ثورة سبتمبر نهضت بتدابير سرية لتنظيم الضباط الأحرار لماذا عزل السلال البيضاني وما هي علاقة السادات به؟ علاقة السادات والبيضانى في كتابة “عبد الناصر وحركة التحرر اليمني” ص 82 ، 83 ، 85 يقول فتحي الديب المسئول عن ملف اليمن إبان كان المشرف علي الشئون العربية برئاسة الجمهورية المصرية يقول:“فوجئت خلال عام 1962 وبالذات في بداية النصف الثاني منه باسم الدكتور عبد الرحمن البيضاني يظهر على السطح كشخصية قيادية وسط القيادات اليمنية المعروفة سابقاً لكل العاملين في الحقل السياسي اليمني . وترجع مفاجأتي بهذا الوضع الى علمي التفصيلي بأن السيد عبد الرحمن البيضاني رغم أصله اليمني إلا انه ظل بعيداً عن ارض اليمن خلال دراسته الطويلة بمصر ثم سفره ليعمل بسفارة اليمن بألمانيا ، ثم استقراره الدائم بالقاهرة ، الامر الذي جعله ابعد ما يكون عن التعايش مع حقيقة الاوضاع باليمن ، وتباعده المستمر عن أي تحرك نضالي وطني سابق ، بالاضافة الى عدم ثقة العناصر الوطنية والقيادية اليمنية التي عايشت وناضلت من أجل تحقيق آمال الشعب اليمني بالدكتور البيضاني كما كانوا يسرون لي ولغيري في كل لقاءاتهم بنا ، كما فوجئت بتولي السيد أنور السادات مباشرة القضية اليمنية ومتابعة تطوراتها وتوطد العلاقات بينه وبين الدكتور البيضاني الذي نجح في اقناع السادات بقدراته النضالية وتزعمه من موقع قوة للقيادات الوطنية الشابة داخل وخارج اليمن ، الامر الذي لم يتقبله فهمي لحقيقة الاوضاع باليمن ولعل ما يؤيد وجهة نظري حول علاقة الدكتور البيضاني بالقضية اليمنية ما بلغني على لسان العديد من الاخوة اليمنيين الاحرار عن حديث البيضاني عبر إذاعة صوت العرب ومهاجمته للهاشميين هجوما عنيفا بلا مبرر ، غير مدرك بأن اغلبية الضباط والقيادات الوطنية المشاركة في الإعداد للثورة من الهاشميين ، كما ان عدداً كبيراً منهم بالسجون عقابا على تمردهم على أسرة حميد الدين ، وانهم كانوا وما زالوا وباستمرار كهاشميين في مقدمة أي عمل ثوري يقدم عليه الشعب اليمني . كان طبيعيا ان يكون مردود هذه الاحاديث الإذاعية إثارة العديد من المشاكل امام القيادات اليمنية القائمة بالإعداد للثورة واعتبارهم لها أداة تفتيت وتخريب للقوى الثورية ، ووجهوا نقدهم الشديد للاحاديث مطالبين بايقافها فوراً ، وهو ما حدث بالفعل ، حيث طالبت سلطات القاهرة بإيقاف تلك الاحاديث اللاواعية استجابة لطلب قوى الثورة بداخل اليمن . ثم يستطر فتحي الديب قائلا : اثار معي بعض القادة الوطنيين موضوع استغلال الدكتور البيضاني لعلاقته بالسيد انور السادات ليتخذ منها وسيلة ضغط على القوى الوطنية ، باعتباره الشخصية الموثوق بها من قبل المسئولين بالقاهرة ، فارضا نفسه عليهم بعد ان تمكن من توثيق صلاته ببعض التجار اليمنيين بعدن مما اغضب القوى الوطنية داخل اليمن . ومما زاد الطين بلة التجاء البيضاني لفرض اسماء بعينها من اصدقائه ضمن عضوية مجلس قيادة الثورة وتدخله في الشئون العسكرية والذي لا يفقه عنها شيئا ، الامر الذي ادى الى تسرب اخبار اعتزام القيادات الوطنية اليمنية بالثورة ضد الإمام ، ووصول تلك الاخبار الى الإمام احمد شخصيا ، الذي سارع بإخطار ابنه البدر محذرا اياه من ضباط الجيش المعروفين بوطنيتهم بمدينة صنعاء ، والذين كانوا مهددين بتنفيذ الإعدام فيهم نتيجة تسرب تلك