عدن المدينة الغامضة والمفتوحة للقادمين إليها ليعرفوها جيداً.. عدن الداخل إليها يحتار كيف يراها ؟ كيف يقَّبلها هل على طريقة العاشقين أم على طريق البخور العدني الذي يكتظ بأرجاء محافظة عدن ولكنها وحدها من تعرف كيف تستقبل القادمين إليها بإبهار الزائر بها وبمعالمها التي تتضح تارة وتارة أخرى تختفي في شوارعها المزدحمة وناسها الطيبين لتشق بين جبالها إبداع الأجداد.. نعم إنه ابداع أجدادنا الذي لم نستطع أن نترجم طريقتهم في اختراق جدران الجبال لشقهم تلك الصهاريج العملاقة أجدادنا نحتوا الجبال وأبدعوا في صنعهم لصهاريج الطويلة والتي تعجب الزائر حين يراها.. عدن وصهاريجها قضية مجهولة وقصة تذهل الجميع كيف بناءها الاجداد ؟ كيف ابدعوا في إيجادها بين الجبال ؟ خزاناتها الكبيرة من الحجارة وشق صهاريج لمياه الامطار التي كانت تسقط وتأتي من الجبال لتخترق البيوت وتجرف مايقف أمامها.. فكان لأجدادنا عقل اذهلنا حين فكروا بهذه الطريقة التي أصبحت معلماً تاريخياً نفتخر به كلما رأينا صهاريجنا الواقعة بين جبلين تستقبل الأمطار .. هذه هي صهاريج الطويلة تمنحنا شرف الزيارة إليها لكي نتحدث عنها بكل تواضع فهي تدعونا لأن نحلق في ارجائها وبين خزاناتها الضخمة لتفرش بساطها وتقول لنا أهلاً بكم في رحابي وفي جبالي فأسالوني لماذا أنا موجودة بين هذين الجبلين ؟ ولماذا فكر اجدادكم في بنائي ؟ ولماذا أنا باقية على طول السنين ؟! المدخل إلى صهاريج الطويلة للحاجة الماسة كان لابد من بناء هذه الخزانات للمياه وهذا لأن مدينة عدن كانت تعاني ابارها من شحة المياه وتعرض أهلها للعطش فكان الهدف من بناء الصهاريج هو توفير الماء ليكون في متناول المستهلك وتلقف الماء عبر جدران حاجزة إما محفورة بجدار الجبل أو مبنية بالحجارة والجهد في عرضه تقوم بثلاثة مهمات تلقف الماء عبر سلسلة من هذه الجدران لتصريفه إلى حيث تكون الحاجة إليه وفي سبيل تحويل هذا النظام إلى صهاريج تدخل المهندسون في مسالك المياه وبدلاً من أن ينزل الماء إلى البحر بنيت حواجز فوق الهضبة هدفها تصفية الماء من الأحجار والطمي فكانت النتيجة أن حجز الماء وغاص في الهضبة التي تعلو الطويل ولم يعد ينزل الماء إلى الطويلة كما كان قديماً. ولقد عدد العالم بلفير في جداوله خمسين صهريجاً في وسط المدينة واوديتها ثمانية عشر منها في الطويلة وحدها ولكن كبير المهندسين كتب رسالة إلى العالم كوجلان تفيد بأن عدد الصهاريج في الطويلة وحدها 35 صهريجاً وقد اختلف عنها من قبل الباحثين وهذا بسبب التنقيب العشوائي عنها وقد حصلت كارثة في عام 1510م نزلت امطار شديدة في عدن مما أدت إلى آسقاط عدة بيوت واغرقت عدداً من الناس وجرفتهم إلى البحر وامتلات الصهاريج كلها حتى تفجرت وزاد الماء بزيادة عظيمة حتى سال إلى البحر. ماذا قال العلماء عن صهاريج عدن العالم المقدسي هو جغرافي معاصر له في معرفه بعدن وأهلها وقد قال عن صهاريج الطويلة ولهم آبار مالحة وحياض عدة وهذا يؤكد على وجود احواض لخزن الماء في عدن منذ القرن الرابع وربما قبله وتغلبت عدن على عدة دول في الثلاثة القرون التي فصلت بين عصر الهمداني والمقدسي وأما عن العالم ابن المجاور يصف موارد المياه في مدينة عدن ويتحدث عن جهريجين وحدد موقعهما في حي الزعفران أحدهما عند بئر الزعفران وهو بئر مازال موقعه معروفاً ردم بعد الحرب العالمية الثانية يقع في أرض فضاء في أخر شارع الزعفران ونسب إلى ابن المجاور وأما الآخر فيقع على طريق الزعفران اليمن