مارس الأحرار الشكل التنويري والتثقيفي في السنوات الأولى من نضالهم بهدف إيقاظ الشعب من حالة التنويم المغناطيسي التي استخدمها الإمام شكلت الأحزاب الوطنية كتلة سياسية صلبة تحطم عليها النظام الإمامي وبلغت ذروة المقاومة في فك حصار صنعاء بعد أن كانت قاب قوسين أو أدنى من السقوط بإيعاز من النظام الإمامي أغلقت بريطانيا مقر حزب الأحرار، واستعاد نشاطه تحت مسمى «الجمعية اليمنية الكبرى» وفقاً لمقترح محمد علي لقمان بمبرر أنها تضم أندية قروية فقط بلغت 04نادياً دور الأحزاب والتنظيمات الوطنية اليمنية في القضاء على النظام الإمام وحماية النظام الجمهوري تكرس الوضع التشطيري للوطن إثر الاتفاق العثماني البريطاني عام 4191مقابل اعتراف بريطانيا بالسيطرة العثمانية على الأجزاء الشمالية النوادي الثقافية والمنظمات التنويرية شكلت بداية تكوين وعي تنظيمي أسهم بدور كبير في تشكيل التنظيمات السياسية في عهد نظام الأئمة كانت اليمن تتحرك نحو القرن العشرين بسرعة السلحفاة ونحو القرون الوسطى بسرعة الصواريخ.. على الرغم من أهمية الندوات العلمية والثقافية، التي تتكرر سنوياً تقريباً، والمكرسة لإبراز حقائق عن تاريخ الثورة اليمنية، ودور تلك الندوات في تنمية الوعي الوطني والسياسي للأجيال، إلا أن تلك الجهود المخلصة التي بذلت تظل عادة غير متكاملة في نظري، وذلك لإغفالها جانباً مهماً من تاريخ الثورة، ألا وهو دور الأحزاب والتنظيمات السياسية في أحداث الثورة اليمنية، وخاصة الحدث الوطني الكبير «ثورة 62سبتمبر»،علماً أنه ما من ثورة حدثت في اليمن «بما فيها ثورة 62سبتمبر» إلا وكانت ثورة وطنية مسيسة، وقادتها أحزاب سياسية وطنية، بل ولا أبالغ إن قلت بأن ثورة 62سبتمبر قد قامت على أكتاف الأحزاب الوطنية بنظامها التعددي السري والذي شكل قبل قيام الثورة كتلة سياسة صلبة تحطم عليها ذلك النظام الإمامي المستبد والمتخلف، كما أنه وبواسطة ذلك النظام التعددي للأحزاب والتنظيمات والتكتلات الوطنية تمت مقاومة النظام الملكي، وكانت ذروة تلك المقاومة هي فك الحصار عن صنعاء في أوائل عام 8691م، بعد أن كانت قاب قوسين أو أدنى من السقوط، لولا تلك الملاحم الوطنية التي قادتها الأحزاب السياسية خلال سبعين يوماً من الهجوم الشرس ، والذي لولا صمود واستبسال الأحزاب الوطنية لكانت صنعاء والنظام الجمهوري على وشك السقوط من جراء ذلك الهجوم. وفي اعتقادي بأن إغفال ذلك الدور الوطني للأحزاب ، أو تهميشه في أحسن الأحوال ،له ما يبرره، وأعيد تلك المبررات لسببين اثنين هما: التشهير بالأحزاب والحزبية من قبل أجهزة الإعلام المصرية، إثر الخلاف بين الزعيم القومي الراحل جمال عبدالناصر والأحزاب الشيوعية العربية، وخاصة الحزبين: الشيوعي السوري، والشيوعي العراقي، في نهاية الخمسينيات، وكذا الخلاف الذي نشأ أيضاً بين عبدالناصر والقيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات، ونظراً لتأثير عبدالناصر في أوساط الجماهير العربية، فقد أثر ذلك التشهير الإعلامي على سمعة ونشاط الأحزاب المذكورة ، ثم انعكس ذلك التأثير على الأحزاب والحزبية بشكل عام، بما في ذلك الأحزاب في اليمن. تعاقبت على دفة الحكم في اليمن أنظمة سياسية ذات طابع شمولي، تقوم إما على نظام الحزب الواحد الذي يحلل السياسة لنفسه ويحرمها على غيره، أو نظام سياسي يؤسس التنظيم السياسي الذي يعبر عن مصالحه ويفرض على الأحزاب الأخرى الانضمام القسري إليه، وإلا فيعتبر نشاطها السياسي خارج القانون ويخضع لعقوبات قانونية صارمة. إن كل تلك الأجواء السياسية المشحونة بروح العداء للأحزاب والحزبية، قد جعلت تاريخ الثورة اليمنية، وخاصة تاريخ ثورة 62سبتمبر يخلو من الحقائق التاريخية الجريئة عن دور الأحزاب في قيام ثورة 62سبتمبر، والدفاع عنها، باستثناء بعض الشهادات المتناثرة هنا وهناك والتي تذكر أو تكتب على استحياء أو تحفط. أما اليوم وقد دخلت اليمن منذ نهاية العقد التاسع للقرن العشرين إلى ساحة عرسها الكبير، وهي موشاة بحلل الديمقراطية والتعددية السياسية، فإنه قد حان في ظل هذا النظام، «الذي يجب علينا تطويره على الدوام» أن نرفع الستار عن تاريخ وبطولات وتضحيات الأحزاب الوطنية في مختلف الأحقاب التاريخية للثورة اليمنية، ونعمم من خبراتها، ونشاطها، وأساليب عملها، وذلك لاستفادة أحزاب اليوم ما يمكن الاستفادة منه من دروس أحزاب الماضي، بهدف صنع نظام ديمقراطي تعددي، يستند على خصوصية يمنية، وطنية، من جهة ويستفيد في الوقت نفسه من كل الأنظمة الديمقراطية في العالم، والتي تتناسب مع واقعنا وتاريخنا الوطني المجيد، لاسيما وأنه تقع على الأحزاب مسئولية صنع مستقبل قوي ومزدهر لوطن 22مايو0991م،لأن على نشاط الأحزاب وعلى برامجها،وأهدافها السياسية، يبنى مستقبلنا السعيد أو الشقي. ولذلك فإن هذا البحث ماهو إلا محاولة أولية لفتح الطريق نحو ذلك الباب الذي كان مختوماً بالشمع الأحمر، ويمنع فتحه إلا في حالات اضطرارية، وفي هذا البحث سوف أعرض ما يمكن عرضه من الحقائق التاريخية عن دور الأحزاب في المراحل التاريخية المختلفة، التي قاومت فيها نظام الإمامة، حتى أسقطته ، ثم واصلت النضال لقطع خطوط الرجعة أمام عودته ، مشيراً في ذلك العرض بأنه لولا التعددية السياسية والفكرية التي سادت خلال تلك المراحل، من مراحل مقاومة النظام الإمامي الاستبدادي المتخلف لما تحقق أي انتصار يذكر، علماً أن تلك التعددية قد كانت تبرز في ظروف سرية صعبة، وذلك بسبب محاربة الحزبية من قبل الحكام الملكيين والجمهوريين على السواء،مع بعض الفوارق، لاسيما عندما يكون النظام الجمهوري يحتاج إلى مؤازرة الأحزاب الوطنية وخاصة حين يصبح على حافة الانهيار. الأحزاب والتنظيمات السياسية في اليمن وظروف نشأتها ظروف نشأة الأحزاب والتنظيمات السياسية: لقد بلي اليمن بنظام حكم زيدي طائفي تعود جذوره التاريخية والفكرية في اليمن إلى أواخر القرن التاسع الميلادي، أي منذ أن نجح الهادي إلى الحق «يحيى بن الحسين بن قاسم الرسي من سلالة الحسن بن علي بن أبي طالب» بعد رحلته الثانية إلى اليمن عام 798م من تأسيس نواة لدولة زيدية في صعدة. وقد تولى حكم الإمامة الزيدية في اليمن منذ إمامة الهادي إلى الحق وحتى قيام ثورة 62سبتمبر حوالي،«37» إماماً، عاصروا العديد من الدول اليمنية والوجود الخارجي في فترات متقطعة، غير أن الأئمة المعنيين في هذا البحث هم أئمة بيت حميدالدين الذين ينتسبون إلى الإمام محمد بن يحيى حميدالدين الذي تولى حكم الإمامة الزيدية في 0981م. ولكن طالما وأن بحثنا هذا يتناول صراع الأحزاب والتنظيمات الوطنية مع أئمة يمتلكون السلطتين الروحية والمدنية، فإن فترة السلطة الإمامية الروحية للإمام محمد بن يحيى وجزء من سلطة أبيه يحيى الروحية أيضاً لا تدخل ضمن المسئولية المباشرة عن الأوضاع السيئة في اليمن، فالمسئولية المباشرة عن تلك الأوضاع تبدأ منذ تحمل الإمام يحيى بن محمد للسلطتين المدنية والروحية في الجزء المستقل من اليمن بعد رحيل الأتراك منه عام 8191م إثر هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى. لقد عكس التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي عانت منه اليمن أثناء وقبل حكم هذه الأسرة نفسه على تأخير نشأة أحزاب وتنظيمات سياسية، ولذلك نجد وعلى سبيل المقارنة بأنه في الوقت الذي شهدت فيه إنجلترا«في القرن السابع عشر» تنافس أحزاب سياسية على مقاعد البرلمان. فإن اليمن لم تزل حينها تحت حكم الإمام المتوكل، وأبنائه من بعده كحكم متخلف ومستبد، امتد نفوذه حتى حضرموت. البدايات الأولى لتشكيل وعي تنظيمي كما تخلف اليمن أيضاً عن باقي الأقطار العربية في ولادة الأحزاب السياسية،والتي شهدت ولادة الأحزاب السياسية «بما فيها أحزاب شيوعية» في نهاية العقد الثاني من القرن العشرين أما اليمن «وخاصة المناطق الجنوبية والشرقية» في تلك الفترة «تقريباً»، فلم تزل تشهد البدايات لتشكيل نوادي ومنظمات تنويرية، ذات طابع مهني، لم تكن قد استوعبت بعد المهمات الوطنية، ولكنها كانت بداية لتشكيل وعي تنظيمي، كان له دور كبير في تشكيل التنظيمات السياسية في جنوب اليمن. أما في المناطق الشمالية، فقد تشكلت مثل تلك المنظمات التنويرية في نهاية العقد الرابع من القرن العشرين،غير أن «لي دوجلاس» يعتبر تلك المنظمات بمثابة جذور لحركة الأحرار اليمنيين،لأنها كانت تمتلك أهدافاً سياسية، ولم تكن تلك النوادي والتنظيمات التنويرية قد شكلت على أساس شطري، أو مناطقي فحسب، بل وحتى الأحزاب والتنظيمات السياسية التي