الغرب .. هذا المصطلح الذي أصبحنا نتداوله للتعبير عما يأتينا من دول أوروبا وأمريكا من الصناعات والتكنولوجيا والاكتشافات حتى القرارات السياسية .. حتى أصبح الغرب يسيطر على معظم وسائل الحياة الإعلامية والسياسية والتكنولوجيا .. هذه الهيمنة البشرية ليست وحيدة الاتجاه وليست هي الفريدة فقط ولا يمكن اعتبارها بيضة الديك فالظواهر الكونية أيضا دخلت ميدان السيطرة الغربية لما يأتي إلى الشرق .. وأقصد بذلك الأشعة الكونية Cosmic Rays فهي أيضا تأتي من الغرب , فكيف ذلك ؟! في البداية اعتذر عن هذه النبرة التي بدأت بها هذا المقال والتي قد يكون فيها بعض آثار التشاؤم والتطير وهي ليست كذلك وليس من طبعي التطير أو التشاؤم . بل هي من باب الإفصاح عن مكنونٍ نفسي وانعكاس لوضع بشري دعمته ظواهر الكون ونواميسه , ولكي لا نخرج عن الحدود العلمية فيمكن أن نسميها " بالتطير العلمي", وهو ليس كالتطير السيسيولوجي أو السيكولوجي فالأخير من الشرك الأصغر . أما في عقيدة العلم البحت فالتطير الذي نقصد به تعدد المسارات وتعدد الغايات والأهداف فهو جائز, وفي ميدان العلم البحت الغاية تبرر الوسيلة بعكس العلوم الإنسانية .. على العموم نعود إلى ما بدأنا عنه وهو الحديث عن الأشعة الكونية وتصديرها من الغرب المسيطر إلى الشرق المسكين ؟؟ في البداية سنحاول أن نسلط الضوء على ماهية الأشعة الكونية وكيف تتكون وما هو المنبع الأول لها ؟ تتنبأ النظريات العلمية إلى أن الأشعة الكونية تأتي من مكان ما خارجا في الفضاء فقد اقترح الفيزيائي الايطالي فيرمي أن الأشعة الكونية تمتلك أصلا في الفضاء البعيد بين النجوم وتعجل إلى طاقات عالية . وهي تنتقل بسرعة عظيمة تقترب من سرعة الضوء ويمكن حرفها بالمجالات المغناطيسية الكوكبية أو تلك التي توجد بين المجرات وتتميز في كونها دقيقة منفردة وأنها تمتلك طاقة تبلغ 1019 eV وهذه الطاقة تكون في بداية انبعاثها وقبل دخولها المجالات والطبقات المختلفة للفضاء والطبقات الأرضية , ولكن الطاقة المجتمعة للأشعة كونية والتي تدخل الغلاف الجوي هي حوالي 10 ميكرو وات في المتر المربع , وهذه تساوي الطاقة المنبعثة من ضوء النجم تقريبا. ففي ضوء النجم تكون طاقة فوتون واحد بضع وحدات الإلكترون فولت مقارنة مع معدل طاقة الدقيقة الواحدة في الأشعة الكونية البالغ (6 GeV (6 مليار إلكترون فولت) . إن تركيب الأشعة الكونية الداخل إلى جو الأرض أصبح معروفا بشكل جيد في الوقت الحاضر . حيث وجد أن الأشعة الكونية الأساسية تتكون بصورة رئيسية من بروتونات سريعة كما يوجد عدد قليل جدا من البوزيترونات والالكترونات والفوتونات . وأن تركيب الجزيئة أساسا هو (92%) بروتونات و(7%) جسيمات ألفا و (1%) نوى ثقيلة مثل الكربون والنتروجين والأوكسجين والحديد والكوبالت والنيكل في حالتها المتأنية (أي أنها فقدت الكتروناتها). كما أن معدل الطاقة لدفق الأشعة الكونية هو 6eV بقيمة قصوى تبلغ (1010GeV (مع العلم أن أكبر طاقة