امين عام الاشتراكي يهنئ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بنجاح مؤتمرهم العام مميز    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    تعز.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في فقيد اليمن الشيخ عبدالمجيد الزنداني    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    لابورتا يعلن رسميا بقاء تشافي حتى نهاية عقده    فينيسيوس يتوج بجائزة الافضل    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    "جودو الإمارات" يحقق 4 ميداليات في بطولة آسيا    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    المجلس الانتقالي بشبوة يرفض قرار الخونجي حيدان بتعيين مسئول أمني    هبوط المعدن الأصفر بعد موجة جني الأرباح    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    إيفرتون يصعق ليفربول ويوجه ضربة قاتلة لسعيه للفوز بالبريميرليغ    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    اشهر الجامعات الأوربية تستعين بخبرات بروفسيور يمني متخصص في مجال الأمن المعلوماتي    الإطاحة بشاب أطلق النار على مسؤول أمني في تعز وقاوم السلطات    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الثالثة خلال ساعات.. عملية عسكرية للحوثيين في البحر الأحمر وتدمير طائرة    رئيس الاتحاد الدولي للسباحة يهنئ الخليفي بمناسبه انتخابه رئيسًا للاتحاد العربي    الوجع كبير.. وزير يمني يكشف سبب تجاهل مليشيا الحوثي وفاة الشيخ الزنداني رغم تعزيتها في رحيل شخصيات أخرى    حقيقة وفاة ''عبده الجندي'' بصنعاء    رجال القبائل ينفذوا وقفات احتجاجية لمنع الحوثيين افتتاح مصنع للمبيدات المسرطنة في صنعاء    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    الزنداني يلتقي بمؤسس تنظيم الاخوان حسن البنا في القاهرة وعمره 7 سنوات    حضرموت هي الجنوب والجنوب حضرموت    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    لأول مرة.. زراعة البن في مصر وهكذا جاءت نتيجة التجارب الرسمية    رئيس كاك بنك يبعث برقية عزاء ومواساة لمحافظ لحج اللواء "أحمد عبدالله تركي" بوفاة نجله شايع    "صدمة في شبوة: مسلحون مجهولون يخطفون رجل أعمال بارز    البحسني يثير الجدل بعد حديثه عن "القائد الحقيقي" لتحرير ساحل حضرموت: هذا ما شاهدته بعيني!    عبد المجيد الزنداني.. حضور مبكر في ميادين التعليم    وحدة حماية الأراضي بعدن تُؤكد انفتاحها على جميع المواطنين.. وتدعو للتواصل لتقديم أي شكاوى أو معلومات.    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    مليشيا الحوثي تختطف 4 من موظفي مكتب النقل بالحديدة    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    قيادة البعث القومي تعزي الإصلاح في رحيل الشيخ الزنداني وتشيد بأدواره المشهودة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و183    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    مع الوثائق عملا بحق الرد    لماذا يشجع معظم اليمنيين فريق (البرشا)؟    لحظة يازمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أهمية الإفادة من المصادر القديمة في الدراسات عن مدينة صنعاء
صنعاء المدينة والتاريخ
نشر في الجمهورية يوم 06 - 04 - 2007

تبقى كتابات لسان اليمن وعلامة العرب الحسن بن أحمد الهمداني عن مسقط رأسه صنعاء «1» ونشأته الأولى بها أقدم وأهم المعلومات المعروفة لدينا عن المدينة التليدة حتى القرن الرابع للهجرة العاشر للميلاد ، وقد جاء بعده بقرن المحدث المؤرخ الرازي الصنعاني (ت 460ه 1068» الذي أخرجنا كتابه عن «مدينة صنعاء» قبل أربع عشرة سنة فكان في أخباره القديمة عالة على الهمداني ، ومع ذلك فقد كانت له إضافات ونقولات ومساهمات أخرى مفيدة بعضها لانجده إلا عنده رغم استطراداته وسوء منهجه إذ لم تكن كتابة التاريخ ميدانه ، ولامجال لمقارنته بذلك العلم الشامخ.