الدرب في كهف الجبل الأحمر وقد كتب البرتغالي رسديس وقال إنه كان في المدينة في عام 1530م عدة صهاريج للماء وواحد في خارجها وأنه يجلب إلى المدينة مابين الف وخمسمائة والفي جمل حملة بالماء يومياً وتدخل هذه الجمال المدينة في النهار ولكن في الليل تصب في صهاريج قريباً من بيت عرفت قديماً بحر عدن وبشمعان منذ القرن التاسع إلى الخامس عشر وهو جبل صار علماً في عرض البحر لقدماء الملاحين وعَّرفه الهمداني بأنه نهاية جبل السراة وهي سلسلة جبلية تمتد بطريقة أو بأخرى من الشام إلى عدن ووصف بأن الجبل يحيط به البحر ومدينة عدن مدينة يكثر فيها خلجان عدة واخاديد أهمها هذه الثلاثة الأودية 1 الخساف 2 الطويلة 3 العيدروس وتتكون من مادة أقل صلابة عن صخور جبل شمسان التي تحيط بها ومن خواصها سرعة تفتتها وعدم احتفاظها بالماء طويلاً وهذه الهضبة هي العامل الفريد الذي خصت به المدينة لتصريف مياه الأمطار وجعل نظام كالصهاريج وفيها تسقط وتنساب الأمطار النازلة من جبل شمسان الذي يحتضن هذه الهضبة فتتحدر كل قطرة إلى المدينة عداها يتسرب إلى باطن الجبل عبر شقوقه وشققت السيول لنفسها من هذه الاودية عدة سوائل داخل المدينة كانت عاملاً هاماً في وجود شبكة واسعة من الصهاريج لخزن الماء الجاري فيها وتحكمت في القديم في تخطيط المدينة وتوزيع أحيائها وحددت مسار تاريخها وقد اختفت خلال القرن العشرين معظم هذه السائلات عدا بقية منها عند ساحل صيرة أو منحدرات بقيت منها في داخل المدينة تدل على وجودها والاستعانة بما بقي في ذاكرة بعض المتقدمين بالسن وببعض الخرائط التي رسمت للمدينة في منتصف القرن التاسع عشر قبل أن يمتد العمران إلى سائر اجزائها وتختفي معالمها الطوبوغرافية. أودية الصهاريج هناك ثلاثة أودية احتضنت الصهاريج ومسيلاتها ومنها : 1 وادي الخساف : وتنطلق من هذا الوادي سائلتان تتجه احداهما من وادي الخساف تحت سفح الهضبة في اتجاه جنوبي حاد وفي مسار موازي لسوق الطويلة منتهية عند رأس الزعفران وقد اختفت هذه السائلة الآن نهائياً وتتجه السائلة الأخرى من اتجاه جنوبي شرقي مواز لتلال المنصوري وشارع الملكة أروى مارة بمسجد ابان منتهية عند مجمع البنوك وقد اختفت هذه السائلة عندما وسع شارع اروى الطريق الرئيس إلى خارج المدينة عبر باب عدن وبقي في غربه جزء منها لايزيد عن بضعة أمتار. 2 وادي الطويلة : تنحدر منه أكبر سائلة لأن المدينة متجهة في خط مستقيم واتجاه شرقي نحو البحر لتصب في ساحل صيرة وتصب فيها سائلتان الأولى من رأس الزعفران والثانية عند مجمع البنوك ،حيث تتسع ويجري فيها الماء المتجمع في عمق اشبه بنهر صغير وكان لهذه السائلة مركز للحركة التجارية في المدينة ففيها كان يباع الماء والحطب والعلف ومازالت تسمى عدوتها الجنوبية غربي الزعفران بكود الحشيش واختفت هذه السائلة ولم يبق منها إلا مابين مجمع البنوك والبحر وقد بنيت عليها مبان كبيرة وهي الآن من أكبر المنشآت العامة في بعض الدوائر الحكومية والبنوك والمتحف والمكتبة وتتجه سائلة أخرى تحت سفح الهضبة الغربي للطويلة ثم تنعطف في اتجاه جنوبي لتصب في سائلة الطويلة في نقطة مابين الطويلة والزعفران وتحوي الآن بعض المدارس وحوشاً كبيراً كان مجمعاً للقصارين وتنفصل منها سائلة صغيرة تتجه شرقاً لتصب في السائلة الأولى. 