من الحقائق التاريخية أن الوحدة اليمنية تختلف عن كل التجارب والمحاولات الوحدوية والاتحادية التي جرت وتحققت في تاريخ العرب المعاصر لأنها لم تكن توحيداً لبلدين أو قطرين، بل هي اعادة توحيد وتكون والتئام للكيان الواحد. . وانطلاقاً من هذه الحقيقة التاريخية جاءت الوحدة المباركة في الثاني والعشرين من مايو عام 1990م .. لنحتفل في مايو 2007م بمرور 17 عاماً عليها.. وخلال السنوات الماضية ترسخت الوحدة على الأرض وفي النفوس وتجاوزت ما أراد لها الانفصاليون في عام 1994م .. وتنطلق بعد ذلك بمسيرة صاعدة تبني وتعمر في أقصى الجنوب وفي ابعد نقطة في الشمال.ونظراً لرسوخ هذه التجربة القومية العظيمة على مرور السنوات الماضية فقد أراد الباحث أن يسهم انطلاقاً من عروبته وقوميته في رسم الأبعاد المستقبلية لهذا الحدث العظيم.. لأن ماتحقق في مايو 1990م لم يكن انجازاً يمنياً وإنما انجازاً عربياً حقيقياً وهو نقطة البداية من أجل تطوير العمل القومي العربي. . وعلى هذا الطريق سيحاول الباحث أن يستقرئ مستقبل الوحدة اليمنية من خلال إطلالته على التاريخ الحديث القريب لليمن ماراً بالمخاض العسير لمسيرة الوحدة.. حتى الولادة العظيمة في 22 مايو 1990م .. دون أن يذهب الباحث إلى وقائع التاريخ القديم والوسيط والتي تدل بكاملها على أن اليمن كان كياناً واحداً في واقعه وحقيقته وقد ظل في روحه يعبر عن هذه الحقيقة حتى في فترات التبعثر والانقسام والتشطير. إن الدراسة المستقبلية هذه ليست دراسة خيالية وتصورات ميتافيزيقية «ماورائية» بل هي دراسة يحاول الباحث فيها أن يكون واقعياً في ضوء الآتي:- أن الباحث زار ما كان يسمى «جمهورية اليمن الديمقراطية» في عام 1978م عندما كان طالباً في الماجستير وكان يعمل محرراً في احدى الصحف الطلابية حيث شارك في ندوة عالمية عن الصحافة الطلابية.. ورأى بأم عينه ماكان يسمع عن التجربة «الاشتراكية العظيمة..» حيث شاهد صوراً مازالت عالقة في ذهنه وتأكد في حينها الكذب الصارخ والتزييف والتضليل إذ كانت الوقائع على الأرض غير التي سمعها.. ويكفي أن يشير الباحث إلى أن كل ما صرفه خلال وجوده لم يتعد عشرة دولارات ولم يجد شيئاً يحمله معه وعاد إلى وطنه دون أن يشتري لأولاده شيئاً من هذا البلد إذ إن الأسواق مقفلة والمتاجر شبه خالية من البضائع. لقد سنحت الظروف للباحث لأن يزور عدن في عام 1999م ويمكث أستاذاً زائراً لأكثر من شهر في جامعة عدن ثم يعود إليها بعد سنة ليحضر نشاطاً جامعياً كما إن وجوده منذ ثلاث سنوات في اليمن أعطاه الفرصة لأن يشاهد بعينه ويستنبط ويستنتج .. كما وفرت له هذه السنون تدريس مادتي تاريخ اليمن الحديث والمعاصر وقرأ خلالها عشرات من الكتب ذات الصلة. وانطلاقاً مما تقدم فإن رؤية الباحث ورسمه لصورة مستقبل دولة اليمن الموحد تنطلق من سياقات واقعية ورؤى حقيقية. إن الباحث تجاوز الخوض في عرض التفاصيل الكبيرة لمرحلة المخاض لكونها معروفة ومطروقة من قبل أكثر من باحث واكتفى بعرض الملامح العامة لتلك الأمور.. ولكنه استفاد منها كمنطلق لعملية التحليل ورسم التصورات وعرض الاستنتاجات .. ويأمل أن تكون مساهمته المتواضعة هذه اسهامة في استذكار مناسبة وحدث قومي يعتز به بشكل كبير جداً. الارهاصات أن الفرضية الأولى التي يثبتها