين سيعة وحدنان وفقاً لاعتقاد العامة.ولقد ورد ذكرُ في كتيب «مرأة المعتبر» يقول أن بنا مرسل اسمه صالح غير صالح ثمود إلى جهة صبر وأن قبره بموضع يقال له حطاب وهي نفس الإشارة التي وردت في كتاب «الإكليل» للهمداني إذ يقول أن صالحاً هو أخاً لشعيب المدفون في حضور وقد أرسله الله إلى أهل بلدة حضور فقتلوه فرمامهم الله بالجذام،ومن خلال اسم شعيب نستطيع القول أن صالحاً هو ابن ذي مهدم بن المقدام بن العدي وينتهي نسبه إلى سبأ الأصغر.ومقام النبي صالح على ربوةٍ تطل على جبل حبشي والمسراخ وقد شيد على القبر بناء مستطيل الشكل بطول «6م» وبعرض «4م» وقبره من الداخل بطول«4م» وبعرض «5.1م» وإلى جانب القبر من الجانب الغربي وعلى بعد«20م» يوجد مسجد مربع الشكل،وطرازه المعماري لايرجع إلى مراحل متقدمة بل هو من الفنون للعصر الإسلامي إلا أن مسرجةٍ من الحجر تعود بشكلها المستطيل إلى عصور ماقبل الإسلام،وقبر صالح هو مزار للعامة بل يقام له جمع في منتصف شهر شعبان من كل عام.
وقد تم اكتشاف نقش في سنة1999م بجوار سور حصن صبر المعروف باسم «العروس» ،ويرجع هذا النقش إلى القرن الخامس قبل الميلاد ويتحدث النقش عن رجل اسمه ذرا كرب/بن /إب علي/ذي غربم/بأنه أسس وبني كريف ويذكر النقش اسم الملك القتباني شهر هلال بن يدع أب،والنقش بطول «18.4م»وبارتفاع«80سم».
حصن العروس
إن الحصن بمكوناته المعمارية يعود بفنه إلى الطراز القتباني لاسيما السور الذي يعد بطرازه نمطاً أكثر دقة من أسوار المدن القتبانية والذي يذكرنا بالفن المعماري لحضارة المايا وهو مستطيل الشكل يتراوح عرضه بين «2500.2»م ويتسع عرضه في الجزء الشمالي أكثر من الجزء الجنوبي الذي كان فيه حصن صبر ولم يبق من أساساته سوى أجزاءً من طرفه الجنوبي.
وساحة الحصن واسعة تم استغلالها بنحت مدافن في الأرض وعددها ثلاثة منها اثنان مكشوفة وآخر مغطى وماهو جدير بالانتباه أن النحت تم في صخور من الجرانيت يصعب التعامل معها،وكما يوجد في الساحة خزان للماء ورد ذكره في النقش،ومدخل الحصن من الجهة الغربية ويتقدما المدخل نوبتان دائريتان والسور عموماً من الواجهة الشرقية والشمالية والغربية حتى المرتفع في أحسن حال.وكما أشرنا بأن للحصن قصة أسطورية تتحدث عن ملك يعرف بين الأهالي باسم«الكباس» كان يتزوج كل يوم عروساً ويتغذى بالأطفال الرضع، ومن خلال البحث تم العثور على اسم للكباس في كتاب «الإكليل» للهمداني وهو عمر الكباس بن كرب إل،وكذلك في كتاب «ملوك وأقيال اليمن».
وهذه القصة مرتبطة بأصحاب الكهف ومن الممكن استغلالها سياحياً أما الحقيقة التاريخية فالأمر ليس كذلك كون زخارف الجامع عامة ترجع إلى العصر الرسولي وكذلك الطراز المعماري يتنافى تماماً مع الفنون المعمارية لعصور ماقبل الإسلام،ومهما ذهبت الآراء إلا أن البنيان يكون من أهم الشواهد في انتمائه للدولة الرسولية وإن ذهب الاعتقاد إلى أن جبل صبر اسمه جبل بنجلوس اسم غريب بالنسبة لجبل صبر وهو المعروف بموقعه في أرض الأنظول.وما يستغرب إليه هو شيوع هذا الاسم بين أهالي صبر،بينما التسمية الشائعة في جبل صبر أسماء المثنى مثل حدنان وحصبان وحصان وكحلان ونبهان،ومن المحتمل أن يكون نبهان هو الحصن الذي تحدث عنه الهمداني بقوله«والعارضة والنبيرة هي قرى لعبدالجبار بن ربيع الحوشبي في صدر صبر فإذا خاف طلع إلى قلعة ذات العم».
أما أقدم ذكر لاسم صبر يرجع تاريخه إلى فجر الإسلام استناداً إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم كما أورده الترمذي عن الإمام علي رضي الله عنه أن مكاتباً جاءه فقال إني عجزت عن مكاتبتي فقال ألا أعلمك علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان عليك مثل جبل صبر أداه فقد أكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك».
وقد ورد عن الهمداني بقوله:«وصبر أحد جبال المعافر وأليه ينسب الملك ذوصبر» وهكذا ورد الإسم في قصيدة نشوان بن سعيد الحميري،ووصف الهمداني جبل صبر بأنه كورة المعافر التي تبدأ منها سلسلة جبال السرات التي تنتهي في بلاد الشام وهو حاجز بين الجند وجبل ذخر وهو من الجبال المسمنة وهكذا يذهب ياقوت الحموي بوصفه لصبر. وورد عن جلال الدين السيوطي وياقوت الحموي معاً اعتماداً علي أبن دمنه أن أهل صبر قد استقدموا نشوان بن سعيد الحميري وتوجه ملكاً عليهم سنة 573ه وهذا الوصف لاينطبق مع الوضع السياسي لتلك المرحلة تحديداً وهي مرحلة صراعات بين المهدي وتوران شاه وبني زريع في الجنوب.،أما اخر إشارة وردت عن صبر في كتاب «العقود اللؤلؤية» كانت في عهد الملك المجاهد والذي تتحدث عن فخرالدين أبوبكر الغزالي صاحب صبر الذي قدم للملك المجاهد أنواع من العنب والفواكه.
المخا رمز الجودة في العالم
إن المخا تمتلك اسماً عالمياً يتردد كل صباح باسم كوفي مخا كرمز للجودة.هي تلك المحطة التي لعبت دورها كوسيط تجاري لنقل البضائع من اليمن إلى حوض البحر الأبيض المتوسط . وبين جنوب شرق آسيا ،وقد ذكرها صاحب كتاب «الطواف حول البحر الأرتيري» وهو كتاب ملاحي يوناني والذي أشار إلى مدينة المخاء وملكها كرب ايلو وقال بأنها سوق تزدحم فيه البضائع التي كانت ترد إليه وهو سوق قائم على القانون،ووصف الأقمشة التي كانت تصنع في اليمن مثل المقصب والمعصفر والأقمشة الشفافة ومنها الموشاة بالذهب ،كما أشار إلى الصادرات الأخرى مثل سن الفيل والبخور والعطور،وورد ذكر المخا في عصر ملوك سبأ وذو ريدان باسم مخون وذلك في نقش «66» زيد عنان الذي سجل فيه القيل قبطان بن أو كان الجورتي الذي قام بسفارة بين الملك شعرم أوتر بن علهان نهفان وملك الحبشة ووصف بأن عودته كانت إلى المخاء بعد انقضاء سبعة أيام في البحر لسوء الأحوال الجوية وفي نفس النقش ذكر أن الأحباش قد هاجموا مدينة ظفار وتم إجلاؤهم بعد حروب دارات رحاها في تلك المناطق وتعتبر هذه أول إشارة للعلاقة اليمنية والحبشية بظروفها السياسية عموماً ولعل الحملة قد قدمت لمهاجمت اليمن من ميناء المخا بهدف السيطرة على طرق التجارة ويشير كتاب «التاريخ العربي» لهومل أن البطالمة حينما فقدوا سيطرتهم على الطريق البري الذي يوصل إلى الشاطئ الأسيوي «كبرنيكا» قرب ايلات مما جعل البطالمة يمدون أبصارهم إلى موانئ يمنيت ويروي هومل أن ميناء لويكا كوما قد فقدت أهميتها بفعل سيطرة البطالمة على جانبي باب المندب، وأن ذلك قد أدى إلى ازدهار التجارة الرومانية وبلوغ ذروتها في مصر في القرن الثالث «281م» ويذكر نقش عدولي أن ملك الحبشة أرسل قوات إلى الشاطئ الشرقي والتي اشتعلت الحروب من لويك متر كوما قرب باب المندب إلى أن وصل مدن سبأ وفي إشارة للدكتور بافقيه رحمه الله إلى نقش عدولي إذ يرى أنه يعود إلى القرن الثالث الميلادي ويذكر المصدر أن المخا قد استردت عافيتها في القرن الرابع واستمرت المخا بنشاطها التجاري حتى وصول الحملة الحبشية بقيادة إرياط عام 525م وحروبه مع الملك الحميري يوسف اسأر أثأر التي بدأت من سلسلة جبال المندب حتى سقوط ظفار ومطاردته إلى نجران، أما في العصر الإسلامي نجد المصادر الإسلامية قد أغفلت دورها حتى التجاري حتى القرن التاسع الهجري، ويشير أبو الحسن الهمداني بقوله والمخا في بلد بني مجيد وفي موضع آخر والمخا ساحل بني مجيد وفرسان ومهما اقتربت المراجع أو ابتعدت فتبقى المخا سوقاً على ساحل البحر الأحمر كمحطة تمويل لمراكب التجارة، أما ياقوت الحموي فيشير إلى أن المخاء حاجز بين زبيد وباب المندب.
ومن الملاحظ أن ميناء عدن قد بلغت من الأهمية التجارية والبعد الملاحي مما جعلها تلعب دور المخاء نظراً لقربها من المحيط الهندي وبعدها عن قراصنة البحر الأحمر وتحولت المخاء إلى محطة لتزويد الوقود والمؤن، وفي عام 1541م وصل إلى المخاء الرحالة فاسكو دجاما معتمداً على خريطة قد أعدت قبل ذلك.
