منظمات إغاثية تطلق نداءً عاجلاً لتأمين احتياجات اليمن الإنسانية مميز    مسيره لطلاب جامعات ومدارس تعز نصرة لغزة ودعما لطلاب الجامعات في العالم    أمين عام الاشتراكي يعزي برحيل المناضل احمد مساعد حسين مميز    مليشيا الحوثي تقتحم قرية بالحديدة وتهجّر سكانها وتختطف آخرين وتعتدي على النساء والأطفال    تعاون حوثي مع فرع تنظيم القاعدة المخيف في تهديد جديد لليمن مميز    ضجة بعد نشر فيديو لفنانة عربية شهيرة مع جنرال بارز في الجيش .. شاهد    رشاد العليمي وعصابته المتحكمة في نفط حضرموت تمنع تزويد كهرباء عدن    ضعوا القمامة أمام منازل المسئولين الكبار .. ولكم العبرة من وزير بريطاني    «كلاسيكو» الأهلي والهلال.. صراع بين المجد والمركز الآسيوي    جريمة مروعة في حضرموت.. قطاع طرق يقتلون بائع قات من عمران بهدف نهب حمولته    سلطات الشرعية التي لا ترد على اتهامات الفساد تفقد كل سند أخلاقي وقانوني    صنعاء.. اعتقال خبير في المواصفات والمقاييس بعد ساعات من متابعته بلاغ في هيئة مكافحة الفساد    القاعدي: مراكز الحوثي الصيفية "محاضن إرهاب" تحوّل الأطفال إلى أداة قتل وقنابل موقوتة    ميسي وإنفانتينو ينعيان المدرب الأسطوري    رغم تدخل الرياض وأبوظبي.. موقف صارم لمحافظ البنك المركزي في عدن    أبطال أوروبا: بايرن لقلب الطاولة على الريال.. وباريس يستهدف رقما تاريخيا    تغاريد حرة.. رشفة حرية تخثر الدم    بالصور: بايرن ميونخ يكشف عن قميصه التاريخي الجديد    ليلة دامية في رفح والاحتلال يبدأ ترحيل السكان تمهيدا لاجتياحها    عقب تهديدات حوثية بضرب المنشآت.. خروج محطة مارب الغازية عن الخدمة ومصادر تكشف السبب    بسبب منعه عكس الخط .. شاهد بالفيديو قيادي حوثي يدهس متعمدا مدير المرور بصنعاء    العثور على جثة مواطن معلقة في شجرة جنوب غربي اليمن    الحوثيون يطوقون أحد المركز الصيفية في صنعاء بعناصرهم وسط تعالي صراح وبكاء الطلاب    البشائر العشر لمن واظب على صلاة الفجر    هل يستطيع وزير المالية اصدار كشف بمرتبات رئيس الوزراء وكبار المسئولين    الشيخ علي جمعة: القرآن الكريم نزَل في الحجاز وقُرِأ في مصر    عندما قال شيخان الحبشي للشيخ محمد بن أبوبكر بن فريد أنت عدو للغنم    البدعة و الترفيه    فاجعةٌ تهزّ زنجبار: قتيلٌ مجهول يُثيرُ الرعبَ في قلوبِ الأهالي(صورة)    فيديو مؤثر.. فنان العرب الفنان محمد عبده يكشف لجماهيره عن نوع السرطان الذي أصيب به    "ضمائرنا في إجازة!"... برلماني ينتقد سلوكيات البعض ويطالب بدعم الرئيس العليمي لإنقاذ اليمن!    حقيقة وفاة محافظ لحج التركي    "ثورة شعبية ضد الحوثيين"...قيادية مؤتمرية تدعو اليمنيين لهبة رجل واحد    رباعية هالاند تحسم لقب هداف الدوري.. وتسكت المنتقدين    استهداف السامعي محاولة لتعطيل الاداء الرقابي على السلطة التنفيذية    وفاة مريض بسبب نقص الاكسجين في لحج ...اليك الحقيقة    الليغا: اشبيلية يزيد متاعب غرناطة والميريا يفاجىء فاليكانو    ليفربول يعود إلى سكة الانتصارات ويهزم توتنهام    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    الرئيس الزُبيدي ينعي المناضل محسن أبوبكر بن فريد    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    لماذا اختفت مأرب تحت سحابة غبار؟ حكاية موجة غبارية قاسية تُهدد حياة السكان    خصوم المشروع الجنوبي !!!    الإصلاح بحضرموت يستقبل العزاء في وفاة أمين مكتبه بوادي حضرموت    بخط النبي محمد وبصمة يده .. وثيقة تثير ضجة بعد العثور عليها في كنيسة سيناء (صور)    أمريكا تغدر بالامارات بعدم الرد أو الشجب على هجمات الحوثي    الحكومة تجدد دعمها لجهود ومساعي تحقيق السلام المبني على المرجعيات    ثعلب يمني ذكي خدع الإمام الشافعي وكبار العلماء بطريقة ماكرة    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يفوز على مايوركا ويقلص الفارق مع برشلونة    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الجمهورية» تزيح الستار عن تاريخ وبطولات وتضحيات الأحزاب الوطنية في مختلف الحُقب التاريخية للثورة اليمنية
لتستفيد أحزاب اليوم من خبراتها (2)

وفي الوقت الذي كان فيه تنظيم الضباط الأحرار والتنظيمات السياسية الوطنية الأخرى تقوم بتلك الاستعداد لتفجير الثورة في تعز كما أشرنا وإذا بمفاجأة تفاجئ الجميع وهي وفاة الإمام أحمد في 91سبتمبر 2691م، غير أن ذلك الحدث لم يؤثر على سير الإعداد والإسراع في تفجير الثورة في صنعاء ، وقد ساعد على التسريع بقيام الثورة عدة عوامل منها:
1 احتضان الإمام الجديد محمد البدر كبار الموظفين في الجهاز الحكومي، والذين كانوا يديرون شئون الدولة أثناء حكم والده، وكان هؤلاء يحثون «البدر» على تصفية الضباط الوطنيين، الأمر الذي جعل قادة تنظيم الضباط الأحرار يعجلون بالقضاء على البدر قبل أن يقضي عليهم، علماً أن الإمام البدر قد أفصح عن السياسة المستقبلية لدولته واعتبرها امتداداً لسياسة أبيه وجده من قبله.
2 دعوة الإمام البدر لعمه الحسن بن يحيى للعودة من “نيويورك” إلى الوطن، واقترح عليه تقاسم السلطة بينهما ليساعده على مواجهة القوى الوطنية التي كان البدر يخشى قيامها بالثورة.
ولذلك وبعد أن استكمل تنظيم الضباط الأحرار وضع اللمسات الأخيرة على خططه وأكمل اتصالاته بالأطراف الوطنية ذات العلاقة بتفجير الثورة، قرر توجيه الضربة العسكرية الأولى على قصر البشائر عشية 62من سبتمبر 2691م حيث كان الإمام البدر في تلك الليلة يجتمع مع وزرائه بديوان المواجهة في القصر.
