وكأن المصائب لا تكفي اليمن، حتى يضاف الى الصراع الحاصل في الشمال، حيث الحوثيّون يريدون حقوقهم والاهتمام بمناطقهم المهملة، وفي الجنوب حيث الحراك الذي يطالب بالانفصال، همّ جديد يتعلّق بزراعة نبتة القات المنتشرة بشكل واسع في البلاد والتي يدمنها السكان، فقراء كانوا أو أغنياء، وما تحتاج إليه من مياه وافرة في بلد شحّت موارده المالية وأخذت أراضيه بالتصحّر. يذهب أكثر من نصف كمّيّة المياه، الشحيحة أصلاً في اليمن، لريّ نبتة القات، ذلك الادمان الذي لا علاج له.
وعلى الرغم من أن الجفاف يقضي على المحاصيل الزراعية في هذه الدولة، يتحوّل المزارعون والفلاّحون بشكل متزايد الى زراعة القات، باعتبارها الخيار الوحيد لجني الأرباح.
في هذه الأثناء، تستمرّ موارد المياه في هذا البلد بالاضمحلال، فيما يستمرّ الحفر في عمق الأرض بحثاً عن الماء، حتى أن الأرض بدأت تتشقّق معلنة عطشها على طول مئات الأميال.
وقال محمد حمود عامر، المزارع الذي خسر في السنتين الماضيتين ثلث أشجار المشمش التي يزرعها بسبب الجفاف الذي ضرب البلاد: «يقال لنا إن السبب في ذلك أن طاولة المياه تغرق سريعاً». كل سنة نحفر بعمق أكبر حتى نصل للماء».
وتقدّر جمعية التوعية بأضرار القات، وهي منظّمة يمنيّة غير حكومية، بأن حوالى سبعمئة ملايين شخص يتعاطون القات في مختلف أرجاء البلاد، غالبيّتهم من الرجال.
ويزرع اليمنيّون القات من ثلاث إلى أربع مرّات في السنة. وتتزايد زراعة هذه النبتة بنسبة 12 في المئة سنوياً. ففي العام 1997 كان هناك حوالى ثمانين ألف هكتار من الأراضي مخصّصة لزراعة أشجار القات، ثم ارتفعت المساحة في العام 2000 لتصبح 103000 هكتار تقريباً، و123933 هكتاراً في العام 2005. واستمرّت المساحة بالاتّساع على مرّ السنوات.
ويتمّ ريّ 81 في المئة من الأراضي المزروعة بالقات بالمياه الجوفية.
وأشجار القات تروى بالطريقة التقليدية، حيث يتم إغراق الحقول بالمياه، مما يتسبّب في ضياع كمّيّات كبيرة من المياه. كما أن المزارعين يضطرّون إلى سحب المياه من الآبار وإيصالها الى الحقول عبر السواقي، وبذلك يضيع الكثير منها في الطريق. ونادراً ما يستعمل المزارعون طرق الريّ الحديثة.
البنك الدولي
وأظهرت دراسة أعدّها البنك الدولي أن القات يستهلك قرابة 30٪ من المياه الجوفيّة مقارنة بالاستهلاك القومي.
وأوضحت الدراسة التي قدّمت مع برنامج متكامل للحدّ من القات، أن هذا الاستهلاك يؤدّي إلى تخلّل في التربة، حيث يقضي على المواد الغذائية النباتية والمواد المساعدة على خصوبة التربة، ويقدّر عدد من يمضغون القات في الوقت الحالي 72٪ من إجمالي الذكور و33٪ من الإناث.
وأشارت إلى أن النظرة الاجتماعية السلبية المرتبطة بمضغ القات بدأت بالتراجع، وأصبحت العادة متأصّلة في المجتمع إلى حد تشجيع الأطفال الذين لا تزيد أعمارهم على سن السادسة أو السابعة على ممارسة هذه العادة كالآباء وأفراد الأسرة الكبار.
وأضافت الدراسة أن القات يسبّب آثاراً سلبية كبيرة على تنمية البلد، حيث تستهلك شجرة القات حوالى 30٪ من دخل الأسرة، كما يشغل مضغ القات (6 8) ساعات يومياً، مما يسبّب انخفاض الانتاج ويصبح مصدراً للدخل، واستبدال زراعة المحاصيل الغذائية بزراعة القات، وتزيد زراعته بمعدّل 10٪ في السنة. وأشارت الدراسة إلى أن الاستخدام العالي للمبيدات على المحاصيل، يلوّث مياه الشرب، ويؤدّي إلى إهمال البيئة المعيشية والانتشار الواسع للنفايات البلاستيكية.
وأوضحت الدراسة أن تقرير البنك الدولي الصادر في العام 2007 حول استهلاك القات، أثار الكثير من القلق والاهتمام، وشجّع على تقديم العديد من التوصيات أهمّها: إعداد استراتيجية وطنية متكاملة حول القات وتنفيذها بالاشتراك مع المجتمع المدني، وتعزيز المنظر القائم على مضغ القات في المكاتب الحكومية، وحصر مبيعات القات في أسواق محدّدة خاضعة للرقابة، وتعزيز تطبيق قانون الاتجار بالمواد الكيماويّة، ومساعدة المزارعين على تطوير بدائل القات وتسويقها، بالاضافة إلى تقديم القروض للمزارعين من أجل التحوّل إلى إنتاج المحاصيل ذات القيمة الغذائية والمردود المالي.
حقائق ثابتة
وفي أنحاء اليمن، بدأت المياه الجوفية التي يعيش عليها 24 مليون نسمة تجفّ، ويتوقّع أن تتصحّر مناطق شاسعة في خلال السنوات القليلة المقبلة، وهي أزمة تهدّد حياة الناس كما النبات والحيوان.
وقال وزير المياه والبيئة اليمني عبد الرحمن العرياني: «إنه انهيار للمظاهر الاجتماعية والاقتصادية والبيئية»، مضيفاً: «وصلنا الى نقطة بحيث لا نعرف ما إذا كانت التدخّلات التي نقترحها ستحلّ الأزمة».
وما يزيد الأمر سوءاً، تهريب شجر القات التي حلّت محلّ المحاصيل الأخرى، مستهلكة نسبة كبيرة من المياه، وفاقاً لدراسات أجراها البنك الدولي.
وتجهد الدولة اليمنية للحدّ من تهريب القات، فيما سلطتها لا تتعدّى حدود العاصمة صنعاء.
ونقص المياه يغذّي الصراع المندلع أصلاً، وفاقاً للعرياني. ويشتعل القتال في الشمال حيث تمرّد الحوثيين، وفي الجنوب حيث الانفصاليون التابعون للحراك الجنوبي. وثمّة أراض كثيرة في البلاد تعجز الحكومة عن بلوغها لخطورتها.
يأتي ذلك فيما يستمرّ عدد السكان في النموّ، كما يتوقّع أن يتضاعف عدد السكان ثلاث مرّات في الأربعين سنة المقبلة، ليبلغ نحو 60 مليون نسمة.
وتتكرّر مشاهد السكان في القرى حيث يجتمعون لشرب المياه من الأوعية المخصّصة للحيوانات، مما يهدّد حياتهم ويثير مخاوف من انتشار الأمراض والأوبئة.