إن زيارة الرحالة النمساوي كريستين نيبور قد سجل العديد من المشاهدات حينما وصل إلى المخا في سبتمبر من عام 1762م والذي تحدث عن وجود عدد من الجاليات التي تعمل في إطار التجارة كوكلاء لبلدانهم وبالعودة إلى تاريخ تلك الوكالات نجد أن القرصنة المنظمة قد تحولت إلى عمل تجاري قانوني بعد أن عانت المخا كثيراً من أعمال السطو والنهب، ففي عام 1586م نجد الأسطول البرتغالي يحرق مدينة المخا ويسيطر على الشواطئ وتم دحره على يد الأسطول التركي حيث ولى دون رجعة وأعدت القوات التركية قواعداً لها في البحر الأحمر كما بنت فناراً لإرشاد السفن القادمة إلى ميناء المخا ويتحدث حمزة علي لقمان عن حكاية البحار والشيخ علي بن عمر الشاذلي والتي ترجع إلى عام 1540م وكيف تمت معالجة البحار بقهوة البن وهي إشارة يمكن الاعتماد عليها للبداية التاريخية لتجارة البن وانتشاره في العالم، حيث وصل بن المخا إلى امستردام سنة 1661م، وسبق هذا التاريخ تأسيس شركة الهند الشرقية البريطانية وفتح وكالة في عام 1622م ثم تلئ ذلك اتفاقية تجارية بين الفرنسيين وحاكم المخا بضريبة مقدارها 5%، وحينما توسعت أعمال المخا لربما طلب من الفرنسيين 20% إلا أن السفن البحرية الفرنسية شكلت ضغطاً على حاكم المخاء ليعمل بالاتفاقية السابقة، وكان ازدهار التجارة بين المخا وأوروبا قد استمر من ذلك الحين حتى حفر قناة السويس في سنة 822م لتبدأ بالإفول شيئاً فشيئاً حتى أصبحت محصورة على الوكالة الأمريكية عام 1822م.
واستناداً إلى ماأشار إليه المهندس ضرار عبدالدائم بأنه كان للمخا مدينة يحيط بها سور من جميع الجهات والذي يضم بداخله مئات القصور ودور للسكن وكان للمدينة أربعة أبواب منها الباب الشرقي المسمى باب الشاذلي وإلى جواره القلعة التي تحمل أسمه، وباب العمودي «شيخ من مشائخ الطرائق الصوفية»، وإلى جواره قلعة العمودي والباب الصغير أو الباب العدني وباب الساحل من الناحية الغربية وكان السور يضم العديد من القلاع، ففي الجنوب الشرقي قلعة مالطة وتسمى القلعة العدنية، وقلعة فضيلي وهي قرب الساحل من الجانب الغربي، وقلعة الفرضة أو الساحل، وقلعة العمودي، وقلعة الطيار.
إلا أن جامع الشاذلي يعتبر رمزاً للمخا بمنارته التي تحمل زخارف لم تتكرر في فنون العمارة للمآذن وهي من أجمل المنارات عموماً، كما يوجد بقاعدة المنارة نقش يحمل إشارة الشمس والقمر وهي من الأحجار التي ترجع إلى عصور ماقبل الإسلام.
الجند وجامع معاذ بن جبل
هي إحدى المدن الثانوية لعصور ماقبل الإسلام والتي كانت إحدى المحطات الهامة للقوافل التجارية وقد كان للجند سور على أربعة أبواب منها: باب السلام وباب الحديد، واعتماداً على الوقائع الأثرية في محيط مدينة الجند تؤكد أنها قد خضعت للدولة القتبانية أما أبوالحسن الهمداني فيرجع اسم المدينة إلى الجند ابن شهر بطن من بطون حمير وفي كتاب «تاريخ اليمن» لعماره وكانت إحدى أمهات مدن اليمن النجدية وأحد أسواق العرب المشهورة في الجاهلية والإسلام، وبالعودة إلى رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم الموجهة إلى الحارث بن عبدكلال التي كتبت بخط المسند وورد فيها بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى ملوك حمير الحارث بن عبدكلال وإلى النعمان قيل ذي رعين ومعافر وهمدان أما بعد: لقد لقينا رسولكم منقلبنا من أرض الروم، لذلك نرجع بناء جامع الجند إلى العام العاشر للهجرة حينما وصل معاذ بن جبل مع أصحابه إلى زرعة بن ذي يزن كما ورد في نص الرسالة أما بعد: فإن رسلي إلى زرعة بن ذي يزن فأوصيكم بهم خيراً معاذ بن جبل وعبدالله بن زيد ومالك بن عبادة وعقبة بن مرة الرهاوي وقد تضمنت الرسالة، فأجمعوا ماعندكم من الصدقات والزكاة من مخالفكم وأبلغوها رسلي وأن أميرهم معاذ بن جبل فلا ينقلبن إلا راضياً، ونفهم من ذلك أن التقسيم الإداري لليمن كان معمولاً به قبل الإسلام ثم ثبت هذا النظام في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس كما ورد في الكتب التاريخية وكتب المؤرخين من بعدهم بأن نظام المخاليف قد استقدم من فارس أو روما.
وماهو ثابت في المراجع أن معاذ بن جبل قد أسس في مدينة الجند مسجداً على التقوى فيه فيه يذكر اسم الله وهو خامس مسجد بعد مسجد صنعاء تم تشيده في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويذكر الهمداني أن الجند أول مدن اليمن التي على سمة نجدها الجند من أرض السكاسك ومسجده يعد من المساجد الشريفة كان أخططه معاذ بن جبل ولايزال به مجاورة وإليه زوار، وحينما شيد المسجد كانت أطواله «30م» والجزء القائم من المسجد الذي بناه معاذ بن جبل هو الركن الشرقي والذي يتوسطه محراب بعرض «60سم» وبعمق «40سم» ويعرف بمحراب سيدنا معاذ ومن المحتمل أن يكون الجامع قد شهد توسعاً في عصر عمر بن عبدالعزيز وورد في كتاب «تاريخ وصاب» لوجيه الدين يذكر أن الحسين بن سلامة قد وسع جامع الجند الذي بناه معاذ بن جبل، وماورد في كتاب «تاريخ اليمن» لعماره اليمني ومن قول أن جامع الجند يشبه جامع أحمد بن طولون في مصر ومن خلال عودتنا إلى مخطط جامع بن طولون فلم نرى خلافاً لما أشار إليه عماره اليمني إلا أن زيادة في الجناح الجنوبي وقدرها بايكتين تفوق جامع أحمد بن طولون من حيث الطول وهذه الزيادة ترجع إلى عهد المفضل بن أبي البركات وبأمر من السيدة الحرة أروى بنت أحمد الصليحي ونستطيع وصف الجامع من خلال شكل جامع بن طولون في مصر بأن جامع الجند كان تحفة فنية والذي عتى عليه عبدالنبي أبن علي المهدي الذي قال إن منبر يخطب عليه لبني زريع يستحق الحرق فجمع الحطب وأحرق الجامع وجعله أثراً بعد عين كان ذلك في سنة 557ه، وفي عهد السلطان طغتكين أعيد بناء جامع الجند وكما هو ثابت في النقش على مدخل الباب الشرقي بأن الإعادة كانت في سنة 5 57ه، والمنارة بطرازها المعماري ذات شكل مخروطي هو طراز أيوبي لم يتكرر في فن العمارة مرة أخرى، وهكذا نجد الشكل المخروطي في المنبر للجامع مع زخرفة الأطباق النجمية المتداخلة بمثلثات ومربعات هندسية يجعل فن النحت الأيوبي متميزاً، وكان للجامع منارتان شرقية وغربية أما بالنسبة للمنارة الشرقية فقد تهدمت مرتين كانت الأولى في أواخر العصر الرسولي كما رواه أبن الديبع إذ يقول «إن الملك يحيى بن إسماعيل بن العباس قد أعاد بناء المنارة الشرقية لجامع الجند بين عام "829 840"ه» أما زمن تهدمها للمرة الثانية فهو أمر غير معروف، ويبلغ أبعاد الجامع من الخارج «65*43»م أما صحن الجامع تبلغ أطواله «33*26» سم، ويوجد في الساحة عمود مضلع من الحجر يستخدم في تحديد أوقات صلاة ظهر والعصر، وللجناح القبلي سبعة أبواب مفتوحة على الصحن المكشوف.
مدينة جبا وهي حاضرة المعافر وقد أشار الهمداني بقوله وجبا هي فجوة من جبل صبر ومن خلال واقع الحال لم نجد مايدلل على موقعها وكان آخر ذكر لها في عصر الدولة الطاهرية وهي من المناطق التي اشتهرت بصنع اللحاف الجباي ولعلها مطمورة تحت التراب، وفي إطار المنطقة يوجد العديد من المواقع الأثرية والقلاع ونخص منها يفرس حيث ضريح الشيخ أحمد بن علوان بن واصل بن عطاف الذي كان يعاصر عمر بن يوسف بن علي رسول والذي بنى على ضريحه جامع في عهد السلطان عامر بن عبدالوهاب في سنة 913ه كما هو مكتوب فوق مدخل الباب وأضاف إليه القائد التركي خصرف «950ه» منارة في الجزء الجنوبي الغربي وهي من المنارات النادرة بنظام سلمها الداخلي كما تم بناء حمام ساخن في الجزء الغربي من الجامع ولايزال قائماً بهيئته المعمارية، ويوجد موقع على بعد من يفرس بالإتجاه الغربي وفي السفح الجنوبي لجبل حبشي يوجد حصن الوجيه ولاتزال الكثير من أجزائه قائمة، وكذلك الطريق التي تؤدي إليه من السفح مصلولة بالأحجار حتى باب الحصن ولحصن الوجيه مدخل من وادي خولان الواقع بين يفرس وجبل حبشي، إلا أن هناك موقعان ذو أهمية تاريخية وهما:
أولاً: مدينة السواء: تقع مدينة السواء جنوب غرب النشمة والتي كانت تشغل مركزاً لتجمع القوافل التي ترد إليها من المناطق الجنوبية عموماً لترحل عبر وادي الكدحة إلى ميناء موشى «موزع» وميناء المخا وقد ورد ذكر السواء في كتاب «الطواف» حول البحر الإرتيري وهو كتاب يؤجز الملاحة البحرية اليونانية 70م والذي تحدث عنه بيلني أن ميناء البحر الأحمر اسمها موزا «موزع» «موشغ» يأمه التجار الذين يتعاملون مع اللبان والعطور وظفار مدينة الملك والسواء المدينة الأخرى في الداخل.
