طاقة نظيفة.. مستقبل واعد: محطة عدن الشمسية تشعل نور الأمل في هذا الموعد    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    "نوخان شبوة" تُسقط شبكة مخدرات: 60 كيلو حشيش في قبضة الأمن    "طاووس الجنان" و"خادمة صاحب الزمان"...دعوة زفاف لعائلة حوثية تُثير الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب مافيها(صورة)    الحكومة تطالب بتحرك دولي لوقف تجنيد الحوثي للأطفال تحت غطاء المراكز الصيفية    شقيق طارق صالح: نتعهد بالسير نحو تحرير الوطن    الدوري الاوروبي ... ميلان وليفربول يودعان البطولة    الدوري السعودي ... الشباب يكتسح ابها بخماسية    "لا حل إلا بالحسم العسكري"..مقرب من الرئيس الراحل "علي صالح" يحذر من مخيمات الحوثيين الصيفية ويدعو للحسم    نقل فنان يمني شهير للعناية المركزة    انفجار مقذوف من مخلفات الحوثي في 3 أطفال في قعطبة    الحوثيون والبحر الأحمر.. خطر جديد على كابلات الأعماق مميز    مصرع وجرح عدد من العناصر الإرهابية على يد القوات الجنوبية بوادي عومران    ريال مدريد وبايرن ميونخ يتأهلان لنصف نهائي دوري ابطال اوروبا    تنفيذي الإصلاح بالمحويت ينعى القيادي الداعري أحد رواد التربية والعمل الاجتماعي    لجنة الطوارئ بمأرب تباشر مهامها الميدانية لمواجهة مخاطر المنخفض الجوي    انطلاق أعمال الدورة ال33 للمؤتمر الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) لأفريقيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة الى 33.970    سقوط 9 مدنيين في الحديدة بسبب الألغام ومخلفات الحرب خلال مارس الماضي مميز    الرئيس: مليشيا الحوثي تستخدم "قميص غزة" لخدمة إيران ودعم الحكومة سيوقف تهديداتها    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    قبل قيام بن مبارك بزيارة مفاجئة لمؤسسة الكهرباء عليه القيام بزيارة لنفسه أولآ    إسقاط طائرة تجسس حوثية في شقرة بمحافظة أبين    تأجيل مباريات الخميس في بطولة كرة السلة لأندية حضرموت    دراسة: اقتصاد العالم سيخسر 20% بسبب التغيرات المناخية    عن العلامة اليماني الذي أسس مدرسة الحديث النبوي في الأندلس - قصص رائعة وتفاصيل مدهشة    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    ترحيل آلاف اليمنيين من السعودية    أضرار مادية وخسائر بشرية بسبب الفيضانات شرقي اليمن وإغلاق مدينة بالكامل    ركلات الترجيح تحمل ريال مدريد لنصف نهائي الأبطال على حساب السيتي    ليلة للتاريخ من لونين.. وخيبة أمل كبيرة لهالاند    أهلي جدة: قرار رابطة الدوري السعودي تعسفي    آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح.. يغفل عنها كثيرون فاغتنمها    فضيحة قناة الحدث: تستضيف محافظ حضرموت وتكتب تعريفه "أسامة الشرمي"    غرق شاب في مياه خور المكلا وانتشال جثمانه    بن بريك يدعو لتدخل إغاثي لمواجهة كارثة السيول بحضرموت والمهرة    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    ثلاث مساوئ حوثية أكدتها عشرية الإنقلاب    اليمن: الكوارث الطبيعية تُصبح ظاهرة دورية في بعض المحافظات الساحلية، ووزير سابق يدعو لإنشاء صندوق طوارئ    مأساة إنسانية: صاعقة رعدية تُفجع عائلتين في تعز    على رأسهم مهدي المشاط ...ناشطة حوثية تدعو إلى كسر الصمت حول قضية السموم الزراعية في اليمن    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    مفاجأة صادمة ....الفنانة بلقيس فتحي ترغب بالعودة إلى اليمن والعيش فيه    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    10 أشخاص ينزحون من اليمن إلى الفضاء في رواية    نيابة استئناف الامانة تتهم 40 من تجار المبيدات والأسمدة بارتكاب جرائم بيئية وتعريض حياة الناس للمخاطر    خطة تشيع جديدة في صنعاء.. مزارات على أنقاض أماكن تاريخية    وللعيد برامجه التافهة    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تراث الجنوب وفنه يواجه.. لصوصية وخساسة يمنية وجهل وغباء جنوبي    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    تخيل أنك قادر على تناول 4 أطعمة فقط؟.. شابة مصابة بمرض حيّر الأطباء!    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشعبانية في ميزان الانصاف العلمي