إن ماتحاوله هذه الورقة القصيرة هو مجرد الاشارة والتنبية إلى مادتنا الأساسية والمتوفرة حتى الآن صنعاء ، قبيل الإسلام وحتى القرن الخامس عشر للهجرة في كتابات الهمداني وكتاب «تاريخ مدينة صنعاء» للرازي من بعده ، وبانها مبعثرة في حاجة إلى تقص وتنقيب من ناحية ، والاستدلال ببعضها لتكوين تصورات ودلالات عند الباحثين والمهتمين في أي حقل يتعلق بتاريخ المدينة وحضارتها ، وتطور معمارها أو حياتها السكنية والمدنية وغير ذلك من ناحية أخرى وذلك حتى يأتي اليوم الذي يتمكن فيه علماء الآثار والنقوش اليمنية القديمة من كشف النقاب عن معلومات منقوشة اقدم من تلك التي عرفت ويرجع تاريخها إلى القرن المسيحي الأول «2» أو العثور على كتابات مخطوطة لما قبل عصر الهمداني وبعده تضي لنا المزيد عن صنعاء التاريخ والحضارة.
لنقرأ من جديد هذا النص للهمداني الذي اطلع معظمنا عليه من قبل لنرى أي نسيج عجيب متفرد مزج فيه بين علم الفلك «الذي كان ضليعاً فيه» والاساطير رابطاً ذلك بالتاريخ والاستقراءوالمشاهدة حتى سنة «بضع وتسعين وماتين من الهجرج».
ذكر حساب اليمن كابرا عن كابر أن كان ساعتئذ الثور ، وفيه الزهرة والمريخ ، وتوجد طباع هذا البرج في ثبات الاشياء ،وقلة تغيرها ، ودوام هذا الأساس أنه اقام في تزايدمع الملوك قرب اربعة الآف سنة ، وبقي من بعض حيطانه الجروب «&*» المقابلة لأبواب المسجد الجامع بصنعاء ، ثم تزايدت صنعاء في صنعاء في الإسلام إلى بضع وتسعين سنة ومائتين من الهجرة ، وخربت ولم تلبث أن عادت فهي اليوم تكاد أن تقارب ماكانت عليه أو هي تزيد، وعلماء صنعاء يروون أنها تعمر بعد خرابها وتملأ مابين جبليها وتصير سوقها في بطن واديها.3
ماذا نستفيد من هذا النص ؟ فبغض النظر عن دقة أو صحة عمر أساس صنعاء المحدد بأربعة الآف سنة فالحقيقة الهامة بأن ذلك الأساس الذي كان سوراً لقلعة أو قصر هو نواة المدينة كان مقابل ابواب المسجد الجامع بصنعاء ولابد أ القصد بها الابواب الشرقية والهمداني قد شاهد مابقى من بعض حيطانه الجروب ونشاهد اليوم ذلك الصف المرصوص من المنازل على الشارع الشرقي للجامع فيراها المتأمل مرتفعة وكأنها بنيت على دكة مرتفعة ، افلا يقودنا هذا إلى البحث والتنقيب لتحديد مركز وحدود المدينة «الأساسي» ثم اين كان الامتداد والزيادة قبلالخراب والعودة إلى ماكانت عليه.
والأمر ذاته وفي نصوص أخرى قد تساعد في تحديد أماكن ومواقع كثيرة كقصر غمدان الذي أطنب الهمداني في مدحه ووصفه «4» على سبيل المثال لقد ذكر العلامة الهمداني في احد أهم كتبه وهو «صفة جزيرة العرب» في معرض حديثة عن «مدينة صنعاء.. أم اليمن وقطبها.. واقدم مدن الأرض لأن سام بن نوح الذي اشها ..» ذكر أنه جمع اخبارها في القديم في كتاب «الأكليل» واضرب «عن ذكر قديمها في هذا الموضع صفحاً «5».