أما ذكر السواء في النقوش المسندية فقد تم العثور على نقش في مدخل حنو الزرير في وادي حريب يذكر مدينة السواء وقبيلة ذو هربت، وفي عهد الشرح يحضب وأخيه يأزل بين يذكر نقش البرت جام «662» أن القيل خوف عثت أصحح ذو غيمان وفد إلى السواء من قبل الملكين أنفي الذكر وتم اعتقاله لمدة عامين ويذكر النقش بأن القيل قد أصيب بمرض الجرب في مدينة السواء، ولربما كانت حينها المنطقة تخضع للسيطرة الحبشية، وفي سنة 1983م تم اكتشاف نقش يعرف بنقش السواء وأجريت عليه دراسات من قبل الدكتور عبدالغني وقد ذكر في النقش رجلاً أسمه كليب يهحمد ذي معفرم «المعفري» ومن المحتمل أن يكون كليباً هو الذي ورد ذكره في كتاب «الطواف» لذلك يعتقد بأن كليباً كان معاصراً لكرب أل، أما بالنسبة لذكرها في العصر الإسلامي فسيأتي لاحقاً، ومدينة السواء تتكون من حصن القدم ومدينة الظهره الواقعة في الجانب الغربي من حصن القدم الذي لايزال جزءاً منه قائماً وكذلك بقايا السور من الواجهة الشرقية مع وجود باب صغير عرضه متر وكان يوصل إلى الحصن طريق مرصوف بالأحجار من الجهة الجنوبية، ولايزال جزءاً من الحصن قائماً وهو مربع الشكل وصفوف أحجاره منحوتة وبأطوال متفاوتة ويوجد على واحدة منها نقش يتعذر قراءته نظراً لتآكل النقش بعوامل التعرية.
بالإضافة إلى وجود خزانات للماء ومخازن للغلال من الجانب الشرقي للحصن أما في أسفل الحصن من الجانب الشمالي سد مبني بالأحجار هو الأول من نوعه في هذه المنطقة إذ يصل عرض مدماك البركة إلى «50.2»م تقريباً ويعرف هذا السد عند العامة ببراك الغماد، كما يوجد عدد من الجروف المنحوتة والواسعة بمداخل دائرية أو مربعة مما يذهب بالاعتماد إلى أنها قد استخدمت مساكن بعد أن كانت قبوراً لأهل هذه المنطقة كما يوجد جزء من جدار المعبد في الجزء الجنوبي من موقع حصن القدم إلى جانب وجود عدد من الكهوف المقفلة ومن المحتمل أن تكون مقابر للدفن لم يتم فتحها من قبل لصوص المقابر.
مدينة الظهره: عبارة عن ركام من مخلفات البناء يوحي بأنها كانت على قدر كبير من السعة إلا أن المدينة كانت على ممر الحملات الحبشية في عصر ماقبل الإسلام مما جعلها تتعرض إلى كثير من الدمار وكذلك في العصر الإسلامي كما سيأتي لاحقاً في ذكر دولة الصليحية وآل الكرندي.
وفي إشارة لياقوت الحموي السوا حصن في جبل صبر من أعمال تعز وهذه إشارة غريبة لياقوت وفي كتاب «قرة العيون» السواء عزلة من المعافر مصاقبة لجبا كور المعافر قديماً في سهل ممتدٍ وحصن السواء هو المعروف اليوم بقلعة بني خولان، إلا أنه كان أخيراً في حوزة السبئين من خولان، ومن المحتمل أن تكون هذه الإشارة لياقوت الحموي تجعل الأمر متأرجحاً في أصول بني الكرندي وهم الذين قد حكموا السواء لفترة طويلة.
ثانياً: حصن سمدان: ويقع في الجنوب الغربي من مدينة تعز ويبعد عنها «65» كم وهو أحد الشوامخ الذي أتخذته الدولة الرسولية معقلاً لها لشدة إنحداره ولايتم البلوغ إليه إلا عبر طريق واحد من الناحية الغربية نحت مدرجه في الصخر محدود الاتساع يسمح بحمايته والسيطرة على مدخله، وقمة جبل سمدان مستطيل الشكل من الشرق إلى الغرب مستوى السطح إذ يوجد في الجزء الشرقي عدد من المدافن أو المغارات يلي ذلك بناء من المحتمل أن يكون مسجداً ثم بعد ذلك تأتي بقيا المباني التي قد وصفت في المصادر الإسلامية بوصف يذهب بالخيال إلى قصور الأندلس، وورد في كتاب «تاريخ اليمن» المسمى المفيد في أخبار صنعاء وزبيد إذ يقول «حصن سمدان وبه يضرب المثل وهو الحصن ليس للمخلوق عليه اقتدار مالم يمنعهم الخالق بماضيات الأقدار، وفي كتاب «قرة العيون» يذكر فيه سمدان حصن أشم صعب المرتقى يُناغي الجوزاء وهو منحوت في الصخر الأصم وليس له إلا باب واحد يصعد من مدرج منحوت تدخل إلى الساحة قد أبدعت يدا الفنان إتقانه وكان في قمة القصور الزاهرة والمباني العجيبة بفن معماري رائع وفيه مخازن للمياه ومستودعات للحبوب، وتذكر مصادر أن بني رسول قد استخدموا هذا الحصن كمعقل لحماية محارمهم وذراريهم وخصوصاً أثناء صراع ذات البين، وفي كل الأحوال نجد بقايا لما وصف قائماً وإذا ماهيئت المنطقة السياحية فإن التنقل بين حصن منيف وقلعة المقاطرة والسواء قد توفي بما ورد في وصف حصن سمدان لاسيما بعد تهيئة الموقع للسياحة.
أما المواقع التي تحيط مدينة تعز من الجانب الشرقي وخصوصاً على الخط الذي يربط محافظة تعز بالمحافظات الجنوبية كلحج وعدن حيث توجد مواقع على جانب الطريق وبمسافة قصيرة منها:
أ منطقة المحراق التي تبعد عن تعز «8» كم وتبعد عن الخط الرئيسي ب«300» شرق مسجد المنشور، وهي إحدى المواقع التاريخية التي تعود إلى عصور ماقبل الإسلام إذ يوجد بها نوعين من المقابر بالإضافة إلى عدد منها لاتزال مغمورة بالتراب وأوصافها كما يلي:
النوع الأول: هو عبارة عن نحت في الصخر الرسوبي مربع الشكل يكون المدخل بأبعاد «90*90» سم يصل إلى الداخل عبر درجتين ثم غرفة مستطيلة الشكل بطول «75.5» سم وبارتفاع «75.1» وبعرض «15.2»م وتوحي أرضيته بأن كمية من التربة لاتزال موجودة وإذا ماتم رفعها فسوف يكون الارتفاع أكثر من ذلك.
أما النوع الثاني فهو عبارة عن نحت مربعات في الأرض بأبعاد «2*2» يؤدي إلى حجرة بعمق «50.1» ثم تبرز فتحة مربعة تؤدي إلى الغرفة الشرقية وبنفس الأوصاف إلى الغرفة الغربية، وكما أشرنا إلى أن عدداً من هذه المقابر لاتزال مغمورة بالتراب وإذا ماتم تنظيفها فسوف تقدم نموذجاً رائعاً عن المقابر الصخرية وخصوصاً إذا ماأحيطت بالإضاءة من الداخل لمعرفة تفاصيل الطقوس الجنزية لعصور ماقبل الإسلام ووفقاً لوصف المواطنين فإن بعضها يتكون من عدد من الغرف وإذا ماتم تهيئتها سياحياً فإن الموقع سيكون موقع جذبٍ للسياحية الداخلية والخارجية.
موقع العسلة
يقع الموقع شرق مدينة تعز ويبعد عن نقيل الإبل «5» كم شرقاً وموقع العسلة لايبعد كثيراً عن جبل كوكبان أو جبال بن حشيش بتشكيله الطبيعي وتعدد المغارات التي نحتت بعوامل الطبيعة وعند أسفل الموقع يوجد نقش حميري يرجع تاريخه إلى نهاية عصر ملك سبأ وذو ريدان ويمنت ويبدأ النقش سلام، علسم رحمنن وهذا أول نقش يبدأ بذكر على اسم الرحمن وهو أول نقش يرد بهذه الصيغة الشكل ونجد أن نقش شرحبيل يعفر بدأ باسم ذي رحمنن وكذلك نقش إبرهة الحبشي الذي يبدأ بنفس الصيغة.
كما يرد في النقش تزادم/ ولنمرم وبنيهو/ ويرفيم/ عدام.. يبسم/ وكا/ فرس/ ترقع....
وهناك عدد من الكلمات لم نتمكن من قراءتها، أما بالنسبة للموقع فينقسم إلى قسمين إذ يكون القسم الأول متميزاً ببنائه من الاحجار المربعة والمسقولة سقلاً جيداً، وهي من الصخور الرسوبية ذات اللون الأحمر ولايزال عدد من أجزاء البناء قائماً وهو إما مربع الشكل أو مستطيل وإلى جواره من الجهة الشمالية خزان للماء في أحسن حال، إلا أن الأشجار تكاد تغطي هذا الموقع.