الباحث عن قناعة أن الوحدة أصبحت واقعاً وأنها راسخة وأنها تطور نفسها وتجدد أساليبها وطرائق عملها وتحدث خطواتها وبالتالي فيرى الباحث أن لامجال على الإطلاق لعودة اليمن إلى ماقبل عام 1990م أي مرحلة الشطرين.. وفي ضوء ذلك فإن الفرضية الثانية التي يثبتها الباحث أن الوحدة أصبحت حقيقة على الأرض وأن أمامها فرصاً كبيرة للمستقبل.. وان اليمن سيلعب دوراً كبيراً في المستوى الاقليمي وعلى المستوى العربي والدولي. وهذه الحقيقة التي تكاد أن تكون مطلقة نابعة من عدة أمور منها أن كل التجارب الوحدوية العربية المعاصرة بدءاً من وحدة مصر وسوريا عام 1958م مروراً بالوحدة الثلاثية المصرية العراقية السورية في عام 1963م والاتحاد الثلاثي بين مصر وسوريا وليبيا في عام 1971م ومشروع الاتحاد بين مصر وليبيا 1972م ومشروع وحدة ليبيا وتونس عام 1974م ومشروع الاتحاد بين المغرب وليبيا 1984م لم تمر بمفاوضات عسيرة ولا بمباحثات طويلة ولا بأزمات كما كان عليه في وحدة الشطرين في اليمن عندما دخل الشطران في ثلاث مواجهات عسكرية عنيفة.. وان كل التجارب المشارإليها سابقاً كانت تأتي عبر لقاءات قمة سريعة ومباحاثات لم تأخذ وقتاً ولذلك فإن عموم كل التجارب المشار إليها قد انهارت وتلاشت بعد فترة قصيرة من قيامها. الصيرورة وتصورات المستقبل إن الذي نريد أن نقوله إن تلك الوحدة لم تصنعها الأماني والعواطف والرغبات والمشاعر.. ولم تصنعها فقط اللقاءات والمؤتمرات والتحضيرات والاستعدادات على أهميتها بل الذي رسخها دم يمني طهور سال على تراب الوطن في عام 1994م.. وإن تلك المواجهة العسكرية بين المتمسكين بالوحدة وبين من تنصل وانفصل عنها لم تقلل من شأنها ولاتجعلها وحدة «دموية» ففي التاريخ الحديث مثلاً نجد أن الوحدتين الايطالية 1969م 1871م والألمانية 1863م 1870م لم تظهر إلى حيز الواقع إلى بعد حروب استمرت سنوات وولدتا دولتين أوربيتين.. وبذلك نرى أن الوحدة اليمنية قد صنعتها إرادة شعبيه وإيمان بحتميتها وان الجيش اضطر لقبر الانفصاليين عندما اجبرته الظروف لتثبيت الوحدة والدفاع عنها بالدم. إن أبناء الشعب في شطر جنوب اليمن كانوا مع الوحدة على طول السنوات منذ الاحتلال البريطاني لعدن عام 1839م.. وقد ظلوا متمسكين بيمنيتهم على الرغم من محاولات المستعمر البريطاني عبر معاهدات الحماية والاستشارة وغيرها.. وعلى الرغم من السياسة والتثقيف الأممي الذي اعقب أكتوبر عام 1967م والسنوات التالية وقد عاشوا تلك السنوات ولم يشعروا بشيء من التغيير خلال سنوات مابعد أكتوبر فعاشوا البؤس والحرمان.. وعاشوا في ظل شعارات براقة ووعود كاذبة وسياسات وأساليب اثبت الواقع فشلها في البلدان التي اقتبست منها أي السياسات التي نقلت كما هي من الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية.. وكان أبناء الجنوب يلحظون التغييرات الكبيرة التي يعيشها اخوانهم في الشطر الشمالي.. وبالتالي فإن أبناء «الشطر الجنوبي» قد وجدوا في الوحدة ضالتهم ومنقذهم وأملهم ومستقبلهم والذي يطلع على جميع الأمور المستثمرة والمنفذة في الخطط الخمسية.. «الخطة الخمسية الأولى 1996م 2000م » الخطة الخمسية الثانية 2001م 2006م وان أية نظرة إلى ماتحقق عبر هذه الخطط سواء ستتولد له قناعة عن أهمية الوحدة وانعكاساتها