شعور المواطن بالانتماء لأسرته الصغيرة والكبيرة وهي الوطن ضرورة لتقدمه وإيثار العطاء من أجل الآخرين.. والانتماء حسب قول أخصائيين في علم النفس- الاجتماع مؤشر إيجابي لصحته النفسية يجعله يشعر بالأمان والاطمئنان بعكس من يعزل نفسه عن وسطه الاجتماعي التنموي كمؤشر سلبي لصحته وبالتالي تبديد طاقته.. مسؤولية الانتماء حسب هؤلاء تقع على الأسرة أولاً ثم مؤسسات التنشئة الاجتماعية- السياسية..أكاديميون يعبّرون هنا عن آرائهم حول مفهوم الانتماء والولاء الوطني ومن أين تأتي المشكلات وأولوية تعزيز ثقافة الانتماء بدلاً عن تنمية البعض للانتماءات الفرعية على حساب الولاء الوطني. الوعي بالمواطنة د/ نبيل سفيان- رئيس قسم علم النفس جامعة تعز: - الوعي بالمواطنة يتحول إلى إنفعال، إلى عاطفة حب ويصبح قيمة وطنية تتمثل في السلوك السليم وإدارك اما هو صواب وما هو خطأ ومشكلتنا هي في كيفية التعبير عن هذا الوعي وتجسيد الشعور بالولاء للوطن والانتماء إليه.. هذا الوعي ينغرس في الأفراد منذ الطفولة من خلال مؤسسات التنشئة الاجتماعية- السياسية والبداية في الأسرة وقد يتجذر الوعي الوطني في مراحل متقدمة إلا أن المرحلة الأولى ربما تكون أقوى فقد نجد متخصصين في العلوم الطبيعية أو الإنسانية لكن ما غُرس فيهم من قيم المواطنة يعود إلى مرحلة سابقة نمت فيها قيم حب الوطن. أما الوعي لدى فئة من الفئات داخل الوطن فيعود إلى أفكار تتسق أولاً تتسق مع ثوابت المجتمع فهناك أشخاص وجماعات تنشر أفكارًا أممية، وقومية، ودينية «اجتهادات« وثقافة وطنية، أفكارًا قطرية وفوق قطرية تبنتها أحزاب سرية ثم في العلنية، ومنظمات صغيرة وبالتالي ولاءات للواجب الوطني، للمصالح الشخصية، لأفكار دينية، لمنطقة وهذا يولد صراعاً بين إنتماء وآخر تختلف حدته من شخص إلى آخر فهذا يقول أنا وطني صرف ويسلك سلوكاً يعبر عن مصلحة ذاتية أنانية وذاك يغلب مصلحة حزبه على مصلحة الوطن ويقول لا تعارض في الولاءات وهنا يأتي دور مؤسسات الدولة المختلفة في تنمية شعور المواطن بالانتماء واستثارة غيرته على منظومة قيمة ومبادئه الديمقراطية في ظل الدستور كتاب الشعب والقوانين النافذة وإن كان هناك فجوة صنعتها السموات المفتوحة بوجود أكثر من 250 قناة فضائية ووسائل آخرى متناقضة الثقافات والاتجاهات ما يعني أن الاعلام يصنع وعي المواطن والخوف من أن المواطن لا يتابع وسائل الإعلام الوطنية. إذا لا مفر من أن تعمل مؤسسات الدولة التربوية والتعليمية والإعلامية ومنظمات المجتمع المدني والقضاء والاوقاف وحتى الاجهزة التنفيذية المركزية والمحلية والأمنية على تعميق الولاء الوطني بحيث يكون الانتماء للوطن سيد الولاءات والوعي قوة تنشئ عاطفة وطنية يتبعها سلوك معبر عن حب للوطن نقي الأنانية والتأزم أما الانتماء من منطلق مذهبي أو مناطقي فيتعارض مع الولاء للوطن وثوابته فيكون ولاء ضيقًا، إذ أن الولاء لمنطقة يريدها أهلها كل شيء لا شك أنه يعزز شعور آخرين بالانتماء إلى مناطقهم على حساب الوطن ككل فالرئيس علي عبدالله صالح والوطنيون أياً كانت مواقعهم دائماً يؤكدون أن هناك ثوابت وطنية لا مجال لأحد أن يخرج عنها. التعبير عن الصواب د/ نبيل انتهى إلى تكامل وعي الفرد وتساءل عن السلوك قائلاً: - اليمنيون يحبون وطنهم والسؤال هو: كيف أعبر بوعي عن حبي لوطني؟ إذا أن المشكلة هي كيف أعبر عن الصواب الذي أريده وأعمل لتحقيقه وعن الخطأ الذي نريد تلافيه ابتداءً بابسط سلوكيتنا في حياتنا اليومية في بيئة العمل أو خارجها فالمواطن الصالح يعي أن رمي اعقاب السجائر أو علبة في الشارع يمس قيمه الوطنية وقس على ذلك في جوانب آخرى. الوطن روابط سليمة د/ عادل مجاهد- علم اجتماع «جامعة صنعاء»: - الانتماء من دوافع الإنتاج والتقدم والإبتكار والإبداع فقد بدأت الإختراعات والإبداعات في العصر الحديث عندما خلق الانتماء للوطن، للدولة القومية التي توفرت معها المساواة والحريات، لأن الوطن روابط سليمة بين أبنائه، وكلما كان النظام ديمقراطياً كان انتماء الفرد أشد وأقوى. تجسيد القيم الديمقراطية ويضيف د/ عادل: الانتماء للوطن، للدولة يمكن القول إنه مرتبط بكيفية غرسه في الأفراد والحفاظ على حقوقهم والحرية والعدل والحفاظ على أمنهم وسلامتهم وتوفير الحياة المعيشية للمواطنين.. إذن كيف نجعل الناس منتجين؟ يكون ذلك بتجسيد المبادئ والقيم الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان وحرياته. ويضيف الأخ عادل فيقول: هنا من الضروري تنفيذ برامج في المجالات الثقافية والاجتماعية وتعزيزها باستمرار لتعزيز الروابط بين الأفراد والجماعات والدولة بدلاً من الروابط التقليدية كالولاء للعصبية أو المناطقية، والطائفية، أو المذهبية، فتعزيز روابط المواطنة منوطة بالمؤسسات التربوية والإعلامية فإذا كانت تقوم هذه المؤسسات بدورها الكامل تعززت قيم المواطنة وتعزز الانتماء. الانتماءات التحتية وعن تعدد الانتماءات قال: - لا يستطيع أحد فرض إنتماء واحد ومحدد على الأفراد ويمكن أن يكون للفرد الواحد عدد من الانتماءات التحتية انتماء إلى منطقة أو مذهب أو طائفة، حزب ومن حقه أن يعبر عنها لكن هناك أشياء محكومة بالقانون. القانون والولاء الوطني والانتماء الوحيد الذي ينظمه القانون هو الانتماء للوطن أما الانتماءات التحتية أو الفرعية فينظمها العرف، فالانتماء إلى العائلة تحكمه العواطف وهو بالتالي لا يتعارض مع القانون وكذا الانتماء إلى القبيلة أو المنطقة مسموحة وحضور اجتماع قبلي مسموح ومن الفرد فلا تعارض إلا إذا كانت الولاءات متصادمة فإن الولاء للوطن هو الأصل، والمواطنة حقوق وواجبات.. المواطنة وعي وسلوك وحينما تضطهدك الأسرة إذا أردت أن تتزوج وتختار للشاب أو البنت زوجاً رغماً عنهما والقبيلة تضطهدك بإجبارك على العادات السلبية والحزب يملي عليك ولاءات متعارضة مع ولائك الوطني فأنت بلا حياة لأن المواطنة تغني عن كل سلطة تضطهدك على سلطة القانون. محاذير د/ عارف