أما بالنسبة للقسم الثاني شمال الموقع ويفصل بينهما معبد مربع الشكل بمقاسات هي «75.5* 60.4»م تتقدمه حفرة دائرة الشكل بقطر «18»سم كان استعمالها كمائدة للقرابين كما أشرنا إلى ذلك في حصن تعز، وإلى الجانب الشمالي من المعبد يوجد منحدر للمياه تم العثور على نقش قد أثرت عليه عوامل الزمن ولم يبق منه سواء إشارة لقبيلة ذو خليل.. والموقع بارتفاعه والذي يقدر ب «150»م عن سطح الوادي يجمع بين متعة الطبيعة وخيال التاريخ لاسيما وأن المقابر القديمة تتناثر على سفوح الجبال المحيطة بجبل العسلة، ويمكن استغلاله سياحياً وباستخدام القوافل وخصوصاً أن الموقع كان على طريق القوافل القادمة من موانئ البحر العربي، كما أن القوافل وبالهوادج القديمة سوف تساعد السائح على الوصول إلى قمة موقع العسلة مع استحضار شيئ من تاريخ الترحال للقوافل التجارية بزمنها الغابر.
حصن الدملؤه
إن جبل الصلو يتوسطه سلسلة من الجبال الموازية جعل موقعه أكثر أهمية من الجبال الأخرى المرابطة إلى جواره ففي الشرق جبلي المقاطرة وحيفان ومن الغرب جبل سامع وسربت ثم يليه جبل صبر وهذه السلسلة من الجبال جعلت من السهل الشمالي بمصادرالطبيعية عامل جذب للاستيطان ودوام الاستقرار وقد نشأت على أطرافه عدد من المستوطنات التي شهدت في المراحل اللاحقة زهواً حضارياً جعل منها منطقة صناعية، ومن خلال العثور على عدد من النقوش بالقرب من جبل الصلو مثل نقش سربت «سامع»، ونقش همدان في الزيلعي، وكذلك نقش العسلة الذي سبق الحديث عنه بالإضافة إلى عدد من العملات التي ترجع إلى عصور ماقبل الإسلام التي تم العثور عليها في منطقة الراهدة.
ويوجد في قرية المنصورة عدد من البرك المنحوتة في الصخر وهي اليوم مستخدمة لحفظ المياه والتي نحتت بإتقان في الجوانب والزوايا منها خزان للماء يهبط إليه عبر درج منحوتة في الصخر، ويتوسط الخزان عمود يحمل عقداً للسقف وهو على قدر من الروعة والجمال بالإضافة إلى وجود فتحة على الحافة الشمالية من المنصورة يعتقد أنها كانت طريقاً سرياً يربط بين المنصورة والدملؤه عبر سرداب منحوت من الصخر ولم يتبق منه سوى المدخل ومن المؤكد أن هذا السرداب قد ضرب بمدفعية الأتراك في الحملة الثانية، أما اليوم فهو يؤدي إلى هاوية سحيقة ، وفي كتاب «صفة جزيرة العرب» وهو يعدد المواضع والوديان فيقول فشرقي جبل الصلو جبل أبي المغلس وجميع مياه الدملؤه قلعة بن أبي المغلس التي تطلع بسلمين في السلم الأسفل منهما أربعة عشر ضلعاً والآخر فوق ذلك أربعة عشر ضلعاً بينهما المطبق وبيت الحرس على المطبق بينهما، وراس القلعة يكون أربعمائة ذراعاً، وقد تحدث الهمداني بقوله وسوق الجوة من غربها بما فيه من يمينها في سمك مرابط الخيل خيل صاحبها وحصن في الجبل الذي هي منفردة منه أعني الصلو وهو بهذا الوصف يتحدث عن قلعة الدملؤه ومن خلال سرد المراجع التاريخية لقلعة الصلو يمكن القول أنها قد مرت بأحداث جسيمة لاتقل عن أحداث جبل التعكر لحيث وهي تربط بين المناطق الجنوبية والقلاع الاستراتيجية التي تكون مناجية لها كحصن تعز والتعكر وخلاف ذلك، ويذكر المؤرخون بأن حصن الدملؤه يمثل مخزناً ومقراً لذخاير الرسوليين وعلى وجه التخصيص كان سلاطينها يسارعون للاستيلاء عليه وكان مبعثاً لزعزعة مركز الدولة الرسولية كما كان ذلك في عهد الدولة الصليحية ومرحلة حكم آل زريع.
وحينما حاول أبن نجيب الدولة الاستيلاء على الدملؤه من يد الداعية أبو الفتوح الزريعي ودارت المعركة على سفح الصلو وقيل أنه سقط عنه جوشنه «أي الدرع» والذي هزم فيها بن نجيب الدولة وعاد إلى أدراجه في الجند كان ذلك في عام 517ه.
وفي عهد الدولة الأيوبية ووردت إشارة إلى أن السلطان طغتكين بن أيوب قد دفن في المنصورة سنة 513ه كما لعبت أدواراً هامة بعد ذلك وخصوصاً بعد مقتل مؤسس الدولة الرسولية كما أشرنا سابقاً فاتجهت أم الأفضل بأولادها إلى حصن الدملؤه واتخذت منه معقلاً لمناصرة ابنها كخلفٍ لأبيه وقد ذكر المؤرخ إن في خلافة الملك المجاهد حدث تمرداً وثورة من قبل الأمير الظاهر بن المنصور الذي استولى على قلعة الدملؤه/ واستولى على جميع مافيها من خزائن وأموال الذي استطاع أن يصمد في وجه الجيش الذي جهزه المجاهد لاستعادة القلعة وأن يفسد عليه بعض عسكره ونصب نفسه ملكاً، لينطلق بعد ذلك نحو مدينة الجند واستطاع أن يستولي عليها ثم غزا تعز وحاصر المجاهد في الحصن وهو حصار مشهور فمنهم من يرى أنه دام ثلاثة أشهر ومنهم من يرى أنه دام تسعة أشهر وفي كل الأحوال أن القلعة قد رميت بوابل من أحجار المنجنيق وتهدم جزء من السور الجنوبي، وبعد انتصار المجاهد أعاد بناء سور الدملؤه كما ورد ذلك في كتاب «تاريخ اليمن السياسي» إلا أن السلطان العباس والملقب بالملك الأفضل ترك على مدخل الدملؤه حجراً كتب عليه بسم الله الرحمن الرحيم إن فتحنا لك فتحاً مبيناً أمر بعمارته مولانا وملك عصبنا السلطان بن السلطان العادل ضرغام الإسلام وغياث الأنام سلطان الحرمين والهند واليمن مولانا السلطان الأفضل من الأنام والملك المجاهد أمير المؤمنين العباس بن علي بن داؤد بن يوسف بن عمر بن علي رسول.
ومن خلال هذه الوثيقة نجد أن ترميماً شاملاً قد حدث لحصن الدلمؤه ومرفقاته إلا أن كل ذلك قد هدمته المدفعية التركية أثناء حملتها على جبل الصلو، وبالعودة إلى أبو الحسن الهمداني الذي تحدث عن المعاقل والحصون والتي كانت متاخمة لحصن الدملؤه ومنها مدينة الجوة التي كانت سوقاً مشهوراً آنذاك والذي شيد فيها الحسين بن سلامة مسجداً كما ذكره عماره اليمني، وفي إطار الحصر للمواقع الأثرية تحدث الهمداني عن مدينة سوقاً والذي قال وخربة سلوق كانت مدينة عظيمة بأرض خدير واسم بقعتها اليوم حبيل الرابية وهي أثار مدينة عظيمة يوجد فيها خبت الحديد وقطع الفضة والذهب والحلي والنقود وإليه كانت تنسب الدروع السلوقية والكلاب السلوقية،ومن خلال هذه الإشارة تم البحث عن الحبيل والرابية حيث يقع شمال مدينة خدير ويبعد عنها «15» كم ولايعرف من هذه المدينة إلا موقعاً بسيطاً ومن المحتمل أن تكون المدينة قد غطيت بالأتربة عوامل الزمان، وعلى بعد من هذا الموقع وفي الاتجاه الغربي يوجد قبر الشيخين وهي بأطوال خرافية إذ يبلغ طول كل قبر منهما «6» م وماأظن ذلك إلا من بقاء عاد كما يوجد شمال شرق قبر الشيخين قلعة اسمها مُسوره ولايزال عمرانها قائماً وأسوارها على أحسن حال.
ظفار عاصمة حمير
تقع المدينة الأثرية لظفار شرق وادي يحصب «قاع الحقل» وجنوب غرب مدينة يريم وتؤدي إليها طريق ترابي عبر منطقة كتاب وتبعد عنها «15 كم» تقريباً باتجاه الشرق وذكرت ظفار في المصادر الكلاسيكية اليونانية مثل كتاب «الطواف» وكتاب «العلوم الطبيعية» لبلينيوس واللذان أشارا إلى ظفار كإحدى المدن الهامة.
أما في المصادر النقشية فقد ذكرت باسم «هجر ظفار» خصوصاً في عهد الملك شعرم أو تر بن علهان نهفان في نقش لزيد عنان «66» الذي يتحدث فيه أن القيل قبطان أوكان الجورتي قد قام بإجلاء القوات الحبشية بقيادة بيجت ابن النجاشي من خلال هجوم شنه القيل كما ورد في النقش «وبعوبللم» أي قد هاجموا ليلاً وهي أول إشارة لبداية الهجمات الحبشية أو العلاقات الحبشية اليمنية القرن الأول الميلادي كما ذكرناً آنفاً.
