تفخر الأمة العربية بتاريخ عريق حافل بالكثير من الإنجازات والإبداعات المعرفية في العديد من مجالات الحياة، ليس اقلها ذاك الإرث الكبير من الكتب والمؤلفات التي خط معالمها فوج من العمالقة والفلاسفة العرب القدماء في مجالات اللغة والأدب والطب والثقافة وغيرها من العلوم الأخرى..الا ان ثمة أصواتاً تتعالى مشككة في حجم العلاقة القائمة بين القارئ العربي وواقع فعل القراءة لهذا الإرث من العلوم والمؤلفات بشكل خاص، وواقع فعل القراءة للكتاب بشكل عام . تساؤلات فهل نحن فعلاً امة لا تقرأ ؟ ولماذا ؟ وهل نحن بعيدون جداً عن الكتاب وقراءته ؟ إذاً هل الكتاب العربي يعاني من سبات عميق ؟ هل يوجد من يوقظه من سباته وينفض عنه الغبار ؟ ما سر تفاقم ظاهرة الأمية في أوساط أجيالنا المتعاقبة ؟ لماذا نتدحرج باتجاه الظلمات؟ ولماذا هذا التجاهل واللامبالاة نحو حضارتنا العريقة من العلوم والثقافة ؟ تدهور إقتصاد الغالبية بداية يرى عدد من المثقفين ورؤساء الهيئات الثقافية أن من أسباب تراجع الكتاب ومستوى الإقبال على قراءته يرجع للوضع الاقتصادي المتدهور لدى الغالبية في الوطن العربي الأمر الذي لا يمكنهم مادياً من شراء الكتب، او لانشغالهم الدائم في البحث عن لقمة العيش، لذلك ظلوا يعتبرون لقمة الخبز أهم من الحرف، وصحن طعام أهم من جملة مفيدة، وكيساً من المواد الغذائية أهم بكثير من مقال في جريدة أو قصة قصيرة.شاعر وأديب اليمن الكبير والمستشار الثقافي لرئيس الجمهورية الدكتور عبدالعزيز المقالح يرى ان العرب اليوم يقرأون ولكن بنسبة قليلة.. موضحاً ان الأوضاع الإقتصادية والمعيشية الحاصلة اليوم هي السبب الرئيس فهي التي تحجم بعض الناس عن القراءة إضافة الى ارتفاع سعر الكتاب بالنسبة لبعض الناس وكذا هناك تخوف من النشر لدى بعض الناشرين. ويقول الأديب المقالح : «إن معدل طباعة الكتاب العربي لا يجد مساحته الكافية حيث تقوم دور النشر اليمنية مثلاً بطباعة الكتاب من 3 الى 5 آلاف نسخة فقط فيما تجد أن الكتاب في اي بلد أوروبي يطبع و ينشر من الكتاب أحياناً ملايين النسخ ولكن هناك أمل في المستقبل”. ويؤكد الدكتور عبدالعزيز المقالح أهمية تفعيل دور وسائل الاعلام المختلفة في القيام بدورها الصحيح حتى يتسنى لنا إعادة ثقافة القراءة لدى الشعوب العربية ، من حيث التوعية والتثقيف بأهمية القراءة والاشارة والحديث عن كتاب ما بين حين واخر او كل فقرة وأخرى او ان تخصص الصحافة جزءاً من صفحاتها لعرض ما يستجد من الاصدارات والكتب القيمة.. مشيراً الى أن هذا الجانب في يمننا العزيز غير موجود او على نطاق ضيق فقط حسب ذكره . أسباب ضمن دائرة الاتهام بدورهم أصحاب دور النشر وتوزيع الكتب يكشفون عن جملة من الإشكاليات والعوائق المختلفة التي تشكل في مجملها - حسب وجهة نظرهم- سياجاً يحول دون تنامي مستوى القراءة لدى القارئ العربي . وهنا يتحدث يوسف العامري “ صاحب دار نشر «شارك في معرض صنعاء الدولي للكتاب» والذي عزا في بداية حديثه ضعف انتشار ظاهرة القراءة للكتاب العربي الى انخفاض المستوى العلمي والمعرفي لدى المواطن العربي، وكذا انتشار ظاهرة الأمية استناداً لما تكشفه الاحصائيات والتقارير الصادرة عن العديد من المنظمات المعرفية والإنسانية المعنية والتي تتحدث عن أرقام مهولة عن الأمية في أوساط مختلف الشرائح الاجتماعية والعمرية في المجتمعات العربية . في المقابل يشير جبران عبدالرحمن “ صاحب دار نشر خاصة” إلى أسباب وعوامل أخرى تقع ضمن دائرة الاتهام لتراجع وعزوف