هناك وجوه في حياة الإنسان لا يمحوها الزمن ، تبقى حاضرة في القلب والذاكرة. ومن بين هذه الوجوه يظل الدكتور عبدالعظيم محمد العَمري حاضرا في الوجدان بما تركه من أثر عميق في النفوس، وسيرة عطرة جمعت بين الطبيب الإنسان والمربي القائد الزاهد. في الأول من أبريل 2013م، حين بلغني نبأ وفاة الدكتور عبدالعظيم العَمري في اتصال هاتفي من الأخ محمد عبده الصرمي، مدير مكتبه ، شعرت بصدمة وحزن شديدين لا يزالان يلازمانني إلى اليوم - وكأن جزءاُ من الروح غاب فجأة- لم يكن بالنسبة لي مجرد طبيب بارع أو قيادي إصلاحي معروف بل كان أباً وأخاُ وقائدا، ورجلاً تتعلم من سيرته أكثر مما تتعلم من كتبه. وُلد العَمري في 9 نوفمبر 1958م بمدينة تعز ، وابتُعث إلى القاهرة حيث نال شهادة بكالوريوس الطب من جامعة عين شمس عام 1986م، ثم عاد محمّلا بالعلم والعزيمة عازماُ على أن يجعل من مهنته وسيلة لخدمة الناس. كان أحد أبرز أركان العمل الإسلامي خاصة في أمانة العاصمة. شارك في الأعمال الخيرية والتعليمية والدعوية، واهتم بالشباب وتعليم القرآن، وسعى لحل مشاكل الناس ومساندتهم في حياتهم اليومية وكان قدوة في السلوك والكرم والتضحية، يقدّم دون انتظار مردود شخصي. كان مدرسة في ذاته ، يجمع بين بساطة القلب التي تأسر ، والمثابرة التي تلهم والرحمة التي تذكّر بمعنى الإنسانية ،قريباُ من الناس يشاركهم أفراحهم وأحزانهم ،لا يتأخر عن نصرة المظلوم أو مساندة محتاج ، زاهداً في الدنيا وكريم النفس ، محافظاُ على هدوئه حتى في أصعب الظروف ، مستمعاُ للآخرين كما لو كانوا يحدثونه لأول مرة. وكان أحد المؤسسين الأوائل للتجمع اليمني للإصلاح ورئيس مكتبه التنفيذي في أمانة العاصمة بين 1993 و2006م، ثم رأس هيئة الشورى المحلية حتى وفاته ، وعضواُ في مجلس الشورى العام منذ لحظة التأسيس. لم يكن العمري مجرد قيادي حزبي، بل كان ملهماُ في السياسة والتربية والفكر، صادقاُ في مسؤولياته وواجباته الأخلاقية و صاحب رأي سديد. بدأت معرفتي بالدكتور عبدالعظيم العمري عام 1995م، حين كنت طالبا في كلية الإعلام وكان مقر المكتب التنفيذي للتجمع اليمني للإصلاح بجوار الكلية ، الأمر الذي أتاح لي التردد عليه مراراُ. ومنذ ذلك الحين شدتني شخصيته المتفرّدة ،فقد كان مهابا بوقاره ، وفي الوقت ذاته قريباً من الجميع بتواضعه وسعة صدره، فجمع بين الاحترام والمودة في آن واحد. وفي مطلع الألفية حين تولّيتُ رئاسة تحرير صحيفة العاصمة ،كانت لقاءاتنا بعد صلاة الفجر في بيته محطة لا تُنسى في حياتي. كنت أجلس إليه في تلك اللحظات الهادئة ، فأجد نفسي أمام رجلٍ يفيض قلبه حكمة وطمأنينة ،و تنساب كلماته رقيقة كنسيم الصباح ،تُضيء الطريق وتُلهم في العمل والحياة ، وما زالت أصداء ذلك الحديث الهادئ الممزوج بابتسامته الصافية وروحه المطمئنة، تهمس في أذني وكأنها لم تبتعد يوماُ. وعند ترؤسه لمجلس شورى الإصلاح في أمانة العاصمة كان يديره بعقل القائد الحكيم وهدوء المربي، يمنح الجميع مساحة للنقاش ويستمع لكل الآراء بإنصات ، يوازن بين الحزم واللين ويجعل من المجلس ساحة للحوار البنّاء، حيث يشعر كل عضو أنه شريك حقيقي في صناعة القرار لا مجرد عضو عابر. وفي مجال الطب، برز الدكتور عبدالعظيم العمري بين الأطباء المتميزين، فترك بصماته في المستشفى الجمهوري بصنعاء نائباُ لمديره العام (1993–1996م)، ثم مستشارا في المجلس الأعلى للتخصصات الطبية (1996–1999م). وظل في كل موقع يحمل القيم ذاتها مخلصاُ قريباً من الناس، لا تغيّره المناصب ولا تغريه المواقع . عاش بقلب مفتوح للجميع، وكأنه ابن لكل المدن، حاضراً بإنسانيته قبل أي شيء آخر. رحل عن دنيانا بعد 55 عاما وشيع في مشهد مهيب ، حيث توافدت الحشود من أماكن بعيدة وعيونهم تفيض بالدموع ، كانت الجموع أصدق شهادة على مكانته في قلوب الناس ، وعلى الحزن العميق الذي تركه رحيله. لقد كان بحق مصداقاً لقول النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: إذا أحب الله عبدا أحبه الناس. وحين أستعيد ذكراه، يفيض قلبي ألماً وحزناً ، أستحضر هدوءه وابتسامته وكلماته الصادقة التي كانت تبعث الطمأنينة والراحة. لم يترك فراغا فحسب، بل خلّف إرثاً من الوفاء والعطاء، ومن الصدق والعمل ، إرثا حاضرا في ذاكرة الجميع ، ومصدر إلهام وعبرة لكل من عرفه. نسأل الله له الرحمة والمغفرة وأن يسكنه فسيح جناته. #الذكرى35_لتاسيس_الاصلاح