ظهرت منذ منتصف الأربعينيات ، وحتى منتصف الخمسينيات، قد تكونت هي الأخرى على أساس شطري، ومناطقي، كما سنوضح،وقد كانت الأسباب الرئيسة في ذلك التكوين تعود إلى طبيعة الواقع السياسي المشطر، كنتاج للاحتلال البريطاني لعدن منذ عام 9381م ،وسيطرته على المناطق الجنوبية والشرقية، ونشر ثقافته الاستعمارية، واعتماده على أجانب في تسيير الشئون السياسية والإدارية، هذا إلى جانب سياسة التفرقة التي كرسها بين منطقة وأخرى، وقبيلة وأخرى، كما تكرس ذلك الوضع التشطيري «أيضاً» إثر الاتفاق العثماني البريطاني عام 4191م، والذي شطر اليمن إلى شطرين رسميين،مقابل اعتراف بريطانيا بالسيطرة العثمانية على الأجزاء الشمالية بما فيها عسير. ولادة أحزاب وتنظميات سياسية متباينة الأهداف والرؤى السياسية: حزب الأحرار اليمنيين: تأسس هذا الحزب عام 4491م، والذي على الرغم من تأسيسه في عدن، فإنه مهمته كانت محصورة في مقاومة النظام الإمامي، ولذلك فإن امتداده قد انحصر على تشكيل الفروع داخل المملكة المتوكلة اليمنية،وفي أوساط المهاجرين، ويحتمل أن حزب الأحرار لم يكن ليضع القضية اليمنية برمتها في تلك الفترة، وذلك لأنه كان يقع بين مطرقة الإمامة وسندان الاستعمار البريطاني، حيث أغلقت السلطات البريطانية مقره بإيعاز من النظام الإمامي في شمال اليمن غير أن الحزب استعاد نشاطه عام 5491م، تحت تسمية «الجمعية اليمنية الكبرى» بناءً على مقترح قدمه الاستاذ محمد علي لقمان وتحت مبرر أن الجمعية تضم أندية قروية فقط، بلغت حينها «04» نادياً، علماً أن الأحرار لم يضمنوا ميثاقهم المقدس أي أفكار استفزازية ضد بريطانيا كالإشارة إلى الوحدة اليمنية أو إلى الاستعمار البريطاني للجنوب، وأن شعار الوحدة اليمنية قد تضمنته حركة الأحرار في وقت متأخر، حيث ورد شعار الوحدة اليمنية في أهداف الاتحاد اليمني باعتباره امتداداً لحركة الأحرار، وذلك إثر تأسيسه عام 0591م. حزب الجمعية العدنية تأسست الجمعية العدنية عام 0591م، ويلاحظ من تركيبة أعضائها المحصورين، من أبناء مدينة عدن، والجاليات الأجنبية، ومن شعار الجمعية «عدن للعدنيين» وهدفها هو الارتباط بدول الكومنولث البريطانية بأن هذه الجمعية لاتتعارض أهدافها مع وحدة اليمن فحسب، بل ومع وحدة المناطق الجنوبية، ولذلك فلم يكن ضمن اهتمامها أي مشروع أوأفكار لتوحيد اليمن. حزب المؤتمر الشعبي تأسس عام 4591م، وهو عبارة عن الجمعية العدنية مع تعديل بسيط في سياسة الحزب، وهو إمكانية دخول عدن مع دويلات الجنوب العربي في اتحاد فدرالي، وقد انقسم هذا الحزب إلى حزبين هما: الحزب الوطني الاتحادي ،ويرأسه حسن بيومي وعبدالرحمن جرجره، وهذا الحزب لا يمانع من مشاركة عدن في اتحاد فدرالي مع دويلات الجنوب، شريطة أن يكون لعدن وضع متميز في الاتحاد. الحزب الدستوري ترأسه عائلة لقمان، وقد ظل يتمسك بشعار الجمعية السابق وهو «عدن للعدنيين». حزب رابطة أبناء الجنوب تأسس حزب الرابطة في أوائل الخمسينيات وكان شعارها «وحدة الجنوب العربي» ولكن لايفهم هذا الشعار بأن الرابطة تنادي بوحدة جنوب الجزيرة كلها، أي اليمن، فإن الرابطة قد فسرت في اجتماعها التأسيسي ذلك الشعار، بأن المقصود به وهو وحدة عدن والمحميات، وقد تكرر ذلك التوضيح في دستورها الصادر عام 6891م بقولها: الجنوب العربي هو الأرض التي تسمى حالياً بجمهورية اليمن الديمقراطية ،فالرابطة لم ترفض شعار الوحدة اليمنية فحسب، بل وتسخر من شعاراتها الوطنية اليمنية مثل: «وحدة التراب اليمني » بقولها:« إن التراب هو حبات الرمل التي لافرق بينها وبين حبات الرمل في بلد عربي آخر» ولذلك فقد كانت الرابطة من الأعداء الشرسين المناوئين لقيام الجمهورية العربية اليمنية. وهكذا فإذا كانت تلك الأحزاب السالفة الذكر قد نشأت على أساس شطري أو مناطقي، ولم يدخل في حسبانها شعار وحدة اليمن باستثناء التحسن الذي طرأ فيما بعد على حركة الأحرار كما أشرنا، فإن الأحزاب الوحدوية النشأة نوجز منها كالآتي: الجبهة الوطنية المتحدة: تشكلت الجبهة عام 5591م، ومن القيادات النقابية التي انسحبت من الرابطة، ومن مجموعة من الوطنيين، وقد كان الانسحاب نتيجة اشتراك الرابطة مع الجمعية العدنية في انتخابات المجلس التشريعي عام 5591م، تلك الانتخابات التي عارضتها النقابات بسبب قيام بريطانيا بتعيين أغلبية أعضاء المجلس التشريعي، هذا إلى جانب احتواء المجلس على أجانب من دول الكومنولث البريطاني ، في الوقت الذي أحرم القانون الذي أصدرته بريطانيا والخاص بالانتخابات بقية سكان عدن من مناطق جنوب اليمن وشماله من المشاركة في الانتخابات واعتبرتهم أجانب ولذلك فقد تمكنت الجبهة الوطنية المتحدة نتيجة التفاف النقابات حولها، من إفشال مرشح الرابطة «عبدالرحمن جرجره» والتأثير على معظم سكان عدن في مقاطعة الانتخابات، وفي الوقت نفسه رفعت الجبهة الوطنية المتحدة ولأول مرة شعار وحدة اليمن. ويعتبر صالح عبدالرزاق أن شعار الوحدة اليمنية الذي رفعته الأحزاب الوطنية لاحقاً قد جاء بدرجة أساسية بسبب أحداث 5591م في عدن المدوية، وتمسك الجبهة الوطنية بذلك الشعار في نضالها اللاحق. حزب الشعب الاشتراكي تعود جذور هذا الحزب إلى النقابات التي قادتها الجبهة الوطنية المتحدة وخاصة بعد أن تعرضت الجبهة للمضايقة من قبل السلطات البريطانية في عدن بحجة هويتها السياسية التي تتنافى مع أي مهام نقابية، الأمر الذي جعل تلك النقابات تلجأ إلى تشكيل إطار نقابي عام 6591م ، سمي بمؤتمر عدن للنقابات، غير أن النقابات التي نشأت وترعرعت في معمان المعارك السياسية ضد الاستعمار لم تستطع أن تحصر نشاطها في الجانب النقابي، بل وواصلت نشاطها السياسي، الذي جعل السلطات البريطانية تمارس ضدها جملة من الاجراءات التعسفية والقانونية الجائزة، الأمر الذي جعل تلك النقابات الوطنية تؤسس حزبها كواجهة سياسية للنقابات، والذي تأسس فعلياً في يوليو عام 2691بقيادة أمينه العام عبدالله عبدالمجيد الأصنج، وقد نشأ نشأة وحدوية، وكانت أهدافها الرئيسية تحرير اليمن الطبيعية من الاستعمار والرجعية الإمامية، وتوحيده على أسس ديمقراطية اشتراكية كخطوة على طريق وحدة الأمة العربية. حزب اتحاد الشعب تأسست النواة الأولى لهذا الحزب عام 5591م في مصر، ومن الطلبة اليمنيين الذين درسوا هناك، واعتنقوا الفكر الماركسي تحت تأثير الحزب الشيوعي المصري، وكان من أبرز أولئك الأعضاء عبدالغني علي ، خالد فضل منصور، عمر الجاوي، علوي ملهي وآخرون ، وكان عبدالغني علي يمثل هؤلاء لدى قيادة الحزب الشيوعي المصري وكان الطلاب الماركسيون يحتكون بالعناصر الوطنية التي خرجت من الرابطة وانخرطت في الجبهة الوطنية المتحدة، وقد أسفر ذلك الاحتكاك أثناء إجازات الصيف إلى اقناع تلك العناصر الوطنية ، المتواجدة في عدن باعتناق الفكر الماركسي، وكان من أبرز تلك العناصر عبدالله عبدالرزاق باذيب، عبدالرحمن باخبيرة، وآخرون،وكان خالد فضل منصور مشرفاً على هذه الخلية من قبل تنظيم الماركسيين في القاهرة ويساعده في عدن عبدالله عبدالرزاق باذيب، غير أن الماركسيين في عدن لم يتمكنوا من تأسيس حزبهم في وقت مبكر وذلك بسبب معاداة الاستعمار لهم من جهة ومن جهة أخرى فإن القوى الوطنية كانت هي الأخرى تضعهم مع القوى الاستعمارية والأحزاب العميلة في سلة واحدة، وذلك بحجة ارتباطهم الفكري بالاتحاد السوفيتي، وموقف الاتحاد السوفيتي مع الدول الاستعمارية من تقسيم فلسطين بين العرب والإسرائيليين إثر الحرب العربية الإسرائيلية عام 8491م ولذلك فلم يتمكن الماركسيون من تأسيس حزبهم إلا في أكتوبر عام 1691م تحت اسم اتحاد الشعب الديمقراطي، وكان موقف الحزب من الوحدة اليمنية يتجسد من خلال شعار الحزب الرئيسي وهو نحو يمن ديمقراطي موحد. ? فرع حزب البعث العربي الاشتراكي تعود جذور هذا الفرع إلى الحزب القومي الأم والذي تأسس في سوريا عام 2591م، من حزبين هما: حزب البعث العربي، والذي أسسه ميشيل عفلق وصلاح البيطار عام 3491م والحزب العربي الاشتراكي الذي أسسه أكرم الحوراني عام 8491م، وكان الشعار الرئيسي للحزب «أمة عربية واحدة ذات رسالة عربية خالدة» ذلك الشعار الذي جاء على ضوء تحليلهم وانتقادهم للأحزاب القائمة في سوريا آنذاك ومنهم الشيوعيون الذين اعتبرهم البعثيون يعزلون الاشتراكية عن القومية العربية، والقوميون السوريون الذين لم يدركوا التجمعات البشرية التاريخية للأقطار العربية، والإخوان المسلمون الذين يعزلون التاريخ العربي الإسلامي عن الحضارة العربية. أما فيما يتعلق بانتشار فكر البعث في اليمن فقد جاء