دور الأحزاب والتنظيمات السياسية في الدفاع عن الثورة:
الأوضاع السياسية بعد انتصار ثورة 62سبتمبر:
لقد تمكنت قوات الثورة من تنفيذ الخطة العسكرية بنجاح غير أن ثمة ثغرة وجدت في الخطة العسكرية لم يعمل لها الثوار حساب مسبق، وهي محاصرة البدر ومنعه من الفرار في حالة نجاته بعد قصفهم لقصر البشائر،الأمر الذي جعل البدر يتمكن من الخروج من القصر متخفياً ثم تسلق بعد ذلك عبر جدار القصر حتى تمكن من الوصول إلى منزل صديقه وسكرتيره الخاص “ عبدالمجيد الشوكاني” ثم فر من هناك إلى منطقة عمران حيث كانت هناك قوة عسكرية موالية له غير أن قيادة الثورة أرسلت قوة عسكرية ظلت تطارده في المدن والقرى التي يحتمي بها. بما في ذلك مدينة حجة التي حاول احتلالها والتمركز فيها لتصبح قاعدة لزحفه على صنعاء كما فعل والده بعد ثورة 8491م، إلا أنه لم يستطع ففر هارباً من حجة متجهاً إلى المملكة العربية السعودية. عبر منطقة المحابشة ،وسنوضح كيف أن لجوء البدر إلى السعودية قد كان بداية لمسلسل دام استعماري رجعي أزهق نفوس الآلاف من أبناء الشعب اليمني خلال حرب دامت أكثر من خمس سنوات فكيف إذاً بدأ ذلك المسلسل الدامي وماهي أسبابه وأهدافه؟ ثم ما هي مواقف الأحزاب الوطنية من تلك المآسي؟
إن الأهداف النبيلة التي تضمنها البيان الأول للثورة “باعتبارها ثورة وطنية تحريرية ضد الحكم الفردي المطلق، وتعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية وتحارب الفساد، وتنادي بالوحدة الوطنية والعربية وتدعم حركة التحرر الوطني، وتناضل ضد الاستعمار والتدخل الأجنبي وغيرها من الأهداف الحضارية” قد أزعجت القوى الاستعمارية والرجعية الحاقدة على تطلعات الشعب اليمني، في الحرية والديمقراطية والحياة الكريمة، فالسلطات البريطانية التي اعتبرت الثورة في شمال اليمن تهديداً لبرجها الاستعماري في عدن، قد اندفعت بطريقة جنونية لمحاربة الثورة وذلك من خلال دفعها بالكثير من المرتزقة إلى التسلل إلى داخل أراضي الجمهورية العربية اليمنية، كما حشدت الكثير من القوافل المحملة بالأسلحة والمواد الغذائية لتموين أولئك المرتزقة وفي الوقت نفسه فقد استنفرت بريطانيا سلاطين وحكام الجنوب اليمني، وحثتهم على دعم أولئك المرتزقة والسماح لهم بالمرور عبر حدود دويلاتهم إلى شمال اليمن وكانت بريطانيا قد فتحت مكتباً في عدن للعناصر الملكية للإشراف على نشاط الملكيين في الداخل.
دفاع الأحزاب والتنظيمات السياسية في السنوات الأولى من قيام الثورة
على الرغم من تلك الاستعدادات الداخلية والدعم العسكري الخارجي فإن حجم المؤامرة والتحالف المعادي للثورة قد كان أكبر من تلك الإمكانيات والمساعدات ، فالثورة وأي ثورة في أى وطن في العالم تستهدف الإطاحة بنظام يستند على علاقات سياسية واجتماعية عتيقة وظالمة، ولها جذورها التاريخية، كما هو الحال لثورة اليمن ضد نظام الإمامة، فلابد وأن تستند تلك الثورة عند قيامها وأثناء استمرارها على الغالبية العظمى من أبناء الوطن بمختلف شرائحهم الاجتماعية ذات المصلحة بتلك الثورة. وعبر قادة تلك الشرائح الذين يشكلون عبر طلائعهم تلك الطلائع السياسية الوطنية لتشارك في الدفاع عن الثورة وبنفس الروح التعاونية التعددية التي شاركت فيها عند تفجير الثورة، بل ولترمي كل ثقلها و من جديد في معمعان الدفاع المقدس عن الثورة، رغم الحظر القانوني الذي فرضته الثورة على تلك الطلائع أي على مدافعيهاإن صح التعبير،غيرأننا وقبل أن نستعرض مواقف تلك الطلائع فإن من الأهمية أن تقدم شهادات عن تلك المواقف من ميادين القتال، ولنبدأ بشهادة أحد ضباط الثورة.
وهو علي عبدالله السلال الذي أدلى بشهادته كالتالي: إن كل المعارك التي خاضها شعبنا بجميع فئاته وقواه السياسية والوطنية ضد الملكية وضد فلول المرتزقة قد شارك فيها الناصري ،والبعثي، والشيوعي ،كما أردف قائلاً: لقد كان ميدان القتال بالنسبة لجميع الفئات الوطنية مجال تسابق وفداء نحو التضحية وشرف الاستشهاد في سبيل الوطن، ثم أضاف يقول ولم ألحظ خلال الأربع السنوات التي قضيتها في ميدان القتال أي خلاف حزبي أو تهاون في تحمل المسؤولية أو مجرد إظهار الانتماء الحزبي غيرالانتماء للوطن ولثورة سبتمبر وأهدافها.
وإذا كانت تلك الشهادة قد انبثقت من ميادين القتال فهناك شهادات من خارج اليمن، أدلى بها باحثون كنتيجة للصدى الذي أحدثته المشاركة الفعالة والحاسمة للأحزاب والتنظيمات الوطنية في اليمن، أثناء دفاعها عن ثورة 62 سبتمبر ونستشهد هنا بالباحث الإنجليزي فرد هوليداي الذي حدد التنظيمات والأحزاب السياسية التي شاركت في الدفاع عن ثورة 62سبتمبر وهي حركة القوميين العرب والشيوعيون والبعثيون .