الاخبار الى تعز بمعرفة بعض عملاء الإمام بالقاهرة ، ممن كانوا على اتصال مباشر بالدكتور البيضاني ، الامر الذي ازعج قيادة الضباط الاحرار القائمين بالإعداد للثورة بصنعاء، ولولا لطف الله لقضى البدر عليهم جميعا طبقا لتعليمات والده . إلا ان ذلك لم يمنع الدكتور البيضاني من الاستمرار في مخططه للسيطرة على الثورة ومحاولة تنصيب نفسه قائداً لها” ! خيال غريب وأداء محكم كذلك يروي اللواء صلاح الدين المحرزي في كتابه الذي نوهنا عنه من قبل ص116 واقعة تخلص السلال من البيضاني ، عندما كلفه بتسليم رسالة الى الرئيس جمال عبد الناصر، وعندما قرأها ابتسم ثم طلب من البيضاني الانتظار والراحة من عناء السفر ومشقة العمل في صنعاء ، في اشارة مهذبة لإعفائه من مهمته باليمن . ثم سيل آخر من المقالات التي تنقد الدكتور البيضاني وتتهمه بأبشع الصفات .. بينها عشر شهادات نشرتها صحيفة 26 سبتمبر اليمنية فقط غير كتاب كامل حافل بشتى المعلومات والشهادات التي تدينه بقلم الكاتب والمفكر اليمني احمد جابر عفيف : “على ان الشهادة التاريخية في سلسلة وثائق الثورة اليمنية التي استقرأ فيها “مركز الدراسات والبحوث اليمني بصنعاء عددا من زعامات الثورة ، حسم الرئيس عبد الله السلال الشك باليقين عبر نشره لأول مرة نص رسالته التي طالب فيها الرئيس جمال عبد الناصر تنحية الدكتور عبد الرحمن البيضاني وعدم عودتة مجددا الى اليمن . رسالة السلال لعبد الناصر الاخ الكريم الوفي السيد الرئيس جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية العربية المتحدة الافخم . تحية تقدير وحب واخاء لقد كنت بعثت الى سيادتكم برقيا بواسطة السفارة المصرية بصنعاء مشيرا الى بعض ما اثاره الدكتور عبد الرحمن البيضاني من المشاكل التي أوشكت أن تهدد كيان الثورة مباشرة نتيجة الكثير من التصرفات الغير سليمة ولا مقدرة للمسئولية والظروف التي تمر بها بلادنا في هذه المرحلة الحرجة ومن قلب المعركة السافرة والشرسة مع قوى الرجعية و الاستعمار.. ونظرا لأن الموقف نتيجة ذلك قد بلغ الدرجة التي لا يمكن معها تغاضي بعد ما قد تحملناه من صبر كاد ان يودي بالبلاد الى هوة سحيقة ، وان يمكن للرجعية من تحقيق اغراضها بضرب الثورة وإعادة البلاد الى الظلام من جديد ، والتربع على عرش الملكية البغيض ، فقد وجدتني مضطرا وللأسف الشديد الى اتخاذ الخطوة التي لابد منها تجنبا للنهاية الغير محمودة ، وتداركا لسلامة الوضع من جديد من الانهيار وتصدع الصفوف وذلك بإبعاد الاخ البيضاني عن الميدان لسلامة البلاد وسلامته هو نفسه ، واسمحو لي يا سيادة الاخ ان اوجز لكم بعض النقاط التي أدت الى اتخاذ مثل هذا القرار.. الى اخر الاسباب التي استدعت ذلك القرار . ثم يواصل المشير عبد الله السلال سطور رسالته الى جمال عبد الناصر قائلا : “وكنتيجة لمثل هذه التصرفات وكثير غيرها لا أريد ان أطيل عليكم بسردها ، واجهت حكومة الثورة الكثير من المشاكل والمتاعب مع القبائل والمدنيين والموظفين ، كما تحملت المضاعفات الكبيرة في الموقف العسكري ، كما عانت وتعاني انهياراً وعجزاً في الوضع الاقتصادي وصراعاً طائفياً وعنصريا في صفوف الشعب وقوات الثورة على اختلافها ، ونظراً لكل ما تقدم .. ولاعتقادي العميق بأنكم أول من يحرص على سلامة وكيان هذا البلد وانتصار أهداف الثورة ، وبأنكم لا يمكن