صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أربعون زيارة وألف حكاية ورواية الحلق6
اليمن وأهل اليمن
نشر في الجمهورية يوم 25 - 06 - 2008


سيف الإسلام عميل أمريكي والثلايا خذله ضباط الجيش
الأئمة عزلوا اليمن عن العالم و(حروب الخطاط)كانت المعادلة ل(فرق تسد)
لعله من الآوليات المعرفية الإحاطة بالمناخ السياسي والاجتماعي الذي ساد اليمن قبل الثورة وأسهم في ضرورات اندلاعها رغم ستائر الصمت والتعتيم الذي ران على اليمن واستمر قرونا من حكم الأئمة ، فلم يسمع العالم ولا قرأ شيئا عن “حروب الخطاط” التي كانت تنشب بين القبائل تباعا عبر تحريض الأئمة بعضها ضد الآخر وفقا لمعادلة “فرق تسد” ، ولا عن المجاعات والأوبئة والأمراض التي فتكت بالملايين وكادت تؤدي الي انقراض الشعب اليمني ، حيث تناقص تعداده من سبعة ملايين الي خمسة ملايين مواطن ، اضافة الي مظاهر الجهل والتخلف المستفحلة ، بينما كان لفرض أئمة بيت حميد الدين العزلة المستحكمة حول اليمن عاملا مضافا ساهم في جهل العالم بالاوضاع الداخلية في اليمن .. وجهل اليمنيون في المقابل بما كان يجري من تطورات متلاحقة في العالم الخارجي على كل صعيد ، حتى ان اليمنيين في المناطق الشمالية النائية المعزولة لم يسمعوا عن اندلاع الحرب العالمية الاولي او الثانية ، ولم يكن يعرفون شيئا عن العالمين الاسلامي والعربي اللهم سوي مكة والقدس فحسب، وعندما كانت تظهر في الاسواق سلعة جديدة كان اليمنيون يقولون “انشق البحر” .. أي انها جاءت من المجهول !
ومما لا شك فيه ان مصر شغلت لاول مرة عما يجري في اليمن لاسباب قهرية ، بينها اندلاع ثورة 1919 بزعامة سعد زغلول والكفاح ضد الاستعمار البريطاني لوادي النيل، ثم اندلاع الحرب الفلسطينية عام 1948 وخوض الجيش المصري معاركها ، وهو ما يفسر غياب الدور المصري عن التجاوب مع ثورة الاحرار اليمنيين عام 1948 في حينها ، واقتصرت فحسب على المبادرات الدبلوماسية والشعبية للتخفيف من غلواء الامام احمد بن حميد الدين حين شرع الي جز رقاب زعامتها في ميدان العرضي تباعا علي مدي يزيد علي اسبوعين انتقاما لمقتل والده الامام يحي ، وسجن غيرهم من الاحرار في سجن حجه الرهيب، بالتزامن مع حض القبائل علي استباحه صنعاء قتلا وتخريبا وهتكا للاعراض علي مدي اسبوع كامل ، فضلا عن النهب للممتلكات حتى ابواب ونوافذ وبلاط البيوت ، جزاء مناصرتها لثورة الاحرار .. ومن هنا السؤال :
ما الذي كان ينتظر الضباط اليمنيين الاحرار اذاً فيما لو فشلت الثورة التي قاموا بها يوم 26 سبتمبر عام 1962 ، ما هو مصير الزعامات المدنية ومشايخ القبائل الذين انضموا للثورة ، واي مصير كان ينتظر صنعاء التي هبت مجددا لمناصرة الثورة ، وكيف كان الموقف في اليمن بشكل عام لو ان ثورة 23 يوليو بزعامة جمال عبد الناصر تقاعست عن دعم الثورة اليمنية والدفاع عنها وتثبيت اقدام نظامها الجمهوري الوليد ؟
لا شك ان الاجابة علي هذه التساؤلات الفرضية كانت معروفة سلفا بأهوال ومجازر يشيب لها الولدان ، ومزيد من اسدال ستائر العزلة والتخلف والظلام المفروض علي اليمن الي ما شاء الله ، وذلك هو الرد الصحيح والحاسم علي بطلان حملات التشكيك في جدوي وضرورات الدور المصري في اليمن .
