صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أربعون زيارة وألف حكاية ورواية الحلق10
اليمن واهل اليمن
نشر في الجمهورية يوم 29 - 06 - 2008


جمال عبد الناصر هل تورط في مساندة الثورة اليمنية ؟
البيضاني لعب أدواراً سلبية وخطيرة في بداية مسيرة اندلاع الثورة اليمنيةاستدعاء الأمير الحسن من نيويورك
استدعى الامير الحسن الذي كان مندوبا لليمن في الامم المتحدة لقيادة القبائل الملكية في الحرب ضد الثورة وسربت الولايات المتحدة الي القبائل الملكية شحنات السلاح الامريكي الحديث ، وبينها مدافع 105 مم ومدافع الهاون والبازوكا ومدافع عيار نصف بوصة وكذا العربات والشاحنات ذات الدفع الرباعي المخصصة للسير في الصحراء والمناطق الوعرة غير أجهزة الاتصالات اللاسلكية !
كذلك دور بريطانيا في محاولة اجهاض الثورة اليمنية ، عبر تسليح ودفع شريف بيحان للقيام بالعمليات التخريبية انطلاقا من “حريب” و”الحجلة” ، واثارة الفتنة الطائفية بين الشوافع والزيود ، على امل فصل الجنوب الشافعي وضمه للنفوذ البريطاني في عدن والمحميات .
من هنا كان على القوات المصرية في اليمن ان تتعامل مع مختلف المتناقضات القبلية والطائفية بفهم وروية سواء عبر انشاء ادارة شئون القبائل التي كانت تضم مجموعة من الضباط المصريين المثقفين ، او الاستعانة بكل المخلصين للثورة من المستشارين اليمنيين الادري بفهم الواقع اليمني والتعامل مع متناقضاته ، لكن ظل الرهان على المدى الطويل موصولاً بخطط التنمية والتحديث !
انشئت الهيئة العليا للموظفين وكانت مهمتها بناء جهاز الدولة بعد تطهيره من العناصر الفاسدة والرجعية وتدريب الكوادر المؤهلة لاحداث الطفرة الادارية ، ورصدت لها ميزانية مالية مستقلة ، وبدأت خطة التوسع في انشاء المدارس والمعاهد والمراكز الثقافية والاعلامية والمستشفيات وشق الطرق وانشاء المطارات والمساكن ، وكانت للسوفييت والصين الشعبية جهودا مقدره على هذا الصعيد .
كذلك اعيد بناء القوات المسلحة اليمنية من جديد ، بشريا وتنظيما وتسليحا ، واذكر انني شهدت على مشارف صنعاء تخريج دفعة من سلاح المدرعات ، وقال لي الضابط المصري العقيد احمد شهاب المسئول عن التدريب ، ان المدة التي يستغرقها تدريب طاقم المدرعة في مصر حوالي ستة شهور ، بينما نجح ذكاء اليمنيين ولهفتهم الى التدريب والدفاع عن الثورة الى اختصار المدة لستة اسابيع فقط .
ولا شك ان اعادة بناء القوات المسلحة اليمنية قد لعب دورا هاما في التخفيف من اعباء القوات المصرية الدفاعية ، ثم المشاركة بشكل فعال في حراسة خطوط الامدادات ، وخوض المعارك الهجومية على مواقع القوات الملكية بكفاءة عالية .
