تفتخر الأمة العربية بتاريخ عريق حافل بالكثير من الإنجازات والإبداعات في العديد من مجالات الحياة، ليس أقلها ذاك الإرث الكبير من الكتب والمؤلفات التي خط معالمها فوج من العمالقة والفلاسفة العرب القدماء في مجالات اللغة والأدب والطب والثقافة وغيرها من العلوم الأخرى.. إلا أن ثمة أصواتاً تتعالى مشككة في حجم العلاقة القائمة بين القارئ العربي وواقع فعل القراءة لهذا الإرث من العلوم والمؤلفات بشكل خاص، وواقع فعل القراءة للكتاب بشكل عام. تساؤلات هل نحن فعلاً أمة لا تقرأ؟ ولماذا؟ وهل نحن بعيدون جداً عن الكتاب وقراءته؟ إذن هل الكتاب العربي يعاني من سبات عميق؟ هل ثمة من يوقظه من سباته وينفض عنه غباره؟ ما سبب تفاقم ظاهرة الأمية في أوساط الأجيال العربية المتلاحقة؟ لماذا نتدحرج باتجاه الظلمات؟ ولماذا هذا التجاهل واللا مبالاة نحو حضارتنا من العلوم والثقافة العريقة؟ دور النشر والتوزيع أصحاب دور النشر وتوزيع الكتب يكشفون عن جملة من الإشكالات والعوائق المختلفة التي تشكل في مجملها حسب وجهة نظرهم سياجاً يحول دون تنامي مستوى القراءة لدى القارئ العربي. وهنا يتحدث يوسف العامري صاحب دار نشر شارك في معرض صنعاء الدولي للكتاب والذي عزا في بداية حديثه ضعف انتشار ظاهرة القراءة للكتاب العربي إلى انخفاض المستوى العلمي والمعرفي لدى المواطن العربي، وكذا انتشار ظاهرة الأمية استناداً لما تكشفه الإحصاءات والتقارير الصادرة عن العديد من المنظمات المعرفية والإنسانية المعنية والتي تتحدث عن أرقام مهولة عن الأمية في أوساط الشرائح الاجتماعية والعمرية العربية المختلفة. بالمقابل يشير جبران عبدالرحمن صاحب دار نشر خاصة إلى أسباب وعوامل أخرى تقع ضمن دائرة الاتهام لتراجع وعزوف الناس عن القراءة، وتتمثل في انعدام الثقة التي من المفترض أن تظل قائمة بين القارئ وما يقرأه من كتاب.. منوهاً إلى أن الوضع الراهن حسب رؤيته لعزوف القارئ اليمني خاصة والعربي عامة عن قراءة الكتب راجع إلى عدم ثقتهم فيما ينشر ليصل الحد بهم إلى الاعتقاد بأنه ليس هناك ما هو جدير ويستحق أن يقرأ، وهذه مصيبة المصائب حسب وصفه. من ناحيته شعيب قائد صاحب دار نشر يؤكد أن المعادلة بين القارئ والكتاب أخذت شكلاً من الفعل ورد الفعل.. موضحاً أن تراجع صناعة الكتاب في الأقطار العربية والاهتمام المحدود بها من قبل الجهات والهيئات المعنية مثل الفعل الذي جاءت نتيجة أننا امة لا تقرأ كرد فعل والعكس صحيح حسب وصفه. الأوضاع الاقتصادية إلى ذلك يرى عدد من المثقفين ورؤساء الهيئات الثقافية أن من أسباب تراجع الكتاب ومستوى الإقبال على قراءته يرجع للوضع الاقتصادي المتدهور لدى الغالبية في الوطن العربي، الأمر الذي لا يمكنهم مادياً من شراء الكتب، أو لانشغالهم الدائم في البحث عن لقمة العيش، لذلك ظلوا يعتبرون لقمة الخبز أهم من الحرف، وصحن طعام أهم من جملة مفيدة، وكيساً من المواد الغذائية أهم بكثير من مقال في جريدة أو قصة قصيرة. شاعر وأديب اليمن الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح والمستشار الثقافي لرئيس الجمهورية رأى أن العرب اليوم يقرؤون ولكن بنسبة قليلة.. موضحاً أن الأوضاع الأقتصادية والمعيشية الحاصلة اليوم هي السبب الرئيس، فهي التي تحجم بعض الناس عن القراءة، إضافة إلى ارتفاع سعر الكتاب بالنسبة لبعض الناس وكذا هناك تخوف من النشر لدى بعض الناشرين. ويشير أديب اليمن الكبير إلى أن