الناس عن القراءة, وتتمثل – حسب ذكره - في انعدام الثقة التي من المفترض ان تظل قائمة بين القارئ وما يقرأه من كتاب.. منوهاً إلى ان الوضع الراهن حسب رؤيته لعزوف القارئ اليمني والعربي عامة عن قراءة الكتب راجع الى عدم ثقتهم فيما ينشر ليصل الحد بهم إلى الاعتقاد بأنه ليس هناك ما هو جدير ويستحق ان يقرأ وهذه مصيبة المصائب حسب وصفه . من ناحيته” شعيب قائد - صاحب دار نشر «يؤكد ان المعادلة بين القارئ والكتاب أخذت شكلاً من الفعل ورد الفعل.. موضحاً ان تراجع صناعة الكتاب في الأقطار العربية والاهتمام المحدود بها من قبل الجهات والهيئات المعنية مثل الفعل الذي جاءت نتيجة اننا امة لا تقرأ كرد فعل والعكس صحيح حسب وصفه . الأمية تتصدر قائمة الأسباب وفي حين تعد ظاهرة الأمية عائقاً رئيسياً أمام الجهود الرامية الى إحداث نهضة تنموية شاملة في العديد من المجالات في دول الوطن العربي..، فإنها تتصدر قائمة الأسباب الرئيسية التي تقف وراء تدني ظاهرة القراءة في الوطن العربي وتعني “الأمية الأبجدية” عدم معرفة القراءة والكتابة والإلمام بمبادئ الحساب الأساسية ويعرف الإنسان الامي بأنه كل فرد بلغ الثانية عشرة من عمره ولايلم إلماماً كاملاً بمبادئ القراءة والكتابة والحساب بلغة ما ولم يكن منتسباً آلي مدرسة آو مؤسسة تربوية وتعليمية ويعزو خبراء التخطيط التربوي انتشار الأمية التي تبلغ أعلى مستوياتها في دول عربية عدة، إلى أسباب سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وأبرزها حسب ذكرهم يتمثل في الزيادة السكانية الكبيرة في البلاد العربية، وضعف الكفاية الداخلية لأنظمة التعليم التي تؤدي الى تسرب الاطفال من التعليم، وعدم تطبيق التعليم الإلزامي بشكل كامل في معظم أقطار الوطن العربي، اضافة الى عجز معظم الحكومات عن تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية التربوية، وصولاً الى عدم جدوى الاجراءات التي تتخذ الحكومات بشأن مكافحة الامية وتعليم الكبار، ناهيك عن تدني مستوى المعيشة وانخفاض مستوى الدخل لدى معظم الأسر العربية . فيما يرجع بعض منهم هذا العزوف عن الكتاب إلى سياسات الحكومات العربية ومؤسساتها الثقافية باعتبارها جهات معنية تقع عليها مسؤولة معالجة مسببات تدني علاقة المواطن بالكتاب وقراءته .. منوهين الى تراجع مداولات سوق الكتاب العربية بيعاً وشراء وان حركة النشر العربية تشهد تراجعاً خطيراً ومخيفاً.. محذرين من ان كثيراً من دور النشر العربي تسير وفق مصالحها ومصالحها فقط حيث يطغى عليها معيار الربح وكم ستكسب. على الصعيد المحلي ووفقاً لجهاز محو الأمية وتعليم الكبار فان البلاد شهدت انخفاضاً في نسبة الأمية في ظل ارتفاع عدد المنخرطين في صفوف محو الأمية. حيث ارتفع عدد فصول محو الأمية إلى 5,888 فصلاً في مختلف أنحاء البلاد، من بينها 5,486 فصلاً مخصصاً للنساء. ظاهرة فردية بالمقابل يشدد آخرون على ان ظاهرة القراءة عند المواطن العربي هي ظاهرة فردية وليست نظاماً اجتماعيا كما في بقية المجتمعات الأخرى . رئيس الهيئة العامة للكتاب الدكتور فارس السقاف يرى ان انحسار فعل القراءة لدى أغلب الشباب يقع بسبب مشاهدة ومتابعة الفضائيات والقنوات المختلفة والانترنت . ويقول: «هناك عزوف عن القراءة ولكن هذه العبارة كانت تكتيكية وأرادت أن تحبط العرب ، والعرب كأي أمة مرت عليهم ظروف انحطاط وانصرفوا عن القراءة لأنهم كانوا منشغلين بأولوية السكن والدواء والغذاء وتأخرت اولوية القراءة .. منوهاً الى ان السنوات القليلة الماضية شهدت الشعوب العربية صحوة، وقد بدأت هذه بقراءات سطحية ثم إقبال فزيادة وتفاعل ورؤية وفي الأخير تتبلور إلى عملية عكسية للقراءة جماعية ودراسة وقراءة لتحقيق المقاصد والأهداف وتعميق الفهم. 