فهل كل ما اورده بالاكليل هو ذلك الذي ضمنه عنها في جزئه الثامن المنشور «6» أم أن هناك مادة أوسع في تلك والتي لانعرف عنها إلا أنها متعلقة بالسيرة الحميرية وبالامثال والحكم باللسان الحميري ، والأهم من ذلك «التنبية على الأخبار الباطلة» والتي ربما تكون متعلقة باحوال حمير في عهدها القديم وصنعاء احد مراكزها ؟ ذلك مالا نعلمه على وجه اليقين ولكن قياساً على تلك الأخبار والاوصاف ، المبثوث والمتفرقة فيما بين ايدينا من الاجزاء الأربعة المطبوعة من الأكليل عن «صنعاء» كذلك في «الصفة» وغيرها من كتاباته لابد أن يكون هناك مادة أوسع مازالت ضائعة.
إن الهمداني على سبيل المثال يذكر لنا غير مرة اثر الحروب والقتال على عمران صنعاء «7» بيد أنه في نص من نصوص الجزء العاشر للاكليل وفي معرض حديثة عن معاصره احمد بن محمد بن الضحاك «سيد همدان» الذي يمدحه الهمداني ويقيد ايامه وهو منه خل وصاحب ، بأنه دخل «صعدة ثلاث مرات فاخربها ، ودخل صنعاء كرتين فاحسن فيها «8» أن بوسع الباحثين والمهتمين بتاريخ صنعاء القديمة وتطور حياتها العمرانية وغيرها رسم صورة أو صور قريبة إلى تلك التي كانت عليها المدينة في حقبة معينة أو عصر من العصور من تلك المادة التي مد لاتكون مجموعة بل في الغالب متفرقة مشتته ، تماماً كما فعل حديثاً بعض الباحثين في ابحاثهم عن الثقافة والحضارة اليمنية القديمة فكتبوا عن الهمداني والمثامنة والهمداني والتبايعة.. وآخرين ممن اهتموا بالحياة الأدبية والسياسية في عصره ومصدرهم الأساسي المتفرقات والشوارد في كتبه «9» فعرفنا بتتبعهم الكثير من شعراء صنعاء الكبار كعبدالخالق بن ابي الطلح الشهابي وابراهيم بن الجدوية ، ومن كبار الكتاب العلماء البلغاء امثال بشر بن ابي كبار البلوي ، ت 192 ه /808م الذي كان من ابلغ الناس وكانت بلاغته تتهادى في البلاد ، كما يصفه لسان اليمن «4» والذي اعتبره بعض دارسيه من شوامخ اعلام البيان واكابر الكتاب الأول عبدالحميدالكائب وابن المقفع والجاحظ واضرابهم.
ويأتي معنا بعد العلامة الهمداني أحمد بن عبدالله الرازي الصنعاني صاحب «كتاب تاريخ مدينة صنعاء» الذي لولا جمعه لمصنفه ، ومن ثم نشره حديثاً لما سمع بصاحبه ولاذكر اسمه وهو مثال للمهتمين في الافادة منه بنفس التتبع والاستقصاء الذي يجيده الباحثون والذي اشرنا إليه فيما تقدم عن مدى استفادتنا من كتب لسان اليمن ، فمازال الكتاب ، رغم ظهوره في أكثر من طبعة ، واستفادة بعض القادرين على اقتناص فوائده مازال يشكل عسر هضم للمطلع عليه للوهلة الأولى «شأنه شأن كثير من كتب تراثنا» ونشير هنا إلى افادة المستشرقي الكبير البروفسور «آر ، بي سرجنت» من الكتاب في تحريره لكتابه الهام الذي اصبح مرجعاً عن صنعاء (san.aAN ARAb lslamiccity) وقد ساهم فيه عدد كبير من العلماء اليمنيين والمستشرقين الاوروبيين وكذلك اشارات قليلة في بعض الكتابات المتأخرة بعد صدور الكتاب سواء عن مدينة صنعاء أو تاريخ اليمن الإسلامي.