والسؤال : هل تورط جمال عبد الناصر في مساندة الثورة اليمنية ؟ وبمعني اكثر تحديدا : هل كان قراره انفعاليا دون حسابات مسبقة ؟ وهل كان لنكسة يونيو 1967 وراء خياره الحاسم بالانسحاب من اليمن ؟
ولان السياسة فكر وجدل وموقف ، ولان جمال عبد الناصر لم يكن سياسيا فحسب وانما زعيما يدين بالمبادئ القومية والوحدوية ، من هنا كان شعاره المعروف بعد انفصال سوريا عن الوحدة مع مصر “انه لا مفر من معركة حاسمة للقضاء على الرجعية العربية اولا قبل أي معركة مع اسرائيل” ثم نعبر سريعا على واقعة رشوة عبد الحميد السراج لاغتيال عبد الناصر ، والتحالف بين اقصي اليمين العربي وبين اليسار والبعث السوري لفصم الوحدة المصرية السورية .. وهنا نستعرض مقولات عبد الناصر :
“ كنت قد وضعت في حسابي ان أبدا المعركة مع اسرائيل عام 1965 ، لكن بعد انكشاف دور الرجعية العربية ، كان لابد من اجهاض مؤامرتها وحصار تأثيرها السلبي على قيام صف عربي موحد يمكننا من خوض معركة مع اسرائيل تنتهي لصالح العرب وقال كذلك “الذين يروجون لتورط مصر في اليمن واهمون .. فاليمن لا تقل في اهميتها الاستراتيجية والقومية عن فلسطين المحتلة ، وعليكم ان تدركوا اننا نحارب هنا في جبهة استراتيجية هامة من جبهات الثورة العربية الشاملة .. ولذلك فإنني غير متعجل لبدء المعركة مع اسرائل ، لان تحرير اليمن ومساندة ثورتها ونظامها الجمهوري يمثل معركة من المعارك التمهيدية للمعركة المصيرية الفاصلة ، وإذا كان لي ان احدد موعدا لهذه المعركة في ضوء الموقف العربي والدولي .. فليس اقل من عام 1970” .
في عام 1967 وبعد ان حشدت مصر قواتها المسلحة في سيناء ، تدخلت القوي الكبري بما فيها يوغسلافيا بزعامة تيتو وفرنسا بزعامة ديجول ، وطالبوا عبد الناصر بضبط النفس والا يكون البادئ بالحرب ، واطمأن الى كسب الجولة سياسيا مع اسرائيل في الامم المتحدة ، لكن هذا الاطمئنان لم يستمر طويلا ، بعد ان ادرك ابعدا التامر الامريكي ، حيث شدد في انذاره للقيادة العسكرية المصرية بأن المعركة قادمة ، وان موعدها صباح الخامس من يونيو ، حسبما علمه من مصادر دولية صديقة وعبر رأفت الهجان الذي زرعته المخابرات المصرية في اسرائيل .
اليمن ونكسة يونيو
هنا نصل الى تأثير حرب اليمن على نكسة يونيو 1967 من وجهة النظر العسكرية البحتة على نحو ما تيسر لي من المعلومات التي استقيتها كمراسل عسكري من المصادر الهامة بين القيادات والمحللين العسكريين :
أولا : ان القوات المصرية في اليمن لم تنل قسطها المطلوب مما يسمي عسكريا “تطعيم المعركة” ، اذ كانت نقطة الضعف الكبري ، ان القائد والجندي كانا بعيدين عن مناخ واليات الحرب الحديثة المطلوبة لادارة حرب الاسلحة المشتركة ، اذ كانت تخوض حرباً نظامية في مواجهة حرب العصابات التي تقوم بها قوي الثورة المضادة في اليمن ، الامر الذي تسبب في نمو الاحساس الكاذب بالتفوق العسكري وقوة النيران ، وان ما يجب ان تقوم به اليوم من اعمال قتالية هنا وهناك ، يمكن تأجيله الى وقت اخر ، وهو ما يرفضه منطق الحرب الحديثة ، حيث لعامل الزمن أهمية قصوي في تنفيذ خطط المعارك وتطوير الهجوم!
لكن هناك من يري ان الجيش المصري كانت له قيادته المؤهلة ومعاهده ومراكزه العسكرية المتخصصة ، وهي التي كانت تبلور عقيدته القتالية في ضوء الاهداف العسكرية الرئيسية والثانوية ، الوطنية او القومية ، مما يفرض الانتقائية في نوع وكميات الاسلحة وقوة النيران ، واعداد برامج التدريب وفقا لطبيعة العمليات ومسرح القتال والعدد الذي تواجهه ، اضافة الى خبراتها القتالية المكتسبة عبر مواجهة حرب العصابات باليمن ، على صعيد خبرات الحرب الليلية وتأمين سلامة القوات ، والتدريبات العملية لقوات المظلات والصاعقة فضلا عن تعميق الوعي السياسي بوحدة المصير القومي !
