أعلنت مصادر في السلطة الفلسطينية، أمس11 -8-2008، عن تأجيل الجنازة الوطنية التي ستقام للشاعر الفلسطيني محمود درويش إلى الأربعاء المقبل، بدلاً من الثلاثاء، بسبب توقع تأخر وصول جثمان الشاعر الذي توفي السبت الماضي في الولايات المتحدة الامريكية، إلى رام الله، حيث سيوارى الثرى. وسيشارك رئيس السلطة محمود عباس ورئيس الوزراء سلام فياض في الجنازة التي من المتوقع أن تكون الاضخم منذ وفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في نوفمبر 2004 أحد أهم الشعراء الفلسطينيين الذين ساهموا في بناء الشعر العربي الحديث وقد منح درويش عددا من الجوائز العربية والدولية وقال مستشار الرئيس الفلسطيني أحمد عبد الرحمن إن “الجثمان سيصل يوم غد الأربعاء صباحا إلى الأردن حيث سيقام حفل وداعي قبل نقله بمروحية أردنية إلى رام الله حيث الحفل الرسمي سيكون في المقاطعة (مقر السلطة) قبل الدفن”. وأضاف “ستهبط الطائرة في مقر الرئاسة (المقاطعة), ومن ثم تجري مراسم رسمية وينقل بعدها الجثمان في جنازة مهيبة الى موقع الدفن جنوب غرب رام الله”. ومن المتوقع ان يدفن درويش, وهو احد كبار الشعراء في العالم العربي, على مقربة من قصر الثقافة في ارض مطلة على مدينة القدس. وقالت مصادر أن السلطة الفلسطينية طبعت اكثر من 5 الاف علم عليها صورة درويش لكي يتم توزيعها خلال التشييع. وكانت مصادر ألمحت الى تأجيل موعد الجنازة الى الاربعاء في حال لم يصل جثمان درويش في الوقت المحدد من الولايات المتحدة حيث وصل وفد فلسطيني للاشراف على عملية نقله الى رام الله عبر عمان. وقال وزير الخارجية في السلطة رياض المالكي ان درويش المولود في قرية البروة في الجليل سيدفن في رام الله “تبعا لوصيته”، مؤكداً “عدم الطلب من إسرائيل السماح” بدفنه في مسقط رأسه الذي دمر بشكل تام خلال حرب 1948. الى ذالك عبر شعراء وأدباء وكتاب فلسطينيون عن حزنهم لرحيل الشاعر الفلسطيني محمود درويش، وأكدوا أنه كان له ذوق خاص فيما كتب من الشعر وكان لقضيته الفلسطينية حيز كبير في حياته، وأنه أعطاها الشيء الكثير في كتاباته وناصرها أيضا. ورأى هؤلاء في أحاديثهم للجزيرة نت أن درويش وإن رحل بجسده فإن شعره لا يزال حيا وأن قصائده لا تزال تحكي قصصه وحياته بكل ألوانها الفرحة والحزينة والأمل والألم، مؤكدين أنه مدرسة بحد ذاتها تبقى شامخة مهما مر عليها من أجيال. رئيس قسم اللغة العربية في الكلية الأكاديمية العربية بحيفا الدكتور إلياس عطا الله قال “كنت أقرأ فيه فلسطين بكل ما تعني فلسطين منذ عام 1948 حتى يومنا هذا، بكل نكبة مررنا بها وبكل الوجع والنفي والرحيل وبكل الآمال التي ما انفك الشعب الفلسطيني يحملها في عمقه ولن تزول أبدا”. حمل القضية شموع في تأبين درويش برام الله (رويترز) وأضاف عطا الله “الشاعر درويش موجود دوما وسيبقى، وحديثي عنه بعد رحيله كحديثي عنه قبل رحيله وكان ظاهرة خاصة في الشعر العربي، ولا يختلف كثيرا عن المتنبي في