ويضاف إلى ذلك ذكر ظفار في نقش مطهر الارياني «69» الذي يتحدث عن الوحدة بين قصري سلحين وظفار في عهد الملك الشرح يحضب وأخيه يأزل بين ووفقاً لماورد في نص النقش وهو: يوم/سلمم/وأخوو/ وكشحت/سلحين/ظفار/أي يوم كان السلام والتآخي والوحدة بين سلحين وظفار، وكان حينها صاحب ظفار الملك شمر ذو ريدان ويرجح أنه شمر يهرعش موحد اليمن ويشير الدكتور يوسف بكتابه «أوراق في تاريخ اليمن» إذ يقول قد شيدت مدينة ظفار عاصمة واتخذت تقويم خاصاً بها يبدأ من عام 115ق.م ومن المعروف أن أولاد ذو ريدان قد ظهروا كقوة منافسة لحكام سبأ بين القرن الأول والثاني قبل الميلاد، والذين عرفوا بملوك سبأ وذو ريدان إلا أن حكام هذه المرحلة لم يكونوا جميعهم من أولاد ذو ريدان، ومهما تكن الخلافات حول مرجعيتهم الجذرية والعرقية، فإن إلحاق ذو ريدان باللقب السبئي إنما هي إشارة واضحة لمشاركتهم السياسية لعرش سبأ وإدارة دفة الحكم آنذاك والذين تمكنوا في نهاية المطاف من الاستيلاء على العرش بشكل نهائي وخصوصاً في العصر الرابع الذي تكون بدايته مع بداية القرن الثالث الميلادي والذي عرف بلقبه الطويل لملوك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت وقد اشتهر باسم ملوك التبابعة أو ملوك حمير والذين حكموا لمدة قرنين ونصف تقريباً حتى عام 525م، وهو التاريخ الذي هاجمت به القوات الحبشية بقيادة إرياط وسقوط اليمن بيد الأحباش بعد معارك بدأت من سلسلة جبال المندب مروراً بظفار وحتى نجران وقتل الملك ذو نواس الحميري المعروف باسم يوسف أسأر أثأر الذي أحرق نصار نجران بالأخدود وعلى رأسهم القسيس حارثه، وهذه الحادثة قد استغلت من قبل امبراطور روما جستينيان الذي أوعز لنجاشي الحبشة بإعداد حملة على اليمن، وهي المرحلة التي حكم فيها ابرهة «المعروف باسم عزالي محارس ذي يمن» والذي تلقب بنفس ألقاب التبابعة من ملوك حمير، إلا أن هناك إشارة هامة وردت في نقش حصن الغراب الذي يذكر بأن الملك ذو نواس الحميري قد هدم كنيسة في ظفار قبل مجيئ الحملة وكان آخر ذكر لملوك ظفار هو ماتضمنته رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملوك حمير الحارث بن عبدكلال قيل ذو رعين ومعافر وهمدان، وبعد ذلك أسدل الستار على تلك المدينة التي اختفى دورها من المسرح السياسي تماماً.
أما فيما يتعلق بالمعالم الأثرية لهذه المدينة فلم يتبقى منها سوى الأساسات من قصر ذو ريدان والمعابد والقصور الأخرى وفي إشارة للدكتور يوسف إذ يقول أن المدينة محصنة بسور وله تسعة أبواب، ومن خلال هذه الإشارة نفهم أن المدينة قد تعرضت لكارثة لانعلم زمنها أو بواعث تدميرها فهي اليوم متناثرة الأحجار ومتطايرة العمدان بين هذا الشعب أو ذاك المنحدر.
وكما يقال أنها أصبحت أثراً بعد عين، وفي موقع اسمه المعصرة يوجد عمود محيطه «60،2م» وعلى الكتف الغربي من المرتفع توجد بركة محيطها «4م» وفي شمال المدينة حيث مرتفع ريدان يوجد بقايا لأساسات القصر وعلى شماله يوجد مرتفع همدان وتنتشر على امتداده بقايا أبنية بحجارة مسقولة ومهذبة بمقاسات مختلفة، كما يوجد مغارةُ يطلق عليها اسم «حودة الذهب» وهي فجوة منحوتة في الصخر وبشكل رائع وفي منحدر الجبل يوجد العديد من الكهوف المنحوتة وهي في الأصل مقابر للدفن نذكر منها كهفُ منحوتُ في الصخر يوصلوا إليه ممرُ تم بناء جوانبه بأحجارِ مربعة الشكل ويبلغ طوله «80.3م» يؤدي إلى فتحة مربعة ثم يليه شكل مستطيل لم نتمكن من بلوغه لشدة الظلام وهذا يشبه من حيث الكيفية تلك المقابر التي عثر عليها في حيد ابن عقيل شرق مدينة تمنع، كما يوجد في ظفار متحف يضم بداخله عدداً من النقوش والقطع الأثرية وهي في الأصل معروضة للسياحة الداخلية والخارجية.
جبل حجاج وجبل العود
إن المنطقة عموماً تشكل وحدة جغرافية تتكون من جبال وهضاب والتي تنسل منها السهول والوديان أهمها وأكبرها وادي بناء دائم السقي والخضرة وحدود هذه المنطقة من الجنوب والتي تنتهي بملامستها وديان وجبال مارش وحبيشان من قعطبة ومن الشرق وادي الخشعة ومن الشمال الرضمة وإلى الغرب سلسلة جبال الشعر وبعدان وقد شكلت المنطقة وحدة تاريخية كامتداد للدور القتبانية 700 ق.م إلى 150 ق.م ومع ذلك فإن المنطقة قد شهدت نشاطات إستيطانية من عصور ماقبل التاريخ وقد تأكد ذلك من خلال المسوحات الأثرية التي أجريت على جبل العودي وحجاج وقريتي ذي سعيد وذي رأس وقرى أخرى والذي تم فيه العثور على عدد من النقوش القتبانية ولقي أثرية ذات الطابع القتباني ولذلك تكون المنطقة ا حدى المحاور لفترة الصراع بين قتبان وأولاد ذو ريدان لاسيما في عصر ملوك سبأ وذو ريدان وهي الفترة التي شهدت حروباً لما يقارب ثلاثمائة عام إلا أن أقدم ذكر لجبل العود هو ماورد في نقش النصر والذي يتحدث عن هروب ملك دهسم إلى جبل العودي والتحصن فيه.
كما ورد ذكره في نقوش أخرى إلا أن الفترة التي شهدت حكم أولاد ذو ريدان خضعت المنطقة مع جميع بلدان اليمن لحكمهم وهو العصر الذي عرف بحكم التبابعة من القرن الثالث الهجري إلى 525م.
أما ذكر العود في العصر الإسلامي فيقول أبو الحسن الهمداني مخلاف العود وذو رعين يسكنهم العوديون من ذو رعين، كما ورد ذكر العود في كتاب «قرة العيون» لأبن الديبع فيقول أن المنصور قد استولى على العود وحصونه وبلغه عن أبن أخيه أسد الدين أمور غير حسنة فاستدعاه إلى الجؤه.
أما تسميةحصون العود فغير معروفة عدا ذكر واحد يعود إلى عهد الملك المظفر 650ه حينما أرسل تاج الدين وأسد الدين لإخضاع المناطق العليا ويشير المرجع أن أسد الدين كان على خصومة مع علوان بن عبدالله الجحدري الملقب بالكردي «وهو من أبناء قحطان من مذحج» فقد اتجهوا إليه بغرض الصلح فرحب بهم وأنزلهم بالعروسين من جبل العود وهي إشارة صريحة إلى اسم الحصن ولقد أثبتت المسوحات الأثرية لقمة جبل العود بأنه يحتوي على مساحة واسعة فيه عدد من المواقع الأثرية والذي استخرج منها عدد من التماثيل البرونزية بشكل عشوائي ومن هذه التماثيل تمثال يحمل رأس مرأة بجسد حيواني وتمثال أخرى لغزال ظهر على كتفه الأيمن زخرفة هندسية أشبه ومن خلال المراوح وهو ماشهد استمراريته بقبة الأشرفية كتواصل للفنون القديم.
ومن خلال هذه المعثورات تم التنقيب في موقع العود من قبل الفريق الألماني برئاسة الدكتور فوكد وقد تم الكشف عن معبد عرف باسم «معبد مدر» وذلك في عام 1998م ويتكون هذا المعبد من ثلاثة أقسام رئيسية وهي كالآتي:
1 ساحة المدخل وهي بعرض «14م» وبطول «7م» علماً أن البقية لاتزال تحت التراب والمساحة المكشوفة عموماً مرصوفة بالأحجار المهذبة وبنظام معماري يعرف بالبناء المقالب كما أن الجزء الشرقي عبارة عن رواق مكون من صفين من الأعمدة لم تتبقى منه إلا القعود ومن المحتمل أنه قد كان مسقوفاً.
2 الجناح الشمالي الشرقي من المعبد: يتكون من أربع غرف مستطيلة ثلاث منها بطول «4م» والغرفة المتوسطة بطول «5م» وملحق بهذا الجناح ثلاث غرف تكون فتحتها إلى ساحة المعبد الشرقية.
3 الجناح الجنوبي الغربي من المعبد: يتكون من غرفتين يكون طول غرفة الواجهة الغربية «12م» وبعرض «6م» ويليها إلى الداخل غرفة بطول «13م» وبعرض «7م» وهي مقسمة إلى أربعة غرف متساوية تؤدي فتحاتها إلى حجرة بعرض «50.1م» وأبعاد الغرف عموماً يتراوح بين «4م 80.3م» كما كشفت الحفريات عن مباني الملحقة تشكل امتداداً للموقع والذي لايزال مغموراً بتراب الزمن، كما تم الكشف عن سرداب هو مبني من الداخل وله فتحات أشبه بالآبار والغرض منها هو توفير الأوكسجين، وفي طبيعة الحال فإن هذا النموذج من السراديب قد ورد ذكره في كتاب «صفة جزيرة ا لعرب» وهو يصف قصر قحاطه الذي لم يتم اقتفاء موقعه حتى الآن، وبناءً على ذلك فقد باشرت الهيئة العامة للآثار ببناء متحف يكون الهدف منه هو حفظ آثار المنطقة وعرضها كمساهمة أساسية في توسيع في المنطقة الوسطى من اليمن.
