«حماة البيئة العرب يدخنون».. شعار غير رسمي لاجتماع لوزراء البيئة العرب الشهر المنصرم في الجامعة العربية.. حقاً كان تدخين المسؤولين العرب المعضلة الوحيدة في فعاليات الاجتماع الذي عقد تحت شعار «المناخ يتغير.. فلنستعد».. ويبدو أن العربية لم تبدأ بعد.. حيث اختفى الوزراء البيئيون والحضور وسط غمامات الدخان الكثيفة وهم يدشنون فعاليات نقاشاتهم. الوزراء «الموبوؤون» ضربوا عرض الحائط بكل القوانين التي سعوا لإصدارها في بلدانهم أو سبق وأن أصدرها من سبقهم فيما يتعلق بحظر التدخين في الأماكن المغلقة والعامة، وتعمل على حفظ حقوق غير المدخنين!!.. وغيرها من السياسات والإجراءات التي تشكل جزءاً من برامج وزاراتهم.. ولم تزعزع كاميرات التلفزيون التي تجولت بين المجتمعين سجائرهم المتراوحة بين السيجار الكوبي المنتفخ والسجائر العادية قيد أنملة. قوانين معطلة رغم الكم الهائل من القوانين الصادرة للحد من التدخين في مجتمعنا المحلي إلا أننا لانرى من يتخذ تلك القوانين عملاً يقوم به في الواقع.. فلا الدخان تراجعت سحبه من مكاتب مرافقنا.. ولا وجدنا من يدافع عن حقوق غير المدخنين الذي يستنشقون دخان الغير رغم أنوفهم.. وقلما من تجد الحياء يحمر وجنيته ويستجيب لطلبك بإبطال مفعول السيجارة القاتلة سواء كان في المرفق أو الوظيفة أو في حافلات المواصلات والتجمعات العامة. ثقافة الرفض تموت القوانين والقرارات الرسمية في زحمة ثقافة رفض حقوق الآخرين.. فمتى تكون ثقافتنا متفهمة لوضع الغير، كالثقافة المنتشرة في الكثير من بقاع الدنيا..؟ بالأمس القريب قبل أيام أصدرت فرنسا قراراً حاسماً يمنع التدخين في المطاعم والأماكن العامة.. مع تحديد غرامة مالية باهظة لمن يتجاوز هذا القرار.. وحتى لايعود أولئك المدخنون إلى غيهم عدلت قرارها بتمديد يوم واحد فقط مراعاة للمدمنين كآخر فرصة لهم قبل سريان مفعول القرار بدءاً من أمس الأول.. مع العلم أن فرنسا يتواجد فيها ثلاثة عشر مليوناً ونصف مدخن معظمهم مدمنون بالمعنى الكامل للكلمة، وقبلها بأشهر طبق قرار مماثل في اسكتلندا.. مانتعلمه من كل ذلك.. هو حرص الحكومات والدول على حقوق الآخرين وعدم الإضرار بغير المدخنين، وفي الوقت ذاته تسعى لحماية المدخنين من أنفسهم وتصييق دائرة المتاح أمامهم بتضييق أماكن مزاولة إدمانهم حتى لايكون أمامهم مفر من التخلي عن هذا التصرف ولو بعد حين. حتى في الحانات والبارات!! لن نذهب بعيداً، إذا تحدثنا عما تقوم به «دبي» الإماراتية في إجراءاتها الصارمة المتخذة ضد التدخين في الأماكن العامة ضمن خطتها الاستراتيجية حتى العام 2015م، حيث يواجه أشخاص تم ضبطهم يدخنون في أماكن عامة دفع غرامة قدرها خمسمائة درهم للمخالفة الأولى، وتتضاعف إلى ألف درهم إماراتي في المرة الثانية وأربعة آلاف للمرة الثالثة وهكذا.. هذا فيما يتعلق بالأفراد.. أما مايخص المؤسسات والشركات فهناك غرامات تتراوح مابين عشرة آلاف إلى خمسة عشر ألف درهم في حالة عدم تنظيم