مفهومان قديمان موجودان منذ خلق الله الإنسان، يمسانه ويؤثران في حياته بشكل مباشر، ويختلطان في الأذهان؛ الوسواس القهري، والشيطان! فهل من علاقة بينهما؟ وهل يؤثر أي منهما في الآخر؟ إن الوسواس القهري واحد من المواضيع التي تغيرت الأفكار العلمية بشأنها تغيرا مذهلا خلال العقدين الأخيرين، بحيث إن مفاهيم عمرها يزيد على مئات السنين تم محوها تماما واستبدالها بعكسها خلال بضعة أعوام. وخبرة الوسوسة كخبرة نفسية معرفية وشعورية هي خبرة تحدث في 90% من البشر في كل المجتمعات، ومعنى ذلك أن الوسوسة قديمة قدم العقل البشري ذاته، وبالرغم من ذلك لم يصل إلينا تفسير لها؛ من حيث كونها خبرة بشرية عامة، يسبق التفسير الإسلامي القديم الذي قسمها إلى نوعين هما: وسوسة النفس، ووسوسة الشيطان. وينطبق هذا على مفهوم الشيطان؛ فهو أيضا مفهوم قديم؛ لأنه موجود -وإن كان بصورة غير واضحة- في معظم الحضارات القديمة كقوة مسئولة عن الشر بوجه عام، وهو موجود في الديانة اليهودية وفي الديانة المسيحية أيضا، إلا أن مفهوم الشيطان لم يظهر بشكل واضح كما ظهر في الإسلام، ولا كان هناك ربط ما بين الوسوسة وبين الشيطان قبل الفهم الإسلامي. ونظرا لأهمية هذا الاضطراب وللخلط الحادث في أذهان الناس خاصة في نواحيه المتعلقة بالدين الإسلامي، كانت هذه المحاولة لإظهار الفرق والعلاقة بينهما، وتبيين سبب هذا الخلط.. الوسواس القهري بين الدين والطب النفسي الشيطان بنصّ القرآن الكريم هو الوسواس الخناس، وهو الذي وسوس لآدم ولحواء بأن يأكلا من الشجرة، فتسبب في طردهما من الجنة، كما أن النفس البشرية في الفهم الإسلامي مصدر من مصادر الوسوسة (النفس الأمّارة بالسوء)، إلا أن الوسوسة في تراثنا تعني معنى آخر هو التشدد في الدين، كما تعني الوسوسة العديد من المعاني عند الناطقين بالعربية، مثل الشك والتكرار والخوف على الصحة، إلى آخره. وقد كان لذلك تأثير كبير على تعامل المسلمين مع معطيات البحث العلمي الحديث فيما يتعلق بالوسواس القهري؛ لأن غير الطبيب النفسي إنما يقف حائرا أمام خبرات نفسية يفسرها الشيوخ بشكل ويفسرها الأطباء بشكل مختلف، بينما الحقيقة هي أن ما يتكلم عنه الطبيب النفسي شيء وما يتكلم عنه الشيوخ شيء آخر، بالرغم من التشابه بينهما.