ان ترضوا بأي حال من الاحوال بالتضحية بمصير هذا البلد وثورته من أجل شخص او أشخاص مهما كانوا .. ولانه لا مجال لاحتمال المزيد من مضاعفات هذه المشاكل وتعقيدها ، كان القرار بإبعاد الرجل بثورة مستحسنة أملا ان تتولوا أنتم من جهتكم أيها الأخ العزيز تتمه البقية !! شاهد ماشفش حاجة وتشاء الاقدار ان استمع بعناية وفي دهشة الى الدكتور عبد الرحمن البيضاني وهو يدلي بدلوه في برنامج “شاهد على العصر “الذي تبثه قناة الجزيرة حول دوره في ثورة اليمن ، فلم اتمالك نفسي وبادرت للرد عليه باعتباري شاهدا على هذا الدور ، عبر مقال نشرته صحيفة “الاسبوع” القاهرية بالتزامن مع صحيفة “البيان” الظبيانية بتاريخ 10 سبتمبر 2001 .. وقلت : لاشك ان تجربة القنوات الفضائية العربية بتقنياتها الحديثة قد حققت انتشارا جماهيريا واسعا وفائدة معرفية محققة عبر الحوارات المباشرة مع الزعماء والمفكرين والقادة العسكريين، ممن لعبوا أدواراً بارزة في بلادهم ، او كانوا شهودا على مراحل او وقائع تاريخية بعينها ، حفلت بالانتصارات والانكسارات والتحولات الكبري ، ومن هنا تكمن خطورة الانتقائية المعيبة للشخصيات التي تم استضافتها في هذه القنوات من زاوية تأثيرها الضار على شفافية ومصداقية الذاكرة التاريخية للشعوب والامة العربية ، إما لغيابهم اصلا عن مواكبة تلك الوقائع موضوع الشهادة ، او لأن هذه الشخصيات تبحث لنفسها عن دور وبطولة من الاوهام والاكاذيب ، او كان اختيارهم للشهادة الزور مقصودا لذاته ولغرض في نفس يعقوب ، والى حين ينهض المؤرخون بمهامهم في رصد الحقائق بالامانة العلمية . وربما من هنا بادرت الصحافة اليمنية الرسمية والحزبية والمستقلة بلا استثناء الى نشر الوان النقد والقدح والادانة كما الصواريخ الموجهة الى الدكتور عبد الرحمن البيضاني النائب الاسبق للمشير عبد الله السلال اول رئيس للجمهورية في اليمن ، إثر حديثه المثير لقناة الجزيرة في برنامج “شهادة على العصر” على مدى شهرين كاملين ، ولعل القراءة السريعة لعناوين التقارير والمقالات التي تصدت لشهادته تشي بالكثير .. “البيضاني كوهين اليمن” تعليق لصحيفة 26 سبتمبر لسان حال القوات المسلحة اليمنية “البيضاني وفن تقمص الاقنعة” مقال بقلم عبيد الحاج و”الصدق منجاة” بقلم عبد الوهاب ناصر جحاف ، وثيقة ولاء للإمام احمد بن حميد الدين بخط البيضاني .. والاخطر من كل ذلك شهادة السيد عبد السلام صبرة المضادة لشهادة البيضاني على العصر ، كونه اهم المرجعيات السياسية في التاريخ اليمني المعاصر وقد بلغ من العمر عتيا تحت عنوان “نستغرب الروايات النابعة من خيال غريب وأداء محكم ومريب للدكتور البيضاني ولعلها فصل الخطاب ، كون الشاهد وقد بلغ من العمر عتيا معروفا بنزاهته ونضالاته وأدواره المقدرة في تفجير ثورة اليمن الاولى عام 1948 ثم ثورة 26 سبتمبر 1962 . وعلى مدى 40 عاما من متابعاتي لشئون اليمن وشجونه ظل اليمنيون على اختلاف مواقفهم في استبعاد أي دور سياسي يذكر للدكتور البيضاني من اندلاع الثورة والاجماع على ان دوره اقتصر فحسب على تأجيج الخلاف بين الثوار ، وإثارة النعرات الطائفية بين الشوافع والزيود وهو المسئول عن فتح جبهة العداء مع السعودية ، الامر الذي انتهى بعزله سريعا من منصبه واستبعاده سفيرا لليمن في لبنان ، وليس مثله بين الشخصيات العامة في اليمن من