أما بالنسبة لموقع جبل حجاج في منطقة الأعماس وفي إطار برامج الهيئة العامة للآثار تم التركيز على المنطقة وإجراء المسوحات الأثرية اللازمة وقد تم الكشف من خلال ذلك عن موقع أثري فيه العديد من الأساسات في قمة التل مع وجود بقايا للمباني وأجزاء من الجدران الواضحة على السطح، وكذلك في المنحدر من قمة التل وحتى السفح من الجهة الغربية الذي بدأ فيه عمل التنقيب للموسم الأول في عام 97م ، وتم تحديد منطقة عمل بمقياس «10*10» وهي المساحة التي تم فيها الحفر العشوائي وبلغت الحفرية بعمق «45،2م» حيث تبين من خلالها أن الجدران مبنية بأحجار مسقولة وبشكل هندسي دقيق وهي في مجملها تمثل أجزاء من مباني كبيرة الحجم، وقد ظهرت أرضية المبنى وهي مبلطة بالأحجار ولايزال جزءاً كبيراً منها بحالته الأصلية.
وأهم مافي هذا الموقع هو ظهور نوع من الزخارف لم يكن معروفاً في الفنون المعمارية لعصور ماقبل الإسلام وهي لوحة من فنون الفُسيفسا بزخارف هندسية عبارة عن مربعات ومعينات بألوان من قطع الأحجار الصغيرة، وهو الفن الذي شاع استخدامه في بلاد مابين النهرين، وهو مايفسر ظهور اللوحة اليتيمة من الفسيفسا على الجدار الشمالي من جامع الأشاعرة.
كما تم العثور على تمثال لطفل عاري الجسد وبعض أجزاء من اليدين والرجلين وقد نحت بصورة دقيقة ووجه تمثال مصنوع من الفضة صغير الحجم مع أعداد أخرى من القطع مثل مائدة القرابين برأس ثور، وتمثال لمرأة وهو الأول من نوعه التي يعرض فيه مفاتن المرأة بشكل واضح.
جسر عامر بن عبدالوهاب
يقع جسر عامر بن عبدالوهاب جنوب مدينة دمت ويبعد عنها حوالي أربعة كيلو متر ويؤدي إليه طريق غير ممهدة وهو بطول «67م» وبعرض «4م» تقريباً، وتكون فتحة العقد من الأسفل «14م» ومن الأعلى «50،17م»، والجسر يعكس مهارة في البناء وهندسة الجسور، وفي واقع الأمر لم نجد له ذكراً في المصادر التاريخية التي ترجع إلى عهد الدولة الطاهرية من 858م وحتى 922م وهو بطابعه المعماري لايشدُ عن النظام المعماري لعصور ماقبل الإسلام وتحديداً فن العمارة في جبل العود ومحيط منطقة حمير عموماً، ولعل التسمية آتيه من خلال الترميم الواضح والذي ألحق بالجسر فيما بعد وتحديداً في الواجهة الشرقية الجنوبية للجزء الذي يلي موقع ارتكاز العقد، ولذلك لانميل إلى أن يكون هذا الجسر من عهد دولة الطاهرية بل يرجع إلى ما هو أقدم من ذلك بكثير، ومن الغريب أنه لم يكن معروفاً وموقعاً يستهوي السياحة بينما طبيعة المنطقة تجمع بين المتعة السياحية والمتعة الفنية والتاريخية.
مدينة إب
أن المدينة بما يحيطها من جمال الطبيعة الذي اصطنعته قدرة الله يجعلها جامعة للمعاني التفسيرية لتسمية اليمن السعيد وتقلبها بالأوصاف بين إب الخضراء واللواء الأخضر واللؤلؤة الخضراء كما وصفها أمير الريحاني.
والمدينة التي تنبعث منها رائحة التاريخ وجهد الإنسان المبدع على ربوة جبل ريمان وجبل بعدان «الذي اشتق أسمه من اسم آلهة الشمس» هي اليوم قبلة للسياحة في اليمن وكثير من الناس يعتقدون أن الاسم القديم لمدينة إب هو الثجة وقد ورد في كتاب «صفة جزيرة العرب» إن الثجة من التعكر وقد تضمن الكتاب أسماء للثجة منها الثجة في بلاد السحول والثجة في بلاد همدان والثجة في ديار جنب والثجة بأرض نجد، وكذلك ورد في المعجمين للحجري وياقوت الحموي، الثجة بلدة قديمة خاربة في ناحية إب وجبلة وكانت بسفح جبل التعكر من الشرق الجنوبي وبناءً على ذلك فإن اسم المدينة إب «هو الأسم القديم» ومن المحتمل أن يكون قد اشتق اشتقاقاً من اسم قيل مثل يدع أب وسميع أب وأب علي وأب يدع وهي من الأسماء المركبة الشائعة في عصور ماقبل الإسلام لذلك بني الاسم على التخفيف ولم يبق منه سوى إب وهذا مجرد احتمال أما الذين يذهبون إلى التسمية بأنه قادم من اسم شهر أب فالمعروف أن الأشهر الرومية لم تكن معروفة في اليمن إلى دخول الحملات التركية ولانشك مطلقاً بأن إب كانت مدينة صغيرة أو قرية قد عرفت من قبل الإسلام وبما أن السحول قد أشتهرت بصناعة البرودة السحولية لما قبل الإسلام والثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كفن بالبردة السحولية وهي إشارة كافية للعودة بالمنطقة إلى عصور ما قبل الإسلام ونضيف إلى ذلك أن الدكتور عبدالحليم المنصور الذي ضمن كتابه رأياً يقول فيه «وكأني أريد أن أقول أن هذه المستوطنة قد وجدت في الماضي اعتباراً من قبل الإسلام» ويعتبر عالماً أثرياً لاغبار عليه، وقد برزت مدينة إب في العصور الإسلامية وبشكل جلي في عهد الدولة الصليحية ونجد وصفاً في كتاب «طبقات فقهاء اليمن» الذي أشار إلى أن مدينة إب من قرى جبلة ومحاطة بسور محكم ويعلق بعد ذلك بقوله وجبلة اليوم تابعة لمدينة إب والمدينة القديمة تضم بداخلها من الفنون والروائع الإسلامية ماهو مجسد في الجامع الكبير والذي كان مشهوراً باسم الخطابي ويشير الدكتور عبدالحليم بأنه ينسب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كما شهد الجامع توسعات عمرانية في عهد المجاهد القرن السابع الهجري كما يرجع تاريخ المأذنة إلى عهد سلطان عمر بن عبدالوهاب، ويعتبر الجامع لوحة فنية إذ يحتوي على زخارف نباتية وجصية وشرائط كتابية في غاية الإتقان، كما أن المدينة شهدت في القرن التاسع الهجري اتساعاً للرقعة التعليمية وذلك من خلال بناء المدارس ومنها مدرسة الكاظمي ومدرسة حرافة والمدرسة النزارية التي ترجع إلى العصر الأيوبي إلى جانب المدارس القديمة، وتعتبر المدينة بفنونها المعمارية ذات طابع معماري متميز يجسد خصوصية المنطقة عموماً.
جبلة والملكة
تقع مدينة جبلة جنوب غرب مدينة إب وتبعد عنها «15كم» وقد شيدت على ذراعين من السفح الشمالي لجبل التعكر بين مسيلين للمياه وتحيط بها الأرض الزراعية والخضرة الدائمة من جميع الاتجاهات لتكون مقراً للحاضرة الصليحية ولعل الانتقال إليها كان باعث ذلك الصراع السياسي الذي لم يكن له حدود بين الإمامة الزيدية والدولة الصليحية، ومن المحتمل أن يكون الانتقال بالعاصمة الصليحية من صنعاء إلى ذي جبلة.. وترجع تسميتها إلى رجل يهودي كان اسمه جبلة يبتاع الفخار في الموضع الذي بنت فيه الحرة الصليحية دار العزي وبه سميت المدينة وفقاً لما ورد في كتاب «تاريخ اليمن» لعمارة اليمني وإن يكون هذا الأمر مستغرباً بحد ذاته.
ويرجع أقدم تخطيط للمدينة إلى عهد «عبدالله بن محمد الصليحي 445ه»أخ السلطان علي بن محمد الصليحي حينما كان والياً على التعكر كما ذكره عماره اليمني، إلا أن ابن المجاور لايميل إلى هذا التاريخ ويرى أن ذلك كان في سنة 458ه.
وأن أول من اختطا ذي جبلة هو «عبدالله بن محمد الصليحي» الذي قتل مع أخاه في المهجم سنة 459ه حينما هاجمهم سعيد الأحول النجاحي وأسر زوجته أسماء وسجنها في زبيد أخذاً بثأر أبيه الذي مات مسموماً بتدبير من ا لسلطان الصليحي، ولقد آلت الأمور إلى ابنه المكرم أحمد الذي واجه اضطرابات سياسية في جميع المناطق من قبل الإمامة الزيدية في الشمال وبني حاتم في عدن ومايصاليها من المناطق وآل الكرندي في مدينة السواء ومايحيط بها، وكان همه الأكبر هو تخليص أمه من الأسرى وتم له ذلك في شهر صفر سنة 460ه مع إخضاع جميع المناطق، وحينما استقر الأمر للمكرم أحمد أنتقل مع زوجته السيدة أروى بنت أحمد الصليحي إلى ذي جبلة.
وهناك قصة تروى أن الاختيار تم وفق معايير سياسية لا أحب التطرق وإنما كان مقامها في ذي جبلة ووفق معيار هدوء المناطق وأهلها، ويرجح أن نزول المكرم مع زوجته كان في 467ه وذلك استناداً لما ذكره ابن الديبع والسروري في كتابيهما، وهي المرحلة التي أشرفت فيها السيدة أروى على شئون الدولة وإدارتها وخصوصاً في مرحلة مرض المكرم أحمد وإصابتها بالفالج وهو مايسمى بارتعاش الوجه واليدين، وبعد وفاته سنة 477ه آلت الأمور إليها بحجة الوصية على ابنها وحكمت اليمن حتى سنة 312ه.
