قال الله تعالى في سورة المعارج الآية «9» «وتكون الجبال كالعهن» وقال في سورة القارعة الآية «5»:«وتكون الجبال كالعهن المنفوش» والعهن :هو الصوف فزاد كلمة «المنفوش» في سورة القارعة على ما في سورة المعارج فما سبب ذلك؟ والجواب كما أورده الدكتور/ فاضل صالح السامرائي في كتابه «لمسات بيانية» في نصوص من التنزيل»: أنه لما ذكر القارعة في أول السورة، والقارعة من القرع، وهو الضرب بالعصا، ناسب ذلك ذكر النفش، لأن من طرائق نفش الصوف أن يقرع بالمقرعة.. كما ناسب ذلك من ناحية أخرى، وهي أن الجبال تُهشِّم بالمقراع: وهو فأس عظيم تُحطم به الحجارة، فناسب ذلك ذكر النفش أيضاً.. فلفظ القارعة أنسب شيء لهذا التعبير، كما ناسب ذكر القارعة ذكر «الفراش المبثوث» في الآية «4» في قوله تعالى:« يوم يكون الناس كالفراش المبثوث» أيضاً: لأنك إذا قرعت طار الفراش وانتشر، ولم يحسن ذكر «الفراش» وحده كمالم يحسن ذكر «العهن» وحده. إن ماتقدم من ذكر اليوم الآخر في سورة القارعة أهول وأشد مما ذكر في سورة المعارج، فقد قال الله تعالى في سورة المعارج في الآيات من «4» إلى «7» :«تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنةٍ فاصبر صبراً جميلاً، إنم يرونه بعيداً ونراه قريباً» وليس متفقاً على تفسير أن المراد بهذا اليوم هو اليوم الآخر. وإذا كان المقصود به اليوم الآخر فإنه لم يذكر إلاَّ طول ذلك اليوم، وأنه تعرج الملائكة والروح فيه.. في حين قال في سورة القارعة الآية «1» إلى «3» : «القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة» فكرر ذكرها وعظمها وهولها.. فناسب هذا التعظيم والتهويل أن يذكر أن الجبال تكون فيه كالعهن المنفوش، وكونها كالعهن المنفوش أعظم وأهول من أن تكون كالعهن من غير نفش كما هو ظاهر.. ذكر في سورة المعارج أن العذاب «واقع» وأنه ليس له دافع بقوله تعالى في الآيتين الأوليين :«سأل سائل بعذابٍ واقعٍü للكافرين ليس له دافع»... ووقوع الثقل على الصوف، من غير دفعٍ له لاينفشه بخلاف ما في سورة القارعة، فإنه ذكر القرع وكرره، والقرع ينفشه، وخاصةً إذا تكرر، فناسب ذلك ذكر النفش فيها أيضاً. إن الفواصل في السورتين تقتضي أن يكون كل تعبير في مكانه، ففي سورة القارعة قال تعالى:«يوم يكون الناس كالفراش المبثوث، وتكون الجبال كالعهن المنفوش». فناسبت كلمة «المنفوش» كلمة «المبثوث» .. وفي سورة المعارج قال تعالى:« يوم تكون السماء كالمهلüوتكون الجبال كالعهن» فناسب «العهن» «المهل». ناسب ذكر العهن المنفوش في سورة القارعة أيضاً قوله تعالى في آخر السورة «نارٌ حامية»، لأن النار الحامية هي التي تذيب الجبال، وتجعلها كالعهن المنفوش، وذلك من شدة الحرارة، في حين ذكر صفة النار في المعارج بقوله:« كلا إنها لظى ü نزاعةً للشوى» والشوى :هو جلد الإنسان، والحرارة التي تستدعي نزع جلد الإنسان أقل من التي تذيب الجبال وتجعلها كالعهن المنفوش، فناسب زيادة «المنفوش» في سورة القارعة من كل ناحية.. والله أعلم.