لقد اختلف علماء الإسلام حول ليلة النصف من شعبان وفضل إحيائها وصيام يومها، وفيما ورد فيها من أحاديث وآثار، وانقسمت آراء علماء الإسلام من السلف الصالحين رضوان الله تعالى عليهم.. إلى داعٍ لإحيائها وصيام يومها، مؤيداً رأيه ومدعماً له بما ورد في فضل تلك الليلة من أحاديث نبوية وآثار سواءً عن الصحابة أم التابعين..وإلى معترضٍ على ما ورد فيها أو نافٍ لما ورد فيها البتة.. ومع طول زمن الخلاف عبر حقب كثيرة من الزمن ظل علماء الإسلام على آرائهم حول هذه المسألة، ولم يسفه أحد منهم رأي الآخر أو يجزم أحد منهم بقوله في هذه المسألة، فالمثبت يعمل بما اقتنع بثبوته وصحته ولا يحمل غيره على ذلك، والنافي لا يعمل بما لم يقتنع به، ولا ينكر على غيره ممن يعمل بما يخالف رأيه، ولم يجرؤ أحد منهم على الجزم بالعمل المختلف فيه، لأن مرجعهم في ذلك القواعد الشرعية المتفق عليها، ومن أهمها أن المختلف فيه لا يجوز التنكير علىه أو منع الناس عنه، وهذا فيما هو غير معلوم من الدين بالضرورة أي في المسائل الفرعية التي تخضع للاجتهاد بما لا يخالف نصاً.. حتى أبتليت الأمة في هذا الزمان بمن يسمون علماء، يدعون احتكار العلم ويعتقدون في أنفسهم عدم مجانبتهم للصواب، فوصموا أهل التوحيد بالشرك، وكفّروا أهل القبلة، ووصفوا معظم أعمال استحسنها المسلمون ولا تتعارض مع أحكام الشرع بأنها بدعة تستوجب لفاعلها النار، وذلك نتيجة فهم سقيم منهم لمعنى البدعة، ودون تفريق منهم للبدعة الحسنة التي يثاب عليها فاعلها، وللسيئة التي يأثم فاعلها.
وهذا ما دفعني إلى استشراف ومعرفة مضمون مقالة نشرت للشيخ يوسف القرضاوي بعنوان «حكم الشرع في ليلة النصف من شعبان»، وهذا ما حملني على أن أكون أكثر تركيزاً في قراءتي للمقال، بأنه صادر عن شخصية علمية مرموقة وفقيه له باع طويل في الفتاوى الشرعية وحينما اطلعت على مقاله بقراءتي له من أوله إلى آخره وجدته يكاد يخلو من الإنصاف العلمي المطلوب من عالم كالشيخ القرضاوي رغم إشارته الواضحة في بداية المقال إلى ورود أحاديث عن فضل ليلة النصف من شعبان، بعضها حسن عند بعض العلماء وبعضها ضعيف.. وكنا نتمنى على الشيخ القرضاوي أن يبين لنا في المقال حكم العمل بالحديث الضعيف، وأن مثله لا يمكن أن تغيب عنه معرفة حكم العمل بالحديث الضعيف، بغض النظر عن ورود أحاديث تعلو على درجة الضعيف كما سنبين لاحقاً.. كما كنا نتمنى على الشيخ القرضاوي رعاه الله أيضاً أن يتحفنا ولو بدليل واحد يتعارض مع ما ورد في فضل ليلة النصف من شعبان ولو كان ضعيفاً حتى يكون متناسباً ولو جزئياً مع عنوان المقال الذي نشره.. أما ما استند عليه الشيخ في حكمه على ليلة النصف من شعبان من عدم ثبوت فعل النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» ولا في زمن الصحابة والتابعين مثل ما يفعله المسلمون من اجتماع في المساجد بعد صلاة المغرب ليلة النصف للذكر والصلاة والدعاء، فهذا لا تقوم به حجة ولا يرقى إلى دليل في حكمه، لأن هناك أعمالاً فعلت في عهد الصحابة وفي عهد التابعين وما بعدهم، لم يكن فعلها الرسول «صلى الله عليه وآله وسلم» في حياته.. كما فعل عمر رضي الله تعالى عنه في جمعه للصحابة على إمام واحد في صلاة التراويح، بل وصرّح في ذلك واصفاً عمل ذلك بالبدعة الحسنة.. فقال: «نعمت البدعة هذه»، وأقره جميع الصحابة على ذلك ولم يعترض عليه أحد..