غير أن تلك الشهادات كانت عامة لأنها لم توضح دور كل حزب على حدة، وفي الوقت نفسه فإنها لم تشمل كل الأحزاب الوطنية التي شاركت في الدفاع عن الثورة وخاصة في السنوات الأولى من قيامه ولذلك فلابد أن نوضح أدوار جميع الأحزاب المشاركة في الدفاع عن الثورة منذ السنوات الأولى لقيامها، إلا أننا وقبل دخولنا في ذلك التوضيح فإن من الأهمية أن نوضح أولاً مصير ذلك التنظيم الذي تحمل العبء الأكبر في تفجير ثورة 62سبتمبر ، وهو تنظيم الضباط الأحرار وذلك لما سببه غياب ذلك التنظيم من ثغرة في قيادة الثورة، ترتب عليها الكثير من السلبيات اللاحقة لها، والتي أدت إلى إضعاف إمكانيات الدفاع عن الثورة أمام هجوم أعدائها في الداخل والخارج، لاسيما وأن غياب تنظيم الضباط الأحرار قد أدى إلى غياب تلك التعددية السياسية للأحزاب الوطنية الشابة التي شاركت معه في تفجير الثورة وكانت النتيجة تحريم نشاطها وإلغاء مشاركتها في الحياة السياسية، مما أحدث الكثير من الثغرات في جسم الثورة ونستشهد عن هذه الحقيقة التاريخية المرة بقول أحد قادة تنظيم الضباط الأحرار وهو المناضل عبدالله الراعي الذي قال:إن العناصر القيادية لتنظيم الضباط الأحرار قد وقعت في خطأ حيث طغت عليها العفوية، والروح المثالية فاعتقدت أن مهمتها قد انتهت مع قيام الثورة والدفاع عن النظام الجمهوري، ولذلك فلم تفكر في قضية الحكم ومصير السلطة السياسية والنظام الوليد، فقامت العناصر القيادية للتنظيم بتوزيع نفسها على محاور القتال، وأخلت نفسها من التواجد في العاصمة صنعاء مما أدى إلى عدم مواصلة مهامها في قيادة التنظيم، حيث
كان على اللجنة القيادية والقاعدة التأسيسية الاستمرار في قيادة التنظيم، ومواصلة التحالف مع القوى السياسية الأخرى في قيادة الثورة بمبادئها الستة وتجسيد تلك المبادئ إلى برنامج، إلا أن كل ذلك لم يحدث فانتهى التنظيم من المسرح السياسي تماماً.
أما فيما يتعلق بالأحزاب الوطنية التي شاركت في الدفاع عن الثورة منذ الأسابيع الأولى من قيامها فنوردها على النحو التالي:
حزب الشعب الاشتراكي:
ما أعظم أن تأتي الشهادة عند دور هذا الحزب أو ذاك من قبل قادة أحزاب أخرى أو عناصر وطنية من خارج ذلك الحزب، فقد شهدالمناضل المرحوم سلطان أحمد عمر عن دور حزب الشعب الاشتراكي في الدفاع عن ثورة 62سبتمبر بقوله:” مهما كانت خلافاتنا السابقة مع عبدالله الاصنج، أمين عام حزب الشعب الاشتراكي، تلك الخلافات التي لم تعد لها قيمة سياسية في وقتنا الحاضر، الذي فسدت فيه السياسة وتميعت القيم،
غير أننا يجب أن ننصف للدور البارز الذي أداه حزب الشعب الاشتراكي، “ ذلك الحزب الذي كان وعلى نمط حزب العمال البريطاني من حيث جمعه بين العضوية النقابية والعضوية الحزبية، ذلك الحزب الذي كان في أوائل الستينيات يسيطر على الحركة النقابية في جنوب الوطن اليمني قد استغل وضعيته الجماهيرية وعزز ثورة 62 سبتمبر بالآلاف من العمال،الذين انخرطوا في الحرس الوطني، ودافعوا عن ثورة 62 سبتمبر في اللحظات الحاسمة لمواجهة الهجوم الشرس لأعداء الثورة الداخليين والخارجيين.
ويؤكد المناضل الوطني الكبير الاستاذ المرحوم عمر الجاوي، ما قاله المرحوم سلطان أحمد عمر ، عن دور حزب الشعب الاشتراكي مشيراً بأن مكانة حزب الشعب الاشتراكي كقائد للحركة النقابية المنظمة في مؤتمر عدن للنقابات قد مكنت الحزب من حشد وصل عدد المشاركين إلى عشرات الآلاف ، كما سخرت النقابات نشراتها وكتيباتها لحث الجماهير للتطوع في حماية النظام الجمهوري في شمال اليمن، والأكثر من ذلك فإن قادة مؤتمر عدن للنقابات وزعماء المنظمات الاجتماعية قد انتقلوا إلى شمال اليمن للتعبير عن تأيدهم ومساندتهم للنظام الجمهوري وكان في مقدمة أولئك النقابيين عبدالله الأصنج نفسه زعيم حزب الشعب الاشتراكي وأمين عام مؤتمر عدن للنقابات بعد خروجه من السجن، وكان العمال القادمون من عدن يلعبون دوراً كبيراً في بلورة المزاج الثوري لدى جماهير الحرس الوطني.
حزب اتحاد الشعب الديمقراطي: على الرغم من صراع عبدالناصر مع الحركة الشيوعية العربية، وخاصة في سوريا والعراق كما أشرنا، وتجدد ذلك الصراع نتيجة لخلاف عبدالناصر مع الرئيس السوفيتي خروتشوف نتيجة سياسته في الشرق الأوسط، وتأثير ذلك على الشيوعيين اليمنيين فإن حزب اتحاد الشعب الديمقراطي الذي كان مركزه في عدن، وله فرع في الشمال، فإنه لم يعط لخلاف عبدالناصر مع الحركة الشيوعية العربية أي تأثير على موقفه من ثورة 62 سبتمبر التي أحتضنها عبدالناصر، فقد كانت ثورة سبتمبر أكبر من تلك الخلافات، ولذلك فقد أسهم الحزب بإمكانيات إعلامية وعسكرية متواضعة ولكنها هامة من أجل الدفاع عن ثورة 62 سبتمبر حيث تمكن مركز الحزب في عدن ومن خلال منظمته الشبابية من تنظيم حملة واسعة في عدن من أجل الدفاع عن الثورة أدت تلك الحملة إلى تطوع العديد من الشباب والعمال الذين تم نقلهم إلى شمال الوطن وقد وصل عدد المتطوعين إلى المئات الأمر الذي جعل السلطات البريطانية تغلق مقر المنظمة، وفي الوقت نفسه فقد شارك الشيوعيون مشاركة كبيرة في الجانب الإعلامي والفكري من خلال البيانات التي أصدروها والتي حثت جماهير الشعب للدفاع عن الثورة كما قدم الشيوعيون الكثير من المقترحات والآراء التي تلقت انتباه قيادة ثورة سبتمبر إلى المهام الملحة المطلوب إنجازها من أجل صمود الثورة واستمرارها.
فرع حركة البعث في اليمن: لقد شارك البعثيون في عدن في الدفاع عن ثورة 62 سبتمبر منذ الأيام الأولى لتعرضها للهجوم المعادي وذلك من خلال التواجد السياسي للبعثيين في حزب الشعب الاشتراكي والحركة العمالية، حيث كان البعثيون في ظروف الهجمة الناصرية على حركة البعث ينشطون داخل حزب الشعب الاشتراكي، وكان الأصنج لايعارض ولاءهم المزدوج، حيث كان يستفيد من امكانياتهم السياسية والقيادية في تسيير شئون حزب الشعب الاشتراكي والحركة النقابية، كما اسهم البعثيون في شمال الوطن في الدفاع عن الثورة من خلال عناصرهم العسكرية والمدنية .
