مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    تجاوز قضية الجنوب لن يغرق الإنتقالي لوحده.. بل سيغرق اليمن والإقليم    ما الذي يتذكره الجنوبيون عن تاريخ المجرم الهالك "حميد القشيبي"    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    الزندان أحرق أرشيف "شرطة كريتر" لأن ملفاتها تحوي مخازيه ومجونه    شاهد لحظة اختطاف الحوثيين للناشط "خالد العراسي" بصنعاء بسبب نشره عن فضيحة المبيدات المحظورة    الصين توجه رسالة حادة للحوثيين بشأن هجمات البحر الأحمر    الحوثيون يلزمون صالات الأعراس في عمران بفتح الاهازيج والزوامل بدلا من الأغاني    مشادة محمد صلاح وكلوب تبرز انفراط عقد ليفربول هذا الموسم    وفاة شابين يمنيين بحادث مروري مروع في البحرين    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    بينما يذرف الدموع الكاذبة على نساء وأطفال غزة.. شاهد مجزرة عبدالملك الحوثي بحق نساء تعز    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يعزز مركزه بفوز على بلباو    تشيلسي ينجو من الهزيمة بتعادل ثمين امام استون فيلا    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    عملية تحرير "بانافع": شجاعة رجال الأمن تُعيد الأمل لأهالي شبوة.    ضربة قوية للحوثيين بتعز: سقوط قيادي بارز علي يد الجيش الوطني    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    مؤتمر برلمانيون لأجل القدس يطالب بدعم جهود محاكمة الاحتلال على جرائم الإبادة بغزة    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    إصابة شخصين برصاص مليشيا الحوثي في محافظة إب    قيادية بارزة تحريض الفتيات على التبرج في الضالع..اليك الحقيقة    الشيخ الأحمر: أكرمه الأمير سلطان فجازى المملكة بتخريب التعليم السعودي    قبل شراء سلام زائف.. يجب حصول محافظات النفط على 50% من قيمة الإنتاج    الحكومة تدين اختطاف مليشيا الحوثي للصحفي العراسي على خلفية تناولاته لفضيحة المبيدات القاتلة    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    فريق طبي سعودي يصل عدن لإقامة مخيم تطوعي في مستشفى الامير محمد بن سلمان    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    اختطاف خطيب مسجد في إب بسبب دعوته لإقامة صلاة الغائب على الشيخ الزنداني    ارتفاع إصابات الكوليرا في اليمن إلى 18 ألف حالة    أسفر عن مقتل وإصابة 6 يمنيين.. اليمن يدين قصف حقل للغاز في كردستان العراق    استشاري سعودي يحذر من تناول أطعمة تزيد من احتمال حدوث جلطة القلب ويكشف البديل    اليوم السبت : سيئون مع شبام والوحدة مع البرق في الدور الثاني للبطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    لماذا يخوض الجميع في الكتابة عن الافلام والمسلسلات؟    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    بعد القبض على الجناة.. الرواية الحوثية بشأن مقتل طفل في أحد فنادق إب    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    ريال مدريد يقترب من التتويج بلقب الليغا    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن تحت حكم الإمام أحمد 1948-1962الحلق33
نشر في الجمهورية يوم 06 - 10 - 2008

انتهى عهد الإمام أحمد بموته ، وإن كان الموت لم يوقف تداعيات فترة حكمه البائسة والتي بدأت في الظهور بمجرد غيابه ، وبعد أسبوع سقطت الإمامة الزيدية السياسية في اليمن ، ومع سقوطها بدأت مرحلة جديدة في تاريخ اليمن المعاصر.
كان غياب الإمامة كطريقة في الحكم ، وشكل من أشكال السلطة حدثاً مهماً بكل ما تعنيه الكلمة من مدلول سياسي وديني ، فخلال أحد عشر قرناً كان دور الأئمة حاضراً ، صاحب هذا الحضور نفوذ ديني يمتد ليشمل اليمن الطبيعي كله ، أو ينحصر ويتراجع شمالاً حتى جبال صعدة.
ومع كل تراجع كانت هناك فرصة جديدة للتمدد جنوباً ، لأن في الزيدية كمذهب ديني روحاً ثورية متمردة ،ترفض الظلم والاستبداد ، وتدعو إلى الخروج على الحاكم الظالم مهما كانت ادعاءاته السياسية والدينية.
لقد تقبلنا منهم كل شيء، وتحمسنا له، وجعلنا لأنفسنامنهم مثالاً عالياً، وحملنا أنفسنا وعائلاتنا مالم يستطع أن يتحمله أحد سوانا، وذلك بناء منا على أنهم أبرار أتقياء يقولون مايعتقدونه، ويرونه حقاً وصواباً، وقد تبين لنابعد ذلك أن تلك السوق السياسية موبوءة، دنسة، خبيثة، ونحن يعلم الله كنا أبرياء من هذا الدنس، بعيدين كل البعد عن تصور هذه الحقائق المرة.