عبر الطلاب اليمنيين الذين درسوا في بعض الجامعات العربية مثل سوريا، ومصر، ولبنان، وبغداد، وغيرها واعتنقوا فكر البعث في معاهد وجامعات تلك البلدان. وقد بدأت حلقات البعث في جنوب اليمن تتشكل في منتصف الخمسينيات، وقد أسسها موسى الكاظم، ثم أبوبكر الحبشي، وصالح الحبشي، ومحمد سعيد مسوط وعلي عقيل ، وجعفر عيدروس، وأحمد غالب الجابري ، أما تشكيل حلقات حزب البعث في شمال اليمن سابقاً فيعود ذلك إلى جهود البعثيين اليمنيين، الذين اعتنقوا فكر البعث في القاهرة في منتصف الخمسينيات، ومنهم يحيى الشامي، عثمان عبدالجبار وآخرون، والذين قاموا باستقطاب بعض الطلبة الذين حضروا إلى القاهرة عام 8591م، للمشاركة في المسابقة الفكرية للطلاب العرب ومنهم: عبدالعزيز المقالح وعلي الجائفي،والذين شكلوا أول خلية للبعث في صنعاء، كما استقطبوا عناصر أخرى حضرت إلى القاهرة في دورة فنية قصيرة مثل علي النوبي وأحمد الذماري وأخرون ممن شكلوا أول خلية للبعث في تعز. أما من حيث موقف البعثيين من الوحدة اليمنية، فقد تجلت من خلال اندماج الطلاب اليمنيين ومن كلا الشطرين «سابقاً» في تنظيم واحد خارج الوطن، على عكس ما هو مألوف لدى الطلاب العرب الآخرين، الذين كانوا يندمجون مع بقية الطلاب العرب الآخرين، الذين كانوا يندمجون مع بقية الطلاب في تنظيمات قومية،كما أن محسن العيني والذي تولى مسئولية الأمين العام لتشكيلات البعث في اليمن فقد تولى أيضاً مسؤولية البعثيين في الشطرين. وعندما شكلت القيادة القومية قيادة قطرية لليمن عام 3691م في عدن، فإن تلك القيادة القطرية قد ضمت ممثلين عن تنظيمات البعث من عموم اليمن، كاعتراف بأن اليمن قطر واحد وليس قطرين، كما هو الحال لبقية الأقطار العربية، وكان ذلك بناءً على قناعة البعثيين اليمنيين، الذين يعتبرون بشطريه قطراً واحداً. فرع حركة القوميين العرب ينتمي فرع حركة القوميين العرب في اليمن إلى التنظيم المركزي للحركة والتي يرجع تأسيها إلى عام 8491م، وذلك حين أسس مجموعة من الطلبة أول منظمة سميت بكتائب الفداء العربي، وكان هدفها اغتيال القادة العرب، الذين أيدوا عملية الصلح مع إسرائيل ومنهم: الملك عبدالله ملك الأردن، ونوري السعيد رئيس وزراء العراق، هذا إلى جانب ضرب المصالح الغربية والصهيونية، مما شجع أولئك الطلاب العرب الذين شاركوا في الحرب العربية الإسرائيلية «ومنهم جورج حبش وهاني هندي» على تأسيس تلك المنظمة هو ضعف مركز بعض الحكام العرب بسبب موقفهم السلبي من الحرب، ونشود وعي عربي يطالب بمواجهة التحدي، غير أن أولئك الشباب قد غيروا من أسلوب نضالهم القائم على الاغتيالات إلى الأسلوب الجماهيري، الأمر الذي جعلهم يغيرون اسم منظمتهم إلى أسماء تتفق مع الشكل النضالي الجديد، «كالعروة الوثقى» ثم «هيئة مقاومة الصلح مع إسرائيل» ثم «اتحاد الشباب العربي» منذ منتصف الخمسينيات ثم «حركة القوميين العرب» في نهاية الخمسينيات. أما من حيث تأثير الحركة وتحولها إلى حزب قومي له امتداد أكبر في الوطن العربي، منها اليمن فإن ذلك يعود إلى الطلاب العرب من أعضاء تنظيمات الحركة في لبنان والذين طردوا من الجامعة الأمريكية في بيروت، إثر قيامهم بمظاهرة احتجاجية تندد باشتراك العراق في حلف بغداد عام 4591م، وقد احتضن عبدالناصر أولئك الشباب وثم توزيعهم على الجامعات المصرية وهناك جرى احتكاكهم في الأقسام الداخلية لتلك الجامعات بالطلاب العرب ومنهم الطلاب اليمنيون، حيث أدى ذلك الاحتكاك إلى استقطاب العديد من الطلاب العرب إلى صفوف منظمتهم القومية التي كانت حينها تسمى «باتحاد الشباب العربي» وكان من ضمن الرعيل الأول من اليمنيين الذين التحقوا بذلك الاتحاد هم : فيصل عبداللطيف، عبدالكريم الإرياني ، سلطان أحمد عمر، عبدالحافظ قائد، عبدالملك اسماعيل وآخرون، والذين بعثوا عام 8591إلى دمشق لتلقي دورة حزبية وذلك لإعدادهم لمهام أكبر،ومنها تأسيس فرع للحركة في اليمن. وقد تسنى لهم تأسيس ذلك الفرع عام 9591م عندما سافروا في إجازة الصيف وشكلوا نواة لذلك الفرع من العناصر التي سبق وأن احتكوا بها في إجازات الصيف السابقة، وأثروا عليها وخاصة «العناصر التي انسحبت ومن رابطة أبناء الجنوب العربي لموقفها من وحدة اليمن، ومن تلك العناصر علي السلامي، سيف الضالعي، نورالدين قاسم، طه مقبل وآخرون» كما احتكوا بعناصر أخرى من خارج الرابطة مثل عبدالرحمن عمر، سعيد الجناحي ، عبدالعزيز الدالي، عبدالله سلام ناجي وآخرون. وبنفس الفترة جرى أيضاً استقطاب عناصر أخرى في شمال الوطن، من وسط العاملين في النقطة الرابعة الأمريكية، وبعض المثقفين في تعز، ومن تلك العناصر التي شكلت أول خلية للحركة في تعز هم: شمسان اليوسفي، مالك الإرياني، عوض الحامد، عبدالرحمن محمد سعيد، عبدالباقي محمد سعيد وآخرون، ثم امتد التوسع إلى صنعاء وخاصة في صفوف الضباط الصغار. أما من حيث موقف فرع الحركة في اليمن من وحدة اليمن، فإننا نورد رأي الدكتور أحمد الصياد حول ذلك الموقف حيث قال :«لقد اعتبر الفرع منذ نشأته أن اليمن يشكل وحدة واحدة، وأن العمل من أجل تحقيق تلك الوحدة من واجب كل المناضلين أينما كانوا، وأن تحقيق وحدة التراب اليمني هو جزء لا يتجزأ من تحقيق الوحدة العربية. التيارات الناصرية في اليمن عرفت الناصرية بشكل عام بالأدوار التي لعبتها ثورة 32يوليو في مصر بقيادة جمال عبدالناصر، وتميزت أهدافها ومضامينها من خلال شعاراتها القومية التحررية التي تجسدت في الدستور المصري لعام 6591م ،الأمر الذي جعل الكثير من التنظيمات والتجمعات العربية تعتبر الثورة المصرية بأنها الثورة الأم لكل العرب، بل وربطت مصيرها بها وبقائدها جمال عبدالناصر، ولم تعرف الناصرية بالدور السياسي القومي التحرري لمصر فحسب، بل وأخذت ملامح الناصرية تتبلور أكثر من خلال الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية والتي اتخذها عبدالناصر ضد الإقطاع والشركات الاستعمارية الاحتكارية، ومن خلال قرارات التأميم التي اتخذها، والتي شملت فيما بعد الرأسمالية المصرية، وخاصة بعد انفصال سوريا عن مصر عام 1691م. إن جملة تلك الإجراءات والتي تمثلت بالدرجة الأولى بقوة شخصية عبدالناصر وإجراءاته الشجاعة والتي وجدت في ظروف حساسة بالنسبة للعرب وقضاياهم التحررية قد جعلت من عبدالناصر- وعلى حسب وصف الباحثة د. مالتا ناكوبا تشكوفا- «بأن عبدالناصر قد تحول إلى قمة عجيبة لحركة التحرر الوطنية العربية». ولقد قام عبدالناصر ببناء تنظيمات سياسية داخل مصر بهدف نشر أفكاره وسط الجماهير، ومن تلك التنظيمات «هيئة التحرير» والتي حلت محل التعددية الحزبية التي وجدت قبل قيام الثورة المصرية، ثم تجربة الاتحاد القومي الذي نشأ بعد انفصال سورية عن مصر عام 1691م، أما على الصعيد العربي فإن الناصرية لم تعد أكثر من أن تكون مجرد تيار سياسي رغم المحاولات غير الموفقة، والتي حاول فيها الاتحاد الاشتراكي العربي تأسيس فروع له في بعض البلدان العربية ،بالتنسيق مع حركة القوميين العرب. غير أن ذلك لايعني عدم وجود قوى سياسية ترتبط عاطفياً بعبدالناصر وأفكاره وقراراته الشجاعة ، حتى وإن كانت تلك القوى والعناصر السياسية البارزة مقطوعة الصلة الحزبية والسياسية بعبدالناصر، وذلك كما حدث في اليمن، حيث تمثلت الناصرية «إلى جانب التأثير الشعبي» لعبدالناصر بالأشكال السياسية الآتية: الجهة الناصرية التي انصهرت في الجبهة القومية لتحري جنوب اليمن، والتي نظراً لارتباطها العاطفي بالناصرية فقد ذابت كغيرها من التنظيمات في تنظيم الجبهة القومية، وأصبحت تلتزم للفكر العقائدي لحركة القوميين العرب وذلك بسبب التأثير الفكري والسياسي والتنظيمي لعناصر الحركة على بقية التنظيمات. شكل ارتباط قادة مؤثرين لأحزاب أو دول بفكر ومواقف عبدالناصر، كما حدث لمحمد علي الأسودي رئيس الاتحاد اليمني، الذي كان يتفاعل مع كل ما يقوله ويقره عبدالناصر، بحيث حول اتجاه الاتحاد اليمني في عدن إلى اتجاه مغاير وناقد للأحرار المتواجدين في القاهرة، كما كان المشير عبدالله السلال «أول رئيس للجمهورية العربية اليمنية» ضمن الرموز المؤيدة لأفكار وسياسة عبدالناصر، بما في ذلك تأييد سياسته في اليمن ودفاعه عن التواجد العسكري في اليمن، رغم كثرة المعارضين لذلك التواجد، كما ظل وفياً لعبدالناصر وفكره وسياسته حتى بعد رحيل عبدالناصر بدليل حضوره لمؤتمر الناصريين في ليبيا. وربما تكون تلك المواقف والتأييد كوفاء من السلال لمواقف عبدالناصر وتضحيات مصر تجاه ثورة اليمن. وشكل الادعاء بالناصرية ،وتحويل العلاقات الشخصية