كثيرة هي المسميات والأوصاف التي قيلت في اليمن وبالتحديد حول روعة وتفرد هندسة البناء المعماري وعظمة أبنائها في ذلك..منذ آلاف السنين الممتدة عبر الدهور السحيقة وحتى الآن كل من مر من هنا أو على كتب التاريخ لابد في النهاية أن يشير إلى يمنيي الوقت الراهن بأنهم أحفاد الذين بنوا سد مأرب وقصر غمدان، ولكن هذا الأخير لايزال الاسم الغائب عنا، قصداً الحاضر بيننا جهلاً وتجاهلاً ويحتاج لعملية إنعاش للذاكرة كي يستعيد مجده الغابر. قصر غمدان جاء ذكره في وقت متأخر عندما قررت وزارة الثقافة أخيراً القيام بعملية حصر لكافة القلاع والحصون التاريخية في اليمن من أجل توثيقها والحفاظ عليها. مطلع هذا العام أعلن إجراء دراسات خاصة بتحويل قصر غمدان الأثري إلى مجمع ثقافي سياحي.. إضافة إلى بدء دراسات متكاملة لوضع المجسمات الخاصة بالقصر التاريخي الذي يعد من أول ناطحات السحاب في العالم وأكثر القصور التاريخية شهرة في اليمن والعالم، حيث سيتم بناء تلك المجسمات على مواقع القصر وإعادة ترميمه من خلال الاستعانة بكبريات الشركات العالمية في هذا المجال تمهيداً لافتتاحه كمجمع ثقافي ببعده التاريخي والسياحي لليمن. ووسط مدينة صنعاء التي تمتد بين جبلي عيبان من الغرب ونقم من الشرق كان يقبع قصر غمدان الذي قال عنه الجاحظ بأنه أحد عجائب الدنيا القديمة الثلاثين والذي تغنى بعظمته أعظم الشعراء وقد كان أول ناطحة سحاب في الدنيا أقامها اليمنيون، كما قالوا عن ذلك القصر العظيم إنه كان أول قصور اليمن وأعجبها ذكراً وكان به عشرون سقفاً غرف بعضها على بعض واختلف الناس في الطول والعرض، فمنهم من قال كل وجه علوه ألف بألف ومنهم من زاد الرقم وكان ما بين كل سقف عشرة أذرع. «وفي وصف هذا القصر قال الهمداني» من بعد غمدان المنيف وأهله وهو الشفاء لقلب من يتفكر يسمو إلى كبد السماء مصعداً عشرون سقفاً سمكها لايقصر ومن السحاب معصب بعمامة ومن الرخام منطق ومؤزر متلاحقاً بالقطر منه صخرة والجزع بين حروبه والمرمر وبكل ركن رأس نسر طائر أو رأس ليث من نحاس يزأر متضمناً في صدره قطارة لحساب أجزاء النهار تقطر والطير واقفة عليه وفودها ومياهه قنواتها تتهدر ينبوع عين لايصرد شربها وبرأسه من فوق ذلك منخر برخامة مبهومة فمتى ترد أربابه مدخولة لابعسر ويقول محمد بن علي الأكوع الحوالي في كتابه «اليمن الخضراء مهد الحضارة» إن شئت أن ترى عظمة قصر غمدان فانظر إلى أحجار واسطوانات الجامع الكبير الذي بني من انقاضه. وقال أيضاً في كتابه: إن الهمداني أوضح أين كان مكان قصر غمدان فهو قبالة الجامع الكبير من الشرق وهو المرتفع الذي فيه البنايات والبيوت وقد كان ممتداً إلى سوق القضب ومسجد الشهيدين كما هو متعالم به اليوم.