يفوقه غموضا والجدل حول نشأته وتقلباته وخياراته السياسية ، والى حد إثارة الشكوك حول وصوله الى السلطة ، فلماذا اختياره تحديدا بالتالي للشهادة على العصر رغم انه “شاهد ماشفش حاجة” وهي احدى مسرحيات الفنان عادل إمام الكوميدية ! والحقيقة ان ثورة سبتمبر نهضت بتدابير سرية محكمة لتنظيم الضباط الاحرار ، ومشاركة زعامات حركة الاحرار التي فجرت ثورة 1948 ولولا ذلك لما كانت قناعة جمال عبد الناصر بمصداقية الثورة ونجاحها في كسب الشعب والجيش الى جانبها ، ولما بادر الى دعمها حين تعرضت للعدوان الخارجي ، ورغم ذلك لعبت مساوئ الصدف لعبتها ، حين تعرف انور السادات رئيس مجلس الامة انذاك على البيضاني خلال رحلة استشفاء في المانيا عندما كان قائما بأعمال سفارة اليمن في بون ، وهو الذي اختاره نائباً لرئيس الجمهورية اليمنية بعد أن اصبح مسئولا عن ملف اليمن ، رغم ان البيضاني كان من سدنة بيت حميد الدين ، ولم يكن ينتمي الى الاحرار ولا للجيش اليمني ، فهل يعقل بالتالي ما نسبه لنفسه في شهادته على العصر من حول وطول في تدبير الثورة وتصريف شئون اليمن ولم يستغرق في منصبه سوى ثلاث شهور ونصف فحسب انتهت بعزله ، والادهى والامر الادعاء بأن جمال عبد الناصر كلفه بعد ذلك بمهام سرية خطيرة في سوريا ، رغم اتهامه لعبد الناصر بأنه كان مجرد واجهة وان عبد الحكيم عامر كان القائد الفعلي لثورة يوليو ، ونتساءل أخيرا كيف خانه ذكاؤه المعهود واتاح لخصومه فتح الطابق المستور على سيرة حياته ، الم يكن اولى به التنحي عن الشهادة لغيره من الاحرار والثوار ، وان يستكين في قصره المنيف بالمعادي او قصره الجديد في صنعاء ، وان يرفل ما بقي له من عمر في رغد نصيبه الوافر من ملايين الدولارات في مشروع الصرف الصحي الذي جاءت المرأة الحديدية مارجريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا خصيصا من لندن لافتتاحه في القاهرة ؟ أول صحفي مصرى فى اليمن توثيقا للتاريخ فقد كان على جمال الدين الصحفي بوكالة انباء الشرق الاوسط اول من وطات قدماه ارض اليمن قبل أي صحفي مصري او عربي او اجنبي بمجرد اندلاع ثورة 26 سبتمبر عام 1962 ، وكان قد فوجيء بتكليفة من رئاسة الوكالة بالاستعداد للسفر في مهمة صحفية سرية وبالغة الاهمية ، بعدها كان عليه التوجه الى مطار الماظه الحربي ، ثم كانت المفاجأة الثانية ان عليه ركوب طائرة نقل عسكرية طراز “أنيتنوف” ، حيث وجد مكانه وسط أكوام من صناديق الاسلحة والذخيرة واجهزة للاتصالات اللاسلكية وبعض الضباط والجنود المصريين ، ثم فوجيء للمرة الثالثة حين اكتشف ان عليه التنفس من قناع الاكسجين ، وعندئذ راح يساءل نفسه عن كنه هذه المهمة المتعين ان يخوض غمارها في سرية بالغة ! عبرت الطائرة الحدود المصرية في خط سير موازي للبحر الاحمر باتجاه الجنوب، فلما تجاوزت الحدود السودانية ظن على جمال الدين ان اثيوبيا الهدف المحقق ، ولابد وان انقلاب عسكري او ثورة شعبية اطاحت بالامبراطور الديكتاتور هيلا سياسي ، وانه بات على صعيد رد الفعل ان يبادر الرئيس جمال عبد الناصر الى دعم خيار الشعب الاثيوبي ! لكن الطائرة عبرت البحر الاحمر الى الشرق ، وكادت تقترب من عدن ، وعبثا حاول ان يستفسر من الركاب العسكريين عن مطار الدولة المحتمل ان تهبط فيه الطائرة العسكرية المصرية ، واكتشف انهم على غراره يجهلون أو