و أمام شجاعة حمادي الأفلح وقف الناس مذهولين ما بين مستخف و غير مصدق فكيف يستطيع هذا " الحمادي " ابن " الحطاب " و ابن " السأبة " أن ينقذ تنكا من شرور الجن ، بل أن يسوقهم مكتوفي الأيادي و الأقدام . و في اليوم المقرر لصعوده الجبل زوده السلطان بالزاد و السلاح ، بل و منحه حصانه القوي . ترقب الناس ما بين خوف و قلق و فرح مشوب بالحذر ، أما غالبية الأهالي فهم غير مصدقين من ان نجاتهم سوف تكون على يد" الفليخان" - كما يحلو للبعض مناداته - لكنهم جميعاً دعوا له بالتوفيق . و كفوا عن تعييره بل و منهم من منحه لقب البطل لأنه في ذينك اليومين خفت الغارات الليلية بشكل ملحوظ . بعد انقضاء اليومين بلياليهما أتاهم حمادي الأفلح أشعث أغبر ، جسمه الطافح بالكدمات و الفجوات ينزف دماً ، نظر الناس إلى ما ورائه تلفتوا عن يمينه ، عن شماله و أمامه و خلفه ليروا الجن ، فلم يروا شيئاً غير هيئة حمادي الافلح ، انهالت عليه كلمات السخرية و التهكم أشد من ذي قبل ، و علق رئيس بيت مال تنكا قائلاً : كيف سيأتي للأفلح ابن السأبة أن يقتل الجن و هو يعجز حتى عن قتل " العردان " . و بينما كان السلطان ينادي السياف ليقطع رأسه ابتسم حمادي الأفلح ابتسامة واسعة قائلاً : لماذا هذه العجلة أيها السلطان ؟ لقد خلصتك و خلصت أهالي تنكا من الجن بل و أتيت بهم مربطين منكسرين راكعين و منذ اليوم لن تقوم لهم قائمة . استبد الغضب بالسلطان و الأهالي يشتتون نظراتهم الهلعة في كل مكان ، و في كل شيء ، فلم يروا أي جني مربوط أو حتى حر . صرخ السلطان بصوت متطاير : إني لا أرى شيئاً سوى سبهللتك أيها الغبي ، و بهدوء بارد جلس حمادى الأفلح مقرفصا فتح " مسبه " و اخرج حزمة شعر سوداء طويلة . لم يتمالك السلطان نفسه ، فهب مزمجراً منادياً السياف ليخلص تنكا من سخرية هذا "الفليخان" الأحمق . بنظرة حزينة قال حمادي الأفلح : لماذا أيها السلطان ؟! لقد أتيت لك فعلاً بالجن المربوطين . انظر أيها السلطان ، و انتم أيها الناس حدقوا .. ففي كل شعرة ثلاث عقدات ، عقدتان في طرفهما و عقدة كبيرة في الوسط . و هذه الشعرة المعقودة هي الجني . نعم إنه الجني ، فكل جني بشعرة انظروا بإمعان . كل جني مربوط ليس بعقدة واحدة و لا اثنتين و انما بثلاث عقد . ستسألون ما علاقة الجن بالشعر, و أين الجن؟ سأجيب على التو : لأن الجن عندما رأونى و أنا أصعد إليهم, و عرفوا مرامى ، تحولوا بلمح البصر إلى شعر ثابت فى الأرض ، قام خادمكم حمادي الأفلح و ابن السأبة أو كما يدللني بعضكم "بالفليحان"وجزهم من جذورهم و عقدهم بتلك العقدات القوية كي لا يتمكنوا .