معدل طباعة الكتاب العربي لا يجد مساحته الكافية، حيث تقوم دور النشر اليمنية مثلاً بطباعة الكتاب من 3 إلى 5 آلاف نسخة فقط، فيما تجد أن الكتاب في أي بلد أوروبي يطبع وينشر من الكتاب أحياناً ملايين النسخ، ولكن هناك أملاً في المستقبل. ويؤكد الدكتور المقالح أهمية تفعيل دور وسائل الإعلام المختلفة في القيام بدورها الصحيح حتى يتسنى لنا إعادة ثقافة القراءة لدى الشعوب العربية، من حيث التوعية والتثقيف بأهمية القراءة والإشارة والحديث عن كتاب ما بين حين وآخر أو كل فترة وأخرى أو أن تخصص الصحافة جزءاً من صفحاتها لعرض ما يستجد من الإصدارات والكتب القيمة.. مشيراً إلى أن هذا الجانب في يمننا العزيز غير موجود أو على نطاق ضيق فقط حسب ذكره. الأمية وفي حين تعد ظاهرة الأمية عائقاً رئيساً أمام الجهود الرامية إلى إحداث نهضة تنموية شاملة في العديد من المجالات في دول الوطن العربي، فإنها تتصدر قائمة الأسباب الرئيسة التي تقف وراء تدني ظاهرة القراءة في الوطن العربي. وتعني الأمية الأبجدية عدم معرفة القراءة والكتابة والإلمام بمبادئ الحساب الأساسية، ويعرف الإنسان الأمي بأنه كل فرد بلغ الثانية عشرة من عمره ولا يلم إلماماً كاملاً بمبادئ القراءة والكتابة والحساب بلغة ما ولم يكن منتسباً إلى مدرسة أو مؤسسة تربوية وتعليمية. ويعزو خبراء التخطيط التربوي انتشار الأمية التي تبلغ أعلى مستوياتها في دول عربية عدة إلى أسباب سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وأبرزها حسب ذكرهم يتمثل في الزيادة السكانية الكبيرة في البلاد العربية، وضعف الكفاية الداخلية لأنظمة التعليم التي تؤدي إلى تسرب الأطفال من التعليم، وعدم تطبيق التعليم الإلزامي بشكل كامل في معظم أقطار الوطن العربي، إضافة إلى عجز معظم الحكومات عن تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية التربوية، وصولاً إلى عدم جدوى الإجراءات التي تتخذها الحكومات بشأن مكافحة الأمية وتعليم الكبار، ناهيك عن تدني مستوى المعيشة وانخفاض مستوى الدخل لدى معظم الأسر العربية. فيما يرجع بعض منهم هذا العزوف عن الكتاب إلى سياسات الحكومات العربية ومؤسساتها الثقافية والتي تعد الجهات المعنية والمسؤولة بمعالجة مسببات تدني علاقة المواطن بالكتاب والقراءة.. منوهين إلى تراجع مداولات سوق الكتاب العربية بيعاً وشراءً وأن حركة النشر العربية تشهد تراجعاً خطيراً ومخيفاً.. محذرين من أن كثيراً من دور النشر العربية تسير وفق مصالحها ومصالحها فقط ويطغى عليها معيار الربح وكم ستكسب. الفضائيات والانترنت بالمقابل يشدد آخرون أن ظاهرة القراءة عند المواطن العربي هي ظاهرة فردية وليست نظامية اجتماعياً كما في المجتمعات الأخرى. رئيس الهيئة العامة للكتاب الدكتور فارس السقاف يرى أن انحسار فعل القراءة لدى أغلب الشباب بأنه يقع بسبب مشاهدة ومتابعة الفضائيات والقنوات المختلفة والانترنت. ويقول: هناك عزوف عن القراءة ولكن هذه العبارة كانت تكتيكية وأرادت أن تحبط العرب، والعرب كأية أمة مرت عليهم ظروف انحطاط وانصرفوا عن القراءة لأنهم كانوا منشغلين بأولوية السكن والدواء والغذاء وتأخرت أولية القراءة.. منوهاً إلى أن السنوات القليلة الماضية شهدت الشعوب العربية صحوة، وقد بدأت هذه الصحوة بقراءات سطحية ثم إقبال فزيادة وتفاعل ورؤية وفي الأخير تتبلور إلى عملية عكسية لقراءة جماعية ودراسة وقراءة لتحقيق المقاصد والأهداف