عقلان الحمادي «جامعة صنعاء»: - معروف أن الأسرة نواة المجتمع بصلاحها صلاح المجتمع وفسادها مرتبط بفسادها فإذا كنت أبًا واحضرت دراجة هوائية لطفلك الصغير وامتنعت عن إحضار أخرى للكبير القادر على الخروج إلى الشارع فإن الطفل الكبير سيطالب بمعاملة أفضل وإن اقنعته بدا الخوف عليه وسيلح على المساواة وقد يكبر فيه شعور بالحرمان من المحبة وبالتالي عقوق في الكبر وذلك نوع من عدم الشعور بالانتماء للأسرة ما بالك عندما يكون هذا شعور الكبار على مستوى عال من التعليم والمكانة والخبرة حينما يشعرون بنوع من التمييز بسبب وصول غير ذوي الكفاءة والخبرة إلى موقع ليس من حقه في مؤسسة العمل أو الحزب اليمن منبع البشرية وقال د/ عارف: اليمنيون من أرقى شعوب العالم وحضارتهم عربية إسلامية عرفوا بناء الدولة قبل سواهم وأكثر معالم حضارتنا لا تزال مدفونة.. يقول باحث تونسي: اليمن منبع البشرية لكن ربما هناك دوافع أوروبية منعت الاعتراف بالبحث ونشره لكننا كجيل مازلنا غير قادرين على كشف كنوزنا الأثرية التي ترينا كم هذا الوطن بحاجة إلى انتماء كل فرد من ابنائه للإرتقاء به من موقعه الحالي في قائمة الدول شحيحة الموارد فهذا ليس مكاننا لأن عندنا كفاءات بشرية وولاء وطني كفيل بإحداث نهضة عملاقة مادمنا نحمل دافعًا قويًا للإنجاز والانتماء تنتفي معه النظرة الضيقة للأمور والإشكاليات الطارئة أو الآنية والنظر إلى الحقيقة بمسوغات مصلحية أو مناطقية. الانتماء الجمعي ضرورة للتقدم د/ أحمد على المعمري «جامعة الحديدة» يؤكد أهمية وجود قراءة كلية لمفهوم الانتماء الجمعي كضرورة للتقدم والتحضر والإنتاجية، فأنا يمني، تعني الكرامة، الاعتزاز، وإن وجدت لدى الشخص انتماءات فرعية مهنية، فإن ممارستها أو التعبير عنها بوعي لا يتناقض مع انتمائه للوطن وهويته المرتبطة بمجتمع ديمقراطي. نماذج التربية الأسرية يقول د/ المعمري: في الأسرة تبدأ عملية غرس الوعي وتتكامل التربية بينها وبين المدرسة وفي الوقع هناك نماذج للتربية الأسرية منها ما ينمي دوافع سلبية فيقال للفتاة وإن تفوقتي في الدراسة ففي النهاية أنت امرأة ومصيرك البيت هذا لا يشجع تعليم الفتاة بينما المجتمع محتاج لقدرات كل ابنائه وفي المدرسة يغرس الانتماء وحب النظام فإذا كان التعامل مع التلميذ على أن رأسه «دبية» وليس عقلاً فإنه يكون بعيداً عما تفرضه عليه القيم الوطنية فينشأ من صغره «مثلاً» لا يحترم الشجرة ويكسر الكراسي في فصله وهنا عنف واستهتار فكيف إذا اصبح مثل هذا الطفل قيادياً في حزب.. الأصل أن تتعلم الفتاة من خلال وعي وسلوك الأسرة أن هناك فرقًا بين الجاهلة والمتعلمة وكيف أن المتفوق له مكانة محترمة، وتلك تربية تنمي دافع الانتماء والإنجاز والتعليم المقترن بالتربية ينمي الوعي بالانتماء الجمعي وما يعود به على الوطن ككل فلا أقل «أنامالي» إذا رأيت سلوكيات تضر بالولاء الوطني. مفهوم الانتماء ويضيف د/ المعمري : يجب أن يكون الانتماء مفهومًا