وعد جمال عبد الناصر
علي ان الدور المصري في دعم الثورة اليمنية لم يأت من فراغ ، وذلك ان جمال عبد الناصر لم يعدم وسيلة الا وتبناها ولا بابا الا وطرقة علي امل اقناع الامام احمد بضرورات الاصلاح السياسي والاجتماعي في اليمن ، وفض عزلة الشعب اليمني عن العالم حتى يواكب ركب التقدم المتسارع الذي شهده القرن العشرين .
وقد اعتمد عبد الناصر في استطلاع اوضاع اليمن ميدانيا عبر ثلاثة من اعضاء مجلس قيادة الثورة تباعا ، اولهم الصاغ صلاح سالم الذي استقبل بحفاوة شعبية بالغة في كل مكان ذهب اليه ، وعاد الي مصر ولديه فكرة شاملة عن اوضاع اليمن المزرية ، وحمل الي الرئيس عبد الناصر وثيقة كتبها ووقعها نفر من المشايخ والعلماء والمثقفين والطلائع الشابه ترنو الي اهتمامه ودعمه لنضال الشعب اليمني .
بعدها كانت زيارة البكباشي أنور السادات لليمن ، وكما حدث لصلاح سالم كان بانتظاره خلال زيارة مدينة تعز وثيقة مشابهة لتسليمها الي عبد الناصر ، بينما خاض السادات غمار حوارات سياسية هامة مع بعض الرموز الوطنية حول اوضاع اليمن في ظل حكم الامام احمد، فلما فشلت محاولة تغيير حكم بيت حميد الدين عام 1955 بزعامة الضابط الشهيد احمد الثلايا ، وصل البكباشي حسين الشافعي الي اليمن للوساطة في تخفيف أحكام الاعدام التي طالت عددا من الاحرار !
رافد اخر كان يستقي منه جمال عبد الناصر ادراكه المعرفي بتطورات الاوضاع عبر ما كان يصله تباعا من المعلومات من ثلاث بعثات مصرية الي اليمن ، الاولي تعليمية، الثانية عسكرية لتدريب نواة الجيش اليمني الحديث برئاسة الضابط احمد ابو الفتوح والثالثة أمنية لتدريب الشرطة اليمنية برئاسة الضابط عبد الله حامد ، وهذه البعثات كانت تلتقي بحكم عملها مع رجالات اليمن وشبابه .
وتشهد الكتب والمذكرات الشخصية التي سجلت للظروف والوقائع التي سبقت اندلاع ثورة 26 سبتمبر ، كيف ان افراد البعثتين كانت لهم ادورا ومهام سياسية وتنظيمية غاية في الاهمية ، عبر بث الوعي الثوري وفرز العناصر المؤهلة للنهوض بمسئولية الثورة الوشيكة والمحتومة في اليمن وبينهم الملازم علي عبد المغني الذي أجمعت الشهادات علي كونه المؤسس الحقيقي لحركة الضباط الاحرار ، بالتوازي مع الدور المعلن للعقيد عبد الله جزيلات، عندما نهض بمسئولية العديد من المهام العسكرية الاساسية في اندلاع الثورة وتثبيت اقدامها!
ولان الشيء بالشيء يذكر فقد كان العقيد جزيلان على خلاف مع اجتماع إرادة الضباط والمدنيين الاحرار على اختيار المشير عبد الله السلال قائدا للثورة ثم رئيسا للجمهورية ، إذ كان يري ان اللواء حمود الجائفي احق من السلال ، ورغم ذلك بارك الجائفي اختيار السلال !