وما يبعث على الاستغراب أن الشيخ القرضاوي خلص في نهاية مقاله إلى جعل اجتماع المسلمين ليلة النصف من شعبان بعد صلاة المغرب في المساجد للذكر والصلاة والدعاء وقراءة ياسين، بدعة وضلالة يستحق فاعلها النارو مستنداً في ذلك إلى حديث «كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار».. ولا أعتقد جازماً أن يغيب عن الشيخ القرضاوي معنى هذا الحديث بأنه ليس على إطلاقه ولا يعمل بظاهره لأن ذلك سيصطدم مع كثير من أعمال المسلمين المبتدعة والتي استحسن المسلمون فعلها ولها أصل في الدين، وإنما المقصود من الحديث كل بدعة ليس لها أصل في الدين فهي بدعة ضلالة، وأما ما له أصل في الدين فليس ببدعة ولو كان مستحدثاً، فهل اجتماع المسلمين في المساجد بعد صلاة المغرب للذكر والصلاة وقراءة القرآن والدعاء ولو حتى في ليلة مخصوصة كليلة النصف من شعبان وغيرها من الليالي لا يندرج تحت أصل من أصول الدين؟ حاشا وكلا.. بل ذلك مما يأمر به الدين، وإذا كنا نزهد في أمر كهذا في زمن غلب على المسلمين نفورهم منه فماذا يبقى؟ بل علينا أن نتخذ من اجتماع المسلمين في هذه الليلة فرصة لتنويرهم وتبصيرهم.
ولإنصاف هذه الليلة ليلة النصف من شعبان المكرم ولإظهار المعلومات عما ورد في فضلها وفضل إحياء ليلها وصيام نهارها وتعميماً للإفادة والفائدة، أضع بين يدي القارئ الكريم هذه المعلومة عن فضل هذه الليلة ليلة النصف من شعبان المكرم، وعما ورد فيها من الحث على إحياء ليلتها وصيام نهارها من باب الإنصاف العلمي من خلال صحيفة «الجمهورية» اليومية اليمنية، جزى الله القائمين عليها خيراً على إتاحتهم الفرصة لنا في نشر هذه المعلومة المتواضعة، سائلاً الله تبارك وتعالى أن يعم النفع بها وأن يجعل العمل خالصاً لوجهه الكريم.
فضل هذه الليلة ليلة النصف من شعبان المكرم
ليلة النصف من شعبان هي إحدى ليالي هذا الشهر المبارك، شهر شعبان المكرم بل ليلة النصف هي أفضل لياليه، ويومها أفضل أيامه، هذا الشهر الذي كان يجتهد فيه الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله وسلم» بكثرة العبادة من صلاة وصيام فقد كان يصوم شعبان كله، ولما سئل عن ذلك قال: «ذاك شهر يغفل الناس فيه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم» وقد خص الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله وسلم» ليلة النصف بزيادة العبادة فيها بكثرة الصلاة والدعاء فيها وبصيام نهارها وهذا مما يدل على فضلها وشرفها وقد قيل: «فضل رجب في العشر الأول لأجل أول ليلة النصف منه، وفضل شعبان في العشر الأوسط منه لأجل ليلة النصف منه، وفضل رمضان في العشر الأخير منه لأجل ليلة القدر منه».
لقد دأب المسلمون في كثير من الأقطار الاسلامية على احياء ليلة النصف من شعبان اقتداءً بنبيهم الأعظم «صلى الله عليه وآله وسلم».. وإليك أيها القارئ الكريم من الاحاديث النبوية الشريفة ما يدل على فضلها وشرفها، وأن الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله وسلم» خصها دون الليالي والأيام من شهر شعبان بمزيد من الطاعة فيها والاجتهاد في ليلها وصيام نهارها.. روى الدار قطني وابن شاهين وابن ماجة «بإسناد حسن» عن سيدنا الإمام علي رضي الله تعالى عنه وكرم وجهه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن الله تعالى ينزل فيها إلى سماء الدنيا فيقول: ألا من مستغفرٍ فأغفر له، ألا من مسترزق فأرزقه، ألا كذا، ألا كذا حتى يطلع الفجر»، وروى الطبراني عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يطّلع الله على عباده ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن»، وفي رواية «أو قاتل نفس».. وروى الترمذي في النوادر والطبراني وابن شاهين بسندٍ حسن أيضاً عن حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «هذه ليلة النصف من شعبان يغفر الله فيها للمستغفرين ويرحم المسترحمين ويؤخر أهل الحقد على حقدهم».. وحسبنا هنا هذه الاحاديث الحسنة، وحول هذا المعنى تدور أحاديث عدة تحبب وتغري المسلمين على إحياء هذه الليلة وتجعل قبول الدعاء فيها أرجى والتعبد فيها أفضل وتقطع دعوى القائلين بأنها ليلة كسائر الليالي، والمسلمون جميعاً على اتفاق على الأخذ بالحديث الحسن.