واقعيًا فالانتماء المناطقي إن مورس بغير وعي فإن البعض يعبرون به عن أزمة هوية لا تقبل التعدد إطار وطني وهي سلوكيات سلبية بتأثير ظرف طارئ ربما فالأصل أن تقول هذا بلدي اليمن وأي تقدم يتحقق لمنطقة أو محافظة هو لليمنيين كلهم فالانتماء لو نظرنا إلى الولايات المتحدة أو الهند نجد الناس جميعاً ليسوا متجانسين ولكن في إطار الوعي الجمعي بالانتماء للبلد يجعل المواطن مشاركاً في بناء التقدم وحينما يقول أنا أمريكي يعني أنه يشعر إذا تفوق سيحصل على نظير ذلك فيسعى إلى التفوق عن وعي بأن الكسول لا يتساوى مع النشط فهناك تقدير للدافعية في مجال العمل والإنتاج وتربية وطنية في الأسرة والمدرسة والتعليم مسألة خطيرة فلا يكفي أن يكون التلميذ الكوري مبادراً لري شجرة في الشارع بتأثير من اسرته ومعلمه فيشاهدها تنمو ولا يعتدي عليها حين يكبر كما أن هناك تحفيزًا لمن ينتج ويبدع وتلك تنمي الدافعية، دافع الإنجاز من وحي الشعور بالانتماء للمؤسسة والوطن.. تأثير مؤسسات التعليم في المجتمع الدكتور أحمد تطرق إلى ضرورة الاهتمام بثقافة المواطن ودافع الإنجاز وقال: في «المقيل» الكل يتحولون مفكرين وسياسين وبعيداً عن الوعي الجمعي الواقعي والحقيقي وفي المدارس هناك تدن في الاداء والسؤال الأن: المجتمع يؤثر في الجامعة أم الجامعة تؤثر في محيطها؟ المفروض أن الأخيرة تؤثر وتعقلن السوق، المقومات، الشارع.. إلخ، وهذا دور المؤسسات التنويرية، فالتعليم يحول الفرد إلى برنامج عطاء لا تجرفه انعكاسات تطورات العصر ولا تجمده التقاليد البالية والانتماءات الضيقة إلى المنطقة أو القبيلة على حساب الانتماء للوطن. مشكلة المناطقية ويتابع د/ أحمد المعمري قائلاً: إن نصف مشاكلنا تأتي من ضعف الشعور بالانتماء الجمعي، من المناطقية، فالمفروض أن ابن عدن يحب الخير للوطن كله وأن ابن لحج يدافع كابن تعز عن ريمة وصعدة ويشد أزر العاملين على انمائها.. في المرحلة الحالية نعتقد أن يتصدر دافع الانتماء الجمعي بقية الدوافع ويسمو على الانتماءات الفرعية وأن يقوى انتماؤنا لمؤسساتنا حتى يكون انتاجها عالياً لأن الإنتاج القومي هو دخول المؤسسات التي نعمل بها مادام المواطن يحصل على حقوقه.. معرفة ما لدى الآخرين - ويقول د/ المعمري: على الأسرة اليمنية أن تعي أن الأم في اليابان تذهب إلى المدرسة بدلاً عن ابنها إذا مرض حتى لا يعاني من حصول فجوة معرفية!! وأن نقرأ ونعرف ماذا لدى الآخرين ليس رفاهية.. وقد قرأت عن الانتحار في اليابان وخرجت بحصيلة هي: أن من لا ينتج ولا يتكيف مع المتغيرات في مجتمعه الياباني قد يكون من المنتحرين.. فإما أن تنتج أو تنتحر، والسؤال هنا: هل هناك اختلاف جذري بين من ينتحرون لأنهم غير منتجين في بلد ما كاليابان وبين من ينتحرون بإعلان الإحباط واليأس ونسف الانتماء الجمعي وتنمية الشعور المناطقي في بلدان أخرى ومنها اليمن،. طرح السؤال أولى من أن يقال إن هناك ترويجًا لنظرية الانتحار على الطريقة اليابانية.