وقد قدر لي خلال متباعتي لاعمال مؤتمر حرض ان التقي لاول مرة بالمرحوم محمد عبد الواحد وهو كان الموظف الاداري الذي كلفته الخارجية المصرية بمسئولية تصفية السفارة المصرية بعد قطع العلاقات بين القاهرة وصنعاء .. وروي لي واقعتين علي درجة كبيرة من الاهمية والاثارة .. الاولي حول جهاز لاسلكي حديث قوي الارسال حملته البعثة العسكرية المصرية معها الي اليمن ، بدعوي تسهيل اتصالاتها الدورية بقيادتها في مصر ، حيث تم استبداله بالجهاز القديم في السفارة المصرية بصنعاء ، وهو ما اكده الفريق صلاح الحديدي مديرالمخابرات العسكرية في مذكراته ، أما الواقعة الثانية فكانت حول تسلل رموز حركة الاحرار من العسكريين والمدنيين الي مبني السفارة ، لاجراء الاتصالات السياسية السرية عبر جهاز اللاسلكي الجديد مع مكتب الرئيس جمال عبد الناصر في القاهرة وفي مقدمتهم الملازم علي عبد المغني ، وقال محمد عبد الواحد انه اتيحت لعلي عبد المغني في احدي المرات الحديث مباشرة مع عبد الناصر ، أما الواقعة الثالثة في هذا السياق فقد رواها لي الدكتور حسن صبري الخولي الممثل الشخصي للرئيس جمال عبد الناصر ، وقال انه – علي حد علمه – لم يبك في حياته الا علي والدته عندما علم بوفاتها في غيبته وكان لا يزال فتي غضا ، ثم زهل عن نفسه اثر نكسة الخامس من يونيو 1967 عندما بلغه خبر انتحار المشير عبد الحكيم عامر ، وقال انه رأي عبد الناصر بنفسه وقد اغرورقت عينيه بالدموع لما بلغه خبر استشهاد الملازم علي عبد المغني وهو ما أكده فتحي الديب رئيس الشئون العربية برئاسة الجمهورية ، وكان عبد الناصر قد قرر الوفاء مباشرة بالوعد الذي قطعه علي نفسه لحركة الضباط الاحرار اليمنيين ، بدعم مصر للثورة اليمنية الوشيكة اذا ما تعرضت للعدوان من الخارج ، وبشرط ان يستقر النظام الجديد في السلطة واعلان النظام الجمهوري ، حتى تتوافر له شرعية طلب العون والمساعدة من الخارج ، ولا يحسب بالتالي علي مصر تدخلها في شئون اليمن علي غير ارادة شعبها !
زعامات الأحرار فى القاهرة
حين نهضت ثورة 23 يوليو بمسئولياتها القومية ، كانت اليمن في قبضة الامام أحمد حميد الدين ، بينما كانت المرجعيات التاريخية والسياسية والعسكرية التي ظلت علي قيد الحياة اثر انتكاسة ثورة الاحرار عام 1948 تمثل المعارضة اليمنية التقليدية التي ترنو الي تغيير الاوضاع المتمردية في اليمن ، لكن المشكلة ان معظم زعامات المعارضة كانت منفية انذاك بالخارج طوعا أم قسرا ، وتلك كانت من الاسباب التي باعدت من التأسيس لصلاتها التنظيمية بالداخل ، فيما افتقرت كذلك للبرنامج السياسي المطلوب للتغيير وما بعد التغيير ، خاصة في ظل مراهناتها علي الاصلاح السياسي في ظل حكم أسرة حميد الدين أولا حتى تبدأ مسيرة التغيير الجذري في اليمن !
ثم ان مطلب الثورة اليمنية كان مشاعا بين أكثر من مجموعة وتيار سياسي ، وان القاهرة كانت علي صلة وتواصل معها جميعا ، الا انها ظلت تخشي التجاوب مع الخيارات الانقلابية المغامرة نظرا قصورها في الرؤية الاستراتيجية للتغيير الشامل ، وانحيازها لمصالح الانقلابين الضيقة ، وربما لانها مهيأة للوقع بسهولة في شراك الرجعية العربية او الاستعمار الجديد .
ولاشك ان القاهرة كانت تربطها بالعقيد أحمد الثلايا صلات سياسية سرية مباشرة استمرت عدة سنوات ، سواء عبر الرسائل المتبادلة ، وسواء عبر البعثة العسكرية المصرية في اليمن ، في اطار استطلاع مصر لحقائق الاوضاع السياسية في اليمن ، دون ان يتم ثمة اتفاق بينها والعقيد أحمد الثلايا علي أسلوب التغيير المطلوب .
معروف ان الثلايا كان ضمن البعثة اليمنية التي تلقت علومها العسكرية في العراق ، وكان رفيقا في سجن حجه للقاضي محمد محمود الزبيري والقاضي عبد الرحمن الايراني والاستاذ احمد النعمان وغيرهم من المناضلين الاحرار إثر فشل ثورة 1948 !
بعدها عاد الثلايا كما كان ضابطا في الجيش اليمني حتى نجح في كسب ثقة الامام أحمد حميد الدين ، وهو الذي اقنعه بأن يطلب من الصاغ صلاح سالم عضو مجلس ثورة 23 يوليو عند زيارته لليمن عام 1954 موافقة مصر علي ارسال بعثتين لتدريب القوات المسلحة وقوات الامن !
