( الحلقة الخامسة و العشرون ) رداع مدينة يمنية تاريخية عريقة مشهورة عامرة آهلة بالسكان، تقع في الجهة الشرقية من مدينة ذمار، وتبعد عنها مسافة ثلاثة وخمسين كيلو متراً. يرتفع موقع مدينة رداع 2120متراً عن مستوى سطح البحر. تتميز مدينة رداع بموقعها الجغرافي ومناخها المعتدل وهوائها العليل وبمناظر الحقول الزراعية الجميلة المحيطة بها، وقد تغنى الكثير من الشعراء بجمال مدينة رداع . يرجع أقدم ذكر لمدينة رداع في المصادر التاريخية إلى القرن السابع قبل الميلاد (عصر مملكة سبأ )، وقد ورد ذكر مدينة رداع في أحد النقوش الكتابية للملك السبئي كرب إيل وتر الذي حكم في القرن السابع قبل الميلاد. تعرف باسم رداع العرش وذلك للتمييز بينها وبين مدينة تاريخية قديمة ورد ذكرها في نقوش كتابية باللغة اليمنية القديمة وعُرفت أيضاً باسم مدينة رداع (الحوامل) التي تقع على بعد عشرة كيلو مترات تقريباً شمال مدينة مكيراس. في العصر الإسلامي ورد ذكر مدينة رداع في كتابي الإكليل وصفة جزيرة العرب لأبي محمد الحسن ابن أحمد الهمداني، وذكر من علمائها أحمد بن عيسى الرداعي صاحب أرجوزة الحج. اهتم سلاطين الدولة الطاهرية الذين تعاقبوا على حكم اليمن بعد سقوط الدولة الرسولية سنة 858ه/1454م بمدينة رداع التي كانت إحدى أهم الثلاث المدن الهامة (جبن والمقرانة ورداع) في فترة حكمهم التي بدأت سنة 858هجرية/1454م واستمرت حتى سقوطها سنة 942هجرية/1551م. تزخر مدينة رداع بالعديد من المواقع والمعالم الأثرية التاريخية السياحية الرائعة، يرجع تاريخ إنشاء بعضها إلى عصور ما قبل الإسلام مثل قلعة المدينة التي ضلت مستخدمة في العصور الزمنية المختلفة وتم تجديدها وترميمها مرات عدة وإعادة استخدامها في العصر الإسلامي وحتى في عصرنا الحديث استخدمت كموقع عسكري. وتضم مدينة رداع من المعالم التاريخية الإسلامية الهامة مثل المدرسة المنصورية والرباط وغيرها، وتعد المدرسة العامرية أهم وأجمل وأشهر المعالم التاريخية في مدينة رداع. شيدت هذه المدرسة في مدينة رداع بمحافظة البيضاء، وتعد المدرسة العامرية واحداً من أهم وأشهر المعالم التاريخية والسياحية في اليمن. أنشأها السلطان الطاهري الظافر عامر بن عبد الوهاب بن داوود بن طاهر بن معوضة. في ربيع الأول من سنة 910ه/1506م، وقد كلف وزيره الأمير علي بن محمد البعداني بالاشراف على عمارة هذه المدرسة. تولى السلطان عامر بن عبد الوهاب الحكم سنة 894ه/1480م خلفا لأبيه السلطان المنصور عبد الوهاب بن طاهر، وقد استمر السلطان عامر في الحكم حتى تاريخ مقتله على يد الأكراد المماليك سنة 924ه/1517م. ويعد السلطان عامر بن عبد الوهاب أشهر وأعظم سلاطين الدولة الطاهرية. شيدت في عصر السلطان عامر بن عبد الوهاب الكثير من المنشآت المعمارية الدينية في عدن وجبن وتعز والمقرانة وزبيد ورداع، واهتم بترميم المساجد والمدارس الرسولية في مدينة زبيد. الوصف المعماري : التخطيط المعماري للمدرسة العامرية عبارة عن بناء من الحجر مستطيل الشكل أبعاده 40 م * 23م ، وهذا البناء مكون من طابقين يضم الطابق الأول قاعات للدرس وغرفاً وحجرات كانت تستخدم للسكن ومخازن وفيها أماكن للطهارة والوضوء، كما يضم هذا الطابق عددا من الحوانيت التي تفتح أبوابها على خارج المدرسة. يقع المدخل الرئيسي للمدرسة في الجزء الجنوبي من واجهتها الشرقية. ويلي هذا المدخل ردهة مربعة الشكل تبرز عن سمت جدار الواجهة وتعلوها حجرة مربعة الشكل كانت استراحة يستخدمها السلطان عامر بن عبدالوهاب. . فتح في الجدار الغربي لهذه الردهة باب يؤدي إلى سلم صاعد يتم الوصول بواسطته إلى الطابق الثاني في المدرسة. يضم الطابق الثاني قاعة الصلاة يتقدمها في الجهة الجنوبية فناء مكشوف مستطيل الشكل تحيط به أربعة أروقة، وعلى امتداد كل من الرواقين الشرقي والغربي توجد قاعتان للدرس تطلان على خارج المدرسة بعقود مفتوحة مدببة ونصف دائرية الشكل. فناء المدرسة : فناء مكشوف يبلغ طوله 9.30 م وعرضه 8.50م وتحيط به من الأربع جهات أربعة أروقة يتكون كل رواق من بلاطة واحدة يغطيها سقف خشبي مسطح، وكل بلاطة تفتح على الفناء وتطل عليه بثلاثة عقود مدببة الشكل تحملها أعمدة من الحجر. قاعة الصلاة : مستطيلة الشكل طولها 12.50 م من الشرق إلى الغرب وعرضها من الشمال إلى الجنوب 8 م، يتوسطها عمودان تقوم عليهما عقود مدببة تقسم سقف قاعة الصلاة إلى ستة أقسام مربعة الشكل، تغطي كل قسم قبة تزين باطنها زخارف جصية هندسية ونباتية وكتابية ملونة. وتغطي المناطق التي تحيط بالأجزاء العليا لمدخل قاعة الصلاة والنوافذ التي تفتح في جدرانها زخارف هندسية ونباتية وكتابية ملونة نفذت بإتقان. المحراب : عبارة عن فتحة مجوفة في منتصف جدار القبلة يعلوها عقد وتحيط بها زخارف كتابية وهندسية ونباتية ملونة. تتميز قاعة الصلاة في هذه المدرسة بوجود ممر يتقدمها في الجهة الشمالية، تتوسطه فسقية مثمنة الشكل، وتزين جدرانه زخارف هندسية وأشرطة من الزخارف الكتابية المنفذة بخطي النسخ والثلث نصها آيات قرآنية كريمة. تطل بقية الواجهات الخارجية للمدرسة في الطابقين على الشارع بعقود مدببة الشكل، وتعد المدرسة العامرية في مدينة رداع أشهر وأهم العمائر التي شيدت في العصر الطاهري ، كما تعتبر واحدة من أجمل المدارس اليمنية من حيث البناء والتخطيط والزخرفة. قامت الدولة ممثلة بالهيئة العامة للآثار والمتاحف بترميم هذه المدرسة ونفذ العمل فريق يمني ضم عدداً من المتخصصين والمتخصصات وشارك في الترميم عدد من الأوروبيين المتخصصين، وقد بدأت أعمال ترميم المكونات المعمارية والعناصر الزخرفية في هذه المدرسة في مطلع الثمانينات من القرن الماضي وتم الفراغ من جميع أعمال الترميم في العام 2005 .