أما صفتها فلايمكن القول عنها إلا أنها كانت إحدى دهات الأرض وأرجح النساء عقلاً وأكثرهن فطنه وحنكة، ولعل الداعية الصليحي كان يرى فيها ذلك حينما قال لزوجته أسماء اكرميها فهي والله كافلة ذريتنا وحافظة هذا الأمر على من بقى منا، ولقد تحققت نبوته بعد موت زوجها المكرم أحمد والذي أوصى قبل وفاته بالدعوة الاسماعيلية للداعية سبأ بن أحمد الصليحي والذي خاضت معه حروباً كان هدفها هو المنعة عن الزواج من الداعية ولكن عندما رأت ضعفها أمام الداعية تخلص أخوها من أمها سليمان بن عامر الزواحي وقال : والله لا أجابتك إلى ماتريد إلا بأمر من المستنصر بالله، ولعله بإيحاء من السيدة أروى، وكان مخرجاً للحفاظ على تاجها وعرش ملكها ومن خلال هذا الحل تم إرسال الرسل إلى المستنصر بالله والذي وافق على زوجها من الداعية سبأ حينما وصلوا الرسل إليها قالت:«إنه ألقى إلى كتاب كريم» «ولا أقول في أمر مولانا يا أيها الملأ أفتوني في أمري ماكنت قاطعة أمراً .. إلى آخر الآية» «أما أنت يا ابن الاصبهاني فو الله ماجئت مولانا من سبأ بنبأ يقين ولقد حرفتم القول عن موضعه وسولت لكم أنفسكم فصبراً جميل والله المستعان على ماتصفون».
تم لسليمان الزواحي الزواج منها بمهر قدره مائة ألف دينار، كما أورده الوصابي والخزرجي وأبن الديبع وعماره اليمني.
أما ما أشكل حول تسميتها بأروى والخلاف عليه فهو قائم بين اسم السيدة، والحرة ،وأروى ،فقد نشر فضيلة العلامة القاضي اسماعيل بن علي الاكوع مقالاً بمجلة الاكليل رداً على مانشر من قبل الدكتوره فضيلة الشامي والدكتور عارف تامر والذي أثبت من خلاله أن اسم الملكة الصليحية هو أروى بنت أحمد الصليحي ونضيف إلى ذلك أسمها الكامل اعتماداً على الدكتور السروري وهي أروى بنت أحمد بن محمد بن القاسم الصليحي، وإن كان الوصابي يرى غير ذلك وقد بلغت مرتبة الحجة في نهاية حكمها وتلقبت بأسماء عدة وفقاً لسجل المراسلات الفاطمية وألقابها «الحرة الملكة السيدة الرضية الطاهرة الزكية وحيدة الزمان وسيدة ملوك اليمن عمدة الإسلام خالة الإمام ذخيرة الدين عصمة المسترشدين كهف المستنجدين ولية أمير المومنين كافلة أوليائه الميامين» وكانت الملكة طوال حكمها تخاطب الناس من نافذة في قصر العزب بذو جبلة والذي توفيت فيه سنة 32ه ودفنت بالجامع الذي يحمل اسمها اليوم.
جامع السيدة أروى
لقد شيد الجامع على درجة كبيرة من الدقة ومظهره الخارجي يوحي بأنه مبنى من طابقين يؤدي إليه سلاماً صاعد من الجهة الشرقية يفضي إلى صحن وأبعاده «20*85،17م» المحاطة بثلاثة أروقه وجميعها مكونه من عقود مدببة محمولة على أسطوانات حجرية، أما رواق القبلة الذي تبلغ أبعاده «60،13*60،13»م تمتد فيه أربعة أساكيب تفصل بينها دعامات أسطوانية ومضلعة ولها تيجان ذات زخارف هندسية متنوعة وسقف الجامع مزخرف بأطباق نجمية مربعة الشكل تعكس فنون تلك المرحلة ويعتبر منبر الجامع من التحف الفنية النادرة بزخارف هندسية وكتابية متنوعة.
ويكون قبر السيدة في الركن الشمالي الغربي وهو مربع الشكل وتقدر أبعاد أضلاعه «60،3*60،3» يحيط به تابوت خشبي مزخرف بزخارف مفرغة ذات أشكال هندسية مربعة ومعينة وأطباق نجمية وإلى جانبه من الجانب الغربي غرفة يوجد بداخلها مسبحة للسيدة أروى وعدد حباتها «360» ،وللجامع منارتان عند الزاوية الجنوبية الغربية والزاوية الجنوبية الشرقية وهي مزخرفة بزخارف العقود والنوافد الوهمية ذات رؤوس مضلعة، أما بالنسبة لدار العز فلايوجد مايشير إليه سواء دار يعرف باسم دار السلطان ولايزال قائماً على ربوة من الجزء الشمالي للمدينة، إلا أن الترميمات قد أفقدته كثيراً من ملامحه الجمالية بفعل عوامل الزمان وإلى جواره من الناحية الشرقية الجنوبية ضريحاً لأحد رؤساء الدعوة الإسلامية، وماهو قائم على حالة هو الجسر الذي يربط بين جبلة بالجانب الشرقي من المدينة.
حصن التعكر
إن حصن التعكر بعلوه الشامخ يكاد يتساوى مع صبر وذخر والدملؤه وهو مطلُ على وادي نخله وذي السفال من الناحية الجنوبية، ويرتبط مع حصن الخضراء بامتداده من ناحية الشرق ويشرف على ذي جبلة وإب والعدين من الناحية الشمالية والغربية، وهناك حكايات شعبية تتحدث عن قصة الرجل الذي عرف باسم السطيح وهو الذي تنبأ بالأحداث التي بدأت من عهده حتى قيام الساعة، ونظراً لخروج المياه من قمته والمحاطة لبركة صغيرة تقدر أبعادها «2*3» فإن الله قد سخر له طعامه وشرابه إلى ذلك الموقع، هكذا يكون حصن التعكر مرتبط بأذهان الأهالي من أصحاب القرى المجاورة.
فقد ورد في كتاب «صفة جزيرة العرب» للهمداني والذي يتحدث عن التعكر بقوله يكون الشوامخ من الجبال التي في رؤوسها المساجد الشريفة ووضع المساجد التعكر وارم وحضور، أما في ذاكرة التاريخ فإن الحصن قد شهد أحداثاً وصراعات سياسية جسام واقدم ذكر له في التاريخ الإسلامي يرجع إلى 292ه إبان الصراع بين علي بن الفضل وجعفر بن إبراهيم المناخي وقد خضع لسيطرة علي بن الفضل حينما أتخذ من مدينة المذيخرة مقراً له، ويشير الدكتور محمد السروري بأن التعكر قد خضع لسيطرة يعفر بن أحمد الكرندي والذي انتزع منه حصن التعكر والحصون الأخرى حينما هاجمه علي بن محمد الصليحي في سنة 459ه وهي إشارة لحالة الاضطرابات التي كان يعاني منها الصليحي أثناء المرحلة الأولى والتي نعتبرها مرحلة تمهيدية للملكة أروى وورد في كتاب «قرة العيون» أن التعكر مقراً لذخاير بني الصليحي التي صارت لهم من ملوك اليمن ويشير إلى أن الملكة أروى كانت تتخذ من التعكر متنزه لها في الصيف فإذا برد الجونزلت إلى ذو جبلة وتذكر المراجع أن الولات الذين تعاقبوا على التعكر وهم أبو البركات بن الوليد الحميري وبعد موته تم توليه خالدي بن أبي البركات ولم تفرط بالمفضل الذي كان من خاصية الملكة وبعد موته تولى أخوة المفضل بن أبي البركات الذي تربى بدار العز وهو الذي كان يدخل على الملكة من الخاصة، وفي صيف 504ه صعدت الملكة إلى حصن التعكر مع وزرائها ودولتها فقال المفضل للحرة انظري إلى مافي هذا القصر من ذخائرك فانزلي به إلى دار العز واعزليها في بعض هذه القصور، وأما هذا الحجر فلا طاعة لكي على قولها وأطرق رأسه هذا ماورد في ص 195 من كتاب قرة العيون، وقد شهد الحصن ثورة فقهاء الشافعية أثناء غياب المفضل ونزوله إلى زبيد وحينما علم بطلوع الفقهاء إلى الحصن عاد من فوره ولكنه وجد حرائره ونسائه على سطوح الحصن وهن يضربن بالدفوف تحت ضغط الفقهاء مما أدى إلى وفاته كان ذلك في سنة 504ه ولربما المؤرخين يرجعون ذلك إلى تدبير السيدة أروى ثم تولى أمر الحصن ابن نجيب الدولة المرسل من الحاكم بأمر الله حينما استنجدت السيدة به تحت ضغط القبائل الذين ربما رأوا أنها قد شاخت ولذلك أسرع الخليفة بإرسال بن نجيب الدولة والذي استطاع أن يفرق جموع القبائل إلا أنه وقع في شراك الملكة أروى نفسها حينما بدأ يضرب سكة باسمه وجمع الجموع حوله في مدينة الجند، وبعد موتها آلت الأمور إلى منصور بن المفضل الذي ابتاع جميع المعاقل للداعية محمد بن سبأ أبي السعود كان ذلك سنة 545ه وفي إشارة أخرى أنه قد استعاد حصن التعكر في سنة 547ه أما في عهد الدولة الأيوبية فقد أخضع الحصن للسلطان طغتيكين بن أيوب وكما ورد في كتاب «المفيد» بأنه تعرض للتهديم ثم اعاد بناءه من جديد،كما أن الحصن قد استخدم كسجن لبني رسول لاسيما في عهد الملك المجاهد.
ومن خلال ماتقدم نستشف من هذا أهمية حصن التعكر ومخازنه والتي هي عبارة عن مغارات في الأرض يوجد بداخلها عقود تدعم الصخور من الانهيار وهي واسعة لم نتمكن من المقاسات لأسباب استراتيجية، وباب الحصن من الاتجاه الشرقي يؤدي إليه طريق مرصوف بالأحجار ذات ملتويات عدة تصل إلى قمة التعكر الذي يوجد بداخله خزانات واسعة للمياه التي تتجمع إليه من السطح وبدفع طبيعي، وكان مزاراً للعامة يأتون إليه في كل يوم خميس ليقضوا يوماً كاملاً وكأن تقليداً قد سرى على زيارته ليوم موعود فقد اعتاد الناس عليه منذ زمن، وتكون أقرب الطرق السياحية إليه هي من موقع النجد الأحمر غرباً التي تؤدي إلى قرب الحصن عبر طريق ممهدة ولكنه يستحق عناء الترحال.