وبالفعل كانت استجابة مصر فورية ، فكان الصاغ احمد كمال ابو الفتوح لرئاسة البعثة العسكرية يعاونه اليوزباشي محمود عبد السلام ، والصاغ عبد الله حامد لبعثة الشرطة يعاونه اليوزباشي مصطفي الهمشري .. وعدد آخر من الضباط وصف الضباط ، لكن كلا البعثتين لم تباشر مهمتها لمدة شهرين منذ وصولهما من القاهرة الي تعز .. اذ كان الامام احمد لا تزال تساوره الشكوك في ان يؤدي هذا الخيار لغير صالحه ، ومن ثم بيت لعودتها الي مصر تجر وراءها ازيال اليأس والفشل !
ثم مضي شهر ثالث حتى التف الامام الي تقارير البعثتين حول تحديث الجيش والشرطة، بينما كانت الاوامر المشددة قد صدرت لها من القاهر للتحلي بالصبر وعدم الاستجابة لاستفزازات الامام وحاشيته .
انتفاضة الثلايا
ولعله لم يعد سرا الآن ان الضابط الشهيد أحمد الثلايا كان قد طلب من مصر ان تتعاون مع القاضي محمود الزبيري في اختيار بعض الطلاب اليمنيين الذين يدرسون بالقاهرة ، وإعدادهم فكريا وعسكريا للدور النضالي الذي سوف يقومون به إثر عودتهم الي الوطن !
وقد تركزت خطة الثلايا لإحداث التغيير السياسي المطلوب في اليمن عبر عدة خطوات :-
1-حصار قصر الامام بتعز التي اصبحت مقرا للحكم بديلا عن صنعاء عبر قوات الجيش الموالية له بداية بقطع أي اتصال بين الامام وخارج القصر ، وهو نفس الإجراء بالنسبة للامير البدر ولي العهد الذي كان يقيم في صنعاء وباقي افراد اسرة حميد الدين ، وإلقاء القبض علي كل افراد الحاشية وكبار المسئولين والمنفذين ، حتى لو استدعي الامر القضاء عليهم بالسلاح في حالة المقاومة ، ثم التصرف بشأنهم بعد القبض عليهم طبقا للشريعة الاسلامية !
2-الاستيلاء علي مبني الاذاعة اليمنية واعلان البيان الاول للثورة ضد حكم الامام احمد ، بعد إرغامه علي التنازل عن الحكم للامير سيف الاسلام عبد الله ، علي ان يتشكل مجلس قيادة يعاونه من اهل الحل والعقد الشخصيات الوطنية وقادة الطائفتين الزيدية والشافعية ومشايخ القبائل الكبيرة مع الاستعانة بهم في التصدي لاي عمل مضاد للثورة . .
3-تأمين الجيش لصنعاء والمدن خشية اجتياح القبائل والقيام بعمليات السلب والنهب تجنب لما حدث في ثورة 1948 .
4-اعلان تشكيل وزارة جديدة تتولي إدارة دفة الحكم .
5-يتم النظر في مصير الامير عبد الله والتخلص منه بعد ان تستقر الاوضاع لصالح الثورة .
علي ان خطة الثلايا التي وصلت إلى القاهرة ، كانت متزامنة مع المطالبة بدعمها من قبل ثورة 23 يوليو ، وتتخلص في الاعتراف الفوري بالوضع الجديد ، وحث القاهرة للانظمة العربية علي الاعتراف ، والمبادرة الي إرسال اربع طائرات حربية مصرية بطياريها لردع أي قبيلة تحاول التمرد علي الثورة ، بالتزامن مع إرسال بعثة عسكرية وفنية للإسهام في إحكام السيطرة علي الاوضاع الامنية في اليمن ، وحين تستقر اوضاع الثورة فالمطلوب عندئذ إرسال بعثة مدنية من المتخصصين في كافة مجالات إدارة السلطة الجديدة ، حتى يشعر الشعب اليمني وبأسرع وقت ممكن بما حققته الثورة من المكاسب .
شكوك حول الأمير عبد الله
والشاهد ان الرئيس جمال عبد الناصر ساورته الشكوك عندما وصلته تفاصيل خطة تفجير الثورة عام 1955 بزعامة العقيد احمد الثلايا ومطالبة مصر بدعمها ولعدة اسباب :
الأول : ان الخطة من حيث المنهج والاسلوب مجرد محاولة انقلابية مغامرة لا ترقي الي مرتبة الثورة !