وتعميق الفهم. منظمات دولية منظمة اليونسكو للتربية والثقافة والعلوم توقعت في تقريرها السنوي "التعليم للجميع 2007م" أن يرتفع عدد الأميين في العالم العربي إلى 55 مليون أمي بحلول العام 2015م.. مشيرة إلى أن العام 2000م شهد عدم التحاق أكثر من 6 ملايين طفل بمنظومة التعليم المدرسي الأساسي. ووفقاً لتقرير المنظمة الأممية فإن معدل معرفة القراءة والكتابة بين سكان الوطن العربي يبلغ 54.82%، فيما معدل نشر الكتاب في العالم العربي لا يتجاوز نسبة 7%، وكذلك فإن نصيب كل مليون عربي من الكتب لا يتجاوز ثلاثين كتاباً، مقابل 584 لكل مليون أوروبي، و212 لكل مليون أمريكي. وفي آخر تقرير لها عن أحوال القراءة في الوطن العربي ذكرت المنظمة أن المواطن العربي يقرأ 6 دقائق في السنة بينما المواطن الأوروبي يقرأ ما معدله 6 ساعات سنوياً، وفي الوطن العربي يصدر كتاب لكل 350 ألف مواطن، كما تراجعت صناعة الكتاب في العالم العربي إلى حد لا يتجاوز 29 عنواناً لكل مليون نسمة مقارنة ب725 عنواناً في البلدان المتقدمة. أما حصة الفرد من استهلاك المطبوعات (صحف ومجلات...) فلا يتجاوز نصف كيلو جرام سنوياً في العالم العربي في حين تصل إلى 5.17 كيلو جرام حصة الفرد من المطبوعات في البلدان المتقدمة، فيما الأمية المعلوماتية تزيد عن 98 بالمائة لدى البالغين في العالم العربي.. وأكد تقرير المنظمة أن نسبة الأمية في الوطن العربي مرتفعة مسجلة نسبة تزيد عن 28% لدى البالغين، في حين يوجد نحو 70 مليون أمي بينهم 12 مليون طفل في مرحلة الالتزام الدراسي وهم خارج منظومة التعليم النظامي. بالمقابل تشير الإحصاءات الواردة إلى أن حركة النشر العربية تشهد تراجعاً خطيراً، ووفقاً لتقارير التنمية البشرية الصادرة عن الأمم المتحدة، حيث ورد في تقرير التنمية البشرية الأخير أن أعداد النسخ المطبوعة من الكتاب العربي في المعدل العام بين ألف إلى ثلاثة آلاف، بينما يبلغ عدد النسخ المطبوعة للكتاب في أوروبا وأمريكا عشرات الآلاف. ووفقاً لدراسة حديثة صدرت مؤخراً فإن 76 مليون عربي بنسبة 40% من إجمالي سكان العالم العربي لا يقرؤون. الصعيد المحلي على الصعيد المحلي كشف تقرير حكومي صادر عن جهاز محو الأمية وتعليم الكبار أن عدد الأميين في اليمن ارتفع إلى خمسة ملايين ونصف المليون أمي، يمثل الذكور منهم نسبة 33.3%، والإناث 66.7%. ووفقاً لجهاز محو الأمية وتعليم الكبار فإن البلاد شهدت انخفاضاً في نسبة الأمية في ظل ارتفاع عدد المنخرطين في صفوف محو الأمية، وبحسب تعداد عام 2004، فإنه يوجد في البلاد 5,484,114 أمياً من مجموع السكان البالغ عددهم 21 مليون نسمة، حيث تصل نسبة الأمية إلى 45.7 بالمائة. فيما تبلغ نسبة الأمية بين النساء 62.1 بالمائة في المناطق الريفية مقابل 54.3 بالمائة في المناطق الحضرية، في حين ارتفع عدد فصول محو الأمية إلى 5.888 فصلاً في مختلف أنحاء البلاد، من بينها 5.486 فصلاً مخصصاً للنساء. مناسبة عالمية هذا ويحتفل العالم في السابع عشر من نوفمبر من كل عام باليوم العالمي للقراءة والكتابة، وقد أقيم أول احتفال بهذه المناسبة في ال17 من نوفمبر تشرين الأول من العام 1966م، وذلك بطلب من منظمة اليونسكو للتربية والثقافة والعلوم والتي هدفت إلى تسليط الأضواء على أهمية القراءة والكتابة للأفراد والمجتمعات على حد سواء، فيما يكرّس العالم الثامن من يناير من كل عام للاحتفاء باليوم العالمي لمحو الأمية.