المقام الشعري وأجمل ما فيه أنه حمل قضية شعبه لتصبح قضية العالم بأسره”. وعن بدايات درويش أكد عطا الله أنه في الفترة الأولى من إبداعاته الشعرية كان شعره محدودا ومحليا وإقليميا ويتحدث بمصطلحات الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. وأضاف “بعد ذلك نحا درويش منحى إنسانيا عاما وعولم القصيدة، إن جاز أن نقول كذلك، وأثر عليها من الناحية الإنسانية والشمولية بحيث جعل من فلسطين قضية عالمية لم تعد واقفة عند أغنيات وحماسيات “سجل أنا عربي”، وأخرج القضية من مفهومها الضيق ليجعلها قضية العرب وليس الفلسطينيين فقط وقضية كل إنسان يملك ضميرا حيا في العالم، وذلك عبر قدراته الشعرية وصوره وإيقاعاته الخارقة فعلا”..وأشار عطا الله إلى أن الشاعر درويش أثر في الشعر والأدب الفلسطيني تأثيرا كبيرا، وأن رحيله لا يعني موت الشعر الفلسطيني أو توقف مبدعيه. وأوضح قائلا “درويش أصبح مدرسة، والمدرسة ليست بأستاذها الذي رحل ولا بمديرها الذي رحل، هنالك نخبة واعدة واعية من شعرائنا المعاصرين لا شك أنهم سيسيرون على هذا الدرب، لكن الذي كان يميز محمود درويش سعة الثقافة والاطلاع والصدق الموجع”. وأوضح عطا الله أن شعر المقاومة الفلسطيني كان له جانب ليس قليلا لدى الشاعر درويش، خاصة أن فيه من الحماسة شيئا كثيرا، إضافة إلى التحشيد والوجع وهو شعر النكبة الفلسطينية المستمرة. باقون بموروثهم لكن الشاعر الفلسطيني لطفي زغلول عبر عن خلود درويش بقوله إن “الشعراء والمبدعين لا يموتون ومحمود درويش شاعر مبدع، أبدع أكثر من ثلاثين ديوانا شعريا، وبالتالي فإننا ننظر إلى هذه الأعمال على أساس أنها باقية خالدة”. وأضاف زغلول “لا شك أن درويش قد مر بمراحل كثيرة، ابتدأ بالشعر المقاوم وانتهى بما يسمى بالشعر الإنساني، وكان بينهما يخلط من هذا على ذاك، وكان مجيدا بقصائده وبارعا في توظيف كلماتها ومعانيها”. ورفض زغلول أن يكون الشاعر درويش قد ابتغى منصبا أو مالا في يوم من الأيام، مؤكدا “في بلادنا لا توجد مناصب أو كراس وكلها زائفة ليس لها أي اعتبار”. وأشار إلى أن شعر المقاومة لدى درويش كان جليا وواضحا في بداياته، ورغم انتقاله إلى غيره فإن حديثه وكتاباته عن فلسطين لم تتوقف وكان يحكي تراثها وحكاياتها في شعره..وقال الشاعر عبد الرحمن الأبنودي للجزيرة نت أن “درويش لم يكن شاعرا عاديا، بل هو رجل أعطى حياته كلها للقصيدة، وعاش بها زاهدا متصوفا عن المناصب والوظائف، وظل حالة نادرة بين الشعراء إذ لم تأته حالة الانقطاع التي عادة ما يمر بها الشعراء”..وأضاف أن درويش لم يكن من الذين يعيشون على ماضيهم بل كان دائم التجديد في شعره وإبداعه، وكان يتسابق مع كل حركات التجديد في الشعر العربي لذلك اعتلى قمة هذا الشعر. وأشار الأبنودي إلى أن الشاعر الفلسطيني الراحل لم ينزلق إلى مدراس الغموض والعنكبوتية في الكتابة، وإنما كان شعره واضحا بلا مباشرة، لأنه كان يحمل في ضميره دائما قضية الشعب الفلسطيني.