بانتقال الشاعر الفحل والغنائي المطبوع بالموسيقى المغفور له بإذن الله عبدالله هادي سبيت أسدل الدهر الستار عن فصل من فصول التمازج الفني الإبداعي بين الكلمة واللحن، فالراحل الكبير ترك بصمة دالّة في الغناء اللحجي اليماني، لكنه إلى ذلك ترك منظومة واسعة من الشعر العربي الغنائي الفريد، فالذاكرة الجمعية للاستماع مازالت تتغنّى بكلماته التي تواشجت مع صوت وألحان شيخ مشايخ الغناء اليماني الفنان محمد مرشد ناجي وهو يشدو : سألتني عن هوايا فتناثرتُ شظايا أفلا تدرين عني لوعة هدّت قوايا أنا يا حواء قلب ذائب بين الحنايا وسلي عني دموعي وسلي عن أسايا جمع الشاعر عبدالله هادي سبيت كما أسلفنا بين الذائقة الموسيقية الرفيعة حد الفيض بأجمل الألحان، وكذا الثقافة الشعرية العربية الراكزة في أساس البيان والبديع التاريخيين، والشعر الشعبي اللحجي المُدوزنْ بكلماته اللماحة وغنائياته المنسابة، ففاض بالكثير، وامتع الجماهير، وقدّم للفنانين اليمنيين نبعاً من صفاء وزلال .. شعراً مُصفّى، وألحاناً تتموسق بكلماتها. ما كان لهذه القامة الإبداعية أن تصل إلى تلك الذُرى خارج الثقافة اللغوية والدينية التي طافت في عوالم التصوف، وجاورت أبعاده، وتمرّغت في مرابع لحج الخضراء وتعز الأكثر اخضراراً ودهشة ، فقد عاش سبيت عشقه واختياره الأول.. تعز التي كانت بمثابة البلسم لمن يغادر لحج، وكانت الحاضن الإبداعي الجامع لكوكبة من اليمانيين نذكر منهم مثالاً لا حصراً عبدالله هادي سبيت، وعلي محمد لقمان، وهاشم علي، وعبده عبدالكريم الذي تشرفت يوماً ما بزيارته في منزله بتعز، وسمعت منه الكثير، وأفاضت بنا أُمسية الجمال إلى مرابع الجلال. هاهي قامة أُخرى من قامات الإشارات السامقة في فضاء البديع يتركنا، ولكن يترك معنا كل تراثه الرائع الذي نتمنى نشره كاملاً، حتى يكتمل تكريمه الرائع في حياته بآخر في مماته. لقد جاءت لفتة الأخ العزيز، الأديب والمتذوق المهجوس بالشعر والموسيقى وزير الثقافة السابق الأستاذ خالد رويشان بمثابة العتبة الأولى للولوج على عوالم الراحل المبدع عبدالله هادي سبيت، وإشارة تكليف لنا جميعاً لمواصلة نشر وتعميم مآثر الأسلاف الكبار. [email protected]