ويبدو من كلمات الزبيري أن الانفعال كان بادياً عليه، والصدمة كانت عنيفة بنتيجة الفشل، وحقيقة ماآلت إليه الأوضاع، ومافقده الأحرار من هامات ورؤوس كانت أعلاماً، في الوطنية، وفي السياسة وفي الفكر يصعب تعويضها بالاضافة إلى ضياع الهدف، وخسارة القضية ولو إلى حين وفي حديثه هذا اشارات واضحة إلى الاخوان المسلمين، وإلى قادتهم تحديداً.
كان المدرسون المصريون الذين كانوا يقيمون في صنعاء قد غادروا تباعاً وكان بعضهم أعضاء في تنظيم الاخوان، وقد قاموا بمهام سياسية غير التدريس، وشاركوا في النشاط الاعلامي للانقلاب الدستوري حتى رحيلهم، وبعضهم غادر حتى قبل أن يلفظ الانقلاب أنفاسه، وتقتحم القبائل صنعاء.
أما من كان منهم في عدن، فقد بقي حتى نهاية العام، وبالأخص«زكي محمد غانم» الذي كان يعمل أيضاً مراسلاً لجريدة الأهرام والذي حاول تقديم المساعدة للفضيل الورتلاني الذي انتهى به المطاف إلى لبنان،ويبدو أن بذورهم التي تركوها قد ماتت قبل أن تزهر، أو هي ذبلت حتى لم تعد قادرة على التخلق والحياة مجدداً.
لقد جددت الأيام صلة الزبيري بالاخوان المسلمين في مصر ثانية عندما حط به الرحال في القاهرة في عام 3591م بعد سقوط النظام الملكي، الذي رفض استقباله لاجئاً، واستقبله النظام الجمهوري، وثورة مصر ووجد الزبيري نفسه مع سيد قطب، القطب الاخواني حينها في مصر، يحضران لقاءات، ويلقيان محاضرات اسلامية معاً، كان الزبيري قد اكتسب من الخبرة والتجربة ما جعلته متميزاً في نظرته للحياة وللسياسة، ولم يعد ذلك البريء الذي عبر هو نفسه عنه كما أسلفنا، في الواقع لم يتأثر سيد قطب وجماعته، واتجاهه الديني والسياسي، وهو ربما شعر بالحيرة، وربما تنازعته الظنون والآراء، بين تكوينه الاسلامي، ونزعته الروحية من جانب، وبين انتمائه القومي الأصيل فلم ينخدع بالاخوان، ولم يمض في سبيلهم عندما عادوا عبدالناصر وكان الزبيري قد تمنى أن لايحدث الخلاف بين الاخوان والثورة، وعندما حدث، وحلت القطيعة بينهم ظل الزبيري على موقفه المؤيد لثورة مصر، وقائدها الزعيم عبدالناصر وكان الزبيري قد تمنى أن لايحدث الخلاف بين الاخوان والثورة، وعندما حدث، وحلت القطيعة بينهم ظل الزبيري على موقفه المؤيد لثورة مصر، وقائدها الزعيم عبدالناصر، وهو الموقف المبدئي الذي لم يتغير حتى استشهاده في عام 5691م، وقد عبر عن هذا الموقف مراراً وتكراراً، شعراً، ونثراً، وخطابة، ويكفي للتدليل على ذلك قراءة قصيدته في مصر الثورة«يوم الجلاء» وكان قد أهداها إلى شهداء الحرية في كل مكان، يقول في مطلعها:
يوم عيد نلقى به الشهداء
ونراهم مباهجا وهناء
صنعوا يوم مصر ثم استحالوا
في ضحاه أشعة وسناء
أيها الثائرون في مصر ثوروا
كل يوم وعلمونا الفداء
قد تبتسم في الصخر روحا وفي
الثلج سعيراً وفي الغيوم ضياء
ثم إن الزبيري في الواقع كان قد تجاوز في تفكيره اطروحات الاخوان المسلمين، فهو ديموقراطي النزعة، وهم شورويون على أقصى مدى، وهو منافح عن العدالة الاجتماعية والمساواة وحتى الاشتراكية، وهم على الأقل أعداء الاشتراكية، وهو قومي في منحاه السياسي المرتكز إلى قيم اسلامية ونزعة روحية أكثر انفتاحاً على الحياة، وهم أعداء للقومية، وإن تغيرت وتسيست اطروحاتهم حول القومية فيما بعد، كان في امكانه أن يقبل التعاون والعمل مع الآخرين، ولايجد في ذلك حرجاً، وهم حزبيون عقائديون صارمون.