على الشعب، وبالمقابل إن أبناء «الشطر الشمالي» السابق وجدوا أن قيام الوحدة لم يشكل عبئاً عليهم ولم يثقل على كاهلهم.. بل إن النسيج الاجتماعي قد اكتمل وان خيرات كثيرة جاءت مع الوحدة حيث أصبحت البلاد ذا ثقل: إن النسيج الاجتماعي قد اكتمل وان خيرات كثيرة جاءت مع الوحدة حيث أصبحت البلاد ذا ثقل بشري كبير «22» مليون نسمة .. وان موانئ مهمة كعدن والمكلا والحديدة أصبحت تؤمن لأبناء البلاد مايحتاجون إليه.. فضلاً عن الفوائد الأولى في جميع المجالات«1».. لقد تمكنت دولة الوحدة من تجاوز الاشكالات التي واجهها اليمن في ضوء حرب الخليج الثانية وخاصة علاقاته الخارجية مع دول الخليج العربي وبدأت علاقاته تأخذ مدى أفضل إذ بدأت بتجاوز الخلاف الحدودي مع المملكة العربية السعودية عام 1995م مع تحسن ملحوظ في العلاقات مع الدول الأخرى.. وأصبحت دولة اليمن تتطلع لأن تكون عضواً في مجلس التعاون الخليجي.. وهناك مؤشرات طيبة تدلل على أن هذه العضوية ستحقق في المستقبل المنظور.. كما إن دورها بفعل الوحدة قد تعاظم إقليمياً من خلال دورها الايجابي في تكوين دول إعلان صنعاء لتنسق من خلاله علاقاتها ومواقفها مع دول السودان واثيوبيا وترك المجال مفتوحاً للدول الأخرى للانضمام إليه في المستقبل ومن خلال حرصها على أن يستمر هذا التجمع والحيلولة دون تأزم العلاقات أو توترها .. وفي ضوء ذلك فإن الوحدة ونجاحها ورسوخها هي التي وفرت للبلد كي يلعب هذا الدور القليمي المهم. إن وحدة تحققت في ظل ما اشرنا إليه من تحضيرات واستعدادات وحوارات طويلة وصعبة استغرقت عشرين عاماً ثم تبدأ مباشرة بإرساء ديمقراطية حقيقية منها مايخص قانون التعددية الحزبية في 6 أكتوبر 1991م فظهرت العشرات من الاحزاب وهي تعمل بحرية تامة تنظيمياً وإعلامياً وشاركت بفعالية في أول انتخابات جرت في 27 ابريل 1993م وشارك فيها «22» حزباً وتنظيماً سياسياً «2» وبلغ عدد المرشحين «3181» مرشحاً من بينهم «1213» مرشحاً من الاحزاب. وقد أعطت نتائج هذه الدورة جملة من المؤشرات استفادت منها الاحزاب بدرجة أو بأخرى.. وفازت الاحزاب الثلاثة الكبيرة «المؤتمر الشعبي العام، الحزب الاشتراكي اليمني، والتجمع اليمني للاصلاح» على أكثر الأصوات وحصل ائتلاف ثلاثي.. ثم جرت بعدها انتخابات رئيس الجمهورية من خلال مجلس النواب وانتخاب عام 1999م .. وفاز فيها الأخ المناضل علي عبدالله صالح .. وأخيراً الانتخابات الرئاسية التي جرت في سبتمبر 2006م والتي كانت الانموذج في كل شيء من حيث المشاركة والتنافس وحجم الديمقراطية المتاحة ونتيجتها الكبيرة بفوز الأخ الرئيس علي عبدالله صالح فضلاً عن وجود العشرات من مؤسسات المجتمع المدني، وانتخابات مجلس النواب والمجالس المحلية.. وحرية الصحافة الواسعة «3». نقول إن وحدة اعتمدت الديمقراطية طريقاً لها والتزمت به على الرغم من حداثة تطبيقها في البلد كان النجاح حليفها.. وان الالتزام بهذا المبدأ والحرص عليه وتطويره سيكون أحد أعمدة ثبات ورسوخ وتطور الوحدة وقطع الطريق على كل من يحاول أن يطعن أو يثلم أو يبحث في الزوايا المظلمة ويفتش عن مواقع الخلل والخطأ الصغيرة والمحدودة ويحاول تضخيمها والنفخ فيها.. لاغراض مشبوهة. تعد عملية أحداث نقلة نوعية في المسارات الاجتماعية من الأمور