لقد كانت قضية الدفاع عن ثورة 62 سبتمبر بالنسبة للبعثيين قضية مصيرية حيث لم يعطوا لخلافهم مع عبدالناصر أي اعتبار لدرجة أن الطلبة البعثيين الذين كانوا يطردون من مصر فإنهم بمجرد وصولهم إلى أرض الوطن يلتحقون بأفراد الحرس الوطني للدفاع عن ثورة سبتمبر.
فرع حركة القوميين العرب في اليمن: لقد أسهمت حركة القوميين العرب في الدفاع عن الثورة منذ اليوم الثاني لقيامها وذلك من خلال المسيرة الجماهيرية التي نظمتها الحركة وخاصة في تعز ،تلك المسيرة التي كان في مقدمتها عناصر قيادية من الحركة تحث الجماهير على المشاركة في تلك المسيرة من خلال مكبرات الصوت مماأدى إلى احتشاد جماهير غفيرة ضاقت بها الشوارع، وكان قادة الحركة بين الحين والآخر يلقون الكلمات المؤثرة التي تناشد الجماهير لحماية الثورة ومطاردة أعدائها ونتيجة لتأثر الجماهير بالفرحة، فقد رقصت في الشوارع ووضعت أغصان الأشجار على رؤوسها «كمشاقر» وقد أدت تلك المسيرة دوراً كبيراً في إضعاف الروح المعنوية لرموز النظام الإمامي كما دفعت الحركة بأعداد كبيرة من أعضائها وأنصارها للمشاركة في الحرس الوطني.
إن مساهمة الحركة في الدفاع عن ثورة 62 سبتمبر قد تنوعت، واتخذت أشكالاً عدة منها:
كشف المخططات الاستعمارية البريطانية المعادية لثورة سبتمبر مثل حملة التجنيد التي كانت تقوم بها السلطات البريطانية في عدن وفي أوساط المواطنين مستغلة النشاط الذي كانت تقوم به الأحزاب في تجنيد الجماهير في عدن وإرسالهم إلى صفوف الحرس الوطني، غير أن التجنيد الذي كانت تقوم بريطانيا به وعبر عملائها فإنه يظهر في عدن وكأنه يهدف الدفاع عن ثورة 62 سبتمبر، إلا أن أولئك المجندين ومن بسطاء العمال كانوا يرسلون إلى المناطق الحدودية، وخاصة منطقة بيحان وهناك يغرونهم بالذهب والنقود، ثم يسلمونهم إلى القيادات الملكية وقد نبهت قيادة الحركة في شمال الوطن التي وصلت إليها تلك المعلومات قيادة الحركة في جنوب الوطن لوقف العملية من خلال المراسلات التي تمت بين عبدالقادر سعيد وفيصل عبداللطيف.
استثمرت الحركة علاقتها الطيبة مع الناصرية وخاصة القيادة المصرية في اليمن والتي كانت هي الأخرى تتحمل أعباء ومتاعب الدفاع عن ثورة 62 سبتمبر فأعرضت عليها الحركة فكرة فتح جبهة عسكرية في جنوب اليمن وذلك لإرباك بريطانيا وتحويلها من موقف هجومي ضد ثورة 62 سبتمبر إلى موقف الدفاع عن نفسها، وقد تجاوبت القيادة المصرية في اليمن مع تلك الفكرة الأمر الذي جعل الحركة تجري اتصالاتها بالقيادات والشخصيات الوطنية والتنظيمات السياسية الوطنية الصغيرة من أجل تأسيس الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل وقد نجحت تلك المهمة والتي لم تكن مهمة دفاعية عن ثورة سبتمبر فحسب، لكنها كانت أيضاً أحد أهداف الحركة منذ فترة طويلة وهو تحرير جنوب الوطن من الاستعمار البريطاني علماً أن المحاولات السابقة لتحقيق ذلك الهدف قد كانت تفشل بعد أن كانت تصل إلى تشكيل تحالفات وطنية لكنها تنتهي عند ذلك التشكيل.
التنظيمات الناصرية في اليمن: لم تتحمل مصر عبدالناصر مهمة الدفاع عن ثورة 62 سبتمبر من خلال المواجهة المسلحة بينها وبين الملكيين وحلفائهم داخل أراضي الجمهورية العربية اليمنية كما سلف ذكره ولكنها عملت أيضاً على محاربة الملكيين خارج أراضي الجمهورية اليمنية، وذلك من خلال التنظيمات السياسية المؤيدة لفكر وسياسة عبدالناصر، والتي تقوم بالإشراف عليها عسكرياً وسياسياً كالتنظيم الشعبي للقوى الثورية لجبهة التحرير الذي كان يقوم بمهمتين: المهمة الأولى وهي النضال المسلح المتعدد الأشكال ضد الاحتلال البريطاني في جنوب اليمن، أما المهمة الثانية فهي اغتيال العناصر الملكية القيادية التي كانت تتواجد في عدن، والتي كانت تتولى مهام إدارة شئون الملكيين في الداخل وكانت السلطات البريطانية توفر لها كافة الإمكانيات.
انقسام المعسكر الجمهوري وتأثيره على مواقف الأحزاب من ثورة 62 سبتمبر
ظروف وأسباب نشوء القوى الثالثة: لقد أدى انهيار تنظيم الضباط الأحرار وصدور قانون حظر نشاط الأحزاب السياسية إلى حرمان ثورة سبتمبر من القيادات الشابة الأكثر إخلاصاً للثورة والتي تحملت أعباء ومخاطر تفجيرها كما أشرنا لذلك فقد تشكلت السلطة السياسية بعد قيام الثورة من مجموعة من الضباط العسكريين وبعض التجار وزعماء بعض القبائل الذين أملوا من الثورة تحسين مكانتهم التي حرموا منها في عهد الإمامة، كما اشترك في السلطة أيضاً مجموعة من الأحرار اليمنيين ولم يراع في تركيب تلك السلطة الكفاءات والتخصصات بل كان المقياس الطائفي هو أساس تلك التركيبة، حيث كانت الوزارات تنقسم بالتساوي بين الزيود والشوافع، بل والأهم من ذلك فإن عناصر قيادية في هرم الدولة كانت تعمل إلى إثارة الأمراض التي ورثت من عهد الإمام بدلاً من أن تقوم بدفئها ومحاربتها.
وإلى جانب تلك الهشاشة في السلطة السياسية فقد كانت السلطة في اليمن الشمالية بعد الثورة شبه مزدوجة بين اليمنيين والمصريين، الذين على الرغم من دورهم العظيم في الدفاع عن الثورة وإنقاذها من أي هزائم سريعة محتملة إلى جانب دورهم في تفجير الثورة في جنوب اليمن، إلا أن السلطة الفعلية في البلاد كانت في أيديهم، حيث كانوا لايقررون في المسائل الاستراتيجية للثورة فحسب بل وفي المسائل والأمور الإدارية، كما حشروا أنفسهم في العلاقة المباشرة مع القبائل وقدموا لها الأموال والسلاح، وحولوها نتيجة لذلك الاهتمام إلى طرف سياسي يهدد الدولة المركزية ويفقدها هيبتها.