والذي يبدو على الاغلب في ظني أن منهج المؤلف الرازي وحشده لمعلومات واخبار كثيرة اختلط فيها التاريخ بالاسطورة والحقيقة بالمبالغة والحديث مع التفسير بالاسرائيليات إلى غير ذلك قد جعل العزوف هو الغالب في اعتبار الكتاب مصدراً مفيداً بل لقد اطلعت قبل سنوات على مقالة يشير كاتبها البسيط بأنه لم يتمكن من فهمه أو الاستفادة منه كما يرجوا.
وسوف اسوق هنا بعض الامثلة التي تغني فيما نهدف إليه.
1 لايعرف اليوم حي أو «حارة» القطيع في صنعاء القديمة ، وقد ورد ذكره في كتاب تاريخ صنعاء في أكثر من خمسة مواضيع مختلفة متباعدة ص«111،181،311،413،430» وأن نحن ربطنا بينها نجد أن حي القطيع كان قلب المدينة وارقى احيائها ومنازله رفيعة البنيان عظيمة الشأن وأن ثمن الدار في الشارع الرئيسي منه بلغ خمسون الف دينار لدرجة أن أحد الولاة قد هم أن يجعل على الدور خراجاً أو ضريبة سنوية بما للمحافظة على النظافة أو الحراسة ولأن ذلك الحي كان حي الارستقراطية أو عليه القوم فقد كان به دور الاغنياء وكبار التجار ودار الوالي كما كان به دور بعض الابناء «ذوي اليسار والاصول الفارسية» ومنها دار الاخباري المؤرخ المشهور وهب بن منبه الصنعاني لابناوي المولد والمتوفي بصنعاء 34 114ه ودار القاضي هشام بن يوسف الصنعاني ، الابناوي قاضي صنعاء وأحد كبار المحدثين المشهورين ورواة الصحيح والمتوفي سنة 197ه 11 ودور أخرى ومساجد كثيرة يمكن تقصيها الآن اين يقع ذلك الحي ؟ أنه بشيء من التتبع يقع في علو صنعاء في الجهة الشرقية الجنوبية فيها على مقربة من مسجد موسى بن المكين المعروف إلى اليوم «12».
ومادمنا بصدد الحديث عن الأحياء والدور فالرازي ، يذكر لنا عدداً من تلك التي كانت مراكز لضرب السكة والحوك والنزل «الفنادق» وغيرها ومن ذلك دار ابن عنبسه التي كانت عامرة واسعة جميلة لها حدائق وبساتين وكانت نزل القادمين من تجار العراق «من أهل اليسار» وكانت تقع في شارع العراقيين الذي كان ايضاً في «سوق العراقيين» ولعله كان في حي القطيع «13» لبقد كلف بناء تلك الدار خمسة وثلاثين الف دينار وكانت در بساتينها على صاحبها اموالاً كثيرة ، وقد شجع ذلك الدخل وجمال الدار احد تجار البصرة وهو الحسين بن محمد بن خلاد البصري ممن كان يتردد على صنعاء في تارته في أواخر القرن الثالث على شرائها بمال كثير ثم كان يسافر بعد أن اشتراها إلى البصرة فيقيم سنة ثم يروح إلى صنعاء الثانية وكان المتقبليرفع قبالها إلى أهله بصنعاء كل يوم ثلاثة دنانير يعفرية 14 ومن هذا الخبر وامثاله نستفيد في معرفة عدة امور منها ماهو متعلق بالمعمار وتكاليفه ووجود نزل وفنادق راقية للمسافرين والنزلاء وإلى وجود حركة تجارية نشطة قبل نهاية القرن الثالث 15..
مع العراق وبلاد الشام «فهناك ايضاً درب دمشق» 16 ، بالإضافة إلى اتخاذ بعض أولئك التجار من صنعاء دار اقامة آخر لهم فيها املاكاً واهلاً فالرازي ينقل الخبر في القرن الخامس عن معاصره الشيخ ابو الحسن بن مطر عن دته زينب ابنه ذلك التاجر البصري «17».