الصعبة في بلد كاليمن حيث القبائلية القديمة والمناطقية فضلاً عن وجود تفش في الأمية.. مع انتشار للعادات والتقاليد الموروثة وظواهر استخدام العنف وحمل السلاح وخطف الأجانب والتعصب والثأر.. وغيرها. ومع ذلك فقد وجدت هذه الظواهر في مرحلة الوحدة وعلى مدار السنوات الست عشرة الماضية من العمل من خلال القوانين الجديدة وتعديل لقوانين سابقة أو خلال الخطط والبرامج لأن يحد من كل الظواهر السلبية إلى حد كبير.. وبدأ الولاء يتحول نحو الوطن الواحد بدلاً من القبيلة والمنطقة وساد القانون إلى حد كبير جداً أيضاً وتطور الوعي العام مع توفر القناعات في ضرورة تجاوز العادات السيئة الموروثة واعتماد العلم، وتحكيم العقل والايمان بوجود دولة وأجهزة حكومة معنية بالافراد وشؤونهم.. ومع ذلك فمازال هذا الجانب يشكل موضوعاً مهماً لأجل إحداث تطور في مساره بما يجعل الأفراد في عموم البلاد في حالة توحد عام وان كل توجهاتهم العامة لخدمة البلد ودولة الوحدة.. وبذلك يتم قطع الطريق على حالات التمزق والتشتت والفرقة مهما كانت صغيرة لوجود من يحاول أن يلعب بهذه الأمور.. خاصة وان المشروع الصهيوني القائم الآن يستهدف تمزيق البلاد العربية على أسس عرقية ودينية وطائفية ومايجري الآن في العراق ولبنان وسوريا ومصر والجزائر والسودان والصومال إلا بعض من أمثلة وعلى صعيد اليمن كانت الاضطرابات في صعدة مثالاً على ذلك.. وانطلاقاً من الفرضيتين المتقدمتين التي رسمنا في الأولى عدم وجود أي مكانية لعودة التشطير وفي الثانية والتي أكدنا فيها على الخطوات التي تعزز البناء الوحدوي.. نقول إن العناصر التي أجبرها الزخم الشعبي في الجنوب اليمني لكي توقع على ميثاق الوحدة في 22 مايو 1990م والتي كشرت عن أنيابها الانفصالية بعد مدة قصيرة فأعلنت الانفصال وهي التي تسببت في الأحداث المسلحة في عام 1994م .. نقول ان هذه العناصر أصبحت خارج الزمن هي في منفاها في الخارج وهي قليلة منعزلة هنا وهناك.. وان نسبة غير قليلة منها قد التحقت بالمسار الوحدوي وأصبحت ضمن المسيرة الوحدوية.. ولم تبق إلا أصوات نشاز هنا وهناك تظهر بين آونة وأخرى لكي تسجل مواقف سلبية على دولة الوحدة.. محاولة النفخ في سلبيات صغيرة أو اختلاق أو ادعاء اخريات.. وان كان ماتقوله أصبح من الماضي وأصبح لاينسجم مع الحقائق الجديدة على الأرض فلا توجد في واقع اليوم عمليات تمييز بين مدينة من مدن الشطر الشمالي تهتم بها الدولة ومع مدينة من مدن الشطر الجنوبي السابق لكي تهملها، وان العودة مرة أخرى لقراءة ما جرى على أرض الواقع من عمليات عمران وتحديث وتطوير شاهد على ذلك، وان ما شهدته المدن التي أقيمت فيها الاحتفالات السنوية بذكرى الوحدة يؤكد صدق التوجه لاستثمار هذه المناسبة لتطوير وتحديث المحافظات بشكل نوعي ومتميز.