إلى علاقات سياسية: وينطبق هذا الشكل على الدكتور عبدالرحمن البيضاني ، الذي على الرغم من ارتباطاته الطبيعية بالنظام الإمامي، فإن علاقة المصاهرة بينه وبين أنور السادات «رئيس مجلس الأمة في فترة حكم عبدالناصر كعديل للبيضاني فإن البيضاني قد جعل من نفسه بسبب تلك العلاقة الشخصية كوكيل للثورة في اليمن متجاوزاً عبر تلك العلاقة كل أطراف الحركة الوطنية اليمنية ،لدرجة أن البيضاني كان يرشح القيادات الأساسية للثورة، علماً أن البيضاني لم يكن على علاقة بالثورة، أو صناع الثورة، بل كانت علاقته السياسية بمجاميع صغيرة من التجار في كل من عدن وتعز. وشكل سحب المؤيدين لسياسة وفكر جمال عبدالناصر من صفوف التنظيمات السياسية وتنظيمها في أحزاب ترتبط بالمصريين مباشرة، كما حدث لسحب مجاميع كبيرة من الفدائيين من جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل وتنظيمها في إطار سياسي سمي بالتنظيم الشعبي للقوى الثورية لجبهة التحرير،والذي كانت علاقته بجبهة التحرير اسمية وشكلية، وكانت القيادة الفعلية هي القيادة العربية المصرية في تعز، وقد شكلت القيادة العربية ذلك التنظيم وذلك بسبب تخوف قيادة الثورة المصرية من فقدان تأثيرها ونفوذها داخل الحركة الوطنية في جنوب اليمن، وخاصة بعد خلافها مع حركة القوميين العرب في اليمن إثر تبني مصر للدمج الإجباري بين الجبهة القومية ومنظمة التحرير للجنوب المحتل، كما كانت تخشى من وجود تأثير للمخابرات البريطانية على بعض قيادات جبهة التحرير، فشكلت التنظيم الشعبي ليكون بمثابة اللغم السياسي أمام تلك القيادات. أما من حيث موقف الناصرية من الوحدة اليمنية، فيبدو أن شعار القومية العربية كهدف كبير للثورة المصرية الناصرية قد طغى على أي وحدة داخل الأقطار العربية ،وهذا عكس نفسه على موقفها من وحدة اليمن، الذي اتضح من خلال ما كانت تطلقه الأجهزة الرسمية المصرية من تسمية الجنوب اليمن أي «لاللجنوب المحتل» وهي تسمية دبلوماسية بين التسميتين «جنوب عربي» و«جنوب يمني»..ويحتمل أن يكون ذلك المصطلح إرضاء للأحزاب التي ترفع شعار الوحدة اليمنية وكذا الأحزاب التي تعارض هذا الشعار وترفع شعار الوحدة العربية كالرابطة. غير أن شعار الجنوب المحتل قد تجسد في وثائق التنظيمات الموالية للناصرية وخاصة، التنظيم الشعبي للقوى الثورية لجبهة التحرير الذي تكرر في فقرات التقرير الذي شمل أهدافه البرنامجية تسمية «الجنوب المحتل» وشمل التقرير إشارات للوحدة العربية دون أية إشارة للوحدة اليمنية. تنظيم الضباط الأحرار وعلاقته بالأحزاب الوطنية: نظراً للعبء الأكبر الذي أنيط بهذا التنظيم في تفجير ثورة 62 سبتمبر فإن من الأهمية بمكان أن نوضح ماهية هذا التنظيم، أي هل هو تنظيم سياسي أم عسكري؟ أم يجمع بين الاثنين؟ وهل للتنظيم منطلقات نظرية وسياسية؟ وهل له علاقة مع التنظيمات السياسية الوطنية الأخرى؟ إن الاجابة على هذه الأسئلة يعني اعطاء الصورة والهوية الحقيقية لما حدث يوم سبتمبر 2691م أي هل ماحدث هو انقلاب عسكري قامت به مجموعة من الضباط المغامرين الطامحين إلى السلطة؟ أم أن ماحدث هو ثورة شعبية تعبر عن آمال الجماهير وتعكس إرادة كل أطراف الحركة الوطنية اليمنية. إن تنظيم الضباط الأحرار الذي تأسس في الأول من شهر ديسمبر 1691م لم يختلف في بنائه التنظيمي عن بقية الأحزاب السياسية فهو يمتلك هيكلاً تنظيمياً يبدأ بالقاعدة وينتهي بالقمة وله نظام أساسي وبرنامج عمل مؤقت تمثل بالأهداف البرنامجية الستة لثورة 62 سبتمبر وقد يختلف هذا التنظيم عن الأحزاب السياسية الأخرى في قضية واحدة فقط هي انحصار العضوية في الضباط العسكريين، وذلك حفاظاً على سوية العمل، أما من حيث المنطلقات الفكرية والسياسية لتنظيم الضباط الأحرار فإنها قد جاءت انعكاساً وتجسيداً لمختلف آراء التنظيمات الوطنية، التي انصهرت في تنظيم الضباط الأحرار، التي أجمعت الرأي على القضاء على النظام الإمامي، وقد ظل هذا التنظيم على انفتاح لكافة القوى الوطنية بمختلف اتجاهاتها السياسية، وقد أكد تلك العلاقة المناضل ناجي الأشول، الذي أشار إلى أن تنظيم الضباط الأحرار قد كان وليداً للتنظيمات الوطنية التي مرت بأحقاب الخمسينيات. غير أن المناضل عبدالله الراعي قد حدد بالاسم تلك التنظيمات التي انتمى إليها تنظيم الضباط الأحرار، وهي الناصرية، والبعث، وحركة القوميين العرب إلى جانب وجود تأثير للفكر الأممي. غير أننا ونحن نحدد هوية هذا التنظيم فإننا نتساءل: هل ظل أعضاء تنظيم الضباط الأحرار مشدودين للتنظيمات السابقة التي انتموا إليها، بحيث صار تنظيمهم أشبه مايكون بجبهة وطنية؟ إن أعضاء تنظيم الضباط الأحرار يؤكدون بأن أعضاء التنظيم قد انقطعوا عن تنظيماتهم السابقة، وهذا يتعارض مع مايقوله قادة الأحزاب الوطنية، الذين يؤكدون استمرار علاقة أحزابهم بأعضائهم المنتمين إلى تنظيم الضباط الأحرار ومن هؤلاء المناضل يحيى الشامي الذي أشار إلى بقاء شكل للعلاقة مع أعضائهم السابقين، ومنهم من كان في قمة تنظيم الضباط الأحرار وإن لم يحدد الشامي طبيعة تلك العلاقة. أما محمد عبدالغني عبدالدائم، وهو من قادة حركة القوميين العرب فرع اليمن خلال الستينيات فقد أشار إلى ارتباط الحركة بأعضاء تنظيم الضباط الأحرار بل وبقيادتهم، حيث كانت تعقد اجتماعات مشتركة مع بعضهم لتداول الكثير من القضايا السياسية بل الأكثر من ذلك فإن الحركة قد كلفت أعضاءها باستقطاب عناصر جديدة من تنظيم الضباط الأحرار بل ومن قيادته، وأن ممن استقطبهم هو شخصياً وكما يتذكرهم: محمد الوشلي، وأحمد الفرج ولذلك فإننا نستنتج بأن حركة القوميين العرب قد كانت على علاقة طيبة مع تنظيم الضباط الأحرار سياسياً وتنظيمياً ولاتمت تلك العلاقة إلى الخيانة بصلة وذلك بسبب الجذور المشتركة بين تنظيم الضباط الأحرار والأحزاب الوطنية، وأن تحفظ قادة تنظيم الضباط الأحرار بشهاداتهم حول تلك العلاقة قد كان نتيجة لمحاربة الحزبية وتحريمها كامتداد للتحريم الذي صدر في القانون رقم «7» لعام 3691م والذي يحرم قيام أي نشاط حزبي. ذلك التحريم الذي جاء تحت تأثير الهجوم الذي شنته أجهزة الإعلام المصرية على الأحزاب والحزبية، والذي بدأته في الهجوم على الحزب الشيوعي السوري بتهمة رفضه لصيغة الوحدة المصرية السورية عام 8591م، ثم تواصل الهجوم الناصري على البعثيين السوريين بسبب انتقادهم للأجهزة الحكومية لدولة الوحدة واعتبارها ذلك الانتقاد كنزعة انفصالية، ونتيجة لتلك الأجواء المعادية للحزبية فقد جاء صمت الضباط الأحرار عن بعض الحقائق التاريخية، ومنها علاقاتهم بالأحزاب الوطنية، وهذا ماأشار إليه كاتب مقدمة كتاب «ثورة 62 سبتمبر دراسات وشهادات للتاريخ» حيث أشار إلى «تردد البعض عن الإدلاء بشهاداتهم وتفضيل البعض الآخر السكوت، أما من أدلوا بشهاداتهم فقد أدلوا ببعضها، وأخفوا شيئاً منها، وذلك لتقديرات خاصة بهم ومن الصعب انتزاعها منهم» وسوف نعطي لاحقاً إيضاحات أكثر من علاقة تنظيم الضباط الأحرار ببقية الأحزاب الوطنية، وذلك لأن تلك العلاقة قد جاءت في المراحل النهائية من مراحل الإعداد لتفجير ثورة 62 سبتمبر. ثانياً: دور الأحزاب والتنظيمات السياسية في التحضير لثورة 62سبتمبر إننا وبعد أن أعطينا صورة عن الأحزاب والتنظيمات السياسية وأفرزناها وفقاً لمواقفها من وحدة اليمن «باعتبار تلك المواقف الأساس لرؤاها الاستراتيجية، ولأي تغيير ثوري ونضال وطني ضد النظام الإمامي في شمال الوطن» فإن من الأهمية أن نستعرض هنا دور تنظيمات حركة الأحرار السباقة للنضال المنظم، بحكم ولادتها المبكرة، ونظراً لتعدد الأشكال النضالية التي سبقت قيام ثورة 62 سبتمبر، فإننا نوجز تلك الأشكال على النحو التالي: الشكل التنويري والتثقيفي: لقد مارس الأحرار هذا الشكل من النضال في السنوات الأولى من نضالهم، وذلك بهدف إيقاظ الشعب اليمني من حالة التنويم المغناطيسي التي استخدمها الأئمة معه، لكي لايصحوا ويفتح أعينه كي يشاهد عالم القرن وحضارته، ويجد نفسه أنه هو وأمامه أشبه مايكون بأصحاب الكهف وكلبهم، أي نائمون في الكهف، وكلبهم النائم أيضاً في وسطهم، يبسط ذراعيه عليهم، وهذه الصورة المشبهة قد التقطها د.