لدقيقة معجلة اصطناعيا هي 300(GeV) . دخول الأشعة الكونية إلى جو الأرض تتصادم بسرعة مع ذرات الغلاف الجوي بطبقاته المحيطة بالأرض منتجة بذلك عدد كبير من الدقائق الثانوية بشكل شلالات . فعندما يصطدم بروتون مع نوى ذرة أوكسجين أو نتروجين ينتج شلالاً نووياً صغيراً . وهذه الإشعاعات الجوية الثانوية تحتوي على عدة دقائق جديدة متعادلة ومتأينة إضافة إلى فوتونات نفاذة (فوتونات أشعة جاما) لكنها قليلة أي يبقى فقط نسبة ضئيلة من الإشعاع الكوني على قيد الحياة عند مستوى سطح البحر . وتتكون الأشعة الكونية عند مستوى سطح البحر من حوالي (75%) ميونات (ميزونات m (الميونات عبارة عن جسيمات أولية ذات كتلة حوالي 207 مرة قدر كتلة الإلكترون), وحوالي (25%) الكترونات وبروتونات بالإضافة إلى بعض جسيمات ألفا وفوتونات جاما ولكن بنسبة ضئيلة .. لقد أظهرت المشاهدات الحديثة لقياسات شدة الأشعة الكونية, أن الشمس نفسها يجب أن تكون بالحقيقة المصدر الأصلي على الأقل لبعض الجسيمات الأولية ذات الطاقة الواطئة, لأنها في أوقات التوهج الشمسي تزداد شدة الأشعة الكونية . على كل حال وحيث أن الأشعة الكونية موحدة الخواص - متماثلة - في جميع الاتجاهات على الأرض فبالتالي فإن أصلها الشبيه بالمصدر النقطي كالشمس يكون مستبعدا ولذا يجب أن ينظر إلى مسافات ابعد بكثير في أعماق الفضاء كما اقترح فيرمي . التأثير المغناطيسي للأشعة الكونية : تمتلك الأرض مجالا مغناطيسيا ذو عزم مغناطيسي يبلغ حوالي (1019) بوحدات النظام العالمي بمجال مغناطيسي كثافة تدفقه حوالي (30mT (عند خط الاستواء كما في الشكل . وحيث أن الأشعة الكونية عبارة عن جسيمات مشحونة (في الغالب بروتونات كما أسلفنا) فإنه وطبقا لقوانين الكهرومغناطيسية يحصل نوع من التأثير المتبادل بين الجسيمات والمجال المغناطيسي ويصل هذا التأثير إلى أقل مدى له عند القطبين حيث تكون خطوط المجال موازية لاتجاه الأشعة الكونية , بينما تكون القوة المغناطيسية المؤثرة في أقصى قيمة لها عند خط الاستواء حيث تكون خطوط المجال عمودية على اتجاه الأشعة الكونية . وبما أن المجال المغناطيسي للأرض متجه من الجنوب إلى الشمال فوق سطح الأرض , وعلى فرض أن أغلبية الدقائق الأساسية مشحونة إيجابا , فإن نوى ذرات الأشعة الكونية المتحركة تنحرف نحو الشرق وذلك طبقا لقاعدة موتور اليد اليسرى في الكهرومغناطيسية . وهذا بدوره يعطي تأثيرا شرق - غرب والذي يجعل السمة الغالبة للأشعة الكونية غربية أكثر من كونها شرقية وبزيادة حوالي (20%) عن تلك القادمة من الشرق . وهكذا فإن الأشعة الكونية تأتي من الغرب بسرعة أكبر من الدقائق القادمة من الشرق مما يعمق هيمنة الغرب على الشرق المسكين . حقيقة كون معظم الأشعة الكونية تأتي من الغرب إلى الشرق بتأثير المجال المغناطيسي الأرضي يدعم فرضية كون الغالبية العظمى من هذه الأشعة دقائق موجبة الشحنة إذ لو كانت سالبة لاتجهت من الشرق إلى الغرب وليس العكس [email protected]