وقد بلغ التدخل المصري في الشئون اليمنية سواءً كان بحسن نية أم بسوء نية درجة كبيرة من العبث السياسي لدرجة أنهم كانوا يتعاملون مع رئيس الجمهورية المشير عبدالله السلال وكأنه موظف لديهم حيث كانوا يستدعونه إلى القاهرة فيحتجزونه ثم يكلفون الفريق حسن العمري ليقوم بمهامه ثم سرعان مايستدعونه إلى القاهرة، فيحتجزونه ثم يعيدون السلال ثانية ليقوم بمهام رئيس الجمهورية.
علماً بأن هناك دستوراً ينظم العلاقة بين السلطات وأسهم المصريون أنفسهم في إعداده بعد قيام الثورة مباشرة،لكنه ظل حبراً على ورق، وكانت القيادات الحكومية أول من يقوم بخرقه.
إن ذلك الوضع المزدوج للسلطة السياسية في اليمن قد ساعد على إطالة أمد الحرب مع الملكيين الذي استمر منذ انفجار الثورة وحتى عام 5691م دون تحقيق نتائج عسكرية محسومة بالنصر، الأمر الذي أدى إلى بروز ماسميت «بالقوى السياسية الثالثة» والتي كانت نواتها في البداية مجموعة من حركة الأحرار اليمنيين القدماء، الذين رفعوا شعار طرد المصريين من اليمن وتشكيل دولة إسلامية كنظام وسط بين الجمهورية والملكية علماً بأن عناصر تلك القوى الثالثة قد اتخذت من التدخل المصري مجرد ذريعة لتحقيق مأرب سياسية وايديولوجية تتفق مع تكوينها السياسي والفكري بدليل اتصالاتها المبكرة مع الملكيين كاتصالها السري بأحمد السياغي في منطقة العرقوب على الحدود الجنوبية والذي كان يقود العمليات العسكرية ضد الثورة هناك وكان اللقاء دون علم القيادات الحكومية أو تكليف منها.
وقد تطورت بعد ذلك العلاقة بين «القوى الثالثة» والقيادات الملكية، وتحولت نتيجة لضعف هيئات الدولة لأسباب ذكرناها إلى مؤتمرات علنية، وكانت القوى الثالثة تظهر كممثلة للجانب الجمهوري في الحوار بينما كانت في الأساس تمثل تيارها السياسي ومن تلك المؤتمرات التي عقدتها «القوى الثالثة» مع الملكيين مايلي:
مؤتمر عمران في أغسطس 3691م والذي سمي بمؤتمر الأطراف المعنية.
مؤتمر الطائف في المملكة العربية السعودية، والذي ضم أيضاً أعيان ومشائخ وقد طالب المؤتمر بطرد المصريين من اليمن.
مؤتمر الكويت بالسواد عام 4691م.
مؤتمر خمر 5691والذي سار في نفس اتجاه المطالبة بطرد المصريين.
مؤتمر حرض والذي عقد في حرض عام 5691م وكان تأكيد للمؤتمرات السابقة التي تمت بين الملكيين و«القوى الثالثة».
ولقد نظمت العناصر الجمهورية مؤتمراً كان بمثابة رد للمؤتمرات السابقة وكان انعقاده عام 5691م وسمي بمؤتمر الجند لانعقاده في مدينة الجند بتعز غير أن الطرف الجمهوري لم يعمل على إلحاق هزيمة فكرية بعناصر القوى الثالثة بل استخدام سيف السلطة لقمع واعتقال تلك العناصر بتهمة وضع العراقيل أمام نجاح المؤتمر.
موقف التنظيمات والأحزاب السياسية من تلك الأوضاع: نتيجة لصراع عبدالناصر مع البعثيين والشيوعيين العرب وانعكاس ذلك الصراع على الشيوعيين والبعثيين اليمنيين ونتيجة للشعار الذي رفعته القوى الثالثة وهو شعار طرد المصريين من اليمن كما أسلفنا فقد تحالف الشيوعيون والبعثيون مع القوى الثالثة وأن كان محمد حميد قد علل تحالف البعثيين مع القوى الثالثة بأنه كان تكتيكياً حيث كان تواجدهم في ذلك التحالف بمثابة دور المراقب للقوى الثالثة، وذلك كي لاتنحرف عن مسار الثورة وترتمي كلياً في أحضان القوى الملكية، ويدلل على ذلك بموقف البعثيين أثناء انقلاب 5 نوفمبر 7691م وموقفهم ضد الملكيين أثناء حصار السبعين يوماً.
أما موقف حركة القوميين العرب من تلك الأوضاع والانقسامات فقد ظلت الحركة ملتحمة مع الناصرية إلى أن بدأ عبدالناصر يبدي بعض التنازلات للمملكة العربية السعودية، وقد أدت معارضتهم لتلك التنازلات إلى تعرضهم إلى عمليات قمع متوالية من قبل الجميع.
انقلاب 5 نوفمبر ودور الأحزاب الوطنية في إفشال المشاريع الرجعية: كانت اللجنة الثلاثية العربية قد اتخذت جملة من الإجراءات، من ضمنها عودة المنفيين من القوى الثالثة ومنهم المنفيون في القاهرة، ومن بينهم القاضي عبدالرحمن الإرياني وأحمد محمد النعمان والفريق حسن العمري وآخرون ممن بلغ عددهم إلى قرابة اربعين شخصاً والذين بعد عودتهم من مصر قاموا بعقد اجتماع مصالحة مع السلال في مدينة الحديدة، وانبثق عن الاجتماع تشكيل لجنة تحل محل اللجنة الثلاثية العربية، للقيام بالمصالحة الوطنية، ووضع تصورات لمستقبل السلطة في اليمن.
غير أنه اتضح بعد ذلك بأن تلك المصالحة لم تكن إلا خديعة للسلال، وأن القوى الثالثة قد وصلت من القاهرة وهي حبلى بأمور سياسية كثيرة اتضحت بعد عودتها،ولذلك نجد أنه بينما كان السلال في مأمن من أمره بعد مؤتمر المصالحة في الحديدة توجه بعد المؤتمر إلى بغداد، على طريق سفره إلى موسكو لحضور احتفالات الذكرى الخمسين للثورة الروسية، وبينما كان لايزال في قصر الزهو في بغداد، وإذا بانقلاب عسكري يحدث في اليمن الشمالي صباح يوم الخميس في الخامس من نوفمبر 7691م وفيه يقصي الانقلابيون السلال من جميع مناصبه ويعلنون عن تشكيل مجلس جمهوري برئاسة القاضي عبدالرحمن الإرياني.