الثاني : ان بقاء الامام احمد بالذات اوشقيقه سيف الاسلام الحسن علي قيد الحياة إثر تنفيذ خطة الثلايا يشكل خطورة على شرعيتها ومصيرها !
الثالث : ان الامير عبد الله الذي اختاره الثلايا كواجهة لحركته معروف لدي القاهرة بروابطه القوية مع الدوائر الامريكية السياسية والامنية ، فضلا عن عدائه السافر لنهج ثورة 23 يوليو التحرري !
ولكن عبد الناصر لم ينفرد بالرأي في هذه الشأن المصيري ، ولذلك طلب التعرف اولا على ملاحظات زعامات المعارضة اليمنية بالقاهرة حول خطة الثلايا ، وبعدها جرت صياغة التعديلات الجوهرية المشتركة حولها مع التأكيد علي الثلايا حول ضرورة موافاة القاهرة اولا فأولاً بتطورات الاحداث وخطوات الإعداد لحركته قبل تنفيذها بوقت كافٍ لا يقل عن 48 ساعة .. وذلك على وجه التحديد ما أكده فتحي الديب مسئول الشئون العربية برئاسة الجمهورية في صفحة 56 من كتابه “عبد الناصر وحركة التحرر اليمني” .. ثم يقول : ان الانتفاضة تمت فجأة بصورة لم نكن نتوقعها ولم يقل “الثورة” – الامر الذي كان وراء توخي الرئيس جمال عبد الناصر الحيطة والحذر في اتخاذ قراره بدعمها ، خاصة لوقوعها كذلك في وقت كان يواصل اجتماعاته في القاهرة مع رؤساء الدول العربية ، تمهيدا لاتخاذ الوقت المناسب في مواجهة اقدام نوري السعيد رئيس وزراء العراق على توقيع الاتفاق مع تركيا يوم 24 فبراير 1955 حول الانضمام الي حلف بغداد .. ثم يقول فتحي الديب ان القاهرة علمت بما حدث عبر الاستماع لما بثته الاذاعة اليمنية في صورة بيان للشعب اليمني يوضح اندلاع الثورة ضد حكم الامام احمد حميد الدين !
القصة بعد ذلك بانت معروفة بكل تفاصيلها المأساوية ، حيث أفلت الامام احمد من قصره عبر رشوة بعض الضباط والجنود بالجنيهات الذهبية ومجوهرات نسائه ، فيما هرب ولي العهد الامير البدر الي “حجة” وتحصن شباب اسرة حميد في الجبال الوعرة وسط القبائل الزيدية المناصرة لحكم الائمة ، إيذانا بفشل انتفاضة الثلايا ولجوء بعض زعاماتها الي عدن والقاهرة وأعدام معظمهم تباعا عبر سيف الوشاح علي مدي 16 يوما بعد ان تمكن الامام احمد من السيطرة على الاوضاع في اليمن ، خاصة بعد ان ثبتت عدم فاعلية الدور الذي حاول سيف الاسلام عبد الله القيام به في مواجهة نفوذ الامام احمد او تحريك القبائل ضده ، ثم نتوقف عند عدد من الملاحظات الهامة :
ان ضباط الجيش الذين دفعوا الثلايا او شجعوه علي الانتفاضة ، سرعان ما تخاذولوا وتحولوا الي الشهادة عليه بعد فشل الانتفاضة !
ان محسن العيني كان قد بعث رسالة سرية من عدن الي الثلايا يحذره من التحالف مع سيف الاسلام عبد الله باعتباره عميلا امريكيا ، فيما هو معروف ببزخه في الخارج الي حد تبديد ستة ملايين دولار او ريال دون طائل
ولعله من المفارقات الدامية ، حين شاء القدر ان يفصل رأس “الوشاح” سياف الامام بنفس السيف التي اجتز عشرات من رؤوس الاحرار ، وان يتولي مساعده السياف محمد سالم إعدامه جراء ارتكابه جريمة جنائية لا علاقة لها بالنضال ضد حكم بيت حميد الدين ودون ان يشفع له خدماته البشعة ضد خصومهم ، لكأنه نال جزاء سنمار !


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.