عبدالعزيز المقالح من سورة الكهف، وذلك لتشبيه وضع الشعب اليمني وإمامه، كما شبه أيضاً وضع اليمن في عهد الأئمة بأنه كان في وضع شديد الغرابة «فلا هو بالحي ولا بالميت يتحرك نحو القرن العشرين بسرعة السلحفاة، ونحو القرون الوسطى بسرعة الصواريخ الموجهة». ولم يكتف الأئمة بتكريس ذلك التخلف بل استخدموا سلطتهم السماوية المزعومة في ممارسة كافة صفوف الظلم والاستبداد كسفك دماء المواطنين، وإباحة أعراضهم وأموالهم وبيوتهم لمجرد أنهم غضبوا على الإمام أو غضب عليهم. ومن أجل خلق الرعب في أوساط أبناء ذلك الشعب المغلوب على أمره، فقد عملوا على إرهابه ومن خلال سلطة أخرى وهمية وهي سلطة الجان وقائدهم «شمهورش» لدرجة أن الأئمة ربطوا أسماءهم بالجان كما حدث للإمام أحمد الذي لقب بأحمد ياجناه. وأمام ذلك الوضع المتخلف والسلطة المستبدة المستمدة سلطتها القهرية من الأوهام والخرافات، رأى الرعيل الأول من المناضلين باتباع الشكل التنويري والتثقيفي كوسيلة أولى وسلمية لتغيير تلك الأوضاع، غير أن تنويرهم وتثقيفهم قد اتسم في أول الأمر بالطابع الطوباوي، وذلك حين ذهبوا إلى تنوير الأئمة أنفسهم يحثونهم إلى الاحتكام للدين والشريعة الإسلامية عند ممارسة أحكامهم، كما حثوهم أيضاً على القيام بالإصلاحات التي يتطلبها الشعب والوطن. وشمل التنوير أيضاً قيام الرعيل الأول من حركة الأحرار بنشر الأفكار المصرية والثقافية الحديثة وخاصة أولئك الشباب المناضلين الذين تلقوا دراستهم في الخارج وكان ذلك التنوير يتم من خلال النشاط الأدبي وعبر التجمعات الأدبية التي استخدمها أولئك الشباب للتعبير عن طموحاتهم الإصلاحية. كما شمل نضالهم التنويري والتثقيفي بناء مدارس لتدريس العلوم المعاصرة غير أن الأئمة أدركوا خطورة تلك المدارس فأغلقوها. الشكل الإعلامي للنضال: لم يجد الأحرار اليمنيون وجود أي جدوى للتنوير السلمي والهادي، كما وجدوا أن النصح الذي كان يقدم للأئمة قد جعلهم يزدادون عتواً ونفوراً حيث أودع الكثير من القائمين بأعمال التنوير في السجون بحجة أن أفكارهم الإصلاحية معارضة للشريعة وتدعو إلى الفوضى وتفتح الباب للقوى الاستعمارية، كل ذلك قد جعل الأحرار ينتقلون من التنوير الهادي إلى التنوير الجاد القائم على مخاطبة الشعب وجهاً لوجه بهدف تعرية النظام الإمامي عبر وسائل إعلامية فعالة ومنها مايلي: طبع المنشورات وتوزيعها على الشعب بواسطة بعض الشباب المخلصين. إصدار الصحف الناطقة باسم حركة الأحرار ومنها صحيفة «صوت اليمن» التي كانت تصدر في عدن وبعد إغلاقها من قبل السلطات الإنجليزية أصدر الأحرار صحيفة «السلام» التي كانت تطبع في لندن وترسل وتوزع في اليمن كما استخدم الأحرار صحفاً أخرى أهلية مثل «صحيفة فتاة الجزيرة» و«صحيفة الأيام». إصدار الكتيبات والكراريس، التي كانت تطبع وتنشر على نطاق واسع وخاصة في البلدان العربية مثل كتاب «الإمامة وخطرها على وحدة اليمن» وكتاب الصهيونية تغزو اليمن، وكانت تلك الكتب تعري سياسة النظام الإمامي وتشهر بسياسته الداخلية والخارجية. ونظراً لتأثير الشعر على نفوس الجماهير اليمنية فقد استخدم الأحرار سلاح الشعر وخاصة قصائد الشاعر محمد محمود الزبيري، والتي كان الأحرار يتداولونها ثم يرسلونها إلى الداخل. الشكل السياسي الجماهيري: لم يمارس الأحرار هذا الشكل من النضال الراقي إلا في فترة تأسيس حزبهم حزب الأحرار وذلك عندما بدأوا ينشطون وسط المواطنين في عدن على طريق تأسيس ذلك الحزب السياسي كشكل أرقى للنضال، تتوحد فيه كافة الطاقات الوطنية المبعثرة هنا وهناك، غير أن تجربتهم الناشئة ونظرتهم الفوقية للفئات الاجتماعية قد جعلتهم يمارسون نشاطهم في وسط التجار، ويحصرون تحركاتهم السياسية في مجالس القات التي كانت تسبقها العزومات الضخمة علماً أن مدينة عدن والتي اتخذها الأحرار مركزاً لنشاطهم قد كانت تختزن طاقات شعبية ومن مختلف الفئات التي كان بإمكانها أن تؤدي أدواراً مؤثرة في النضال الوطني، ومع ذلك فإن نشاطهم الذي ركزوه وسط التجارة في عدن لم يعد عليهم إلا بنتائج محدودة، ومن قبل قلة من التجار من ذوي الضمائر الحية علماً أن تلك النظرة الفوقية للأحرار لم تنحصر وسط تجار عدن فحسب بل وركزوا نشاطهم واتصالاتهم بجهات فوقية أخرى كعناصر الجهاز الحكومي الإمامي غير مدركين أن تلك العناصر تنظر لملاءمة نظرة قداسة بدليل أن العناصر التي تعاونت مع الأحرار كانت معظمها مندسة، وتعمل كجواسيس ضد الأحرار، وقد ارتكبت فيما بعد جرائم كبيرة بحق الثورة والثوار. كما تكررت هذه العلاقة مع شيوخ القبائل الذين تم استدعاؤهم من قبل الأحرار في عدن غير أن الأحرار لم يستطيعوا أن يخلقوا لأولئك الشيوخ ظروفاً ممتازة، تتناسب مع مكانتهم الاجتماعية، وأنماط حياتهم التي اعتادوا عليها بل لم يتمكنوا حتى من توفير وسائل الحياة الضرورية كالمساكن بل وحتى أماكن تقيهم من حرارة الصيف في عدن، بحيث أصبحوا يتجولون كالشحاذين، كل ذلك قد انعكس على مواقفهم من الثورة بل ومن حياة المدن، الأمر الذي جعل بعضهم «كما حدث لقبائل الحدا» يتحولون إلى صفوف الإمامة، وكان لهم دور كبير في إفشال ثورة 8491م من خلال محاصرتهم للعاصمة صنعاء. الشكل السياسي الخارجي : نشط الأحرار في مجال السياسة الخارجية و فحاولوا كسب عطف بعض الدول والأحرار في الوطن العربي للوقوف إلى جانب نضالهم ، ضد الحكم الإمامي المتخلف والمستبد، لكنهم فشلوا في إقناع الدول العربية بالوقوف إلى جانبهم ، على الرغم من معرفتها للأوضاع في اليمن. التكتيك السياسي لحركة الأحرار: إن المقصود بالتكتيك السياسي للحركة هو أسلوب التحالفات الذي كان يمارسه الأحرار مع بعض أجنحة السلطة بضرب أجنحة بأخرى وذلك بسبب عدم قدرة الأحرار في مواجهة كل أجنحة السلطة دفعة واحدة، بل إزاحة الأجنحة الأكثر خطورة على مستقبل الشعب وحياته وخاصة رأس السلطة الإمامية ويبدو أن الأحرار قد استخدموا ذلك الأسلوب بعد دراستهم الكاملة للتناقضات القائمة في مجتمعهم المتخلف، ومن ضمن تلك التكتيكات ماقام به الأحرار من استمالة وجذب للبيوت الكبيرة، التي كانت ملتفة حول الإمام ولها وزن سياسي مثل أسرة بيت الوزير وبيت شرف الدين وبيت العمري وكانت تلك الأسر طامحة إلى السلطة، ولذلك قد تمكن الأحرار من خلال تحالفهم مع تلك الأسر من توجيه الضربة للإمام يحيى في ثورة 8491م كما كرر الأحرار ذلك التكتيك وهم يخططون لثورات أخرى بعد فشل ثورة 8491م وكان تكتيك الأحرار الجديد، «والهادف أيضاً إلى تمزيق جسم السلطة» يقوم على إثارة التناقض والتنافس بين سيوف الإسلام أي بين الإسلام «البدر» المدعوم من أبيه الإمام أحمد، «والمرشح لولاية العهد» وبين عمه سيف الإسلام «الحسن» الطامح أيضاً لولاية العهد، والذي كان الأحرار يرون فيه الخطورة على مستقبل نشاط الحركة الوطنية، وفي الوقت الذي كان فيه الأحرار يتظاهرون بولائهم للإمام البدر فإذا بهم وهم يخططون لثورة 5591م بالتنسيق مع بعض قادة الجيش وفي مقدمتهم الشهيد «الثلايا» يتركون البدر والحسن جانباً ويرشحون سيف الإسلام عبدالله بن يحيى والذي جر هو الآخر مجموعة من سيوف الإسلام إلى جانبه، وبعد فشل ثورة 5591م والتي انتهت بإعدام سيف الإسلام عبدالله وأخيه عباس، فإن الأحرار الذين لم ينكشف أمرهم قد ناصروا سيف الإسلام البدر في ملاحقة أنصار سيف الإسلام عبدالله، واستمروا أيضاً في إثارة التناقض والتنافس بين سيف الإسلام محمد البدر وعمه الحسن علماً أن ذلك التناقض والتنافس الذي زرعه الأحرار بين البدر والحسن قد كان أحد القنابل الزمنية التي استمرت حتى قيام ثورة 62 سبتمبر، وكان من العوامل التي مهدت لقيامها كما سنوضح. الشكل العسكري لنضال حركة الأحرار: لجأ الأحرار إلى هذا الشكل من النضال وذلك بعد أن استنفذت كل وسائلهم السلمية، وبعد أن وجدوا حكاماً محتجزين يعتبرون التنوير والنصح كفراً وإساءة للدين، باعتبار أن سلتهم «كما يدعون» مستمدة من السلطة الإلهية ومدعومة من الجان كما أوضحنا. وكان أبرز نشاط عسكري للأحرار هو نشاطهم بين أفراد المؤسسات العسكرية وخاصة الضباط الذين تلقوا دراستهم العسكرية في العراق، والذين ساعدت دراستهم هناك على مقارنة الحياة المتطورة في العراق بالحياة الشديدة وكذلك التخلف في بلادهم، الأمر الذي جعلهم يدركون بأن النظام الإمامي هو العقبة أمام تطور وتحضر وطنهم، ولذلك فقد كان لأولئك الضباط دور كبير في ثورة 8491 كما أسهمت البعثة العراقية التي أوفدتها حكومة العراق لتدريب الجيش اليمني في خلق ذلك الوعي الوطني وسط الجيش، بل إن الضابط العراقي جميل جمال قد أندمج مع المواطنين اليمنيين لدرجة حضوره اجتماعات حركة الأحرار ومشاركته الفعالة في التخطيط والتنفيذ لثورة 8491 وقد شكلت الخلايا السرية للأحرار، والتي شكلها الضباط اليمنيون والعراقيون داخل المؤسسات العسكرية، مع الخلايا والتنظيمات المدنية الوطنية كتلة سياسية عسكرية لثورة 8491م ولم يكتف الأحرار