3 وادي العيدروس : تتجه سائلة منه في خط مستقيم مواز لسائلة الطويلة وتصب في البحر بالقرب من جبل صيرة وكغيرها من السائلات قد اختفت ولم يبق ظاهراً منها إلا بعض مئات الأقدام من طرفها البحري وتلتحق بهذه السائلات الرئيسة عدة روافد من الثلاث المجاورة لا يأخذ التخبط الحالي للمدينة أي اعتبار لهذه السائلات لندرة جريان الماء فيها لأسباب فشيدت مبان وطرقات وانقاق تحت البنوك لتحل محل الجسور القديمة لتصريف الماء إلى ما تبقى من السائلة نحو البحر وقد كان وضع هذه السائلات عاملاً حاسماً في تحديد احياء المدينة وموقع آبارها ومساجدها. عمر الصهاريج والشجرة والبئر عمر هذه الشجرة والبئر كما يقول المؤرخون منذ أن أسست الصهاريج كانت موجودة وتعود إلى الفترات الأولى لبناء الصهاريج فهي قديمة جداً تعود إلى الألف الأول قبل الميلاد ومنها البئر القديم الموجود في الصهاريج فلم يعرض عمر الشجرة والبئر بداً وقد بنيت الأسس الأولى للصهاريج من مادة الجاص والبوميس والنورة القديمة الموجودة في كهوف جبال شمسان. قصة على سطور يفيد أحد النقوش اليمنية أن الأميرة فيلزد قد قدمت مسنداً للآلهة لتكفر عن خطيئة ابنتها، حيث إنها دنست أحد صهاريج عدن وهذا أول مصدر يذكر فيها صهاريج مقرونة باسم عدن وهو مصدر يغري بقبوله تاريخياً لوجودها في ازمنة سبقت ظهور الإسلام ولكنه قبول يشوبه قدر من المجازفة لعدم تحديد أي من العدنات قصدها النقش فهو يكفي نسبة هذه الصهاريج إلى عدن ولكن ليس إلى عدن ابين هذه المدينة التهامية الساحلية وهناك قصة أخرى عن صراع احفاد بني زريع والذي كان يجري بين القوم فتنة عظيمة لأجل الماء والحطب وكان يحدث قتال شديد في الداخل والخارج وذلك في احدى المسيلات التابعة للصهاريج. الجانب الآخر للصهاريج كثيرة هي عجائب مدينة عدن والتي كل يوم تذهلنا بما فيها فالرائي يذهل أمام فن آخر وسط الجبال وكم استغرقت كل هذا لكي يحافظ على قطرات المطر المتساقطة من السماء ويحق لنا أن نسمي هذا المعلم بأحد عجائب الدنيا السبع فهذا المعلم غامض في بنائه وتشييده استطاع اجدادنا اختراق الجبل فهذه الصهاريج شبيهة بالحدائق المعلقة ونحن نسميها الخزانات المعلقة بين وسط جبلين فعمقها يتجاوز الامتار والسنتمرات وليس ببعيد أن تذهلنا شجرة الصهاريج والتي لايعرف كم عمرها البعض يحددها إلى بداية انشاء الصهاريج أو قبل ذلك هاتان الشجرتان مخضرتان إلى اليوم رغم مرور مئات السنين عليها إلا أنها ماتزال كما هي لم تتغير ابداً وأما عن البئر فهو قابع في مكانه منذ الألاف السنين ولكن ومع هذا هناك الكثير من نسب الصهاريج وبنائها إلى عهد تاريخ المدينة كالعثمانين والرسوليين والفرس والحميريين ولكن كتابات ابن بطوطة تنفي بشكل قاطع نسبتها إلى الرسوليين إذا فمن بنى هذه الصهاريج والتي احتار الجميع في نسبة بنائها إلى دويلات وشعوب؟ في حقيقة الأمر إن الصهاريج تعاني من اهمال الحكومة لها فلقد انت خالية من رجال الأمن والآن أصبح لرجال الأمن دور كبير فيها وهذا لم يكن إلا منذ عام فقط وكذلك عبث بعض الزوار بالمعلم فيكتبون عبارات واسماءهم على الجدران مما يتسبب في تشوية المعلم وأما عن الحديقة والتي أمر بفتحها المحافظ السابق لعدن لذلك دور كبير في تفعيل المكان ولاننسى كذلك المبالغ الرمزية فقيمة تذكرة الدخول للزائر المحلي عشرون ريالاً وأما الزائر الأجنبي فتصل قيمة التذكرة إلى مائة ريال وهذه المبالغ بسيطة جداً لرؤية معلم ضخم جداً بكل المقاييس فنرجو من السلطات اعادة الترميم فكلما تأخرت في الترميم تدهور المكان وفي حقيقة الأمر ستظل هذه الصهاريج غامضة فما سر هذه الخزانات الضخمة المعلقة بين الجبال والمذهلة والأخذة لعقل الرائي.