لقد كانت صنعاء شأنها شأن الكثير من المدن العربية والإسلامية ، من أواخر القرن الثالث للهجرة العاشر للميلاد «عصر الهمداني » وماتلاه عرضه للهجمات والخراب والدمار تبعاً للصراع والاقتتال بين مختلف القوى القبلية والسياسية المحلية والخارجية التي كانت تتنازع السلطة وتعمل على السيطرة على صنعاء بصفتها العاصمة وقلب اليمن غير أن الفرق بين صنعاء وكثير من تلك المدن خاصة المختطة بعد الفتوحات العربية الكبرى في المغرب والمشرق العربي أو المؤسسة كعاصمة جديدة انتقل إليها مركز الخلاف والحكم كدار السلام «بغداد » أو قاهرة المعز وغيرها.. أن الفرق بين صنعاء وتلك يكمن فيما نحن بصدده من حديث في ثلاث أمور على الأقل نوجزها فيما يلي:
أولاً : اننا ربما نتفق جميعاً أن صنعاء فيما يزعم الاخباريون الأوائل على الأقل اقدم مدينة عربية ربما لاينافسها في القدم إلا «دمشق» أو لنكون أكثر تواضعاً فنقول أنها من اقد المدن المعروفة لنا في التاريخ.
ثانياً: إن تلك المدن بما فيها دمشق الإسلامية ومكة المكرمة ومدينة الرسول الكريم قد حظيت ومن وقت مبكر «بعضها منذ يوم التأسيس» بتسجيل وكتابة المؤرخين العرب واصحاب الخطط وكتب البلدان ، فوصل إلينا الكثير من تفاصيل خططها وتقسيماتها واحيائها وقصورها ومساجدها ومواضيع الجند والقبائل المختلفة فيها إلى غير ذلك من التفاصيل.
وزاد الأمر تفصيلاً عن كثير من المدن ومختلف أوجه الحياة فيها «حضارياً وثقافياً وادبياً» ذلك الازدهار الثقافي والعلمي والادبي للحضارة العربية الإسلامية الذي بلغ اوجه في القرن الرابع والخامس بعد أن سقطت هيبة الخليفة ومركز الخلافة في بغداد وتسابق امراء المدن والامارات من الجزيرة «واليمن منها» إلى العراق ومصر والشام وفارس شرقاً إلى الشمال الافريقي العربي والاندلس غرباً في احاطة انفسهم بالشعراء والادباء والتنافس في رعاية العلماء والمؤرخين محليين أو مستقطبين من مختلف ارجاء الامبراطيورية وكان من نتاج ذلك كتب المدن كتاريخ مكة ومناقب البصرة وتاريخ بغداد و«تاريخ دمشق لابن عساكر» والاحاطة في تاريخ غرناطة وغيرها كثير كما هو معلوم بالإضافة إلى قصائد الشعراء ودواينهم التي لاتخلو من وصف القصور والمتنزهات والأماكن وحياة الناس ، وغير مدح الامراء والوزراء كما ارتقى مستوى الأدب وتعددت اغراض الكتابة وتخصصت فتناول الكتاب من ادباء وجغرافيين وعلماء مواضيع وفنون متعددة منها ماله صلة مباشرة ببغية الباحث اليوم فيما يشأ عن أي من تلك المدن وتطورها في أي عصر من العصور وحتى العصر الحديث وربما يؤلف كتاباً ضخماً كما فعل المرحوم جواد علي في سفره «خطط الشام» قبل أكثر من نصف قرن.
