أثارت قضية ضبط أحد خبراء شركة نفطية بتهمة تهريب آثار في مطار صنعاء الدولي يوم الخميس الماضي عدداً من التساؤلات حول آليات عمل شركات النفط في المواقع الأثرية ودور الجهات المعنية في مراقبة أداء نشاطات هذه الشركات في نطاق المواقع الأثرية. وحسب بيانات رسمية مستقاة من واقع محاضر الضبط الرسمية فقد تم خلال الشهور الأربعة الأخيرة ضبط خمس محاولات تهريب آثار، جميع المتهمين فيها من خبراء شركات النفط العاملة في اليمن. وتجاوز مجموع المضبوطات الأثرية في هذه المحاولات ثمانين قطعة أثرية ما بين تماثيل وسهام وقطع نقدية وغيرها بعضها قطع مقلدة. ووفقاً لتلك المحاضر فإن المحاولة الأولى كانت في بداية العام بتاريخ 24 يناير، حيث تم ضبط خبير ايطالي في مجال الغاز بحوزته ستة تماثيل، فيما ضبط خبير ايطالي بتاريخ 4 مارس وبحوزته ستة تماثيل برونزية، إلى جانب ضبط خبير ايطالي آخر بتاريخ 23 مارس وبحوزته ستة تماثيل برونزية و17 لوحاً حجرياً، و12من رؤوس السهام وثلاث تمائم نحاسية.. وفي الرابعة تم ضبط خبير فرنسي بتاريخ 26 مارس بحوزته تماثيل برونزية وسهام. هذه المحاولات كانت يوم الخميس الفائت بتاريخ الأول من مايو تم فيها ضبط خبير فرنسي بحوزته 8 تماثيل برونزية و5 تماثيل حجرية مزورة و15 عملة في خط المسند و3 أختام حجرية. نيابة الآثار بأمانة العاصمة بدأت تحقيقاتها في قضية الخبير الفرنسي المضبوط بتهمة تهريب آثار يوم الخميس بمطار صنعاء وأقرت النيابة حبس المتهم الفرنسي أيفس البرت (58 عاماً) سبعة أيام على ذمة التحقيق، تمهيداً لإحالته إلى المحاكمة بتهمة تهريب قطع أثرية نادرة. ووجهت النيابة برئاسة عبدالإله القرشي للمتهم الفرنسي، تهمة الشروع في تهريب قطع أثرية تشمل ثمان قطع أصلية هي تماثيل أدمية برونزية إحداها لامرأة، و تمثال لوعل، وترتكز على قواعد مكتوب عليها أسماء آلهة وأعلام، و15 عملة مسندية ذات قيم مختلفة تحمل نقوشاً مسندية، بالإضافة إلى تماثيل حجرية من حجر الحرض، وختم ورأس آدمي مقلدة غير أصلية. وكانت الجهات المختصة بمطار صنعاء الدولي ضبطت الخميس الماضي الفرنسي الذي يعمل لحساب إحدى الشركات النفطية وبحوزته مجموعة تماثيل برونزية، وعملات نقدية أثرية قديمة وهو في طريق عودته على متن طائرة خاصة بالشركة التي يعمل فيها قادمة إلى صنعاء من شبوة. وزارة الثقافة أبدت قلقاً مما كشفت عنه عمليات ضبط محاولات تهريب الآثار من قبل خبراء شركات نفطية مؤخراً. وقال مدير عام الآثار في الوزارة أحمد الروضي: "الوزارة بصدد مخاطبة وزارة النفط والشركات النفطية التي ينتمي إليها الخبراء المضبوطون بخصوص تحمل مسؤولياتها تجاه حماية الآثار". وأضاف لوكالة الأبناء اليمنية (سبأ): "تعد الوزارة حالياً مذكرات رسمية ستوجه إلى وزارة النفط لانتداب مراقبين من هيئة الآثار والمتاحف لدى كل شركات النفط والغاز العاملة في البلاد". واعتبر الروضي تزايد ضبط محاولات تهريب خبراء النفط لقطع أثرية مؤشراً خطيراً يضيف مشكلة جديدة للمشاكل التي يعاني منها قطاع الآثار الذي بات يتعرض لمخاطر من الداخل والخارج. وقال: "سنتابع هيئة الآثار للإسراع في رفع تقرير شامل عن هذه العمليات ليتسنى لنا رفع تقرير للوزير لمخاطبة وزارة النفط والمعادن التي بدورها ستخاطب الشركات النفطية لتحمل مسؤولياتها الكاملة إزاء حماية الآثار والتعاون مع مندوبي هيئة الآثار الذين سيتم تعيينهم كمراقبيين آثاريين لدى هذه الشركات لمتابعة سير أعمال المشاريع في المواقع الأثرية". وأشار الروضي إلى أن القطع الأثرية المضبوطة وهي في طريقها إلى خارج اليمن ليست سوى محاولات فاشلة".. بينما هناك بالتأكيد محاولات أخرى نجحت في تهريب قطع أثرية إلى خارج البلاد. وكشف عن بعض الأساليب المستخدمة لتهريب الآثار من قبل خبراء شركات النفط بعيداً عن رقابة أجهزة الأمن.. مبيناً في هذا الصدد أن