كان الفقيد الراحل الدكتور عبدالعظيم العمري, رحمه الله وتقبله في عليين, جار لي في حيّ شارع جمال, قبل أن ينتقل للسكنى في حيّ حدّة قبل بضع سنوات. وكنت عادة ما أتردد عليه في منزله مستغلاً فرصة وجوده بالقرب مني, لأسترشد بنصحه وأستزيد من خبرته. والحق أن الرجل, ورغم كثرة مشاغله وتحمله أعباء تنظيمة كثيرة في مقدمتها رئاسته للمكتب التنفيذي لإصلاح أمانة العاصمة, منذ إعلان التجمع وإلى ما قبل سنوات قليلة, إلاّ أنه مع ذلك لم يكن يرد أحداً أو يبخل عليه بوقته وخبرته ونصحه. في حين ظلت سيارته الخاصة طيلة الوقت شبه موقوفة لمن يطلبها من إخوانه للمهام التنظيمية داخل العاصمة وخارجها. وأذكر أنني خرجت معه في رحلات عديدة مع كثير من الشباب, وبرغم فارق السنّ بيننا وبينه آنذاك, إلاّ أنه كان يتمتع بمقدرة فائقة على تخطي مثل هذه العقبة والإندماج معنا في أجواء من الأخوة والصداقة تجعله واحداً منّا وبلا أدنى تكلف. كان تواضعه الجم وبساطته وروح الفكاهة التي اتسم بها الفقيد, رحمة الله عليه, كفيلة بإذابة كل الفوارق والحواجز النفسية بينه وبين الآخرين من كافة الأعمار. فكان يمازح ويُلقي النكات بتلقائية تبعث على الضحك والمتعة والرغبة في الاستزادة, وكنا نضحك معه حتى تدمع أعيننا من الضحك. قليلون هم من يستطيعون النفاذ إلى أعماقك فيأسرون قلبك, ويستحوذون على مشاعرك, ويتركون بصماتهم وأثرهم الطيب على نفسك, فلا تستطيع نسيانهم, والدكتور عبدالعظيم العمري واحد من هؤلاء. يأسرك بتواضعه ونبل أخلاقه وابتسامته التي لا تفارق محياه. يستقبلك كأخ له أو كصديق عزيز عليه, في منزله وفي مكتبه, ويبادرك هو بسؤالك عن أحوالك, وماذا صنع الله بك, وما إذا كنت تجد وظيفة أم لا, وإذا كنت بلا وظيفة فيدعوك لأن تضع ملف توظيف في مكتبه وسوف يحاول إيجاد فرصة عمل لك. المهم لا يدعك تفارقه إلاّ وأنت راضٍ رائق البال, مطمئن إلى أن حالك سيكون أفضل وأن لم يتحقق شيء. رحمك الله يادكتور عبدالعظيم, فلقد كنت نعم الأخ والصديق والمربي, وكنت من أولئك القلة من الناس الذين يعرفون تماماً ماذا تعني لهم دعوتهم, كنت تعي جيداً ماذا تريد وكيف الوصول إليه. كنت تجيد فن التفاؤل وتعرف كيف تبثه في نفوس إخوانك, ولطالما أخذت بأيديهم وشحذت هممهم وجعلتهم أشد توقاً لخدمة دعوتهم. كانت كلماتك الرائقة تترك أثرها على مستمعيك, فيتمنون لو طال بهم الوقت للجلوس معك والاستماع إلى حديثك العذب الذي يزيدهم شوقاً لسماع المزيد. قليلون هم أمثالك أيها العزيز الغالي, وكثيرون هم أولئك الذين أحبوك وتزاحموا على الإصغاء إليك والتعلم منك. بكل صدق أقول, أنت أيها العزيز على قلوبنا, صنف من الناس لا ينساهم الناس, وكيف لنا أن ننساك ونحن تلاميذك, نهلنا من ينبوعك العذب فأحببناك, وتعلمنا على يديك الكثير فكنت نعم المربي والقائد. أعطيت وبذلت, ومنحت دعوتك وإخوانك الكثير من وقتك وجهدك ومالك, ولم تبخل عليهم بشيء فأنىّ لهم أن ينسوك. نعم رحلت من عالمنا إلى عالم الغيب, لكن روحك لن تفارقنا, وستظل ذلك الأخ والصديق والقائد الذي تروى مآثره لأجيال الدعوة. رحمك الله رحمة واسعة دكتور عبدالعظيم وتقبلك في عليين, وألحقك بالصالحين, آمين آمين.