بيد أن كل هذا لايعني مرة أخرى بأن المتاح للباحثين والمهتمين بأمر صنعاء سواء فيما ذكرنا من كتابات الهمداني والرازي ومن كتب بعدهما قد استوفى جله أو كله من البحث والدراسة والتحليل ، ولا ادل على ذلك أننا رغم الجهود المشكورة التي قام بها بعض الاخصائيين والمهتمين وخبراء في اليونسكو أو علماء وباحثين اجانب ويمنيين وعرب في السنوات القليلة الماضية ، لازالت الاسئلة كثيرة وقد تكون الردود عليها أو على بعضها في ذلك المتاح وفي خلفيته الواسعة من معارف ذلك التراث العربي الإسلامي المشار إليه الذي لايخلو من شوارد هامة عن صنعاء العربية والإسلامية الم تتناقل أوائل كتب التراث من «سيرة ابن هشام» و«اغاني ابي الفرج» وتاريخ الطبري «18» وغيرها اخبار صنعاء قبل الإسلام ومنها ذلك الخبر الطويل المعروف لكم عن وفود العرب واشرافها وشعرائها لتهنئة الملك القيل سيف بن ذي يزن في انتصاره على طرد الاحباش واستقلاله بملك اليمن فجأته إلى صنعاء وزارته في «قصر غمدان» وكان على رأس وفد قريش ، عبدالملك بن هاشم ، وامية بن عبد شمس واسد بن عبدالعزي وعبدالله بن جدعان ، وفي «قصر غمدان» حيث مجلس سيف وضويفه قيلت قصائد وفرائد كبار شعراء العرب مادحة ومهنئة ومنها لأمية «امية ابن الصلت»« أو وللده ابو الصلت «19» التي مطلعها:
ليطلب الثأر امثال ابن ذي يزن
لجج في البحر للاعداء احوالاً
ومنها مخاطباً سيف وذاكراً «غمدان»
اشرب هنيئاً عليك التاج مرتفقاً في رأس مدان داراً منك محلالاً وهي طويلة مشهورة ، وتذكر المصادر أن ذلك كان عقب مولد النبي الكريم ، وطالما قد جئنا على ذكر المصادر العربية بوضعها رديفاً ومكملاً لمصادرنا اليمنية «وليس استطراداً وتأثراً بصاحب تاريخ صنعاء» فمن المعلوم لديكم اختلاف تلك المصادر العربية عن تاريخ هدم أو اندثار «قصر غمدان» وقد شاع منها ماقبله متواتراً ياقوت في معجمه «20» بأنه «هدم في ايام عثمان بن عفان رضي الله عنه» رابطاً الخبر باسطورة ، فقد قيل لعثمان بعد هدمه :
إن كهان اليمن يزعمون أن الذي يهدمه يقتل فأمر ، باعادة بنائه ، فقيل له : لو اتفقت عليه خرج الأرض ما أعدته كما كان ، فتركه «وانهى الخبر بنبؤة غريبة فقد قيل أنه «وجد على خشبة لما خرب وهدم مكتوب برصاص مصبوب اسلم غمدان هادمك مقتول ، فهدمه عثمان ، رضي الله عنه فقتل !.
وبافتراض صحة هدم الخليفة عثمان لغمدان مع صعوبة قبول ماقيل من مصوغات فإن ذلك يكون قبلعام 35ه / 656 ولعله من الغريب والمفيد معاً أن نجد بعد قرابة نصف قرن من مقتل عثمان في ديوان الشاعر المشهور عمر بن ابي ربيعة مايدل على وجود غمدان بل و«قصر شعوب» الذي لايعلم عنه إلا القليل فقد كان لابن ابي ربيعة أراض واملاك في اليمن ورثها عن ابيه عبدالله بن ابي ربيعة الذي كان والياً على الجند ايام الخليفتين عمر وعثمان وقد جاء عمر في أواخر عمره لتفقدها وقد اصيب وهو في اليمن بحمى الملاريا فنظم قصيدة يصف فيها مرضه ويشكو سوء حاله وحال رفاقه ويعتذر إلى صاحبة له ، وفيها:
ارقت ولم يمس الذي اشتهي قرباً
وحملت من اسماء إذ نزحت نصباً
لعمرك ماجاوزت مدان طائعاً
وقصر شعوب أن اكون بها صبا
ولانستطيع بالطبع الجزم بأن ماذكره شاعر الحب والغزل الذي يظن أنه مات في اليمن هو وصف للقصرين حين كانا لايزالان ماثلين أم ذلك من باب المجاز لمعلمين مشهورين كان قد عفى عليهما الزمان ، وهذا لاشك مهمة الباحثين المختصين ، وما المقصد من هذين الشاهدين إلا تأكيدأن مجال البحث مازال واسعاً ومادة التراث العربي والإسلامي مصدر لاغنى عنه حتى وأن كان ذلك في مجال المقارنة والاستئناس فيما تتشابه فيه مدن العروبة ودار الإسلام.