لقد روى عن سيدنا الإمام علي رضي الله تعالى عنه وكرم وجهه، عن النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله وسلم» قال: «إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن الله تبارك وتعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا فيقول: ألا من مستغفر فأغفر له، ألا من مسترزقٍ فأرزقه، ألا من مبتلى فأعافيه، ألا كذا، ألا كذا حتى يطلع الفجر» رواه بن ماجة.. وعن سيدنا الإمام علي رضي الله تعالى عنه أنه قال: «إذا كان ليلة النصف من شعبان قال الله تعالى: «هل سائل فأعطيه سؤله، هل من مستغفر فأغفر له، هل من مسترزق فأرزقه حتى ينفجر الفجر، فأمرنا رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» بقيام ليلها وصيام نهارها».. كما وردت أحاديث عدة في فضل ليلة النصف من شعبان تؤكد أن لإحياء هذه الليلة أصلاً في السنة وهو ما ورد في السنة النبوية من أصل حديث عائشة المشهور الذي روي برواياتٍ عديدة منها ما روي عن عائشة «رضي الله تعالى عنها قالت: قام رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» من الليل فأطال السجود حتى ظننت أنه قد قبض، فلما رأيت ذلك قمت حتى حركت إبهامه فتحرك، فرجعت فسمعته يقول في سجوده: «أعوذ بعفوك من عقابك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك إليك، لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك»، فلما رفع رأسه من السجود وفرغ من صلاته قال: يا عائشة أو قال يا حميراء: أظننت أن النبي قد خلس بك، أي غدر بك.. قلت: لا والله يارسول الله ولكني ظننت أنك قبضت لطول سجودك، فقال: أتدرين أي ليلةٍ هذه؟ قالت: الله ورسوله أعلم، قال: هذه ليلة النصف من شعبان، إن الله عز وجل يطّلع على عباده في ليلة النصف من شعبان فيغفر للمستغفرين ويرحم المسترحمين ويؤخر أهل الحقد كلهم».. ومن تلك الاحاديث أيضاً ما صححه ابن حبان في صحيحه، ومن أمثلها حديث عائشة «رضي الله عنها قالت: فقدت النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» فخرجت فإذا هو بالبقيع رافع رأسه إلى السماء، وقال: أكنت تخافين أن يحيف الله عليكم ورسوله»، فقلت: يارسول الله ظننت أنك أتيت بعض نسائك، فقال: إن الله تبارك وتعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم بن كلب» خرّجه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه رحمهم الله وخرّج ابن ماجه أيضاً من حديث أبي موسى عن النبي الأعظم«صلى الله عليه وآله وسلم» قال: «إن الله ليطلع ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن» وخرّج الإمام أحمد رحمه الله من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما، عن النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله وسلم» قال: «إن الله ليطلع إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لعباده إلا اثنين مشاحن وقاتل نفس» وروى البيهقي «رحمه الله تعالى» عن عائشة «رضي الله تعالى عنها» أن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» قال: «أتى جبريل عليه السلام فقال: هذه ليلة النصف من شعبان ولله فيها عتقاء من النار بعدد شعور غنم«قبيلة بني كلب» لاينظر الله فيها إلى مشرك ولا إلى مشاحن ولا إلى قاطع رحم ولا إلى مسبل «متكبر مختال» ولا إلى عاقٍ لوالديه ولا إلى مدمن خمر» وكان الإمام سيدنا علي «رضي الله تعالى عنه وكرم وجهه» يفرغ نفسه للعبادة في أربع ليالٍ من السنة أول ليلة من رجب وليلة الفطر وليلة الأضحى وليلة النصف من شعبان،و في الأثر عن عمر بن عبدالعزيز خامس الخلفاء الراشدين وليس بقليل له هذا الوصف الكبير.. روى عنه أنه كتب إلى عامله بالبصرة يقول له: عليك بأربع ليالٍ في السنة فإن الله يفرغ فيهن الرحمة افراغاً، أول ليلة من رجب وليلة النصف من شعبان وليلة الفطر وليلة الاضحى» وفي كتابته لعامله بالبصرة توجيه وارشاد ولينوب عنه في تبليغ الجميع ولقد ذكر العلماء لهذه الليلة عدة أسماء فوق العشرين كلها تدل على مالها من مكانة، وكثرة الاسماء تدل على شرف المسمى، فهي ليلة التقدير التي قالوا إن ملك الموت ينسخ فيها أسماء من يموتون في ذلك العام، وهي ليلة التكفير التي يكفر الله فيها آثام الأنام إلا مدمن خمر أوقاطع رحم أو مصراً على كبيرة أومشاحناً لأخيه المؤمن أو مشركاً بالله ماليس له به علم وهي ليلة الاجابة لماورد فيها عن ابن عمر«رضي الله تعالى عنهما» تعليماً من رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: أنه عد في خمس ليالٍ لاترد فيهن دعوة ليلة القدر وليلة العيدين وليلة النصف وليلة الجمعة وأول ليلة من رجب.. وهي ليلة البراءة التي يكتب فيها للمؤمنين براءة من الذنوب وصك بالمغفرة فهي ليلة الجائزة لمايوزع الله فيها من جوائز الاحسان على عباده وهما ليلة النصف من شعبان عيد الملائكة في السماء ففي الأثر.. إن للملائكة عيدين في السماء كما لأهل الأرض عيدان في الأرض فعيد الملائكة في السماء ليلة القدر وليلة النصف من شعبان وعيدا أهل الأرض الفطر والأضحى».