وفي هذا المجال يرى الباحث ان حتى السلبيات الصغيرة التي اشرنا إليها من التي يعزف عليها أصحاب النوايا الانفصالية ومن الذين لفظتهم مسيرة الوحدة الظافرة أو من الذين تضرروا بها.. نقول إن حتى تلك الأمور تحتاج إلى وقفة ونظرة وموقف ومعالجة لكي تدحض القيادة الوحدوية كل الأصوات النكرة التي تحاول أن تطل باطلالاتها الخبيثة هنا وهناك في هذا الموقف أو ذاك أو في هذه العاصمة أو تلك.. إن مسيرة الوحدة وعبر سنواتها الماضية التي اهتدت بالدستور واعتمدت الديمقراطية وسيادة القانون منهجاً وطريقاً.. لكي تبقى صاعدة بوتائر عالية عليها أن تتمسك بهذا الثوابت وألا تحيد عن التعددية وان تفسح المجال بشكل أوسع للصحافة لكي تقول رأيها شرط أن يكون نقدها موضوعياً وليس تشهيرياً.. كما إن الظروف تحتاج إلى خطوات أوسع على طريق العمل بنظام اللامركزية في المحافظات وما الخطوات التي عرضها الأخ الرئيس في أكثر من مناسبة والمتمثلة بانتخاب المحافظين والمجالس إلا خطوات أولى على هذا الطريق.. ولذلك فإن الوحدة تتطور إلى آفاق أكثر رحابة عندما تلتزم بالثوابت وتنطلق منها في كل الممارسات وعلى كل صعيد.. إن من الأمور المهمة التي تحتاجها تجربة الوحدة على الرغم من الرسوخ والثبات والتأصل.. هي الحاجة إلى مسألة الوعي الوحدوي.. فالواقع الاجتماعي الذي أشرنا إلى بعض حالاته واستمرار جزء من السلبيات يحتاج إلى أن تأخذ الجهات الإعلامية والمؤسسات الجامعية والتعليمية والأجهزة المعنية بالعملية الثقافية والأحزاب الفاعلة دوراً أكبر في نشره وتعزيزه وترسيخه في نفوس الناس بشكل عام وفي نفوس الجيل الجديد وخاصة من ولد مع قيام الوحدة وعمره الآن سبعة عشر عاماً والذي لم تكن لديه أية معلومة عن ذلك الحدث وكيف خلق وصنع ورسخ وثبت.. إذ قد يعتقد أن الوحدة ولدت بدون معاناة وبدون مخاضات صعبة وطويلة وشاقة.. ولذلك فهو بحاجة إلى خلق وبناء وتعزيز وعيه الوحدوي بما يجعله يتمسك بالوحدة خياراً وحيداً ويدافع عنها ويعتبرها من بين ابرز الأمور التي يحافظ عليها بقناعة ثابتة وبيقين لايهتز. ومن الأمور الأساسية التي يراها الباحث كصمام أمان للوحدة وجود قائد وحدوي في رؤيته وتصوراته وشموليته وثبات موقفه ونفاذ بصيرته بل تصميمه على تحقيق الوحدة عبر مباحثات ومفاوضات واجتماعات ماقبل 22 مايو 1990م وكذلك إصراره على تنفيذ برنامج وأساسيات المرحلة الانتقالية ،ثم قيادة اليمن في معركة المواجهة العسكرية عام 1994م ونجاحه الفائق في قيادة الشعب والقوات المسلحة في التصدي لمحاولات الانفصاليين العبثية في العودة للبلد إلى ما كان عليه قبل عام 1990م.. ولذلك فإن وجود القائد المصمم على ثبات الوحدة ورسوخها وهو الأخ علي عبدالله صالح وقيادة هذه الوحدة في المستقبل إلى آفاق أرحب.. تبرز كمقوم أساس ومهم في الزمن المستقبلي.. وفي اطار آخر يمكن القول إن التنظيمات الحزبية والسياسية ذات الأهداف الوطنية والقومية والتي وضعت وحدة الوطن الأم في كل برامجها وأهدافها ومقررات مؤتمراتها طيلة سنوات ماقبل 1990م وفي السنوات اللاحقة تعد أيضاً من صمامات أمان استمرارية الوحدة في المستقبل لكون هذه التنظيمات على مختلف قوتها وشعبيتها الكبيرة منها والصغيرة صاحبة شعبية ووجود وثقل في الوسط الجماهيري وقادرة على تعبئته وقيادته باتجاهات احتضان الوحدة وباتجاه المحافظة عليها وعدم التفريط بها كمنجز تاريخي أصيل من منجزات اليمن في التاريخ المعاصر.. ومما يعزز ماذهبنا إليه بشأن ثبات الوحدة ورسوخها وعدم الانفصال مجددا. مايجرى الآن في العديد من مناطق العالم.. ان الانفصالات التي تجري بالقوة أو التي جرت بضغط وتدخلات خارجية كما جرى في تيمور وفي ظهور أكثر من دولة من الجسم اليوغسلافي المنهار قد جاءت بدوافع قومية أو دينية