أما الاختلاف الثالث والأخير.
فهو مايتم تكراره وتأكيده ومنذ زمن بعيدعن خصوصية صنعاء وتفردها بفنها المعماري الفريد والذي لولاه ماكان لصنعاء أن تلقي ذلك الاهتمام المتردد صداه عبر العصور ولم يكن عصرها الأخير حتى ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962م إلا فترة انغلاق وانعزال حطمنته كثير من شقيقاتها العربية مع بداية عصر النهضة العربية الحديثة المتأثرة برياح التغيير.
وقد يكون لتلك العزلة خاصة في الستين عاماً المنصرمة من هذا القرن اثر في المحافظة على مابقي من نمط متميز استمر عبر القرون وبالتالي عدم وقوعها أو تأثرها بفنون معمارية اجنبية أو دخولها كغيرها من المدن في هجمة التحديث والتشوية فحتى الوجود العثماني الأخير والذي استمر حتى نهاية الحرب العالمية الأولى انحصر في مباني محدودة معرزوفة في حي بئر العزب الغربي الذي كان خارج إطار المدينة التاريخية ، بالإضافة إلى عدد من المباني الحكومية وتوسيع في السوق في ميدان القصر بجوار جامع البكيرية ، الذي بناه وقد احدث الاتراك توسيعات معروفة في بعض الشوارع دعت إليها حاجة مرور المركبات والمدافع لكن الاخطار والخراب الذي اصاب صنعاء في فترات الاضطرابات والحروب لاشك كان معول هدم وتشوية وتغيير لكثير من المعالم والاحياءوالمباني التاريخية والحاجة ماسة من الناحية العلمية والنظرية غير الاركيولوجية والاتربة العملية لوضع خرائط تاريخية مختلفة ووضع تصورات لاحيائها وتقسيماتها وحصر مابقي من مبانيها واعمارها في عصور أو حقب معينة خاصة تلك التي تميزت بالاستقرار النسبي.
وأنه من المدهش حقاً صمود واستمرار هذا الفن المعماري الشاهق والخاص رغم ما اصاب المدينة من كوارث، نسوق مثالاً لذلك من فترة الفوي التي مهدت لعودة الأتراك واحتلالها عام 1289ه/1873م فها هو المؤرخ الحرازي يسجل كشاهد عيان في حوليته لعام 1279ه /62 1863م مايلي:
«وفي هذه المدة: أمر ولاة صنعاءبكف خراب الدور وذلك منقبة، فقد هدم المخربون دوراً كثيرة يشترونها من أهلها وينتفعوا ببيع أخشابها وأبوابها وأحجارها، حتى اتوا على قريب النصف من المدينة، وأما بئر العزب فقد أخربوها لم يبق إلا بقايا يسيره وهدموا غرفها ومفارجخها وقطعوا دوحات أشجارها بعد أن كانت نزهة وزينة للناظرين!» 21.
وبعد: لقد كانت صنعاء «التاريخ والحضارة» ومنذ قايم الثورة عام 1962 هما وطنياً لحمياته والمحافظة عليه ولم يأخذ أبعاده القومية والعالمية المأمولة إلا بعد تظافر جهود الأشقاء والأصدقاء من علماء وباحثين كتاب ومهتمين باعتبار صنعاء معلم وأثر تاريخي يهم الإنسانية جمعاء فتوجت تلك الجهود بالإعلان التاريخي لمديرعام اليونسكو في صنعاء يوم 29 ديسمبر 85م ونداءه في إعلان الحملة الوطنية والدولية لحماية والمحافظة على مدينة صنعاء وقبيل ذلك كان الأخ العقيد/علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية القائد العام الأمين العام للمؤتمر الشعبي العام قد أصدر القرار الجمهوري رقم «» لسنة 1985م بتشكيل مجلس أمناء المحافظة على المدينة ومكتبه الفني برئاسة الأخ/رئيس مجلس الوزراء تأكيداً لأهمية ماتوليه الدولة والحكومة من اهتمام عال.
