حالما توقف هطول المطر اتجهت «جالا» إلى زاوية المقهى لتشعل المبخرة بهدف تبديد روائح خلفتها الرطوبة في أرجاء المكان. تعمل جالا (24 سنة) في إعداد القهوة والعصائر في مقهى نادي الجالية الإثيوبية في صنعاء. وجل الذين يشتغلون في النادي هم فتيات وفتيان إثيوبيون كما أن معظم زبائن النادي من أبناء الجالية نفسها. تتقاطع حياة شبان الجالية الإثيوبية في اليمن مع الزمن والجغرافيا، وتلفها متغيرات لطالما عاكست مصائر سكان ضفتي البحر الأحمر. فالحبشة التي كانت خلال النصف الأول من القرن العشرين «جنة اليمنيين» الهاربين من ثالوث الفقر والجهل والمرض الذي عشش شمال اليمن خلال حكم الأئمة .. هذه الواحة السمراء التي كانت يوماً مصدر غنى واستقرار لأبنائها ولآخرين، باتت بؤرة طاردة لهم، ومظلة بؤس تغدق بالمجاعات والحروب على أهلها. والمفارقة كما نقل موقع «نبأنيوز» أن يلوذ الإثيوبي إلى اليمن لأسباب اقتصادية، وان كانت شهادات اليمنيين المهاجرين إلى إثيوبيا قد سجلت مزايا طيبة لمعاملة المجتمع الإثيوبي مع الوافدين بيد أن العكس هو الحاصل في بعض ما يلقاه الإثيوبيون المقيمون في اليمن. والواضح أن غالبية معاناة الجالية تقع على شبانها، ربما لمحدودية قدرتهم على التكيف. فبغض النظر عن بعض مظاهر العمران والحداثة التي تشهده صنعاء، يتضاعف الوعي التراتبي التقليدي الذي ما انفك يحف فئات المجتمع اليمني، يتضاعف وتشتد وطأته عند التعاطي مع الآخر لا سيما من ذوي الأصول الأفريقية. وباتت «ياحبشي» بمثابة سبة قد تطلق أيضاً على المولد وعلى اليمني القح إذا اكتست بشرته باللون الأسمر. وتترسخ نظرة البعض إلى الانفتاح الذي عليه حياة الجالية باعتباره تفسخاً وانحلالاً. وفي المقهى الأثيوبي الذي يستخدم خلال فترة بعد الظهر كمقهى ومقيل لتناول القات، يبدي احمد الكميم (26 سنة) ارتياحاً للأجواء التي تسود المكان وإعجاباً بنمط حياة الجالية. وتجاوباً مع الإيقاعات الإثيوبية التي يصدح بها المقهى يقوم الكميم ببعض الحركات الراقصة. لكن الكميم الذي جاء إلى النادي للقيام بعمل بعض الإمدادات الكهربائية سرعان ما يطفر حديثه، بنبرة تعال وازدراء. ولئن وجد عدد من شبان الجالية بعض التكيف في مدن مثل عدن وتعز والحديدة، إلا أن هذه المدن لم تخلُ تماماً من مضايقات تطول كل من هو إثيوبي. ويتذكر هارون بأسف، فترة كان فيها صبياً في حارة المصلى في بتعز حين كان يردد هو ورفاقه: «يا حبشية ياكحلى أبي ضربني من سبك حبة رصاصة تقلب بك»، كلما شاهدوا الفتاة الإثيوبية القاطنة حارتهم. وباتت الأماكن التابعة للجالية وبعض المطاعم الحبشية المتنفس الوحيد لشباب وشابات الجالية ففضلاًً عن البلياردو وتنس الطاولة يمارس شباب الجالية بعض الرياضات مثل حمل الأثقال وبناء الأجسام كما يحرصون على إقامة حفلات فنية لاسيما في المناسبات شباب .. إلا أن كثيرين منهم يعتبرون اليمن مجرد محطة ترانزيت للهجرة. ويقول إلياس: إنه يسعى إلى اجتياز امتحان «التوفل» في اللغة الإنكليزية ليتمكن من تحقيق حلمه بالهجرة إلى الولايات المتحدة أو كندا. فيما يذكر عصام وهو شاب يمني أنه يعمل إلى جانب عمله الرسمي وسيطاً لدى يمنيين أو أجانب يمكن أن يستخرجوا تأشيرات سفر إلى الغرب لإثيوبيات مقابل مبلغ من المال. وهذه المعلومات التي تعذر التأكد من صحتها من مصدر إثيوبي، تجسد توق الشباب الإثيوبي إلى الهجرة إلى الغرب. وكانت الجالية الإثيوبية تميزت عن غيرها من الجاليات بعدم التفريط بخصوصيتها. فخلافاً للجالية الصومالية التي اضطرتها الظروف إلى التماهي مع المجتمع اليمني من قبيل ارتداء صوماليات للشرشف درءاً للمضايقات، لم تبدل الإثيوبيات زيهن الخاص. وفي العطل يظهر بعضهن بمظهر الزي المسيحي كما يقمن بزيارة الكنيسة الوحيدة في صنعاء والمخصصة للأجانب. ويلاحظ محمد وهو شاب يمني أن ما يميز الجالية الإثيوبية عن الجاليتين الصومالية والاريترية هو اعتدادها بتراثها الثقافي.