طائرات الشركات النفطية لا تخضع في الغالب للتفتيش ويتم فيها تكديس القطع الأثرية ضمن صناديق قطع غيار المعدات الميكانيكية التي تخص حقول النفط". وطالب بتطبيق القانون على كل من يتثبت إدانته بتهريب الآثار أياً كانت جنسيته ليكون عبرة لمن تسوّل له نفسه المتاجرة بكنوز تاريخ اليمن وحضاراته التليدة. وقال: "الإدارة العامة للآثار والمدن التاريخية بوزارة الثقافة رفعت للوزير عدداً من المقترحات لتطوير العمل في قطاع الآثار ومتابعة تجار الآثار وبخاصة في مناطق الجوف ومارب وغيرها من المناطق التي بدأت فيها مؤخراً أعمال نبش واسعة قبيل بدء العمل في المشروع القطري للتنقيب عن الآثار". وشدد الروضي تكاتف كافة الجهود الوطنية لحماية المواقع الأثرية من العبث والتصدي الحازم لكل من يسعون إلى نهب القطع الأثرية وتهريبها.. منوهاً في ذات الإطار إلى أهمية مضاعفة جهود هئية الآثار للاضطلاع بكامل مسؤولياتها ومهامها الرقابية والإشرافية على أكمل وجه، ووضع حد لعمليات تهريب الآثار بالتعاون مع الجهات المعنية، وكذا عدم التهاون في اتخاذ الإجراءات القانونية في حماية المواقع الأثرية والمتاحف وتمكين الفرق الأثرية من أداء مهامها على أكمل وجه وتفعيل الرقابة الصارمة على أي نشاط للشركات النفطية في المواقع الأثرية. ونبه إلى أنه كان يفترض على تلك الشركات أن لا تمارس أي نشاط في أي موقع أثري إلا بموافقة مسبقة من هيئة الآثار وتحت إشراف كامل لمندوبي الهيئة المختصين بالتعامل مع الآثار. مدير عام مكتب الآثار في محافظة شبوة محسن خيران الزبيدي قال من جانبه: "الشركة العاملة في شبوة التي يعمل بها الخبير المضبوط وبحوزته قطع أثرية حاول تهريبها لم تطلب منا العمل معها، بل عملت على توظيف أربعة من خريجي الآثار اليمنيين بالإضافة إلى فريقها المستقدم من المعهد الفرنسي للآثار والمعهد الألماني للآثار واللذين يعملان منذ عام 2005 على طول خط أنبوب نقل الغاز من صافر و حتى بلحاف". ويستدرك الزبيدي قائلاً: "بعض موظفي المكتب عملوا مع فريق الشركة عشرين يوماً فقط, وانسحبوا إثر رفض الشركة إشراك أية كوادر من خارجها في أعمال التنقيبات الأثرية على طول خط المشروع!!". وتشير معلومات حديثة أصدرها المعهد الفرنسي للآثار والمعهد الألماني للآثار أنه تم اكتشاف 171 موقعاًَ أثرياً على طول خط الأنبوب منها ثلاثة مواقع في غاية الأهمية معظمها تتمثل في مقابر ومدافن تعود إلى عصور ما قبل التاريخ. ويقول مدير عام مكتب الآثار في محافظة شبوة: إن عمليات نبش وتهريب الآثار من خبراء شركات النفط ستظل قائمة طالما ظلت نشاطات تلك الشركات في المواقع الأثرية بعيدة عن إشراف هيئة الآثار. ويشير إلى أن الآثار المهربة قد لا تقتصر فقط على الآثار المكتشفة في شبوة، إذ قد تكون من مناطق أخرى في مارب والجوف وغيرهما فضلاً عن أن الآثار المكتشفة في بلحاف وهي في معظمها مقابر تعود إلى ما قبل التاريخ. ويتابع قائلاً: "تهريب آثار من خارج شبوة عبر خبراء شركات نفط عاملة في المحافظة لا يقلل من حجم المشكلة، فالآثار يمنية سواء كانت من مارب أو من الجوف أو من غيرهما". وأشاد الزبيدي بيقظة الأجهزة الأمنية بمطار صنعاء والنجاحات المتتالية التي أحرزتها في إحباط عدة محاولات لتهريب الآثار. وكان مدير عام حماية الآثار والمقتنيات الأثرية بالهيئة العامة للآثار والمتاحف قد دعا في تصريح ل"سبأ" أمس الجهات المشرفة على الشركات النفطية العاملة إلى تحمل مسئولياتها في الرقابة على تلك الشركات، وعلى وسائل النقل المختلفة التي تستخدمها للانتقال في أعمالها من وإلى مواقع، وكذل وضع الضوابط بما يضمن عدم تكرار مثل هذه الأعمال، باعتبار أن المسئولية في الحفاظ على المواقع الأثرية والآثار مسئولية جماعية، مطالباً هذه الشركات احترام الأنظمة والقوانين النافذة في البلاد التي تعمل بها تلك الشركات.