ثم ان عملية استبدال القوات ظلت مستمرة على مدى خمس سنوات الحرب في اليمن، حيث كان يعاد تدريبها وزيادة كفاءتها في مصر ، ولعل سجلات الجيش المصري خير شاهد على التصاعد البياني المستمر في عدد المناورات والمشروعات العسكرية التي شاركت فيها مختلف التشكيلات العسكرية والاسلحة المشتركة !
اما ما يشاع عن افتقار القوات المصرية في اليمن لخطورة سلاح الطيران بدعوي ان القوات الملكية لم تكن لديها قوات جوية ، الا ان بعض الانواع من الطائرات المصرية القاذفة في اليمن لم يختلف دورها انذاك عنه في مسرح العمليات في مصر عام 1967 ، وكذا تدريبات الطيارين على مسارح القتال لم تكن مختلفة ، خاصة ان الطيارين على الطائرات المقاتلة لم تكن هناك ثمة حاجة اليها في اليمن وكذلك المدرعات سوى عدد محدود منها ، ولذلك خرجت من حسابات الحرب في اليمن وكانت مدخرة بالكامل للمعركة مع اسرائيل !
الى ذلك فقد جرى تدمير الطائرات الاسرائيلية للطائرات العسكرية المصرية صباح الخامس من يونيو 1967 وهي رابطة على ممرات المطارات العسكرية في مصر ، ولذلك باتت القوات البرية في سيناء مكشوفة ومصيدة للطيران الاسرائيلي ، بينما عادت القوات المصرية من اليمن سليمة الى حد كبير ، مما يؤكد على ان ثقل وحجم القوات المصرية الاكبر كان مدخرا للدفاع عن مصر وشن الهجوم بعد ذلك على اسرائيل وبينها اربع فرق مشاه ، اربعة الوية مشاة مستقلة ، فرقة مدرعة ، ثلاث الوية مدرعة مستقلة ، 150 طياراً و 154 طائرة عسكرية ، بالاضافة الى تشكيلات الدفاع الجوي ، ووحدات المدفعية والهاون ، والقاذفات الصاروخية وكتائب الاستطلاع وحرس الحدود فضلا عن السلاح البحري بالكامل ، واذن فالحرب بين مصر واسرائيل عام 1967 لم يكن على الصعيد العسكري بين الكم والكم ، وانما بين الكم والكيف !
إغلاق باب المندب
اما القول بأن معايير الضبط والربط العسكري تلاشت في اليمن ، فهو قول مردود عليه بأن القوات المصرية ما كان لها ان تظل تواصل مهمتها في اليمن على مدي خمس سنوات وعلي اتساع جبهات الدفاع عن الثورة لو كان هذا الادعاء صحيحا ، بل كان ذلك من اهم عوامل احكام السيطرة ، وفقدانها كان يعني خسائر فادحة لم يكن بالامكان تلافيها !
الحديث بعد ذلك عن جدوي الدرو المصري في اليمن رغم انه معاد وسخيف ، الا ان مردوده القوي كان بلا حدود فوق كل التصورات ، فلقد تحرر اليمن من حكم الائمة في الشمال والاستعمار البريطاني في الجنوب ، ثم توحد الشطران وتلاحم الشعب الواحد ليصنع معجزة حضارية وديموقراطية وتنموية يعجز عن ادراك مداها واهميتها واشعاعاتها دعاة الرده واعداء العروبة ، وها هو زهاء 20 مليون يمني كانوا مطروحين من الامة العربية يعودون اليها ويجددون من فكرها ويضيقون الكثير من العطاء والقوة للدعوة القومية بعد انجاز الوحدة ونهاية التشطير في اليمن !
ثم نتساءل مجددا : هل كان بوسع البحرية المصرية ابان حرب اكتوبر 1973 ، المغامرة باغلاق باب المندب في وجه الملاحه الاسرائيلية ، لو كان على سدة الحكم في شمال اليمن حكام بيت حميد الدين ، او كان الاستعمار البريطاني رابضا بقضه وقضيضه في مستعمرته الاثيرة عدن !