بالنشاط العسكري داخل المؤسسات العسكرية، بل قاموا بإرسال قوات فدائية خاصة من عدن، ومن المدنيين المتدربين، والتي قاتلت جنباً إلى جنب مع بقية القوات العسكرية في ثورة 8491م. لقد أسفرت تلك النشاطات العسكرية للأحرار عن قيام ثورة 8491م والتي صعدت لأكثر من ثلاثة أسابيع «أي منذ 71 فبراير 8491م وهو اليوم الذي أعدم فيه الإمام يحيى وحتى انتكاسة الثورة في 11مارس» وكان من بين الأسباب الرئيسية لانتكاستها هو نجاة الطاغية أحمد، ووصوله إلى منطقة حجة واتصاله بالسعودية التي قدمت له كل الامكانيات المادية والعسكرية، غير أن ثورة 8491م وإن انتكست فإن دروسها قد مثلت الصحوة للحركة الوطنية اليمنية من أجل مواصلة النضال فالمقولة التاريخية التي قالها الشهيد المناضل القومي جميل جمال، وهو في ساحة الإعدام «حبلناها وستلد» لم تذهب هباء وبالفعل فإن ثورة 8491م قد ولدت العديد من الثورات والانتفاضات المتلاحقة والمتواصلة حتى قيام ثورة 62 سبتمبر 2691م ومن تلك الثورات وأعمال المقاومة مايلي: ثورة 5591م والتي خطط لها بعض الأحرار وقادها الشهيد الثلايا. التمرد العسكري لقبائل رواح عام 7591م والتي أعلنت عند تمردها إلغاء الحكم الهاشمي السلالي. تمرد الجيش والقبائل في كل من صنعاء وحجة وتعز والبيضاء أثناء غياب الإمام أحمد في روما للعلاج عام 9591م. ثورة قبائل حاشد عام 9591م. ثورة حرس الإمام الخاص «العفكة» عام 9591م في مدينة تعز. ثورة النقيب عبداللطيف راجح في يناير 0691م. وإن فشلت تلك الثورات والانتفاضات فقد كان لها تأثيرها في زعزعة النظام الإمامي أما محاولات الاغتيالات الفاشلة للإمام أحمد، والتي كان لها دور كبير في الرعب في أوسط أفراد أسرة الإمام ورموزه حكمة فنورد منها مايلي: محاولة اغتيال الإمام أحمد في الحديدة في منطقة السخنة، وذلك عندما وضعت كمية من أصابع الدينمت وقنابل زمنية في القصر الذي يقيم فيه الإمام عام 8591م. محاولة اغتيال فاشلة حدثت للإمام أحمد بعد عودته من روما عام 9591م. محاولة اغتيال للإمام قام بها بعض زعماء القبائل بالاشتراك مع أحد ضباط الحرس الخاص للإمام وقد أصيب الإمام فيها بجروح. أما أهم محاولة لاغتيال الإمام أحمد فهي المحاولة التي قام بها الشهداء اللقية والعلفي والهندوانة عام 1691م والتي جرت في مستشفى الحديدة حيث أطلق الأبطال الثلاثة نيران مسدساتهم على الإمام أدت إلى تمزيق أجزاء عديدة من جسمه وظل طريح الفراش إلى ماقبل قيام ثورة 62 سبتمبر بأسبوع تقريباً. النضال الايديولوجي لتنظيمات حركة الأحرار: تميزت الأيديولوجية السياسية لتنظيمات حركة الأحرار اليمنيين بالأفكار الانتقالية فهي تجمع بين التعاليم الدينية الإسلامية، وحضارة القرن العشرين وكان ذلك الشكل من النضال الايديولوجي قد أتبعه الرعيل الأول من حركة الأحرار خلال ثلاثينيات القرن العشرين، وخاصة كتاب مجلة الحكمة الذين كانوا يهدفون بذلك النشاط الفكري إلى رسم الواقع السياسي والاجتماعي لنظام الحكم البديل للنظام الإمامي المتوكلي القائم، غير أن تلك الأفكار لم تظل ثابتة بل كانت تتغير وتتبدل بتبدل مراحل وظروف النضال فقد كان أولئك الكتاب يستندون إلى أفكار عبدالرحمن الكواكبي وغيره من علماء الدين المتحضرين والمجتهدين كما استندوا أيضاً على الفكر المعتزلي القائم على تحكيم العقل والمنطق، ودعوا في الوقت نفسه على الأخذ بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله «صلى الله عليه وسلم» كما أكدت أفكارهم على الاقتداء بحضارة اليمن، وبحضارة الأمة العربية والإسلامية، ونظراً لعدم استيعاب الشعب لتلك الأفكار المتنورة وقيام الإمام يحيى بتحريف تلك الأفكار بإقناع الشعب بأن حملة تلك الأفكار ماهم إلا كفرة وملحدون وأن عملهم ذلك يهدف إلى اختصار القرآن، كل ذلك قد جعل الرعيل الثاني من الأحرار الشباب يعيدون النظر في تلك الأفكار التي اعتبروها سابقة لأوانها فاتبعوا أفكاراً دينية يفهمها الشعب، ومن أجل مواجهة السلاح الروحي للإمام بنفس السلاح. غير أن الأفكار المتنورة للأحرار لم تخنق طويلاً فقد عادت ومن جديد خاصة أثناء قيام الأحرار بدور حسم الصراع مع السلطة الإمامية وبالتحديد قبل ثورة 8491م وذلك حين وضع الأحرار ايديولوجيتهم في استراتيجيتهم السياسية التي تجسدت في وثيقتهم الهامة والتي أطلقوا عليها الميثاق الوطني المقدس وإن كانت الوثيقة تحمل أيضاً أفكاراً سياسية انتقالية، كالجمع بين نظام الإمامة القائم على سياسة المبايعة في الحكم وبين النظام المؤسسي البيرالي القائم على المؤسسات الدستورية كالجمعية التأسيسية ومجلس النواب ومجلس الوزراء والمجالس البلدية الخ، مع تحديد الصلاحيات لتلك المؤسسات من خلال الدستور الذي تشتمله تلك الوثيقة فإن أسلوب المبايعة والذي لايستند على أي من المؤسسات المذكورة آنفاً قد جعل للإمام صلاحية أكبر. إن تلك الصفة الانتقالية لفكر الأحرار السياسي «الأيديولوجيا» انما تعكس مصالح واهتمامات وميول تلك الشرائح الاجتماعية المختلفة التي انضوت تحت راية حركة الأحرار. ثالثاً: دور الأحزاب والتنظيمات السياسية في تفجير ثورة 62 سبتمبر الوضع السياسي «الداخلي والخارجي» قبل انفجار الثورة: لقد أشرنا في الفصل السابق كيف أن الخلاف الذي زرعه الأحرار بين سيوف الإسلام «ؤخاصة بين سيف الإسلام محمد البدر تحت ذريعة حمايته من مؤامرات عمه الحسن الطامح إلى ولاية العهد التي صار يشغلها البدر فعلياً . ولم يكن ذلك الصراع على السلطة هو الوحيد، فقد دخلت ذلك الصراع كتلة سياسية ثالثة من الأسر الهاشمية البارزة والطامحة إلى الحكم ومن أبرز رموزها: حسن بن إبراهيم عبدالرحمن، عبدالصمد أبو طالب، عبدالله عبدالكريم، يحيى عبدالقادر، وقد تأسست هذه الكتلة بدعم الولايات المتحدة، وبريطانيا، وذلك بسبب مخاوف هاتين الدولتين أثر الاتفاقيات التي عقدتها حكومة الإمام مع بعض البلدان الاشتراكية، وخاصة الاتحاد السوفيتي آنذاك، والتي حصلت بموجبها حكومة الإمام على صفقات من الأسلحة المتطورة ومنها الطائرات هذا إلى جانب إرسال بعثة عسكرية سوفيتية لتدريب الجيش اليمني وقد أدى نشاط تلك البعثة إلى جانب نشاط الكلية العسكرية اليمنية إلى اتساع القوات المسلحة ونشوء فرق عسكرية جديدة، وكانت العناصر الوطنية العسكرية وخاصة في تنظيم الضباط الأحرار قد لعبت دوراً أساسياً في إقناع محمد البدر في إبرام تلك الاتفاقيات وتطوير جاهزية ومستوى القوات المسلحة مستفيدة من اتساع رقعة ذلك الصراع الأسري على السلطة السياسية، حيث ساعدها ذلك الصراع على السيطرة على أهم قيادات الأسلحة الحديثة. هذا فيما يتعلق بالوضع السياسي الداخلي، أما فيما يتعلق بالوضع السياسي الخارجي، وخاصة الوضع السياسي العربي فإنه يختلف كثيراً عما كان عليه أثناء قيام ثورة 8491م مماساعد على تطوره نحو الأفضل هو قيام ثورة 32 يوليو في مصر، والتي احتضنت الأحرار اليمنيين، كالزبيري، ورفاقه، هذا إلى جانب تأثير الثورة المصرية وقائدها عبدالناصر على تطور الوعي السياسي في اليمن والوطن العربي بأسره. وفي الوقت الذي كانت فيه الثورة المصرية تحتضن بعض الأحرار لكنها لم تكن لتعقد الأمل عليهم آنذاك للقيام بأي عمل ثوري وذلك لسببين اثنين هما: إن الأحزاب الوطنية الأخرى من غير الأحرار اليمنيين» كالبعثيين والحركيين والشيوعيين لم تكن حينها بقادرة على القيام بأي عمل ثوري وذلك لأنها كانت في طور تأسيس براعمها الأولى كما أشرنا سابقاً. كانت مصر في تلك الفترة وبالتحديد عام 8591م قد أسست مع المملكة المتوكلة اليمنية والمملكة العربية السعودية اتحاداً ثلاثياً هدفت مصر من وراء تأسيسه إلى استقطاب بعض الدول العربية، وذلك لتحاشي انزلاقها في حلف بغداد الاستعماري ولذلك فقد ظلت مصر تحافظ على مشاركة اليمن في ذلك الاتحاد الذي ظل قائماً حتى مع قيام الوحدة المصرية السورية،رغم وضع اليمن الهش في ذلك الاتحاد. وعلى الرغم من احتضان عبدالناصر لدولة اليمن في ذلك الاتحاد الهش فإنه لم يفرط بقادة الاتحاد اليمني في القاهرة، بل منحهم ترخيصاً لمزاولة عملهم السياسي في القاهرة، بل ودافع عنهم لدى الإمام أحمد الذي زار القاهرة ، واطلع الرئيس عبدالناصر على النشاط الإعلامي المعادي الذي يقوم به الأحرار ضد نظامه ودولته، وخاصة بعد إصدارهم لكتيب بعنوان «الصهيونية تغزو اليمن» والذي يتضمن فضح أهداف الشركة الصهيونية الأمريكية التي تعاقد معها شقيقه الإمام عبدالله بن يحيى وذلك للتنقيب على النفط في اليمن. أما فيما يتعلق باتحاد اليمن مع مصر فعلى الرغم من أن النظام الملكي