في اليوم الأول بعد أن عادت من المدرسة اندهشت الفتاة حين رأت تلك الوردة الحمراء مثبتة على النافذة المقابلة لغرفة نومها، لم يكن هناك أي أثر أو دليل يؤدي إلى قيام شخص معين بعمل ذلك. تناست الأمر وبدت الغرابة شيئاً فشيئاً تختفي من ملامحها الجامدة حتى غرقت في بحر النسيان، وفي اليوم الثاني استبدت بها انفعالاتها وهي تلمح وردتين متعانقتين على نفس المكان والوردة الغربية ذات اللون الأبيض أثارت حيرتها أكثر وأكثر فماذا يعني لها هذا الاختلاف في الألوان فبرغم جمالها المفرط وأنوثتها الجذابة وقوامها المتميز إلا أنها لاتظن بأن هناك من يتجرأ على الإفصاح لها عن حبه، فهي لا تعترف بأية تجربة غرامية مهما كبر وزنها وارتفع عيارها، فلاشيء عندها اسمه الحب، وطالما كانت إحدى صديقاتها تسألها ممازحة: هل وجدت قيس أحلامك يا ليلى؟فتجيب عليها: لا أود رؤيته فهو مجنون حين يحب! لم تفكر بأنها سوف تحب شخصاً ما في يوم من الأيام ، ولاتعتقد أن هناك شاباً سوف يحبها كذلك، فالحب في مخيلتها مجرد لعبة يتورط فيها الاشقياء من الجنسين، أما هذه المرة فالأمر يختلف عن سابقه، إذ يجب عليها أن تراجع حساباتها تماماً، فالوردة ساحرة وقد بدأت تدغدغ مشاعرها خاصة تلك الوردة البيضاء..إنه شعور غريب ينهش اعماقها، ولكنه جميل ورائع فقالت لنفسها: ما أجمل الورود وما أعذب لغتها.. وأخذت تهمس: من وضع الوردتين؟ أن من يكون الفاعل؟؟ ظلت تنتقل افكارها وتجول بين أبناء الجار الثمانية وهي تقول في صوت شبه مسموع: لعله أحمد..ثم تهز رأسها وتنفي ذلك قائلة: أحمد متزوج ولا أظن أنه يفعل..ثم تقول: لاشك أنه علي فهو عازب..لكن لا فهو عاقل وملتزم..استمرت تقلب ملفاتهم واحداً تلو الآخر وهي تعتقد بفلان ثم تنفي ذلك لأسباب هي تعرفها، وبينما هي تقلب ملف ذكريات كريم الابن السابع قبل الأخير والذي يقاربها في السن،وتفتح الصفحة الأولى منه ولا تجد شيئاً ثم الثانية والثالثة والرابعة، توقفت عند الخامسة وأخذت تقرأ محتوياتها،فوجدته في إحدى الأيام قبل بضعة شهور يصافح وجهها بعينيه على حين غرة من تلك النافذة، وأهداها بسمة مثيرة مازالت تذكر وزنها وعرضها وارتفاعها..لقد ذكرتها الآن فهي كتلك الوردة البيضاء..ظلت تعيد ببطء صورة البسمة في مخيلتها منذ أن انفرجت بها شفتاه الجميلتان.. ساعتئذٍ لم تقدر على الإمساك بزمام أعصابها، حيث صاحت بانفعال: إنه كريم صاحب الوردة البيضاء.. وفي اليوم الثالث أجبرها فضولها على مشاهدة الوردتين، فأرخت ستارة النافذة وألقت نظرة حذرة إلى الموضع المخصص للورود، ولكنها هذا اليوم لم تنظر سوى الوردة البيضاء فقط على النافذة المقابلة، ولاحظت أن وضعية الوردة قد تغيرت هذه المرة.. فبدل أن كانت مستقيمة إلى الأعلى أصبحت الآن متدلية إلى الأسفل.. وكأنها خجلت من ليلى حين كشفت سر صاحبها، فكرت ملياً بهذه التغيرات الأخيرة التي طرأت على الوردة وهي تُسائل ذاتها:ماذا يعني ذلك؟ صمتت وهي لاتدري بما تجيب على هذا اللغز الشائك، فتركته للمجهود البعيد. في اليوم الرابع انطلقت إلى مدرستها المزدحمة بالفتيات وهي تشعر بأن الوقت يمر ببطء شديد، حتى المعلم الفرح الملامح الذي طالما كانت تستمتع بدروسه وتحب طريقة إلقائه للدرس بدا لها مملاً، ولم تستوعب منه غير القليل من المعلومات التي اقتحمت رأسها عفو الصدفة.. التفتت إلى صديقتها متسائلة: كم الساعة الآن؟ العاشرة والنصف. آه لم أعد أصدق ساعتي بالرغم أنها لاتكذب علىّ البتة فهي مضبوطة تماماً.. مالك ياليلى قلقة وتائهة البال..هل هناك ما يشغلك؟ أريد أن أعود إلى البيت لأرى الوردة. استغربت صديقتها من طريقة كلامها غير المألوفة، فهذه المرة الأولى التي تسمع ليلى تتكلم عن الورد! فأخذت تقول في سرها: لعلها وجدت قيساً الذي كانت لاتريد رؤيته وقطعت ليلى حب أفكارها حين قالت مستفسرة: لو أنك رأيت وردة مقلوبة على نافذة قريبة منك فماذا تفهمين من ذلك؟؟ أعتقد بأنني إذا رأيتها لأول مرة فقد تكون الصدفة، أما إذا رأيتها منتصبة من قبل ثم وجدتها بعد ذلك قد انقلبت، فهذا يعني أشياء كثيرة و.. لم تكمل الأخيرة بقية حديثها، فقددق جرس العودة منهياً ذلك الحوار فأسرعت الفتاة إلى المنزل وألقت بحقيبتها على الطاولة، وذهبت لرؤية الوردة البيضاء. تأوهت في أسف حين وجدتها قد ذبلت وتساقطت معظم أوراقها، فلم تنتظر حتى تتهابر الأوراق المتبقية للوردة أمام عينيها بل أغلقت النافذة بتوتر.. 3002م