التدخين في مرافقها.. وحالياً تسعى حكومة «دبي» إلى إخضاع أماكن الترفيه لقوانين منع التدخين على غرار منعه في مراكز التسوق والمطاعم والمقاهي.. بل وأبعد من ذلك هو عزم المدينة السياحية الأولى في الشرق الأوسط إلى إيجاد أماكن مخصصة للتدخين في النوادي الليلية والحانات التي يتوافد إليها السياح والمقيمون، وفي حال ضبط أحد المدخنين يدخن خارج تلك الأماكن فسيواجه المدخن والمكان لغرامات قاسية. أما نحن.. كل ذلك يحدث من حولنا.. وبينما العالم يقاوم تلك الممارسات الكريهة والقاتلة نرى كل سلوكياتنا تنبئ عن توسع مطرد، وانتشار متنامٍ لظاهرة التدخين.. رغم المعرفة الكبيرة لأضراره المهلكة.. كما أننا لسنا بصدد التعريف بالقدرة الفتاكة للسيجارة الواحدة على القتل بقدر مايهمنا معرفة مدى تطبيق القوانين واحترامها قبل احترام حقوق الآخرين.. ولعل أهم شريحة يتزايد انتشار التدخين بين أوساطها هم الشباب.. فبحسب إحصائيات رسمية فإن 40% من الشباب اليمني والذين تتراوح أعمارهم من 18-24 عاماً يدخنون يومياً!!، غير أن 7% من الشباب والذي يعتبر نفسه غير مدخن «يضطر» للتدخين عند الاختلاط الاجتماعي!! إذا لاحظنا أن غير المدخنين اليمنيين يدخنون عند الالتقاء الاجتماعي أي في مكان عام على الأرجح عند مضغ القات، فإن ذلك يناقض تماماً الحرص المحيط بنا والهادف لمنع التدخين في الأماكن العامة، بينما نجد «أبو يمن» يدفعه المكان العام بوجود من يحبهم وربما كان بينهم أطفال إلى التشجع على التهام أصابع السيجارة القاتلة!! طلاب مدخنون! قلنا إن الشباب أكثر فئات المجتمع إقبالاً على التدخين.. تلك مصيبة.. والمصيبة الأكبر أن 42% من طلاب الجامعات اليمنية «المتنورين علمياً» يدخنون بشكل شبه رسمي.. والأدهى من كل ماسبق أن 50% من طلاب الجامعات من المدخنين وغير المدخنين يعتقدون أن هذا التصرف هو سلوك مقبول وطبيعي، بل والطامة الحقيقية أن 68% منهم يعتبرونها حالة «احتفالية ومبهجة»، وتلك الحالة الأخيرة قال المختصون عنها إنها غير مفاجئة، باعتبار أن أكثر شركات التبغ والسجائر تعلن وتسوق التدخين مركزة على الرسالة المبهجة.. إلا أن غالبية المدخنين من الطلاب يرون أن المهم جداً الإقلاع عن التدخين بعد التخرج.. تلك هي حالتنا وهذا هو واقعنا مع التدخين، مقاومة في الخارج وتراجع مستمر للتدخين والمدخنين، يقابله انتشار وتكاثر للمدخنين عندنا.. وإذا كان الطلاب الأكاديميون ومن يعول عليهم الوطن، ويمتلكون إدراكاً ومعرفة بمخاطر التدخين هم أكثر الفئات سقوطاً وهرولة صوب جرف هار.. لا يعلم سوداويته سوى من عانى تأثيرات الدخان الأبيض.. وإن كان الأمر يعتمد على الوعي والثقافة التي نعاني كثيراً في تغييرها وهي ثقافة احترام حق الغير، بل وأحياناً نسعى لإيجادها من العدم، فهي جهود مصيرها كمصير رماد اشتدت به ريح عاصف طالما وأن الشباب والطلاب أمل الغد غارقون في شبر «دخان»، باعتبار ذلك الشبر من الدخان ثقافة تموت دونه بقية الحقوق والواجبات.