وضع الأحزاب السياسية والوطنية بعد انقلاب 5 نوفمبر: لقد أشرنا كيف أن التواجد المصري في اليمن قد خلق معارضة واسعة ضده، اشترك في تلك المعارضة حتى أحزاب وطنية، كانت على خلاف مع المصريين ولكن ماذا حدث بعد رحيل القوات المصرية من اليمن؟ وهل كانت كل القوى السياسية تهدف إلى خروج المصريين من اليمن دون أن تكون هناك أهداف أخرى.
إن التطورات اللاحقة إثر انقلاب 5 نوفمبر 7691م قد أثبتت بأن القوى السياسية المشاركة فيه ليست متجانسة من حيث التكوين العسكري والأهداف السياسية حيث نجد بالفعل أن بعض القوى السياسية التي شاركت في انقلاب 5 نوفمبر قد اشتركت لمجرد خلافها مع المصريين بسبب بعض الأخطاء التي ارتكبوها في اليمن، حتى ولو كانت بحسن نية، كما أن التواجد الوطني لتلك القوى قد أدت بالفعل دور الرقابة على سير اتجاه الحركة السياسية لانقلاب 5 نوفمبر كما أشرنا بحيث أدى ذلك إلى عرقلة أي توجه سياسي تسعى إليه القوى الثالثة فقد كانت جميع القوى الوطنية بما فيها الأحزاب التي اشتركت في الانقلاب قد شكلت المقاومة الشعبية قبل خروج المصريين من اليمن الشمالية.
كما كانت الأحزاب الوطنية وخاصة حركة القوميين العرب تمتلك السيطرة والتأثير في صفوف القوات المسلحة أكثر من سيطرة قوات انقلاب 5 نوفمبر حيث تشير الوثيقة النقدية التي أصدرها الحزب الديمقراطي «وهو الاسم الجديد لحركة القوميين العرب في شمال اليمن منذ يونيو 7691م تلك الوثيقة الصادرة من مؤتمر الحزب المنعقد في فبراير 8691م» تشير إلى انتقاد الحزب لنفسه بسبب غروره وتباهيه عندما كان يستعرض أمام السلطة نفوذه الكبير في الجيش ،وبين أوساط المقاومة الشعبية حيث دفعه الغرور إلى رفع شعارات تهدد بعض عناصر السلطة القائمة آنذاك، الأمر الذي جعل السلطة تخطط لضربه ولذلك نجد في البيانات الصادرة عن القوات المسلحة بعد انقلاب 5 نوفمبر، بأن الانقلاب كان موجهاً ضد الرجعية والاستعمار والحكم الفردي، وأن الجيش لن يعود إلى ثكناته إلا بعد أن يطمئن من أن الشعب قد اختار ممثليه الحقيقيين وبعد تشكيل نظام ديمقراطي لايتناقض مع أهداف ثورة 62 سبتمبر.
وقد انعكس ذلك النفس الوطني في تصريحات بعض القادة فالتصريح الذي أدلى به الأستاذ محسن العيني الذي عين رئيساً للوزراء بعد الانقلاب قد أشار بأن برنامج العمل السياسي للحكم الجديد، هو على نفس السياسة والمبادئ والمثل التي بدأت بها ثورة 62 سبتمبر، كما أشار في تصريحه إلى الدور الذي قامت به مصر في دعم الثورة في اليمن ولذلك فلم نجد في تلك التصريحات مايوحي بحدوث أي تغيير سياسي يؤدي إلى تطبيق اتفاقية الخرطوم أو أية إشارة للدولة الإسلامية.
لقد وجدت مثل تلك التصريحات فقط في بعض الصحف الغربية والعربية الملكية والتي كانت في موضوعاتها تضغط في اتجاه تطبيق اتفاقية الخرطوم ومن تلك الصحف صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، وصحيفة الجارديان اللندنية وكذلك صحيفة الدستور الأردنية والتي ناشدت الدول العربية ذات العلاقة بالمشكلة اليمنية أن تدعو الحكومة الجديدة في اليمن إلى تطبيق اتفاقية الخرطوم.
الحصار الملكي لصنعاء ودور الأحزاب والتنظيمات السياسية في فك الحصار: نستنج مماسلف ذكره بأن القوى الثالثة والتي غازلت الملكيين منذ السنوات الأولى للثورة، بهدف قيام دولة إسلامية فإنها لم تتمكن من تنفيذ مشروعاتها وذلك بسبب صحوة الأحزاب الوطنية وتأثيرها داخل المؤسسات العسكرية وكذلك وجود تشكيلات المقاومة الشعبية لمواجهة أي أخطار أو انحرافات قد تواجه الثورة لهذا فعلى الرغم من تمكن القوى الثالثة من القفز إلى قمة الهرم السياسي فقد ظلت تنتظر عن كثب التطورات السياسية اللاحقة التي ستساعدها على الإخلال بالتوازن العسكري والسياسي لصالحها وفقاً لحساباتها حول إيجاد نظام معتدل يقع بين الجمهورية والملكية أي الدولة الإسلامية ، وذلك بهدف إشباع تفكيرها التقليدي الذي تشبعت به في تنظيمات الرعيل الأول لحركة الأحرار اليمنيين كما أشرنا، وعدم قدرتها على التحالف والتعايش مع أفكار القوى الجديدة على اعتبار أن العامل الديني هو العامل المشترك بينها وبين الملكيين على حساب كل المنجزات الوطنية التي أفرزتها ثورة 62 سبتمبر على الرغم من ظروفها الصعبة أن مثل ذلك التفكير الخاطئ للحسابات السياسية للقوى الثالثة قد كاد أن يعيد الوطن وثورة سبتمبر إلى أحضان النظام الإمامي الطائفي بكل مساوئه ومظالمه وأحقاده السابقة واللاحقة للشعب وقواه الوطنية.
فقد اتضح بأن الملكيين وحلفاءهم لم يكونوا ليوافقوا على اتفاقية الخرطوم إلا تكتيكياً لأنها تتضمن فقط إخلاء المصريين من مواقعهم العسكرية بهدف عودة النظام الملكي وعلى اعتبار أن المصريين هم العقبة الرئيسية أمام أي هجوم ملكي ولذلك نجد أن القوى الرجعية والاستعمارية قد خططت لهجوم عسكري كاسح على صنعاء العاصمة، وذلك بعد أن اطمأنت من خلال حسابات قاصرة، على حتمية انتصار ذلك الهجوم حيث اعتمدت في حساباتها على الهزائم العسكرية التي منس بها المصريون من قبل الملكيين رغم كثرة أعدادهم وعتادهم،أما بعد مغادرة القوات المصرية فإن القوات الملكية المدعومة من قبل تلك القوى سوف تتمكن حتماً من الانتصار على فرق صغيرة من بقايا الجيش اليمني، ولذلك فقد سارعت في التخطيط لحصار صنعاء لإسقاطها وعودة النظام الإمامي خاصة وأن القوى الرجعية قد انزعجت من انسحاب بريطانيا من جنوب اليمن واستلام الجبهة القومية للسلطة السياسية، ولذلك فإنها ومن ضمن سياستها في المنطقة هو أن تعيد النظام الإمامي إلى شمال اليمن وذلك للضغط على النظام السياسي في جنوبه.