كما تتميز هذه الليلة باطلاع خاص من الله على عباده ويتمثل هذا الاطلاع بنزوله إلى سماء الدنيا لغروب الشمس في ليلة النصف من شعبان كما ثبت ذلك في الحديث الذي رواه سيدنا الإمام علي«رضي الله تعالى عنه وكرّم وجهه» وأوردناه سابقاً خلافاً لنزوله تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا كل ليلةٍ في الثلث الأخير من الليل وهذا هو الذي يميزها عن باقي الليالي بنزول رب العزة فيها لغروب الشمس تنويهاً بفضلها واشارة إلى مكانتها وبهذا يدحض كلام المبطلين المعترضين بأنها ليلة كسائر الليالي.. كما نص بعض المحققين من العلماء على أن ليلة النصف من شعبان هي أفضل ليلة بعد ليلة القدر وهكذا تتجلى بركات هذه الليلة العظيمة وتكون جديرة أن تسمى الليلة المباركة لما تحمله من النفحات القدسية الكريمة.
توجيه معاني بعض أحاديث ليلة النصف
أخرج البيهقي في كتاب «الدعوات الكبير».. عن عائشة«رضي الله تعالى عنها» أن النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» قام يصلي ليلة النصف من شعبان وقال: «في هذه الليلة يكتب كل مولود وهالك من بني آدم وفيها ترفع أعمالهم وتنزل أرزاقهم» ونحن نفهم أن الكتابة هنا معناها نزول الأمر من اللوح المحفوظ إلى الملائكة الموكلين بتنفيذه ولما كان الأمر مستوراً ثم كشف كان كأنه بالنسبة لنا قد كتب في هذه الليلة وعلى هذا المعنى وماهو منه تحمل ألفاظ الكتابة والنسخ التي تدور في أحاديث فضل هذه الليلة وعليه يحمل رأي عكرمة وغيره توفيقاً بين ليلة النصف وليلة القدر ومن دليل ذلك عن عائشة رضي الله عنها من حديث طويل قال«صلى الله عليه وآله وسلم» فيه: «ياعائشة إنه ليس نفس تموت في سنة إلا كتب أجلها في شعبان وأحب أن يكتب أجلى وأنا في عبادة ربي».رواه أبو يعلى بنحو ذلك، وأخرج الخطيب في رواية مالك عن عائشة رضي الله تعالي عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : « يفتح الله الخير في أربع ليالٍ الأضحى والفطر وليلة نصف شعبان : ينسخ فيها الأجال والأرزاق ويكتب الحاج وفي ليلة عرفة إلى الأذان وأخرج الديلمي وابن زمجوية عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: ان النبي الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم قال: «تقطع الاجال من شعبان إلى شعبان حتى أن الرجل لينكح ويولد له وقد خرج اسمه في الموتى».
وروى نحوه ابن جرير والبيهقي في الشعب : ومثل هذا كله لا يقال بالرأي كما هو معلوم عند العلماء وهذه الأحاديث وان كان في بعضها ضعف أو لين فهي مجبورة ومعتضدة بتعددها واختلاف طرقها وشواهدها : وهكذا تأخذ رتبة الحسن على الأقل: فيؤخذ بها فيما هو أخطر من موضوعنا هذا : وقد وجهناها على ما نرجح ولا نخالف توجيه غيرنا فلا موجب للجدل.
