{ .. بعض القضايا مع الأسف الشديد لا تأخذ حقها من الاهتمام وتسليط الأضواء ، على الرغم من خطورة هذه القضايا وإفرازاتها وما تخلفه من تراكمات على الأصعدة الجمعية والاقتصادية والأمنية. من هذه القضايا تتبدى القضية المرورية التي مازالت حتى اليوم تشكل هاجساً مقلقاً يلقي بمزيد من الظلال القاتمة على الحياة اليمنية، والمسألة هنا ليست مرتبطة برؤى عارضة قد تصيب أو تخطئ، بل تخضع للإحصائيات والأرقام التي تؤكد أن أعداد الذين سقطوا ويسقطون في الحوادث المرورية أكثر بكثير من أعداد ضحايا الأوبئة والكوارث والحروب والصراعات الداخلية التي مرّت بها البلاد على مدى عقود طويلة من الزمن. .. محمد قطابش وعندما نناقش هذه القضية فإن أكثر ما يستوقف المرء هو تصاعد المشكلة المرورية وارتفاع منسوب ضحاياها من عام لآخر برغم المعايشة المستمرة للقواعد المرورية وتتابع جرعات التوعية والحملات التي تستهدف الارتقاء بالوعي الجمعي، لاسيما في المناسبات ذات الخصوصية مثل أسبوع المرور العربي وغيرها من الفعاليات المهتمة بجوانب التوعية المرورية!! ولأن المشكلة تبدو على درجة كبيرة من التداخل والتعقيد فإن هناك من يرى في زيادة منسوب الحوادث المرورية وارتفاع أعداد الضحايا من عام لآخر ماهي إلا نتيجة طبيعية لتدني الوعي المروري في أوساط أفراد المجتمع في ظل تصور رسالة التوعية التي لا تظهر إلا بشكل مناسباتي، كثقافة سائدة لدى الجهات المرورية والواجهات الإعلامية والثقافية التي تصر على التعامل المناسباتي مع هذه القضية، مما يضاعف من مشكلة الوعي التي تتلاشى بمجرد انتهاء الفعالية!! ورؤية هؤلاء تتعارض كثيراً مع رؤى الطرف الآخر التي تؤكد أن التعايش المستمر مع القواعد المرورية على مدى عقود زمنية طويلة، إضافة إلى الجهد الذي تبذله الجهات المرورية ووسائط التوعية بشكل دائم ليس العائق الذي يجابه تصادم الأزمة المرورية، وتفاقم منسوب الحوادث وارتفاع أعداد الضحايا من عام لآخر، حيث المسألة مرتبطة بالسائق الذي يتعامل مع القضية المرورية بكثير من التجاهل وعدم الاكتراث، فالسائق مثلاً يدرك أهمية المفاقدة المستمرة والدورية للسيارة في التقليل من وقوع الحوادث ومع ذلك لا يلقي بالاً للأمر، بل إن لديه الاستعداد أن يقذف بمثل هذه القاعدة الخاصة بالسلامة المرورية على قارعة الطريق!! والأمر ينساب على تعمد السائق إهمال التقيد بالشاخصات والإشارات المرورية المتناثرة على الطرق، برغم معرفته بما تتضمنه من إرشادات وتعليمات هو المستفيد الأول من الالتزام بها، وهذه مشكلة تبدو مرتبطة بثقافة سلبية تتعاطى مع الإهمال واللا مبالاة و«خالف تعرف» وغيرها من الجوانب التي تسهم في تصاعد الأزمة المرورية. وعودة للحديث عن المناسبات المرورية التي تشهد الكثير من الحملات المرورية وتكثيف الجانب التثقيفي التوعوي المرتبط بالمرور علينا أن نقف بجدية أمام النتائج التي خرج بها «أسبوع المرور العربي» الذي غادرنا قبل أيام قلائل والذي يعد أبرز فعالية خاصة بالجانب المروري على مدار السنة.. والحديث بطبيعة الحال تكون له نكهة خاصة عندما يستند على الرقم والإحصائية إلى جانب المعلومة ولغة الأرقام، فقد جاء أسبوع المرور العربي لهذا العام ونحن نعاني من تصاعد مؤشر الحوادث المرورية التي تقارب 12.7 ألف حادثة مرورية في السنة تخلف وراءها آلاف القتلى والمصابين، بالإضافة إلى الخسائر الفادحة التي تصل إلى مليارات الريالات. لقد أطلّت هذه المناسبة بأنشطتها وفعالياتها المكثفة مستهدفة تجنيب هذا الارتفاع الخطير في منسوب الحوادث المرورية.. وقد نجح أسبوع المرور العربي في الحد من نسبة الحوادث خلال أيامه السبعة، لكن الأمور اختلفت بعد انتهاء تلك الفعالية، مما يجعلنا نؤكد أننا نحتاج لأكثر من مجرد أسبوع فحسب لمعالجة الإشكالية المرورية. وبالأرقام يمكن القول إن فترة أسبوع المرور (4-10) مايو شهدت انخفاضاً في أعداد ضحايا الحوادث المرورية، حيث توفي (31) شخصاً من مجمل حوادث الأسبوع التي بلغت (259) حادثاً مرورياً في عموم محافظات الجمهورية، وذلك مقارنة بالأسابيع العادية التي يصل خلالها عدد وفيات الحوادث المرورية إلى قرابة (40) حالة وفاة في الأسبوع الواحد. ولنا أن نتساءل عن السبب الذي يجعل من تلك المناسبة شأناً عارضاً لا يتم الاستفادة منه في الفترات اللاحقة، حيث يفترض بالحملات والتوعية المكثفة أن تؤتي أكلها وثمارها وبما يسهم في ارتقاء الوعي ومستوى الثقافة المرورية لدى الجمهور المتلقي. وبالتأمل للأرقام والإحصائيات فإن ذلك الأسبوع الاستثنائي مع الأسف لم تجد طريقها إلى ذهن السائق ولمرتادي الطريق، إذ بعد انتهاء أسبوع المرور بعشرة أيام فقط، سجل الأسبوع من (20-26 مايو) وفاة (28) شخصاً وإصابة (228) آخرين في (403) حوادث في عموم محافظات الجمهورية.. وقد كان نصيب أمانة العاصمة وحدها أكثر من (90) حادثاً مرورياً من إجمالي حوادث المرور في نفس الأسبوع!! ومن المؤكد أن معرفة القواعد المرورية دون الاهتمام والالتزام بها يجعل من الوعي والثقافة المرورية موضوعاً مفرغاً من المعاني، ومعوقاً كبيراً أمام الحد من الإشكالية المرورية المتصاعدة، وإلاّ كيف نفسّر اهتمام أغلبية السائقين أيام نداء حزام الأمان خلال أيام أسبوع (المرور العربي) ثم مالبث أن بدأ هذا الاهتمام بالتلاشي رويداً رويداً بعد انتهاء الفعالية!! ويبقى القول إن مثل هذه السلبيات وغيرها والتي تؤدي لتصاعد الإشكالية المرورية، والإبقاء عليها كهاجس مؤرق للمجتمع تدفعنا للمطالبة بمزيد من الاهتمام بالقضية المرورية، وألا نكتفي بفعالية أسبوعية تأتي مرة واحدة بالسنة.