ثم اليس هناك قدر من المصداقية في رأي بعض المحللين من ان نكسة 1967 كانت تستهدف ابعاد القوات المصرية التي تحمل جرثومة الثورة والفكر القومي عن منطقة شبه الجزيرة العربية ، التي كانت تمثل الحديقة الخلفية للمصالح والنفوذ الامبريالي ؟!
شهادة المشير السلال
كان عبد الناصر حريصا على تجنب مخاطر تصدير الثورة بشكل عام واليمن على وجه الخصوص ، ومن هنا كان اصراره على ان تندلع الثورة في اليمن بقواها الذاتية عندما تتوافر لها الظروف الموضوعية من حيث النضج الفكري والشعبية وامكانات الفعل والمبادرة ، ثم تأتي بعد ذلك مرحلة المساندة السياسية والدعم العسكري المصري بدعوة من السلطة الثورية عندما تتمكن من بسط نفوذها وسيطرتها على العاصمة صنعاء ومعظم ربوع اليمن ، وبعد ان يثبت الرأي العام الدولي ان الثورة تتعرض للتدخل والعدوان من الخارج .
ولا شك ان مصر كانت لها قناعات ثورية سياسية وقومية واستراتيجية خاصة عندما اغتنمت فرصة اندلاع الثورة اليمنية ، على صعيد دفع مخاطر الحصار الذي جوبهت به ثورة يوليو في اعقاب مؤامرة انفصام الوحدة المصرية السورية ، وفتح جبهة ثأرية مع قوي الرجعية والامبريالية الضالعة في المؤامرة ، وعلي مقربه من مصالحها الاقتصادية والسياسية في هذه المنطقة الاستراتيجية .
ولا شك ايضا ان المناخ والظروف السياسية الاقليمية والمحلية التي واكبت اندلاع ثورة 26 سبتمبر 1962 ، كانت اكثر ملاءمة منها ابان ثورة 1948 أو انتفاضة الثلايا عام 1955 ، فالاتحاد السوفيتي اصبح القطب الدولي المنافس لامريكا ، وكانت السياسة السوفيتية حادبة انذاك على دعم حركات التحرر في العالم الثالث ودول عدم الانحياز وفي مقدمتها مصر ، ثم ان اواصر الوحدة اليمنية على صعيد القيادات السياسية اليمنية كانت قد تلاحمت مع قوي الشعب اليمني بمختلف طبقاته واطيافه السياسية والقبلية ، فضلا عن فئات المتعلمين والمثقفين الذين نهلوا العلم والمعارف عبر البعثات الدراسية في مصر وغيرها ، ثم ان قلب الثورة النابض والمحرك لاليات التغيير في القوات المسلحة كان على اهبة الاستعداد للقيام بدوره السياسي والتاريخي المطلوب ، ولم يكن ينقصه السلاح المطلوب وان كان رهن مخازن الامام احمد في تعز وصنعاء !
وربما لم يتجاوز المشير عبد الله السلال عندما التقيته وحاورته على مهل في عدن بعد 28 عاما من اندلاع الثورة السبتمبرية حين قال لي : لقد قامت الثورة في موعدها تماما ، ولو انها تقدمت أو تأخرت لما كتب لها النجاح الذي تحقق واصبح كنور الشمس في وضح النهار!
وقال لي اللواء عبد العزيز سليمان ان عبد الناصر – الذي درس العلوم الاستراتيجية العليا وكان معلما لها في كلية اركان الحرب – ضحى بمعايير الامان العسكري لحساب القرار السياسي القومي عندما خاضت مصر معارك دعم الثورة اليمنية ، وان عبد الناصر روي له انه كان يعد القوات المسلحة لخوض معركة التحرير مع اسرائيل عام 1965 لولا اندلاع ثورة اليمن .