حصن الخضراء
شيد حصن الخضراء على قمة الجبل المعروف باسم النجد الأحمر والمطل على مدينة السياني ووادي نخلان جنوباً وعلى وادي شبان شمالاً ومن الشرق بلاد الشعيبي ومن الغرب يناغم حصن التعكر وتفصل بينه مسافة تقدر بسبعة كيلو مترات تقريباً والحصن بموقعه يعتبر محطة سياحية لاسيما القادمين من مدينة إب والمتجهين إلى مدينة تعز يوصل إليه طريق ممهدة تقدر بكيلو متر ونصف يكون مدخلها من منطقة النجد شرقاً ولايفصل بين الحصن وبين الطريق سوى أربعين متراً.
ولقد بحثنا في المصادر الإسلامية فلم نجد ذكراً يشير إلى هذا الحصن إلا أن الفن المعماري للبناء يشير بأنه يعود إلى المرحلة الصليحية، ولاتزال أسواره قائمة من جميع الاتجاهات إذ يصل ارتفاعه من الشرق إلى أربعة أمتار ومن الجنوب يتفاوت ارتفاعه بين أربعة أمتار إلى متر وثمانين وهو نفس الارتفاع في بقية الاتجاهات، والسور بطول «50م» وبعرض «40م» تقريباً،ويكون مدخل الحصن من الناحية الغربية ضمن حسابات دفاعية نظراً لشدة الانحدار من الناحية الغربية ويكون عرض مدخل الحصن «70،2م» وإلى جوارها باتجاه الشرق خزان تكون أبعاده «11م» طولاً وبعرض «6م» وتفصل بينهما أرضية تقدر عرضها بقطر «50،2م» وإلى جوارها باتجاه الشرق خزان تكون أبعاده «11م» طولا وبعرض «6م» وتفصل بينهما أرضية تقدر عرضها «3م» وهي مغطاة بطبقة من القضاض توحي بأنها مصلاه، وتم تغطية جدران الخزانين بمادة القضاض المعمور بشكل جيد وأرضية الحصن من الداخل تكون مبلطة بالأحجار وخصوصاً المساحة الفاصلة بين الحصن والبوابة، أما الحصن بوضعه الحالي هو عبارة عن تلة من الركام تم استيضاح أبعاد الغرفة الشرقية وهي بطول «10م» وبعرض «6م» وإلى جواره من الخارج الحالي خزان دائري الشكل بقطر «4سم» يلي الخزان غرفة مستطيلة بطول «11م» وبعمق «2م» أما ارتفاع السور من الداخل فيتراوح بين «20،2م» ومن الناحية الجنوبية يتساوى السطح من الداخل مع أعلى ارتفاع للسور، لذلك نقدم هذا الموقع بوضعه الأثري في إطار المحطات السياحية التي على جوانب الطرقات.
جامع ذو يشرق
ذي يشرق بلدة عامرة بأهلها وتقع على يمين الخط القادم من النجد وحصن الخضراء أي الطريق المؤدية إلى تعز وتبعد عن مدينة تعز حوالي «35كم» وعن مدينة القاعدة «10كم»،وهي من المناطق يرجع تاريخها إلى عصر ماقبل الإسلام وقد سميت باسم قيل من أقيال حمير كما أورده المرحوم محمد بن علي الاكوع وورد في كتاب «تاريخ اليمن» لعماره اليمني والذي يصف مشاهدته لجامع ذو يشرق إذ يقول مكتوب على أحجاره فوق الباب، مما أثر بعمارته عمر بن عبدالعزيز بن مروان، ومن خلال هذه الإشارة يرجع تاريخ الجامع إلى سنة 102ه والجامع بفنه المعماري لطيف الشكل جميل البنيان يعكس بزخارفه لوناً من ألوان الفنون المعمارية بل ويتحدث عن طراز معمار يكتسب صفات من فنون العمارة القديمة وللجامع مدخل من الناحية الجنوبية مكون من ثلاثة أبواب بعقود مفصصه يغطي الواجهة شريط زخرفي من الكتابة بالخط الكوفي مكتوب على يسار المدخل، جدد سنة 410ه وهذا التاريخ يوافق مرحلة الحسين بن سلامة وزير الدولة الزيادية الذي شيد كثيراً من الجوامع والمرافق الأخرى.
والجامع يتكون من صحن مكشوف يؤدي إلى بيت الصلاة ورواق شرقي ذو أربعة عقود مدببة أما الرواق الجنوبي فيتكون من عقدين مدببين مفتوحتين على الصحن ،أما الرواق الشمالي لبيت الصلاة فهو مزخرف بزخارف جصية تشكل أفاريز بارزة تحتوى على آيات قرآنية والفراغ بين الآيات مغطى بزخارف نباتية محوره، وسقف الجامع مزخرف بزخارف خشبية، إلا أن أعمال الترميم في مراحل سابقة قد أفقدت السقف جزءاً كبيراً من زخارفه ويعتبر المنبر الخشبي لهذا الجامع تحفة فنية والذي ينتمي لأصوله الفنية إلى العصر الصليحي، وقد وردت إشارة في كتاب قرة العيون» أن المفضل بن أبي البركات قد قام بإصلاح بجامع ذو يشرق وأعتقد أن ذلك قد تم في جدار المدخل إلى بيت الصلاة إذ يوجد شرائط كتابية كتب عليها «إنما يعمر مساجد الله.. إلى آخر الآية»،ويوجد نقش على حجر كتب عليها «عمل كيال بن الجراح» وإلى جوار ذلك عدد من الزخارف الهندسية مثل العقود الوهمية والمربعات الهندسية بنحت بارز وهو قائم على ماهو عليه من ذلك العهد.. ونظراً لقربه من الخط العام فإن زيارة الجامع تكون من الأمور الميسرة في إطار العمل السياحي.
كما أن المفضل بن أبي البركات قد قام بحفر كظائم المياه التي توصل الماء من منطقة خنوة إلى جامع الجند إذ تقدر المسافة ب «20 » كم.
والمعنى الشمولي للكظائم هو عبارة عن نفق تحت الأرض تتخلله فتحات قد يصل ارتفاع بعضها إلى «15م» وبعرض يتراوح بين «70-80» سم وهذه الفتحات مبنية بالأحجار وبشكل متقن كما أن النفق من الداخل هو الآخر مبني من الجوانب ومسقوف بطريقة العقود الجملونية، وبهذه الإشارة نجد بأن نحت هذا النفق تحت الأرض إنما هو مجهود قام على أراء هندسية تعاملت مع الانحدارات في عمق الأرض بدراية علمية واسعة، وهو مجهود يستحق الوقوف عنده وإعداده سياحياً في إطار عرض كطائم الذي لم يبقى منها سوى هذا الأثر في اليمن.
الخاتمة
من المهم القول أن المواقع التي سبق الحديث عنها بنوع الإيجاز الفني والتاريخي كان الهدف منه هو تقديم تعريف أثري وتاريخي لكل موقع نظراً لقربه أو بعده من الحركة ،ومايمكن استغلاله في توسيع البرامج السياحية لمحافظتي تعز وإب وبشكل مرحلي، بالإضافة إلى أن عدداً من المواقع لم تكن قد دخلت دائرة الضوء للنشاط السياحي كما لم يسلط عليها الضوء المعرفي أيضاً سواءً من الجانب التاريخي أو من الجانب الأثري وإذا ماقدر لهذه المواقع أن تأخذ موضعها من الاهتمام فإن عملية الإعداد لتهيئتها سياحياً لابد وأن يكون مدروساً لما يخدم التصنيع السياحي والمحافظة على التراث القومي باعتبار أن السياحية والآثار توأمان لايمكن الفصل بينهما.
المصادر والمراجع:-
1
The Aga Khan For Architceture Sanaصa1983 /3/25
2 ورقة عمل، للمهندس/ضرار عبدالدائم في المؤتمر الدولي الذي تم انعقاده من «23-25» 1993م، تحت عنوان المخاء بلد مفتوح على العالم.
3 كتاب أساطير من تاريخ اليمن، حمزة علي لقمان.
4 كتاب تاريخ اليمن القديم، تأليف/ أرك جالز،وترجمة حسين عبدالله العمري.
5 كتاب تاريخ اليمن القديم للدكتور/محمد عبدالقادر بافقيه.
6 كتاب اليمن في بلاد سبأ: إشراف الدكتور يوسف محمد عبدالله.
7 ملوك وأقيال اليمن قصيدة ، نشوان بن سعيد الحميري المتوفي سنة 573ه.
8 كتاب فقه اللهجات العربية، للدكتور/محمد بهجة قبيس.
9 تاريخ اليمن السياسي، لمحمد بن يحيى الحداد.
10 كتاب صفة جزيرة العرب، للهمداني أبي محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب بن يوسف بن داود الهمداني المتوفي سنة 1430ه تحقيق محمد بن عبدالله النجدي.
11 كتاب الاكليل، للهمداني الجزء الثاني والثامن والعاشر.
12 كتاب بغية المستفيد في تاريخ مدينة زبيد، تأليف/ عبدالرحمن بن علي بن محمد بن عمر بن الديبع.
13 كتاب قرة العيون في أخبار اليمن الميمون، لنفس المؤلف تحقق عبدالله الحبشي.
14 كتاب العقود اللولؤية في تاريخ الدولة الرسولية، تأليف علي بن حسن الخزرجي الجزيين الأول والثاني.
15 تاريخ اليمن المسمى المفيد في أخبار صنعاء وزبيد، تأليف/نجم الدين عماره تحقي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.