عام 1996 م كان أول عام جامعي لي استقر فيه بصنعاء وهو العام الذي تعرفت فيه على الدكتور عبدالعظيم العمري رحمة الله عليه ولأول مرة اسمع به كجديد على صنعاء وأهلها. أتذكر ذلك اليوم جيدا وملامح المتحدث فيه لا تفارق مخيلتي بابتسامته الودودة وبساطته الدائمة وبحر المعلومات الذي يغرف منه وهو يتحدث عن الأحداث والصراعات السياسية التي شهدتها اليمن خلال العقود التي مضت. كنا مجموعة من شباب الإصلاح وطلابه في جامعة صنعاء, وكنت أنا واحدا من الذين لا يعلمون الموقع القيادي لهذا الرجل ولا أشعر إلا انه يملأ الموقع الذي يشغره بشيء غير علمه وحكمته وبساطته وقدراته القيادية, فيما هو بعيد عن الأضواء الإعلامية ولا يحرص عليها أبدا. في أوج أحداث ثورة فبراير 2011, التقينا بالدكتور عبد العظيم وهو يعاني من المرض منذ أشهر عديدة ولم يعد رئيسا لإصلاح أمانة العاصمة ويشغل منصب رئيس هيئة الشورى المحلية, لكنه كان يتحدث بنفس الحكمة والطريقة والقوة التي وجدته عليها في عام 1996م. كان الرجل يتحدث بلهجته العادية الأقرب للفصحى والبارز فيها لهجة صنعاء وما حولها, ولم ألحظ عليه تكلفا في محاضراته أو استدعاء المفردات والمصطلحات لزوم الإدعاء بالعلم والمعرفة والثقافة. كلما تسمعه تشعر أن ما يقوله كلمات تخرج من القلب بكل بساطة وتجد طريقها إلى قلبك بكل تأكيد, ولا تفارقه ابتسامته الودودة كما لن تفارق مخيلتي وكل من عرفه. كان طبيبا للأجساد رحمة الله عليه وطبيبا للقلوب والنفوس, ويشخص العلل والأمراض في الجسم والوطن والمجتمع, ويحاول قدر استطاعته تحديد الدواء والعلاج. لم اقترب من الدكتور العمري في علاقة شخصية وإنما معرفة عادية كإصلاحي في أمانة العاصمة, وكان اقترابي منه خلال فترة عملي رفقة الزميل والأخ العزيز محمد عبدالوهاب اليوسفي في صحيفة العاصمة ومازال هو رئيسا للمكتب التنفيذي الصادرة عنه الصحيفة. كان قليلا ما يتحدث حتى للصحيفة التابعة للمكتب الذي يديره, وحينما يتحدث فبالقليل الممتلئ حكمة وحرصا على المصلحة العامة للوطن والشعب قبل مصلحة الإصلاح التي يراها في مصلحة الوطن والشعب ولا يقدمها عليهما. ومما يؤلمني حقا أننا سنظل نتذكر قادتنا وأساتذتنا ورجال الإصلاح واليمن المخلصين كلما داهمهم قدر الله وأمره, وهذا ما لمسته من أحاديث الكثيرين من الإصلاحيين وغير الإصلاحيين في أثناء تشييع جنازة الدكتور العمري وبعدها. لقد كانت جنازة تاريخية واستفتاء على حجم حب الناس لهذا الرجل, حيث أكتظ بالمشيعين شارع الشهيد علي عبدالمغني من أوله إلى آخره. علينا كإصلاحيين وهي مهمة إعلام الإصلاح بالشراكة مع قياداته توثيق الكثير من حياة هؤلاء القادة الكبار ونقل خبراته وتجاربهم وتدوين تاريخهم ومسيرتهم الدعوية والسياسية ومواقفهم الوطنية قبل أن نبكي عليهم فقط في الجنائز ومراثي الصحف. قبل العمري فقدنا الأستاذ عبدالله قشوة رحمة الله عليه وهو كان رئيسا لإصلاح محافظة حجة ومن الرعيل الأول, وكنت أدون اسمه في مفكرتي كواحد من الذين يتوجب توثيق مسيرة كفاحهم وحياتهم ونضالهم, وذلك مبادرة شخصية مني عجزت عن تنفيذها بعد أن استمعت إليه ذات مرة ووجدت بحرا من العلم والتواضع والحكمة والنضال والبساطة. ذهب الأستاذ عبدالله قشوة إلى ربه دون أن يعرف الكثيرين عن هذا القائد شيء, وهاهو الدكتور العمري يتبعه وسبقهما آخرون وأخاف أن يلحق بهم رفاق نضالهم الآخرون دون توثيق يستحقونه ويستحقه الإصلاح واليمن والأجيال القادمة. رحمك الله دكتور عبد العظيم ورحمنا جميعا أحياء وأموات, وإنا لله وإنا إليه راجعون.