معروف ان اللواء عبد العزيز سليمان كان من الضباط المصريين البارزين الذين لعبوا ادوارا سياسية وعسكرية هامة في اليمن ، وهو كان اول شهداء الضباط العظام خلال حرب يونيو 1967 ، ومن هنا يأتي سؤال التاريخ والقومية والاستراتيجية : هل كانت ثورة اليمن الفخ المنصوب الذي مهد لضرب القوات المصرية في سيناء يوم الخامس من يونيو 1967 ؟
لقد قدر لي كمحرر للشئون العربية والعسكرية بمجلة روز اليوسف انذاك شرف متابعة ملحمة ثورة 26 سبتمبر 1962 من القاهرة اولا ، ثم لم يمض سوي بضع اسابيع على اندلاعها ، حتى وصلت مطار صنعاء فجرا على طائرة نقل عسكرية طراز “اليوشن” اقلعت بفصيل من جنود المظلات المصرية بكامل سلاحها وعتادها ومؤنها الغذائية من مطار”الماظه”العسكري بالقاهرة ، حيث شرفت عصر ذلك اليوم بمتابعة المعارك العسكرية على خطوط الدفاع المتقدمة عن صنعاء مع من تبقي من وحدات الجيش اليمني تحت قيادة من بقي على قيد الحياة من تنظيم الضباط الاحرار اليمنيين وحتى بلغت ساحات المواجهة بعد ذلك على اتساع وطول اليمن وعرضها !
ولان ملحمة الثورة اليمنية حافلة بالاحداث والتطورات والمتناقضات ، والشخصيات النزيهة وغيرها من الشخصيات الانتهازية والعميله ، ولأن المرحلة الافتتاحية الدراماتيكية كانت موضع العديد من الكتب والدراسات والشهادات ، من هنا يكمن حرصنا على ان ندلي بدلونا كشاهد عيان ، وان نسلط الضوء على المسكوت عنه من الوقائع الثابتة وراء الكواليس، والاسهام بالتنوير والنقد او الاشادة بأهميتها ودلالاتها السياسية والاجتماعية والثقافية عبر تتابع المشاهد والحكايات والروايات التي حفلت بها بانوراما الثورة اليمنية!
اندلعت الثورة في اليمن وهي تحمل في ثناياها بذور التناقضات والخلافات ، ولعل أبرزها ادعاء تيارات وشخصيات سياسية بأنها كانت الاسبق وراء التبشير بها وتمهيد الاجواء لاندلاعها ، حتى حينما نهض تنظيم الضباط الاحرار اليمنيين بالمهمة التاريخية ، إذا بحركة القوميين العرب – على سبيل المثال – تسعى الى احتوائها فكريا وتنظيميا ، بينما حاول الدكتور عبد الرحمن البيضاني ان ينسبها لنفسه ، وانه صاحب الحول والطول في الاعداد للثورة ، وفي توقيت قيامها ، ولولاه لما كان الدعم المصري ، بل الى حد نجاحه بدون مؤهلات الانتماء الى حركة الاحرار الدستوريين ولا حركة الضباط الاحرار ، من ان ينصب نفسه وصيا على الثورة ونائبا لرئيس الجمهورية اليمنية والقائد العام للقوات المسلحة ، حتى قضي الله امرا كان مفعولا في تنحيته بعيدا عن مسيرة الثورة بعد ثلاثة شهور ونصف من اندلاعها !
على انه مما لا يجوز انكاره ، ان الدكتور عبد الرحمن البيضاني لعب دورا سياسيا محدودا “حول” محيط الثورة اليمنية قبيل اندلاعها ، بينما كان لغيره من الاحرار العسكريين والمدنيين الدور الاساسي والفاعل “في” اندلاعها ، بل ان البيضاني لعب أدواراً سلبية وخطيرة في بداية مسيرتها ، سواء في منازعة الثوار على سلطة السيادة ومناصبها ، وسواء عبر فتح جبهات للخلاف الطائفي المرير مع انصار المذهب الزيدي والهاشميين ولم تتمكن الثورة بعد من تثبيت أقدامها !
