في السبعينيات كان مستوى المياه في العاصمة صنعاء يمكن الحصول عليه من خلال الحفر إلى (10) أمتار في الأرض فقط، حسب قول “كايل فوستر” الخبير الأمريكي الذي عمل في اليمن منذ بضع سنوات، ويعمل على رفع مستوى الوعي في البلد الذي تختفي فيه المياه الجوفية (أما الآن فقد قامت السلطات المحلية بالعثور على المياه على بعد 800-1000) متر من العمق. فوستر” الذي يعمل كخبير استشاري، يقول إن معظم احتياطات المياه الجوفية اليمنية استنزفت ويجرى الآن تجديد الموارد. الأكثر غرابة، أن تكتشف أن ما يقدر ب80 في المائة من الري الزراعي يذهب إلى محصول واحد، والذي لا يعود بالنفع على الكثيرين، أو جلب العملة الصعبة من الخارج.. إنه القات الذي يزرع في جميع أرجاء الأرض اليمنية والذي يتولع به اليمنيون حتى الجنون. إن القات فعندما تمضغه وتحشي جانباً من فمك بأوراق القات حتى تنتفخ وتصبح كالبالون تشبه السمكة المنتفخة، وحتى تصل إلى قمة النشوة يمكنك أن تمضغه إلى مدة تصل ست ساعات، يمكنك الوقوف في إحدى زوايا أي شارع في العاصمة صنعاء لترى فعلاً كم مدى شعبيته. إنها مدينة النجوم فعلاً، فالكل منفوخ الوجنات في كل مكان تذهب تجدهم في الحافلات أو الدراجات، أو المارة، أو في الأسواق، يكاد يكون من المستحيل للبائعين في المحلات أن يفهموك لأن أفواههم مليئة بالقات. ويضيف “فوستر” إن المزارعين بإمكانهم الحصول على الكسب السريع إذا هم قاموا بريها خلافاً لغيرها من المحاصيل مثل: الكاكاو، التي يمكن أن تستغرق سنوات لزراعتها، يقال إن مساحة الأراضي التي تحولت إلى زراعة القات تتوسع أكثر من %10 في السنة في اليمن. أما ممارسات الري تحتاج إلى أن تتغير بسرعة وإلى توعية الناس بعدم الإسراف بالمياه، وإلى ضوابط للمياه؛ بحيث تشجعهم على استخدام المياه الاستخدام الأمثل أو أنهم بحاجة إلى التحول إلى نوع آخر من المحاصيل النقدية، ولكن كيف لك أن تمنع شعباً بأكمله من هذه النبتة التي هي جزء من النسيج الاجتماعي له؟!!. أكثر من نصف البالغين اليمنيين يمضغون القات بصفة يومية وينفق الناس عليه الكثير بصفة منتظمة خارج إراداتهم لشرائه. إن تكاليف شرائه تبلغ أحيانا 10 دولارات أمريكية، ومعظم اليمنيين يكسبون أقل من 2 دولار في اليوم، لذلك ما الذي يجذبهم إليه؟!! إن كثيرين من الناشطين في هذا المجال يصفونه بأنه يعطي النشوة المماثلة لتلك التي تلي المحادثة الجادة، والتي تعطي حلاً للمشاكل التي يتبعها اكتئاب يولد شعوراً عميقاً بالحزن، لذلك أنت تختار سماً لنفسك بهذا القات. التقيت طياراً كان يقضي إجازته وأخبرني أنه يمضغ القات، لأنه يشعره بأنه ذكي جداً، وقال: وفي بعض الأحيان عندما أمضغ القات لا أستطيع أن أقرأ كثيراً، تعلمون أننا يمكننا أن نذهب ونعمل ونفكر كثيراً، إنه يثير تصور الشيء الذي يمكن أن يصبح الإنسان .. بل إن هذه النبتة ينتقدها الكثيرون، فقد أقرت واشنطن – مؤخراً - أن تضع قواعد تنص على أن أي شخص يريد الهجرة من اليمن إلى أمريكا لابد أن يثبت بأنه ليس ممن يتناولون القات منذ ثلاث سنوات، وتدّعي منظمة الصحة العالمية بأن هذه العادة تشكل عادة أساسية، إذا لم تكن بالضرورة تؤدي إلى الإدمان. إن ثروات العربية السعيدة تتجه نحو الانخفاض.. يقول أحد الصحافيين اليمنيين: “وإن كانت اليمن مولعة به كثيراً إلا أنه آفة كبيرة عليها”.. في كثير من الأحيان يمضغ تجار القات هذه النبتة ويبيعون أوراقها في نفس الوقت. تقول “مارجريت إيفانز” من (CBC): إن القات واحد من أكبر المشاكل التي تواجهها اليمن، وليس هناك أي جهد سياسي يستطيع أن يكافح هذه النبتة. ويقول الصحافي إن هذه النبتة أوجدت أناساً كسالى، إن فترة ما بعد الظهر يعود الناس إلى منازلهم لمضغ القات فقط، ويستمرون في مضغه مدة تصل إلى خمس أو ست ساعات، وبعضهم إلى 12 ساعة في المكان دون أن يفعل شيئاً سوى مشاهدة التلفاز. إن الأراضي التي كانت تعرف في عهد الرومان بالعربية السعيدة تضررت، ليس بسبب آثار القات ، بل نظراً لثروات المنطقة بما في ذلك المياه، وخبرة الزراعة وتقنية أساليب الري.. فالخبراء يحذرون اليوم من أن صنعاء يمكن أن تكون أول مدينة في العالم في نفاد المياه، والواضح أن القات جزء من هذه المشكلة.