يتجاهلون ! لم يمض من الوقت بعدها سوى اقل من الساعة حتى كانت عجلات الطائرة تلامس ارضا خشنة مع اول ضوء للفجر ، واكتشف انه في اليمن وفي مطار بدائي على مشارف صنعاء ، وان الثورة السبتمبرية التي اندلعت منذ ايام قد نجحت في الاستيلاء على السلطة ، ولا تزال المعارك مستعرة في مواجهة طليعة قوى الثورة المضادة من القبائل الموالية للإمام البدر الذي تمكن من الهروب من صنعاء الى مدينة حجة قبل ان يصل بعدها الى السعودية ! وهكذا قدر لعلي جمال الدين ان يبعث بأول رسالة صحفية ميدانية الى وكالة انباء الشرق الاوسط من صنعاء معقل الثورة ، وان تتناقلها تباعا مختلف وكالات الانباء والصحف والاذاعات في شتى ربوع العالم ! بعدها انهمر سيل الدعم العسكري المصري للثورة السبتمبرية ، وعلى ما يبدو ان القيادة المصرية لم تهضم بسهولة تحركات علي جمال الدين الصحفية وفضوله الشديد بحثا عن الحقيقة ومواكبة الاحداث في كل مكان باليمن ، ثم لأنه كذلك راح يجمع ما وسعه من الاوراق والوثائق التاريخية اليمنية المبعثرة داخل قصور أسرة حميد الدين ولا يزال بعضها في حوزة أسرته يرحمه الله ، فقد رحل بينما اكتب عنه هذه السطور في شهر يناير 2006 حيث اقامت له نقابة الصحفيين حفل رثاء مهيب ! المهم ان على جمال الدين وجد نفسه مبعدا فجأة ودون انذار من اليمن في طريقه الى القاهرة عبر طائرة عسكرية مصرية “أنيتنوف” ، وان عليه التنفس عبر قناع الاكسجين للمرة الثانية!! ماذا حدث ؟ واقع الحال ان امن القوات المصرية في اليمن كان فوق أي اعتبار آخر ، خصوصا وهي بعيدة عن ارض الوطن آلاف الاميال من خطوط الامدادات ، بينما العدوان الشرس يتربص بها من داخل اليمن ومن خارجه ، وفي مثل هذه الظروف الاستثنائية كانت تقع الاخطاء عند التعامل مع الصحفيين بوجه خاص ، كونهم لا يهدأون ولا يملون جريا وراء الاخبار وبحثا عن الحقائق حتى لو كلفهم الامر تجاوز المحاذير الامنية ، ثم لأنهم يسألون بفضول عن أي شيء وكل شيء ، ومن هنا على ما يبدو لم يسلم على جمال الدين من جراء اختلاف الرؤى وممارسة الصحفيين لمهنتهم وادائهم لواجبهم ، وبين المخابرات العسكرية ومعاييرها الامنية . جدير بالذكر ان زميلي جمال حمدي المحرر في روز اليوسف كان على وشك ركوب الباخرة التي تحمله من السويس الى الحديدة في طريقه الى اليمن .. حتى فوجيء بقرار امني مجهول بمغادرة الباخرة لولا تدارك الموقف في آخر لحظة ، كذلك كان حال نقيب الصحفيين الاسبق الصديق مكرم محمد أحمد حين كان مراسلا عسكريا لصحيفة الاهرام في اليمن وقتئذ ، وكان عليه مغادرة صنعاء خلال ساعات محدودة ، حتى تدخل الاستاذ محمد حسنين هيكل رئيس تحرير الاهرام لحل المشكلة ، ولكن بعد ان كان مكرم محمد أحمد قد عاد الى القاهرة ، وذلك ما حدث على وجه التحديد لزميلنا المرحوم محمود السعدني مراسل وكالة انباء الشرق الاوسط ، عندما فوجيء بقرار ترحيله من تعز وهو غير محمود السعدني الكاتب المصري الساخر . بالمناسبة كان الكاتب الصحفي سعد كامل قد زار اليمن عام 1964 ضمن فوج من الصحفيين ضم كامل زهيري وسليمان مظهر وزكريا نبيل وكاتب هذه السطور ، وإذا بالمخابرات العسكرية المصرية تستدعيه وحده ، وراحت تستجوبه من المغرب حتى منتصف الليل ، وبعدها عرفنا للاسف انهم كانوا يشكون في احتمال هروبه من اليمن ولجوئه الى الاتحاد السوفيتي !!