البيضاني صديق عزيز على الصعيد الانساني والاجتماعي فحسب ، لكنني منذ بداية صداقتنا وما زلت اختلف معه حول دأبه على اثارة النعرات الطائفية والادعاء باضطهاد الشوافع تحديدا ، ثم اختلفت معه كذلك حول ما يتناوله في كتاباته من هجوم صارخ على جمال عبد الناصر بالباطل والترويج لفكره الشيوعي .. وشهودي على خلافي معه احياء يرزقون !
وكان البيضاني قد التحق بحركة الاحرار اليمنيين في القاهرة عام 1960 ، غير انه سرعان ما اصطدم مع زعيمي الحركة انذاك القاضي محمد محمود الزبيري والاستاذ احمد محمد نعمان ، وهما قد افاضا في اسباب ابعاده وعزله من “الاتحاد اليمني” الذي كان يمثل تجمع المعارضة اليمنية ، لانه فاق بتعصبه الطائفي والعرقي السافر كل المتعصبين من قبله، وفي بيان بعنوان “الاحرار الى الاحرار” نشرته جريدة العمال بعدن في 16 سبتمبر عام 1962 – أي قبل عشرة ايام فقط من اندلاع الثورة – قال الزبيري والنعمان “وجاء على اخر الزمان طاريء جديد على صفوف الحركة الوطنية يطالبنا بالمنكر ، ويدعونا الى جريمة الانشقاق بين ابناء الشعب ، والاعتماد عليها – كما يزعم – في تحقيق الثورة ، وما اشبه طلبه هذا بمن يحاول تطهير قرية من ميكروب الملاريا فيضربها بالقنابل الذرية ، ولقد ذكرنا بالعبد الابله الذي حاول ان يطرد الذباب على جبين سيدة ، فرمي بصخرة ضخمة حطمت جبين السيدة دون الذباب الذي طار قبل ان تلحقه الصخرة !
ولا انسي وقتئذ ان مجلة “روز اليوسف” تلقت العديد من رسائل اليمنيين التي كانت تحتج على نشر مذكرات البيضاني عن اليمن ، وهكذا تقرر وقفها بالتزامن مع استبعاد البيضاني من الحديث عن اليمن في إذاعة صوت العرب ، وقد اعترف البيضاني نفسه في احدي لحظات تجليه ان جمال عبد الناصر قال له “ كيف تقبل على نفسك وأنت رجل مثقف..احتراف العمل الطائفي” !
وإذا كان مؤتمر عمران عام 1963 قد عزز من قرار سحب الجنسية اليمنية من البيضاني عبر هذا النص : “كما يقرر المؤتمر إدانته وكل من يتعاون معه بأي شكل من الاشكال بالخيانة العظمي” !
لكن الرئيس عبد الله السلال الذي كابد الامرين من تطرف البيضاني وتطاوله عليه ، هو نفسه الذي اعاد له الجنسية اليمنية في خريف عام 1966 ، ومع ذلك لم يسلم السلال بعدئذ من تطاول البيضاني .. وكل ذلك معروف للجميع .
ومن المعروف كذلك ان البيضاني توجه الى المانيا الغربية اثر عزلة من مناصبه ، وعبر علاقته القديمة ولا نقول المشبوهة كما يدعي خصومه ، اقنع دوائر الاحتكارات الالمانية بتقديم الرأسمال اللازم لفتح بنك في المستعمرة البريطانية “عدن” ، غير ان الوطنيين من أبناء جنوب اليمن كانوا له بالمرصاد خلال زيارته عدن ، وناله منهم ما لم يكن في حسبانه من الوان السب والتجريح والايذاء عندما تهجم على دور مصر الثوري في اليمن ، والتلويح باقامة الدولة الشافعية بدون الزيود ، ولم ينقذه من مصيره المحتوم انذاك سوى حماية الانجليز حتى غادر عدن !
والحقيقة انه لو انسقنا الى رصد ونشر كم والوان الهجوم الصارخ الذي ناله البيضاني من اليمنيين ، اذن لاحتاج الامر الى كتاب خاص ، ومن هنا رأينا امانة للتاريخ ان نهوم فحسب ، حول ما تشي به العناوين من الرؤي والمضامين .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.