مذهبية.. وان حالة «جنوب اليمن» لاتدخل ضمن هذا الاعتبار فلا الجانب الديني المذهبي قائم ولا الجانب القومي متوفر، ومن جانب آخر فالكيان الانفصالي السابق في الجنوب كان يعتمد البناء الاشتراكي على النمط الماركسي اللينيني وكانت هذه الافكار لها من يؤمن بها على نطاق شعبي ولها قيادات وقواعد ومؤسسات وبعد انهيار التجربة الاشتراكية وتفكك الاتحاد السوفيتي فلم يعد وجود لنموذج عالمي يتطلع إليه ولاتوجد أفكار يتطلع إليها الناس في جنوب اليمن لتطبيقها واعتمادها. الخاتمة لقد كان الاحتلال البريطاني لعدن في عام 1839م أول عملية تجزئة لبلاد اليمن وقد عمل المستعمر طيلة مدة احتلاله التي بلغت «138» عاماً قد تجاوزت في مدتها حتى حقبة الاستعمار الفرنسي للجزائر «1830» وان المستعمر البريطاني لم يخرج إلا بالكفاح المسلح وعندما خرج لم يعد الجنوب إلى الأصل الذي اقتطعه عنوة بل جعل منه كيانا قطريا صغيرا في المساحة ضعيفا في الامكانات قليلاً في السكان.. وان هذا الكيان القطري لم يتمكن أن يؤسس دولة حقيقية بل ظلت ضعيفة في كل شيء تعصف بها التناقضات والصراعات حتى أن الثوب الذي ارتداه ذلك البلد مرغما كان ضيقاً ونشازاً لذلك سرعان ماتهرأ.. ولم يعزل الفكر الاممي المفروض أما أبناء الجنوب في بقية الأجزاء فقد ظل الجميع يشعرون بضرورة وحتمية العودة كما كان في الوقت الذي سيعود اليمن فيه واحدا موحدا.. ومن خلال ماتقدم من عرض موجز لتطورات عملية الوحدة عبر كل مراحلها ومن خلال الاستنتاجات التي وردت نجد أن المستقبل ينبئ أن ماتحقق على الأرض اليمنية كان ولادة وحدة حقيقية راسخة ثابتة إذ إن الوحدة لم تكن مشروعاً مؤقتاً ولامحاولة عابرة ولا صفقة لمصالح فرضتها ظروف وحاجات كانت. وان هذه الوحدة لاتوجد أي مجال للشك في أن عقدها سينفصم وإنها ستنهار وان عودة أخرى ستكون باتجاه« الدولتين الشطرين» حيث إن الوحدة الآن تجدد نفسها فهي مازالت شابة بكل عنفوانها وقوتها وحيويتها وان كل الاجيال اليمنية متمسكة بها بقوة وان أبناء «الشطر الشمالي» الذين اقتطع شطرهم الجنوبي عنوة بإرادة استعمارية لم تكن لديهم القوة والقدرة في حينها لمواجهته .. ولم تكن قدراتهم وامكانياتهم تمنع ماجرى في عام 1967م بظهور «دولة» في ذلك الجزء.. يشعرون اليوم بأهمية وعظمة ماتحقق في 22 مايو 1990م.. وبالمقابل فان من أجبرتهم الظروف السابقة من أبناء «الشطر الجنوبي» يشعرون أيضاً بأهمية عودتهم إلى أصلهم الجغرافي والروحي والقومي وبالتالي فهم متمسكون بما جرى أيضاً، وان التشطير والتجزئة والانفصال أصبحت مفردات مقيتة بالية قديمة. في ضوء التصورات والرؤى المستقبلية يرى الباحث أن ترعى أحد الجهات الأكاديمية أي الجامعية تأسيس مركز خاص بدراسات الوحدة يضم كل التراث الذي أشرنا إليه من محاضر الاجتماعيات ولقاءات وكل مايتعلق بسنوات المخاض 1970م 1990م من صور وسجلات وكتب ومقالات.. فضلاً عن مرحلة 1990م ومابعدها سواء مايخص الفترة الانتقالية أم محاولة الانفصال وعملية قبرها.. ثم ماجرى من عملية بناء وحدوي على الأرض.. كما ان هذا المركز يهتم بإجراء دراسات وبحوث ميدانية وعمليات استطلاع رأى إقامة الندوات والمؤتمرات والحلقات النقاشية وتكون له مجلة دورية وغيرها من الأمور العصرية التي تحتاجها المراكز البحثية.