70 مليون عربي «أميون»: الى ذلك أفاد تقرير لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم «اليونسكو» نُشر مؤخراً أن عدد الأُمّيين في الدول العربية يصل إلى نحو 70 مليوناً، وأن ثلثي هذا الرقم من النساء، في الوقت الذي يصل فيه مجموع السكّان في هذه الدول إلى 320 مليون نسمة. منظمة اليونسكو ذكرت في تقريرها السنوي 2008م، الذي نُشر ضمن فعاليات مؤتمر إقليمي حول تعليم الكبار في تونس مؤخراً - ذكرت أن نحو 40 % من الأشخاص الذين تجاوزوا سن ال 15 عاماً هم أُمّيون. وجاء في التقرير الذي أُعدّ بناء على المعطيات التي قدمتها دول المنطقة: «أن حوالي 6 ملايين طفل في سنّ مرحلة الالتزام الدراسي وهم خارج منظومة التعليم النظامي، بينهم 60 % من الفتيات. وأضاف التقرير:«إن هذه ظاهرة الأمية تنتشر بصورة خاصة في الدول ذات الكثافة السكانية الكبيرة، مثلما هو حاصل في كل من مصر والمغرب والسودان حسب ما ذكرت اليونسكو . وأوضح التقرير أن التحديات الرئيسة التي تواجه الدول العربية تتمثّل في القصور في المعرفة والموارد البشرية وضعف مشاركة المرأة وانعدام الحرية الكاملة، وان المنطقة تشهد أدنى معدل لاستخدام تقنيات المعلومات، والاتصال بالعالم، حيث إن نحو 0,6 % فقط من السكّان يستخدمون الانترنت، المنظمة الدولية “اليونسكو” أعربت عن أملها بأن تلعب المنظمات غير الحكومية أدواراً متزايدة في جهود محو الأمية خاصة أن بعضها نجح بالفعل في مجالات أخرى خدمية وحيوية . وفي آخر تقرير لها عن أحوال القراءة في الوطن العربي ذكرت المنظمة أن المواطن العربي يقرأ 6 دقائق في السنة، بينما المواطن الأوروبي يقرأ ما معدله 6 ساعات سنوياً ، وفي الوطن العربي يصدر كتاب لكل 350 الف مواطن ، كما تراجعت صناعة الكتاب في العالم العربي الى حد لا يتجاوز 29 عنواناً لكل مليون نسمة مقارنة ب 725 عنواناً في البلدان المتقدمة . ووفقا لتقرير المنظمة الأممية فإن معدل نشر الكتاب في العالم العربي لا يتجاوز نسبة %7، كما إن نصيب كل مليون عربي من الكتب لا يتجاوز ثلاثين كتاباً، مقابل 584 لكل مليون أوروبي، و212 لكل مليون أمريكي . أما حصة الفرد من استهلاك المطبوعات ( صحف ومجلات ..) فلا يتجاوز نصف كيلو جرام سنوياً في العالم العربي في حين تصل إلى 5.17 كيلو جرام حصة الفرد من المطبوعات في البلدان المتقدمة، فيما الأمية المعلوماتية تزيد عن 98 بالمائة لدى البالغين في العالم العربي بالمقابل تشير احصائيات عربية الى ان حركة النشر العربية تشهد تراجعاً خطيراً، ووفقاً لتقارير التنمية البشرية العربية، فإن أعداد النسخ المطبوعة من الكتاب العربي في المعدل العام بين ألف الى ثلاثة آلاف، بينما يبلغ عدد النسخ المطبوعة للكتاب في أوروبا وأمريكا عشرات الآلاف. مناسبة عالمية : يذكر ان العالم يحتفل في السابع عشر من نوفمبر من كل عام باليوم العالمي للقراءة والكتابة، وقد أقيم أول احتفال بهذه المناسبة في ال 17 من نوفمبر«تشرين الاول» من العام 1966م وذلك بطلب من منظمة اليونسكو للتربية والثقافة والعلوم والتي هدفت الى تسليط الاضواء على أهمية القراءة والكتابة للأفراد والمجتمعات على حد سواء ، فيما يكرس العالم الثامن من يناير من كل عام للاحتفاء باليوم العالمي لمحو الامية .