ولذلك فقد بدأ الملكيون ينفذون مخططهم لإسقاط النظام الجمهوري، من خلال حصارهم لصنعاء طيلة سبعين يوماً والذي بدأ في أوائل ديسمبر 7691م، وقد اشتمل الحصار على قطع طريقي الحديدة صنعاء، تعز، صنعاء وقصف المطارات والاستيلاء على كل الجبال المحيطة بصنعاء وقد جرى توقيت الحصار مع بداية شهر رمضان وذلك لأسباب دينية مرتبطة بنفسية القبيلي الموالي للملكيين، والذي صوروا موته بأنه استشهاد، لأنه يقاتل الشيوعيين الكفار، وإلى جانب ذلك الحصار فقد أوكل الملكيون لعناصرهم في داخل صنعاء بالقيام بأعمال إرهاب وتخريب، وذلك كي يسهل لهم استلام المدينة المحاصرة، ومن تلك الأعمال:
توزيع المنشورات التي تحث المواطنين على استقبال الإمام محمد البدر «المنصور بالله».
تهريب الذخائر من العاصمة إلى خارجها.
القيام بالتفجيرات في المواقع الحساسة والملفتة للنظر، كالقصر الجمهوري.
تكليف العناصر الملكية «بالتنصير» أي إشعال النيران على سقوف المنازل كتعبير عن الفرح بقدوم البدر.
استخدام الجواسيس كاستطلاع عسكري لهم.
وقد بدأ الملكيون ومعهم الخبراء الأجانب هجومهم العسكري بضرب صنعاء عشوائياً من الجبال المجاورة بهدف قتل أكثر عدد من المواطنين بقذائف الهاون والقذائف الصاروخية، كما ركزوا الضرب على الإذاعة والشوارع الرئيسية، وقد تقدموا حتى اقتربوا من منطقة عصر وسط العاصمة الأمر الذي جعل كبار المسؤولين يهددون بالانسحاب إذا لم يوافق الضباط الصغار، وقادة المقاومة الشعبية على مجيء اللجنة العربية الثلاثية المنبثقة من اتفاقية الخرطوم، لحل القضية مع الملكيين سلمياً، كما كانوا يبالغون في شح الإمكانيات العسكرية، وعندما رفض المقترح غادر كبار المسؤولين إلى خارج الوطن ومنهم من بقي في الداخل بانتظار حل القضية سلمياً، أما رئيس الوزراء حسن العمري فقد أجبر على البقاء من قبل الضباط الصغار في صنعاء غير أن وجوده كان كعدمه حيث كان يتنقل في المواقع المحصنة للقوات المسلحة والتي لاتؤثر عليها نيران العدو.
ونظراً لهروب المسئولين من قادة الدولة والحكومة وانهيار سلطتهم تماماً، فإن المقاومة الشعبية قد تحملت أعباء الدفاع عن العاصمة صنعاء، كما شكلت خلال فترة حصار السبعين نواة لسلطة شعبية حلت محل سلطة الدولة المنهارة.
وكانت الأحزاب الوطنية قد شكلت لجنة عليا للمقاومة الشعبية ضمت الأحزاب والتيارات الوطنية والتي نوردها في التسلسل الآتي، وذلك بحسب ثقل كل حزب وتلك الأحزاب هي:
حركة القوميين العرب.
حزب البعث العربي الاشتراكي.
الماركسيون.
عناصر وطنية مستقلة.
وإلى جانب تلك القيادة العامة المشتركة فقد وجدت لجان فرعية للمقاومة الشعبية وفقاً لثقل هذا الحزب أو ذاك في تلك المناطق ولذلك فقد جرى تقسيم تلك المناطق بين الأحزاب على النحو التالي:
حركة القوميين العرب: قادت المناطق التالية لوحدها وهي: الحديدة، إب، البيضاء، ذمار.
اشتركت حركة القوميين العرب مع البعث في قيادة المقاومة في تعز.
«الجمهوريون المستقلون» وقادوا منطقة المحويت ،عمران، حجة، يريم.
اشتركت حركة القوميين العرب مع الجمهوريين المستقلين في قيادة منطقة دمت ورداع.
قاد منطقة جوف رداع القبائل الجمهورية بقيادة عبدالله العامري.
اشتركت في قيادة المقاومة في صنعاء كل الأحزاب الوطنية.
تولى يسار الجبهة القومية في جنوب الوطن دعم المقاومة الشعبية من خلال تشكيل لجنة عليا للمقاومة الشعبية.
وهكذا ومن خلال النفس السياسي الديمقراطي للأحزاب الوطنية الذي تجسد عملياً في ظروف المحن السياسية القاسية، وعبر تلك التشكيلات العسكرية للمقاومة الشعبية الملتحمة مع الضباط الوطنيين الصغار والجنود البواسل، والذين قاتلوا جميعاً طيلة سبعين يوماً دفاعاً عن النظام الجمهوري وعاصمته صنعاء وتحت شعار «الجمهورية أو الموت» فقد قرر المدافعون أن يتحولوا إلى الهجوم في أوائل فبراير عام 8691م وذلك حين بدأوا يزحفون على مواقع الملكيين في قمم الجبال الشاهقة المحيطة بصنعاء إلى أن تمكنوا من الوصول إليها وتطهيرها من القوات الملكية وحلفائها من المرتزقة الأجانب الذين لم يستطيعوا أن يقاوموا ذلك الهجوم المستميت فهربوا في 21 فبراير 8691م تاركين وراءهم أسلحتهم وذخائرهم ووثائقهم العسكرية.
وضع الأحزاب والتنظيمات السياسية بعد حصار السبعين: على الرغم من أن الأحزاب والتنظيمات السياسية الوطنية قد تمكنت وعبر قيادة المقاومة الشعبية المدعومة من الضباط الوطنيين الصغار، من السيطرة على السلطة السياسية في البلاد خلال معارك الحصار، وأن السلطة القديمة قد اعتزلت الحكم من خلال مغادرتها للعاصمة صنعاء غير أن تلك السلطة قد عادت لمزاولة حكمها وذلك في وقت لم تكن فيه الأحزاب الوطنية تطمح للسيطرة وذلك بسبب تقديراتها الخاطئة للموقف وتذبذبها ووجود خلافات ثانوية نشأت فيما بينها وفي الوقت نفسه فإن السلطة القديمة وهي تسعى نحو الانفراد بالسلطة من خلال تصفية الأحزاب الوطنية من الساحة السياسية قد استخدمت مراكزها القيادية في الدولة لممارسة أعمال لا أخلاقية ضد تلك القوى الشابة وذلك بإثارة الفتنة في صفوفها ويجعلها في حالة تناحر، وعدم ثقة بين بعضها البعض ، بل والأكثر من ذلك فإنه وبعد أن حققت تلك القوى هدفها بتشتيت تلك القوى فقد خططت لتوجيه ضربة عسكرية إليها مستخدمة في ذلك قواتها العسكرية التي احتفظت بها والتي لم تتأثر من معارك حصار السبعين اليوم ، كما أقامت تحالفها مع أعداء الثورة في داخل الوطن وخارجه، كل ذلك قد جعلها توجه تلك الضربة العسكرية القاضية ضد فصائل الحركة الوطنية خلال الأحداث الدموية التي تفجرت في 32.42 أغسطس 8691م.