حول الحديث الضعيف
وعلى فرض جدلي أن ضعفها غير مجبور فقد جاء في باب الفضائل والأمة كلها على أن الحديث الضعيف يؤخذ به في الفضائل ونحوها بلا تثريب وهو ما نقله النووي وذهب اليه ابن الصلاح وهو ما جاء عن السلف كالثوري وابن عينية وابن حنبل وابن مهدي وابن معين وبوب له ابن عدي في الكامل والخطيب في الكفاية .. الخ
وذلك أن الحديث الضعيف في مفهومنا العلمي حديث تحققت فيه بعض شروط الصحة وتخلفت شروط أخرى فهو غير مجرد من الصحة فرقاً بينه وبين الحديث الموضوع .
فضل الدعاء في هذه الليلة
روى البيهقي في حديث طويل عن السيدة عائشة رضى الله تعالى عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «اتاني جبريل عليه السلام فقال هذه ليلة النصف من شعبان ولله فيها عتقاء من النار بعدد شعور غنم بني كلب «قبيلة كبيرة» لا ينطر الله فيها إلى مشرك ولا إلى مشاحن ولا إلى مسبل ولا إلى عاق لوالدية ولا إلى مدمن خمر : قالت فسجد طويلاً وسمعته يقول في سجوده : أعوذ بعفوك من عقابك وأعوذ برضاك من سخطك : وأعوذ بك منك جل وجهك لا أحصي ثناءً عليك: أنت كما أثنيت على نفسك، قالت فلما أصبح ذكرتهن له فقال: يا عائشة تعلميهن وعلميهن فإن جبريل عليه السلام علمنيهن وأمرني أن أرددهن في السجود ومعنى هذا الحديث اعتراف بفضل هذه الليلة وتوجيه إلى التعبد فيهاوإلى اختيار جيد الدعاء معها: فليست إذاً ككل الليالي «كما يقولون» وهل كل الليالي فيهن مثل هذا القول والمناظرة؟ ثم إن هذا الحديث معتضد بحديث آخر للبيهقي أيضاً عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت: «كانت ليلة النصف من شعبان ليلتي وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندي فلما كان في جوف الليل فقدته فطلبته فإذا أنا به كالثوب الساقط، وهو يقول في سجوده : سجد لك خيالي وسوادي وآمن بك فؤادي هذه يدي وما جنيت بها على نفسي ياعظيماً يرجى لكل عظيم يا عظيماً اغفر لي الذنب العظيم سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره وفي رواية فتبارك الله أحسن الخالقين ثم رفع رأسه، ثم عاد ساجداً فقال: أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بعفوك من عقابك وأعوذ بك منك أنت كما اثنيت على نفسك ثم رفع رأسه فقال «اللهم ارزقني قلباً نقياً من الشرك ، نقياً لا جافياً ولا شقياً ثم انصرف» وعليه نقول: لم يعد لمعترضِ وجه للاعتراض على إحياء هذه الليلة بالتعبد والدعاء ان اتقى الله وترك التعصب التقليدي الكريه ودعوى احتكار الصواب أو للانفراد بالعلم أو خدمة السنة من دون الأمة وهذه الأحاديث التي أوردناها على اختلاف المفاهيم وتعدد المضامين والمراتب العلمية يشد بعضها بعضاً فلم يبق شك في صحة العمل بها في فضل ليلة النصف من شعبان وفي فضل الاهتمام باحيائها وبهذا أخذ أكثر السلف ممن لا يتهمهم الناس في علم ولا عمل وحسبك انه لا يوجد في رجال ما ذكرنا وما ذكر غيرنا من الأحاديث من اجمعوا على ضعفه وهذا ملخص علمي له وزنه الكبير.
الركعات الست وقراءة يس واردة
أما ما تعوده الناس من صلاة وست ركعات أحياناًبين المغرب والعشاء فقد وردت عدة أحاديث ثابتة في سنية هذا الركعات الست فإذا توسل العبد إلى الله تعالى بهن في رجاء جلب المنافع ودفع المضار فهو متوسل إليه تعالى بعمل صالح لا اعتراض عليه كما أنها تكون في الوقت نفسه نوعاً من صلاة الحاجة المتفق على صحتها .. أخرج الطبراني في معالجة الثلاثة عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: «رأيت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بعد المغرب ست ركعات».. وقال: «من صلى بعد المغرب ست ركعات غفرت له ذنوبة وإن كانت مثل زبد البحر» وكذلك توسل الناس إلى الله تعالى بسورة «يس» في هذه الليلة وغيرها ابتغاء غفران الذنوب وتفريج الكروب ونحو ذلك فهو توسل إلى الله بكتابه وكلامه وبصفة مقدسة من صفاته وبسورة مجيدة من سور القرآن فيها ترغيب وتحبيب أكيد فلا اعتراض ولا ملامة والمهم في الأمر الا يعتقد ان ذلك شرع أكيد من خالفه أخطأ وعصى وانما هي فضائل مباحة لمن يشاء بتوفيق الله تعالى والموفقون قليل......
