لا أحد يمكنه تبرير حمل السلاح خارج المؤسسات الرسمية التابعة للدولة، ليس في صعدة فقط، بل في عموم اليمن، كما لا يمكن تبرير اللجوء إلى العمل العسكري ضد مؤسسات الدولة طالما توفّرت القنوات السياسية الشرعية الكفيلة باستيعاب العمل السلمي، من أجل تنظيم الخلاف والاختلاف على قاعدة النظام والقانون والمصالح العليا للأوطان، وإرغام مؤسسة الحكم على الانصياع لمتطلبات الشفافية والمشاركة كما يحدث في كل العالم المُتحضّر. ومن جهة أخرى تقع على المؤسسة الرسمية مسؤولية جسيمة في تحمل المكاره حقناً لدماء المواطنين الأبرياء، بالترافق مع دراسة الأسباب الحقيقية التي كانت وراء ظاهرة الحوثيين، فالشاهد أن الاتجاهات الدينية المتطرفة بطيوف ألوانها كانت تجد حاضناً ضمنياً من داخل المؤسسة، يتساوى في الأمر الإسلام السياسي بشقيه السلفي الجهادي والهادوي الزيدي. ومن المضحك المبكي ان كلا المؤسستين الدينيتين الغريبتين عن اليمن التاريخي تمترستا في صعدة بالذات، وأنتجتا أرتالاً من الشباب العقائدي الذي يصل في قناعاته إلى حد مقاومة الدولة باعتبارها مثالاً للطاغوت، واعتبار أن كل من يقبل بلعبة التعددية الحزبية وجه آخر للطاغوت، كما كان يقول الشيخ السلفي “مقبل الوادعي” رحمة الله عليه. وإذا كان النموذج الماثل الذي شكل عقبة كأداء على مدى السنوات الماضية مازال يشخص بمآسيه، فإن الاحتمالات قد تتكرر مع فصائل سياسية دينية أخرى وذلك بالقدر الذي تخفق فيه برامج الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري والتنموي والتي يبدو أن الدولة عقدت العزم على الشروع بها..ولهذا السبب بالذات لابد من البحث عن القوى ذات المصلحة الحقيقية في إشعال فتيل الفتنة في صعدة، وعن القواسم المشتركة بين أمراء الحرب المتدثرين برداء الدولة من جهة، وغلاة الإسلام السياسي من جهة أخرى..الظاهرة جاءت كما قلنا من مقدمات أسهمت فيها الحالة العامة، تماماً كما أن الظاهرة الماثلة موصولة أيضاً برغبة بعض الأطراف في إدارة المشاكل بمنطق الأزمة، تهرباً من استحقاقات الإصلاح، وصرفاً لنظر الناس عما هو أفدح من الفقر والجوع. فالذين يُفضّلون خيار الحل بالحرب يريدون استبدال الموت بالحياة، ويقولون لمن يطالب بتحسين معيشته: إن أمامه أحد خيارين: الموت أو البقاء على هامش الحياة. ويقيني أن هؤلاء النفر من أوليغاركيا الحروب ليسوا الوحيدين في ميزان الفعل العام لليمن المؤسسي، ففي المؤسسة الرسمية كثيرون من الخيّرين الرائين، وفي تلك التركة المورّثة أيضاً كثير من الطحالب السامّة التي تمثل الظاهرة الحوثية إفرازاً ضمنياً لمنطقها الخاص. ظلام يصارع الظلام، وبلايا تحل بالأبرياء من المواطنين والعسكر، والدولة حائرة بين الانصراف لمهام الإصلاح أو البقاء عند تخوم الأزمات الدموية التي تعيد إنتاج نفسها بقوة ورغبة الباحثين عن الإدارة بالأزمة، ورغماً عن الذاكرة الأكثر رشداً وعقلانية في الحكومة والمعارضة، ومُغالبة أيضاً للجهود الخيرة الاستثنائية التي بذلها الرئيس/علي عبدالله صالح من أجل النهوض باليمن وإخراجه من عنق الزجاجة القاتلة للتردي الاقتصادي.