وكان الطريق ومازال طويلاً وشاقاً، لكن الجهود المخلصة للمعنيين من يمنيين وغيرهم والاستجابات المشجعة من بعض المؤسسات والدول الصديقة، واستمرار رعاية اليونسكو التي من ثمارها هذه الندوة المفيدة، كل ذلك وغيره لابد محقق الغاية والهدف المنشود، أما عن تلك الأساطير والأخبار القديمة فاسمحوا لي أن اقتبس قول المؤرخ ثيث ليف فيما قيل من قصص وأساطير عن مدينة روما حين ذكر «أما عن القصص التي سبقت تأسيس روما وروت عن تلك الحقبة التي نعرفها من خلال الأساطير الشعرية فإنني لن أؤكد وقوعها كما أنني لن أنفيه..» «22».
الهوامش:
1 مولده بصنعاء في 19 صفر سنة 280ه/لعله 11 ابريل 983م «انظر ذكره لذلك في المقالة العاشرة من سرائر الحكمة، تحقيق القاضي محمد بن علي الأكوع».
2 راجع مادة «صنعاء» في دائرة المعارف الإسلامية: وانظر مقال د.يوسف محمد عبدالله في العدد الخاص «لمجلة الاكليل» عدد «2،3» لسنة 1403ه/1983م ص: 284 وفي نفس العدد أيضاً ص: 317 «فقرات من نقوش صنعاء» لأحمد ناجي ساري.
الحروب: بلجحيم وهي الأحجار الصلبة السوداء «البازلتية» التي يعمر بها أساس البناء.
3 الاكليل:8/ذ.
4 راجع الاكليل: 8/321 وأماكن أخرى.
5 الهمداني: صفة الجزيرة تحقيق القاضي محمد بن علي الأكوع «ط، حمد الجاسر 1394ه/1974م» ص: 80 81.
6 راجع الجزء الثامن من «الاكليل» تحقيق نبيه أمين فارس، ط: برنستن، 1940م.
7 الاكليل: 10/67.
8 راجع ذلك وغيره في كتاب «الهمداني ، لسان اليم، دراسات في ذكراه الألفية» تحرير: د.يوسف محمد عبدالله «اصدار جامعة صنعاء، ط/دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت 1407ه/1986م».
9 صفة الجزيرة: 8688 وراجع الاكليل 1/133 و 345.
10 الشامي «أحمد بن محمد»: تاريخ اليمن الفكري 1/25.
11 انظر ترجمته ومصادره في كتاب تاريخ مدينة صنعاء «الكشاف» ص: 542.
12 راجع: الحجري «القاضي محمد بن أحمد» مساجد صنعاء: 51،121 وانظر مادة «القطيع» في كشاف المواضع الملحق بتاريخ صنعاء ص 5700».
13 تاريخ صنعاء: 112.
14 نفسه: 113.
15 كانت صنعاء لها منذ العقد الأخير للقرن الثالث وبعده ميدان صراع وقتال بين عدة قوى سياسية كل منها كان يحرص على السيطرة على المدينة «راجع تعليقنا في حواشي الكتاب ص:.
16 راجع كشاف المواضع بالكتاب «ص: 563».
17 تاريخ صنعاء: 112 113.
18 ابن هشام: 1/67ط. الحلبي، الأغاني: 16/64 ط .
دار الكتب الطبري: 3/956ط . أوربة.
19 كما في سيرة ابن هشام ومعجم البلدان لياقوت مادة: غمدان.
20 معجم البلدان: مادة «غمدان».
21 انظر كتابنا «فترة الفوضي وعودة الأترك إلى صنعاء»: 142 143.
22 جوزف هورس: قيمة التاريخ «ص: 28».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.