صوم يوم النصف من شعبان
روى ابن ماجه رحمه الله تعالى عن سيدنا الامام علي رضي الله تعالى عنه وكرم وجهه أن النبي الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها. فإن الله تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول: ألا من مستغفر فأغفر له، ألا من مسترزق فارزقه، ألا كذا، ألا كذا، حتى يطلع الفجر» وقد قدمنا هذا الحديث من رواية أخرى للدار قطني وابن شاهين «باسناد حسن عن الامام علي رضي الله تعالى عنه وكرم الله وجهه فبأي حقٍ نمنع من ذلك وهذه كلها فضائل يؤخذ فيها بالحديث الضعيف غير المجبور بالمرة فكيف بالحديث الحسن الذي نأخذ به في العبادات والمعاملات وكيف بما يرتقي من الضعيف إلى مقام «الحسن ؟ نحن نقلد من أجاز وهم يقلدون من منع وكل من الجانبين متمسك بما هو مطمئن إليه فهل من الانصاف العلمي ان يبيحوا لأنفسهم تقليد من شاءوا ويمنعون تقليد من نشاء سبحانك اللهم.
دعاء اللهم ياذا المن وارد
أما الدعاء المشهور والمعروف بدعاء ليلة النصف من شعبان «اللهم ياذا المن ولا يمن عليك... إلخ فقد اخرج ابن ابي شيبة في المصنف وابن ابي الدنيا في الدعاء عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وورد كذلك عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: «ما دعا عبد قط بهذه الدعوات إلا وسع الله في معيشته» واخرجه ابن جرير والطبراني عن ابن مسعود أيضاً: «اللهم إن كنت كتبتني في السعداء فاثبتني في السعداء وان كنت كتبتني في الاشقياء فامحني من الاشقياء وأثبتني في السعداء فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب» نقول ومثل هذا الدعاء مع الاخبار بأن الداعي به يوسع عليه في رزقه لا يكون أبداً الا بتوقيف نبوي فليس من شأن صحابي ولا غيره ان يخبر بجزاء عمل غيبي وبخاصة ان النبي الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم حي والوحي مخصوص به لا ينزل الا عليه وآداب الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين لا تأذن لهم بأن يقدموا بين يدي الله ورسوله صلى الله عليه واله وسلم كما أن بعض المراجع تسند بعض ألفاظ هذا الدعاء إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فيكون معنى هذا انه دعاء كان معروفاً للصحابة متداولاً بينهم ولم ينكره منهم أحد ويكفي هذه الليلة فخراً وشرفاً انها توقيت لإجابة الدعاء بدليل أن الرسول الاعظم صلى الله عليه واله وسلم أحياها بطول الصوت وكبر بالدعاء حتى أنه لما فرغ من صلاته ودعائه خاطب زوجه عائشة رضي الله تعالى عنها قائلاً لها: «ويح هاتين الركبتين مالقيتا هذه الليلة» ثم قال لها:«أتدرين أية ليلة هذه، قالت: الله ورسوله أعلم، قال: هذه ليلة النصف من شعبان يغفر الله فيها للمستغفرين ويرحم المسترحمين ويدع أهل الحقد كما هم» كما ورد فيها أيضاً عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما بأنها موسم من مواسم إجابة الدعاء وذلك تعليماً من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه عد في خمس ليال لا ترد فيهن دعوة ليلة القدر وليلة العيدين وليلة النصف وليلة الجمعة وأول ليلة من رجب وقد أوردنا هذا الحديث مسبقاً في فضل ليلة النصف من شعبان.
ليلة النصف من شعبان وحدث تحويل القبلة
وتتميز هذه الليلة النصف من شعبان بأن حدثاً هاماً وقع فيها فحينما فرضت الصلاة في ليلة الاسراء والمعراج قبل الهجرة بسنة كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأصحابه يصلون بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه وظل يتوجه في الصلاة إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً لكن هواه كان متعلقاً بالكعبة فكان يوجه ناظريه إلى السماء ويقلب وجهه نحوها ويتمنى على الله ان يوليه القبلة التي يرضاها كان يتمنى ذلك بقلبه ولا ينطق بلسانه تأدباً مع ربه وبينما كان يصلي الظهر في مسجد بني سلمة وبعد أن صلى ركعتين امره الله سبحانه وتعالى ان يتوجه إلى الكعبة فتحول وهو في الصلاة ناحية الكعبة ويسمى هذا المسجد بمسجد القبلتين لقد نزل عليه قول الله تعالى «قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره» وكان ذلك في يوم الثلاثاء في نصف شعبان أحد مواسم إجابة الدعاء حيث استجاب الله لنبيه الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم دعاءه وأتم عليه نعمته بأن جعله وامته متبوعين لا تابعين ولبى رغبته في القبلة التي يرضاها ألا يكون هذا مدعاة اضافة إلى ما ذكر عن شرف وفضل هذه الليلة ألا يكون هذا الحدث الجليل مدعاة اجتماع المسلمين في المساجد بعد مغرب ليلة النصف زمن هذا الحدث إحياءً لذكرى هذا الحدث.