في اليمن هو المستفيد منه لتزيين صورته القائمة المتخلفة لكن الإمام أحمد قد كشف عن نواياه السيئة من دخول ذلك الاتحاد وذلك حين عبر عن فرحته من انفصال سوريا ومصر عام 1691م وقد تجلى ذلك التعبير في قصيدته الشعرية والتي هاجم فيها أيضاً الإجراءات الاشتراكية التي قام بها عبدالناصر في مصر. ونظراً لأهمية تلك القصيدة من حيث تفجيرها للصراع بين حكومة الإمام وقيادة الثورة المصرية وتأثير ذلك الصراع على موقف مصر المؤيد وبدون حدود للحركة الوطنية اليمنية فإننا نورد بعضاً من أبيات تلك القصيدة والتي ينطبق على قائلها المثل العربي القائل «وجنت على نفسها براقش» ومن تلك الأبيات: هيا بنا لوحدة مبنية على أصول بيننا مرضية قانونها شريعة الإسلام قدسية الأوصاف والأحكام ليس لها شائبة من البدع تجيز ما الإسلام عنه قد منع من آخذ ما للناس من أموال وماتكسبوا من الحلال بحجة التأميم والمعادلة بين ذوي المال ومن لا مال له لأن هذا ماله دليل في الدين أو تجيزه العقول فأخذ مال الناس بالإرغام جريمة في شرعة الإسلام وقد أدى ذلك الموقف الإمامي من الوحدة والاشتراكية «عبر القصيدة الشعرية» إلى قيام مصر بحل ذلك الاتحاد الشكلي ومن طرف واحد، وشكل ذلك الحل ضربة قوية للنظام الإمامي ودعوة غير مباشرة للحركة الوطنية في اليمن للتحرك خاصة بعد أن فشلت كل الجهود الخارجية لإصلاح أوضاع اليمن سلمياً. ولذلك فقد سخرت أجهزة الإعلام المصرية وخاصة إذاعة صوت العرب لخدمة الحركة الوطنية اليمنية في تنديدها بالحكم الإمامي ودعوتها للشعب للقيام بالثورة والجمهورية وكانت السلطة الإمامية «نتيجة للصراعات الداخلية الناجمة عن تنافس الأسر الطامحة إلى السلطة» غير قادرة على حسم تلك التناقضات لصالحها وذلك لأنها كانت تغذى من قبل قوى دولية وعربية ووطنية، وكلها تستهدف العرش الإمامي بعد موت الإمام أحمد، والذي أصبح طريح الفراش بعد العملية الفدائية الجريئة التي مزقت جسمه في مستشفى الحديدة كما أشرنا. وقد شكلت تلك الأجواء السياسية «المشحونة بالصراعات المختلفة والمتنوعة المصادر» الأزمة السياسية للنظام القائم، كما شكلت أيضاً المقدمات الأساسية لقيام الثورة. وبما أن ثورة 62 سبتمبر لم تكن انقلاباً عسكرياً لطغمة عسكرية طامحة إلى السلطة، بل ثورة وطنية مسيسة شاركت فيها كل الأحزاب الوطنية، فإن من الأهمية عرض وضع الأحزاب الوطنية التي شاركت في الثورة. وضع الأحزاب والتنظيمات السياسية عشية قيام الثورة: حركة الأحرار اليمنيين: لم تكن حركة الأحرار قبل قيام ثورة 62 سبتمبر بذلك المستوى من القوة التي تجعلها تتصدر حركة النضال الوطني، كما كانت عليه عند منتصف أربعينيات القرن العشرين كما عرفنا، فقد أخذت الحركة تتخلف في نضالها وذلك بسبب تفوق التيارات الفكرية الجديدة التي اندلعت في الوطن العربي، وفي اليمن كما أن الحركة قد عانت الكثير من الانشقاقات التي حدثت في صفوفها، وتخلف بعض عناصرها الذين لازالوا تائهين في تكتيك الحركة السابقة القائم على مجرد استبدال إمام بآخر، هذا إلى جانب الفهم الطائفي للوحدة الوطنية، الذي ساد في أساليب قيادة الحركة، علماً أن التجمعات السياسية الجديدة قد أخذت تشق طريقها وتجسد الوحدة الوطنية من خلال اتساع نشاطها الذي شمل الساحة اليمنية بأسرها. غير أن ذلك الوضع قد ساد في صفوف قيادات الخارج، أما أحرار الداخل، قد كانوا في وضع أكثر تماسكاً وتلاحماً حيث عملوا على إعادة تنظيم أنفسهم من خلال منظمتين: أحدهما شعبية وتختص بالقطاع المدني، وأخرى عسكرية وتختص بالقطاع العسكري، وكأن الأحرار عبر تلك التشكيلات يجرون اتصالات بتنظيم الضباط الأحرار وسنوضح لاحقاً كيف أن أحرار الداخل قد تمكنوا من انقاذ تاريخ حركة الأحرار الطويل وذلك بجعلها تواكب حركة الثورة والوصول إلى مستوى المبادرة الثورية، وذلك بحكم إخلاص وخبرة بعض كوادرها في النضال الوطني. حركة البعث في اليمن: بالنسبة لحركة البعث في اليمن وحسب شهادة قادة تنظيم الضباط الأحرار بأنها قد شهدت في سنوات ماقبل الثورة نمواً واتساعاً ساعدها في ذلك التاريخ المجيد لحزب البعث الأم وخاصة دوره الكبير في قيام الوحدة المصرية السورية عام 8591م حيث مكنت تلك الشهرة الطيبة تنظيماته في شمال اليمن، من استقطاب أعداد كبيرة من طلاب المرحلة الثانوية الذين التحقوا فيما بعد بالكلية العسكرية وأثروا على الطلاب الدارسين في الكلية والذين أصبحوا فيما بعد ضباطاً في الجيش اليمني، إن الشهادة حول انتعاش حركة البعث في اليمن لم يدل بها الضباط الأحرار فقط بل أدلى بها قادة الأحزاب الأخرى مثل: علي السلامي الذي كان في يسار الرابطة ثم انسحب منها، والتحق بحركة القوميين العرب لكنه أشاد بشعبية البعث في نهاية الخمسينيات وقال: «إن يسار الرابطة كان شديد الإعجاب بمواقف البعث لدرجة قيامه بتوزيع برنامج البعث على أعضاء الرابطة، بل وأكثر من ذلك فإن مؤتمر عدن للنقابات قد أعاد طبع برنامج البعث بمطابعه ووزعها على النقابيين وكانت صحف المؤتمر تخصص مواضيع خاصة عن الدور القومي لحزب البعث، الأمر الذي وفر المناخ للبعثيين للتغلغل في أوساط الحركة النقابية. حركة القوميين العرب: على الرغم من قصر الفترة الزمنية من تأسيس فرع الحركة في اليمن وبين بقيام ثورة 62 سبتمبر غير أن العمل الموحد بين تشكيلات الحركة في شطري اليمن قد عزز من نشاط الحركة في الشمال خاصة بعد أن حولت بعض كوادرها من الجنوب إلى الشمال أمثال: عبدالقادر سعيد، وسعيد الجناحي، والذين طورا ذلك النشاط على المستويات كافة ومماساعد على تطور ذلك النشاط هو طموح الحركيين المستمر، والتحام الحركة الأم وفروعها بالناصرية، في وقت كانت فيه العلاقة بين عبدالناصر والبعثيين والشيوعيين قد أخذت في الانكماش ،الأمر الذي جعل الحركة في شمال اليمن تنشط تحت المظلة الناصرية بحيث تمكنت قبل قيام الثورة من استقطاب بعض الضباط العسكريين وشكلت البدايات الأولى للحركة العمالية، كما استقطبت الكثير من طلاب الثانوية، وبعض المثقفين، وكان الاستقطاب بطيئاً ولكنه نوعياً وذلك بحكم الشروط الدقيقة والصارمة للنظام الداخلي للحركة. الحركة الناصرية: لم يكن المقصود بالحركة الناصرية هنا التأثير السياسي والوطني للرئيس عبدالناصر على الجماهير اليمنية، «وهو تأثير كبير» فالمقصود بها هنا هو القوى السياسية المنظمة التي ترتبط بالثورة المصرية وقائدها عبدالناصر قبيل انفجار الثورة، وقد أشرنا عند حديثنا عن الثورات الناصرية إلى الكتلة المكونة من بعض التجار الذين كان البيضاني على صلة بهم، وكيف أن البيضاني كان يستفيد من علاقة المصاهرة بينه وبين أنور السادات ولذلك فقد شخص د.عبدالعزيز المقالح شخصية الدكتور البيضاني بقوله: إنه ساداتي وليس ناصري حيث استغل علاقته بالسادات ليتخطى الآخرين عن طريق أقصر الطرق غير المشروعة، وأن مهاجمته للهاشمية قبل قيام الثورة قد ترتب عليها مواقف خطيرة بعد الثورة، وخاصة إثارته للطائفية والعنصرية، وللعلم فإن الكتلة التي كان يؤثر عليها البيضاني لم تكن حزباً بل أفراد شبه منظمين ومنهم عبدالرحمن الطيار، محمد قائد سيف، عبدالغني مطهر وغيرهم. الشيوعيون: كان الشيوعيون قبل قيام ثورة 62 سبتمبر في وضع تفكك وتشقق ومحاربين من قبل الرجعيين والوطنيين على السواء كما أشرنا، وقد ازدادوا ضعفاً قبل ثورة سبتمبر نتيجة الهجوم الإعلامي المصري ضد الشيوعيين في العراق بسبب تحالفهم مع عبدالكريم قاسم، وقيام الأجهزة المصرية بطرد الطلاب اليمنيين الشيوعيين من مصر، وعودة هؤلاء الطلاب إلى اليمن دون أن يجدوا حزباً يحتضنهم، بل وجدوا تجمعاً سرياً مشلول الحركة ومحدود العلاقة وكان ذلك التجمع هو الآخر يعاني من ذلك التأزم. تنظيم الضباط الأحرار: لقد أشرنا إلى الطابع السري لنشاط تنظيم الضباط الأحرار، وكيف أنه كان على الصعيد العسكري يسعى للسيطرة على أهم الأسلحة أما على الصعيد السياسي فقد كان يعمل على استمرار تعميق الخلاف بين ولي العهد محمد البدر ومنافسيه من الأسر الطامحة. توزيع الأدوار السياسية والعسكرية بين الأحزاب الوطنية بهدف تفجير الثورة: لم تكن التعددية السياسية التي انتصرت بها قضية الوحدة في 22مايو 0991م قضية جديدة للأحزاب والتنظيمات الوطنية، فهي حصيلة نضال طويل تعددت أشكاله خلال مراحل مختلفة للثورة اليمنية فثورة 62سبتمبر قد قامت أساساً بفضل ذلك النظام المتعدد الأحزاب الوطنية الذي فرضته المصلحة الوطنية في السنوات الأخيرة من حكم أئمة بيت حميد الدين، فالتنسيق المشترك بين الأحزاب الخالي من أي طموح شخصي أو منافع ذاتية، قد كان سر انتصار ثورة 62 سبتمبر فكيف إذاً تم تنسيق المواقف المشتركة بين الأحزاب؟ وماهي تلك الأحزاب التي وزعت الأدوار فيما بينها؟ تفيد المعلومات والمصادر المتوافرة لدينا بالأدوار المشتركة التالية بين الأحزاب قبيل انفجار الثورة وهي: تنظيم الضباط الأحرار: تولت قيادة تنظيم الضباط الأحرار وعبر أحد قادتها الشهيد علي عبدالمغني الاتصال بقيادة الثورة المصرية وخاصة جمال عبدالناصر وكان الاتصال عبر القائم بأعمال السفارة المصرية محمد عبدالواحد وبهدف إبلاغ قيادة الثورة في مصر في تقديم مايمكن تقديمه من دعم فيما لو قامت ثورة في اليمن وكان ذلك الاتصال الذي قام به تنظيم الضباط الأحرار قد تم بعد دراسة مستفيضة للموقف، لأن أية ثورة تقوم ضد الحكم الإمامي في اليمن ستواجه حتماً أخطاراً خارجية من قبل الاستعمار والرجعية، وكان تنظيم الضباط الأحرار يدرك بأنه لم توجد آنذاك أي قوى عربية مؤهلة لمساندة ثورة اليمن سوى قوة مصر التي أثبتت وجودها في الكثير من البلدان العربية كالجزائر والعراق وسوريا ولبنان، بل وامتد عونها لحركة التحرر الوطني في افريقيا والعالم وقد جاء الرد من قبل قيادة الثورة المصرية بالموافقة على تقديم الدعم في حينه حسب ظروف وإمكانيات مصر. وبعد أن ضمن تنظيم الضباط الأحرار ذلك الدعم الخارجي قرر أن يبدأ تنفيذ الخطة العسكرية في شهر ديسمبر من عام 2691م وفي منطقة العرضي في «مدينة تعز» حيث يجري هناك سنوياً احتفال بعيد جلوس الإمام على كرسي العرش ويحضر الإمام عادة لمشاهدة العرض العسكري للجيش بمختلف أسلحته. حركة الأحرار اليمنيين: على الرغم من الانقسام الذي ساد في صفوف حركة الأحرار اليمنيين، ألا أن ذلك الانقسام لايلغي تاريخ الحركة الطويل ولاينفي دور كوادرها المخلصة، وخاصة أحرار الداخل الذين سبق وأن أشرنا إلى إعادتهم لتنظيم أنفسهم في تنظيمات عسكرية ومدنية، علماً أن حركة الأحرار كانت تمتلك قادة عسكريين مخلصين ومن ذوي الرتب الكبيرة ومنهم المشير عبدالله السلال والمقدم عبدالله جزيلان والعقيد حسن العمري والعقيد عبدالله الضبي ،ولذلك فلم تكن حركة الأحرار ذات التجربة الطويلة بالنضال غافلة عما كان يجرى في الساحة الوطنية وخاصة النشاط الذي كان يقوم به تنظيم الضباط الأحرار وفي الوقت نفسه فإن تنظيم الضباط الأحرار كان هو الآخر يتابع نشاط الأحزاب الوطنية بمافيها حركة الأحرار اليمنيين، والتي كانت هي الأخرى تعد نفسها للقيام بالثورة، وذلك بهدف تجميع الطاقات العسكرية والوطنية، ولهذا اتفق تنظيم الضباط الأحرار مع حركة الأحرار بفتح الحوار بين التنظيمين وتشكيل لجنتين للقيام بذلك الحوار، وكان من جانب تنظيم الضباط الأحرار العناصر القيادية التالية: الشهيد الملازم علي عبدالمغني، الملازم أحمد الرحومي، الملازم صالح الأشول، الملازم الشهيد محمد مطهر زيد، والملازم ناجي الأشول، أما من جانب حركة الأحرار فقد شارك في الحوار كل من: القاضي عبدالسلام صبره، والعقيد حسن العمري، المقدم عبدالله جزيلان. وقد اجتمع ممثلو الحزبين ثلاثة اجتماعات خلال ثلاثة أسابيع نوقشت في تلك الاجتماعات وضع خطة عسكرية مشتركة والاستعداد لتنفيذها بمافي ذلك توفير المستلزمات العسكرية والمالية. ولم تقف إسهامات حركة الأحرار عند ذلك الحد فإن تنظيماتها في الخارج على الرغم من مشاكلها وانقساماتها فقد أسهمت هي الأخرى، وخاصة الاتحاد اليمني في عدن الذي أسهم في التهيئة الإعلامية للثورة من خلال المنشورات التي كانت تكتب في عدن وترسل إلى الداخل وكانت المنشورات تناشد القبائل أن يتحدوا في وجه النظام الإمامي والتمرد عليه كما استخدم أحرار الخارج المتواجدين في مصر إذاعة صوت العرب والتي أسهمت برامجها في رفع الوعي السياسي للجماهير وخلقت الطمأنينة في وسطهم بقرب الخلاص من النظام الإمامي. فرع حركة البعث في اليمن: على الرغم من أن حركة البعث في اليمن كانت تعاني الكثير من الصعوبات نتيجة الصراع الذي نشأ بين عبدالناصر والقيادة القومية لحزب البعث، ذلك الصراع الذي أثر كثيراً على نشاطها غير أنها كانت تعمل بصمت وسرية وظلت كوادرها المخلصة صامدة، وتزاول نشاطها بكل شجاعة ممامكنها من المساهمة في تفجير ثورة 62 سبتمبر عبر عناصرها في المؤسسات العسكرية والمدنية حيث كان البعثيون على اتصال دائم بأعضائهم في قيادة تنظيم الضباط الأحرار ومنهم عبداللطيف ضيف الله رئيس تنظيم الضباط الأحرار والشهيد علي عبدالمغني ومثنى الخضري وآخرون، كما أن أول شهيد سقط أمام قصر البشائر وهو الشهيد الملازم أحمد الشراعي كان أساساً من حركة البعث كما أسهم البعثيون في أخطر جبهتين وهما: الجبهة الإعلامية وخاصة إذاعة صنعاء حيث لعبت عناصر البعث دوراً كبيراً في تهيئة الشعب للثورة ومن تلك العناصر د.عبدالعزيز المقالح، وعبدالله حمران، أما الجبهة الثانية فهي جبهة الاتصالات حيث أسهمت كوادر البعث في قطع خطوط الاتصال على الإمام محمد البدر ورجال دولته، كما أسهم البعثيون أيضاً وعبر عناصرهم الطلابية في الإضرابات والمسيرات الطلابية لطلاب المدارس الثانوية حيث حولوا الاعتصامات الطلابية ذات الأهداف المطلبية إلى مسيرات سياسية كان لها دورها في التهيئة الجماهيرية لقيام الثورة. فرع حركة القوميين العرب في اليمن لم يكن فرع حركة القوميين العرب في اليمن على خلاف مع الناصرية قبل قيام الثورة كما جاء في كتاب أسرار ووثائق الثورة اليمنية لمجموعة من الضباط الأحرار،.فالخلاف الذي نشأ بين فرع الحركة في اليمن والأجهزة الناصرية قد ظهر في يناير6691م وبعد الدمج القسري الذي قام به المصريون بين منظمة تحرير جنوب اليمن المحتل والجبهة القومية، علماً أن عناصر من القيادة المركزية قد حضرت إلى اليمن في ذلك التاريخ ووقفت مع عبدالناصر في ذلك الدمج ، أما ما قبل ذلك التاريخ فقد كانت علاقة الحركة وفروعها ومنهم فرع اليمن، علاقة نضال وتلاحم مع عبدالناصر،الأمر الذي مكن فرع الحركة في اليمن من الاستفادة من شعبية عبدالناصر، بحيث تمكن الفرع من ممارسة نشاطه في الوسط الشعبي، مستفيداً من تلك الشعبية، ولذلك كانت الحركة من القوى السياسية القريبة من المخططات السرية لتنظيم الضباط الأحرار، الأمر الذي جعل كوادرها القيادية أمثال سعيد الجناحي والذي أشرنا إليه سابقاً يتولى مسؤولية نقل الذخائر والمواد العسكرية المرسلة من قيادة تنظيم الضباط الأحرار في صنعاء إلى قيادة تنظيم الضباط الأحرار في تعز وذلك من خلال عمله في الخطوط الجوية اليمنية. كما أسهمت الحركة في الجانب العسكري من خلال تنفيذها للتكليف الصادر إليها من قبل قيادة تنظيم الضباط الأحرار والقاضي بإعداد ثلاثمائة فدائي من أعضاء وأنصار كل حزب. وكانت مهمتهم عند تفجير الثورة المشاركة باعتقال رموز السلطة الإمامية، ولم تقتصر إسهامات الحركة على الجانب العسكري، بل أسهمت أيضاً في التهيئة الجماهيرية والإعلامية للثورة ففي التهيئة الجماهيرية شاركت الحركة مشاركة فعالة في الاضرابات والاعتصامات الطلابية، والتي تحولت إلى مسيرات تندد بالسلطة الإمامية، وقد أدت تلك الاضرابات إلى قيام السلطة الإمامية باعتقال عناصر طلابية قيادية في الحركة منها: علي داغم وناجي يحيى كما اعتقلت أيضاً عناصر مدنية من الحركة مثل محمد الهلامي وعبده أحمد كما ظلت تطارد عوض الحامد وتبحث عنه في عدة أماكن ،هذا في الجانب الجماهيري ،أما في الجانب الإعلامي فقد أسهمت الحركة من خلال صحيفتها السرية «الثورة» والتي كان يحررها كل من سعيد الجناحي وعلوي السقاف في نشر مواضيع اقتصادية وسياسية تعري فيها الأوضاع المتردية في المملكة المتوكلية اليمنية، كما كانت إسهامات الحركة في الجانب الإعلامي أيضاً من خلال إعداد المنشورات التي تندد بالنظام الإمامي وتدعو إلى الثورة وكانت توزع بصورة منظمة وعبر ثلاث مجموعات من أعضاء الحركة ، تتولى المجموعة الأولى التوزيع وفى أماكن حساسة، أماالمجموعة الثانية فتقوم بحراسة المجموعة الأولى وبتأمين توزيعها للمنشورات، وكانت المجموعة الثالثة من العناصر غير المكشوفة وتقوم بمعرفة الصدى الذي تحدثه تلك المنشورات. لقد كانت ثقة تنظيم الضباط الأحرار بالحركة كبيرة، حيث لم تشمل الثقة ذلك التنسيق في المجالات العسكرية وغيرها. بل وشملت أيضاً المشاورات حول الرأس القيادي للثورة حيث أنزل اسم المشير السلال كرئيس لمجلس قيادة الثورة إلى الأطر العليا للحركة لأخذ رأيهم فيه وذلك قبل أسبوع من الثورة، ولذلك فليس صحيحاً ما أنزل من إشاعات بعد قيام الثورة بأن المشير السلال قد قفز إلى قيادة الثورة عشية قيامها. يتبع