ولم تكتف تلك القوى بتوجيه تلك الضربة العسكرية بل عملت على توجيه ضربة سياسية للأحزاب الوطنية بإبعاد قادتهم إلى خارج الوطن وتجميدهم من الحياة السياسية.
وسعياً من تلك القوى السياسية الثالثة إلى العودة لفكرها الكلاسيكي الذي تشبعت به في تنظيمات حركة الأحرار كما أشرنا، فقد أزاحت العناصر القيادية من الأحرار والتي انتقلت إلى مواقع الفكر القومي.
وعندما صفا الجو السياسي لتلك القوى بعد تلك التصفيات بدأت تبني نظامها السياسي الذي يتفق مع ميولها الفكري والسياسي، وذلك من خلال عدة اجراءات أهمها:
تشكيل حزب سياسي شمولي يحل محل كل القوى السياسية التي تم تصفيتها ويعتبر ذلك الحزب عودة إلى حركة الأحرار اليمنيين ، وذلك من خلال تسمية ذلك الحزب السياسي الجديد ب” الاتحاد اليمني” وهو الاسم الأخير الذي سميت به حركة الأحرار كما أوضحنا.
بناء دولتها الإسلامية التي رفعت شعارها منذ السنوات الأولى للثورة من خلال توقيعها على اتفاقية جدة عام 0791م مع الملكيين، والتي كانت بمثابة إحياء لاتفاقية الخرطوم السالفة الذكر والتي عادت بموجبها القيادات الملكية إلى الوطن وتبوأت مراكز سياسية قيادية.
ولكن على الرغم من قيام تلك السلطة بكل تلك الخطوات الدموية وغير الدموية فهل تحقق لها بناء ذلك النظام السياسي النموذجي الذي سوف يتحقق لليمن في ظله منجزات وطنية كبيرة، بحيث تساعدنا تلك المنجزات من تقييم خطواتها فنعتبرها خطوات حكيمة، ونكفر عنها ما عملته في حق الأحزاب والتنظيمات السياسية التي سلمتها السلطة بعد حصار السبعين يوماً؟
ان الأوضاع السياسية التي سادت خلال فترة حكمها لاتسمح لنا بتقييم تلك الأوضاع بالإيجابية، فقد ساد خلال فترة حكمها نظام فاسد، تفشت فيه الرشوة على نطاق واسع، وفي كل أجهزة الدولة، وأهدر المال العام ،بل وتحول إلى استثمارات شخصية خارج الوطن للقيادات الحكومية ، وفي الوقت نفسه فقد تم القضاء على الكثير من المنجزات التي تحققت منذ قيام الثورة رغم كل الظروف التي أحاطت بها.
كما يجيب على ذلك الوضع المزري المصير غير المشرف الذي انتهى به حكم القوى الثالثة وقيادات الدولة الإسلامية، ذلك المصير الذي يدل بأن تحالفها ضد الأحزاب الوطنية لم يكن تحالفاً نبيلاً، وذلك لأنها قد تحولت إلى كتل سياسية تتناحر فيما بينها وتعمل كل منها لإلغاء الأخرى، الأمر الذي أدى إلى نهايتها مع هيئاتها السياسية التي بنتها ، كالاتحاد اليمني، ومجلس الشورى، والمجلس الجمهوري،تلك الهيئات التي انهارت جميعها إثر الانقلاب العسكري الذي حدث في 31 يونيو 4791م.
علماً أنه ماكان للقوى الثالثة لتنتهي، بذلك المصير الانقلابي، لو أنها حافظت على تلك القوى الوطنية الشابة ممثلة بأحزابها السياسية التي شاركت في الدفاع عن الثورة وذلك في ظل نظام ديمقراطي تعددي ، وكانت هي أي القوى الثالثة، أحد أركان ذلك النظام حيث بإمكانها أن تصل إلى تلك السلطة عبر المنافسة في برامجها وأهدافها بدلاً من تلك الأساليب التي اتبعتها والتي أحرمت البلاد من الرقابة السياسية التي لو كانت سائدة، لما وصلت البلاد في تلك الفترة إلى ذلك الوضع المزري.
ومن جانب آخر فإن الأحزاب الوطنية كما أشرنا قد أسهمت هي الأخرى في توصيل نفسها إلى تلك النهاية المؤسفة، وذلك من خلال دخولها مع بعضها البعض في صراعات ثانوية أدت إلى فتح تلك الثغرة، التي مرت بها عناصر السلطة ،إلى صفوف الأحزاب، وأدت إلى تدميرها.
كما أن غرور بعض الأحزاب وتباهيها بالوحدات العسكرية التابعة لها وبجماهيرها في المقاومة الشعبية، كما هو الحال لحركة القوميين العرب، حيث شكلت ممارساتها تلك استفزازاً،. ليس لرموز السلطة الحاكمة فحسب، كما أوضحنا سابقاً ، بل واستفزازاً للأحزاب الأخرى، التي وقفت معها في خندق واحد، في مختلف المنعطفات الهامة والخطيرة خلال مسيرة الثورة.
ولذلك فإن ضياع تلك الفرصة التاريخية للتعددية الحزبية الناشئة لايتحملها طرف واحد بل يتحملها قطبا الصراع في المعسكر الجمهوري مع وجود التفاوت الواضح في درجة تلك المسئولية والتي مردها إلى التمسك الأعمى بالقوالب الفكرية الجامدة لكل قطب.
وينطبق على القطب الأول«القوى الثالثة» حكم الدكتور محمد عابد الجابري، في مؤلفه بنية العقل العربي وهو أن هذه القوى التقليدية لم تستطع أن تحرر ذاتها العربية من سيطرة سلطة النموذجيين الفكريين أي السلطة السلفية، والسلطة المرجعية التراثية.
كما ينطبق على القطب الثاني «الأحزاب الوطنية» حكم المفكر الراحل عمر الجاوي الذي اعتبر تصرفات الأحزاب اليسارية القومية وغير القومية بالسلوك السياسي الطفيلي، حيث أنهم كانوا اثناء غمرة القتال مع الملكيين يتحدثون مع المقاتلين بلغة غير مفهومة «كالصراع الطبقي» و«وحدة الأضداد» والترابط الجلي لكل قضية من القضايا بل وذهب بعضهم باتهام المرتزقة بالبرجوازية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.