وشكراً لله على إكرامه لنبيهم الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في جعله وأمته متبوعين لا تابعين لقبلة غيرهم وهم اليهود أما ما قيل عن وجود معارضة في جعل الليلة المباركة لنزول القرآن في سورة الدخان هي ليلة النصف من شعبان بينما هي بنص صريح القرآن بأنها ليلة القدر في سورة القدر فقد ازال هذا التعارض العلماء المحققون حينما قالوا: إن نزول القرآن جملة واحدة كان نزولين، النزول الأول من الله جملة واحدة لإثباته في اللوح المحفوظ كان في ليلة النصف من شعبان وإليه الاشارة بقوله تعالى «حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة ».. إلخ والنزول الثاني دفعة واحدة إلى سماء الدنيا كان في ليلة القدر وإلى ذلك الاشارة بسورة القدر وذلك تمهيداً لنزوله إلى الأرض على قلب الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم منجماً حسب الوقائع على مدى ثلاث وعشرين سنة وبهذا ينتهي اللبس بهذا القول.. وهكذا تتجلى بركات هذه الليلة العظيمة وتكون جديرة أن تسمى الليلة المباركة وماتحمله من تلك النفحات القدسية فاذا كان الدين الإسلامي الكريم قد جاء بالحث على قيامها وعلى صيام نهارها وذلك لان النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم كما وصفه الله سبحانه وتعالي بقوله «عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم» فكان من آيات الله حرصه على المومنين ومن آثار رحمته بالمسلمين أن دعاهم إلى عبادة الله ليغترفوا من بركاتة التي لا تحجب عن العالمين ولا يحرم منها المجاهدون ليكونوا على قرب من ساحاته في اوقات تجلياته: فمن تعرض لنفحات الكريم أصاب منها الخير العظيم: وأدرك الثواب الجسيم: افبعد هذا كله ينكر منكر فضل هذه الليلة أو يعترض معترض على ماورد فيها كما يدعو إلى ذلك بعض الناس وهل بعد هذا يكون الحكم القاطع من الشيخ القرضاوي على فضل هذه الليلة ثم يسنده إلى الشرع وكان الشرع خلا من معارضة حكمه وانا مازلت ايضاً أستبعد على الشيخ القرضاوي أن يكون على غير علم بالخلاف حول هذه المسألة أو على عدم اطلاع على هذا الخلاف حتى يخلص إلى ذلك الحكم الخالي من الانصاف وهو المعروف عنه الاعتدال في آرائه الفقهية وإظهار سماحة الدين من خلال فتاواه الشرعية ولكن سبحان الله.. وأخيراً نرجو أن نكون قد أوضحنا بما فيه الإنصاف: آملاً ألا يثار في هذه المسألة الخلاف وتتكرر وسائل الهجوم والدفاع بما فيه مضيعة لأوقاتنا واهداراً لامكانياتنا فنحن في وضع لا نحسد عليه ويجب ألا تصرفنا الخلافات الفرعية عن مسئوليتنا الحقيقية إن أعظم مسئولية علينا هي توحيد صفوفنا وجمع كلمتنا ولم شتاتنا لا أن نتفرق فيتبنى بعضنا آراءً ليس الاجماع عليها حاصلاً ويدعون إلىها ويسلك الآخرون طريقاً خاصاً وينادون بالسير فيه بأسلوب منفر لا يعرف الاعتدال ، دون دعوة إلى التحام ووئام ، فيحصل بذلك الشقاق وتتحقق الفرقة بازدياد، فنضل الطريق ونتوه ، وننسى في غمرة الخلاف والاختلاف الواجب الاساسي علينا وهو توحيد الأمة وتعميق حب الوطن فيها من خلال الدعوة إلي الصلاح والإصلاح ، فالأسلوب الذي يرتضيه الدين ، ويقره ويأمر به الاسلام هو ارشاد الناس وتوجيههم بالحكمة والموعظة الحسنة ، وهذا الاسلوب هو الطريق المستقيم وهو الاساس في منهج الدين وهو القاعدة الثابتة لكل أمر عظيم وبدونه لا يستقيم مجتمع ولا ينجح هدف ولا يؤثر ارشاد والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.