هذا عن الشمال، أماعن الجنوب فإن اتجاهاً اسلامياً برز ثم اختفى دون أثر يذكر، وهو اتجاه الجمعية الاسلامية الكبرى، والتي تأسست في عام9491م وربما أصحابها قد وصفوها بالكبرى لاعتقادهم بأنها من المفترض أن تستوعب كل الأعراق من العرب ومن غير العرب، حيث التنوع العرقي كان ماثلاً في عدن أكثر من أي مدينة أخرى في اليمن، لقد كانت في الواقع أول تنظيم سياسي في عدن ضم رجال دين ودنيا ومثقفين، تألفت الجمعية من الفقيه الشيخ محمد سالم البيحاني، والقاضي العدني الشيخ علي باحميش، وسالم الصافي، وعبدالله بن صالح المحضار، ومحمد علي الجفري، وكان يرأس الجمعية المحامي المعروف المنحدر من أصل باكستاني محمد عبدالله وكانت الأهداف الرئيسية للجمعية العناية بالأعضاء، وتطوير التعليم الديني الاسلامي، وبلوغ الاخاء بين مسلمي الشطر الجنوبي من اليمن، الحفاظ على اللغة العربية، وجعلها لغة رسمية أولى في المدارس والمؤسسات، وبوفاة مؤسسها بدأ نشاط الجمعية في الانطفاء، وتحول بعض رموزها إلى مؤسسين لمنظمات وطنية، أو دعاة دينيين مناوئين للوجود البريطاني، مؤيدين أومعارضين للنظام الإمامي.
وهكذا نصل إلى نتيجة هامة، وهي أن الحركة الاسلامية،و المعنى هنا الحركة السياسية للاخوان المسلمين قد شُلت تماماً بعد فشل الانقلاب الدستوري في 8491م، ولم يظهر لها وجود إلا بعد قيام الثورة ببضع سنوات عندما واجهت الثورة صعوبات كبيرة، وغرقت اليمن في حرب أهلية انقسم العالم العربي حولها بين مؤيد للثورة والثوار، أو معارض لها، وكان اختفاء الحركة مثار اهتمام الباحثين، ومن المفترض أن يحدث ذلك، لأن اليمن كانت مشروعاً لثورة اسلامية في 8491م، تفضي إلى نظام اسلامي، عنى الإمام حسن البنا شخصياً بالاعداد له، ودعمه، وشارك اخوان قياديون في أحداثه، كان وجودهم في اليمن من عوامل نجاحه بداية، وفشله بعد ذلك.
وقد يتخيل أحدنا بأن اختفاء الاخوان من ساحة النضال في اليمن، قد تم بتدبير مسبق ومقصود، كأن يتحول هؤلاء إلى العمل من تحت الأرض، إلى العمل السري، ولكن ذلك لايبدو أمراً مفترضاً، إذ لاتوجد في أدبيات الحركة الوطنية في اليمن مايشير إلى ذلك، أو يؤمى إليه.. أما إذا قيل إن الاخوان قد احنوا رؤوسهم تجنباً لخسائر أكبر أمام نظام قاس ودموي، فإن هذا ممكن لو كان هذا الوجود حقيقة ملموسة، وهو مالم يحدث، لقد كانت المنظمات القومية والعقائدية، هي الأخرى سرية، لكن وجودها كان محسوساً وملموساً، وكان أنصارها يعبرون في كثير من الأحيان عن أنفسهم، كما يعبر عن ذلك نضالها اليومي.
لقد ترتب على ذلك أمر آخر، وهو أن الاخوان المسلمين لم يشاركوا في صنع الثورة كتنظيم، ولم يشهدوا عملية التغيير الجذرية التي حدثت بسقوط الإمامة، وقيام الجمهورية، وكان غيابهم من الساحة السياسية قد سمح لبقية التيارات بمساحة أكبر من الفعل والمشاركة، بما في ذلك التيار الماركسي، على أن هذا الأمر لم يكن يبدو جوهرياً حينها، وإن اكتسب أهمية متزايدة فيما بعد.
«د» الحركة الطلابية
لقد حدث توسع في المجال التعليمي مع نهاية عهد الإمام يحيى واستمر في عهد الإمام أحمد، وأرسل الإمامان يحيى وأحمد أعداداً من الطلبة إلى مدارس العراق، والشام، ومصر، لقد أدى هذا التراكم إلى ظهور الطلبة كشريحة اجتماعية، بدت متميزة عن غيرها، جاء معظم أفرادها من أبناء الطبقات المتوسطة والفقيرة، تحمل طموحاتها نحو المستقبل، وتتطلع إلى عهد جديد، متأثرة بما تسلحت به من معارف وعلوم وخبرات جديدة، ومؤثرة فيما حولها من واقع بدا كأنه يتغير، وإن على نحو وئيد وبطيء.
لقد ظهرت الحركة الطلابية كرافد جديد للحركة الوطنية اليمنية، المناهضة للوجود البريطاني في الجنوب، والداعية إلى الاصلاح والتغيير في الشمال، كان بعض هؤلاء الطلبة قد التحقوا بصفوف الحركة الوطنية ينشرون الوعي الجديد، ويدعون إلى الاصلاح منذ النصف الثاني من الاربعينات وكان النابهون منهم قد قاموا بنقل المنشورات وتوزيعها، والتبشير بمستقبل أفضل، وقد تحمس بعضهم للحركة الدستورية، واطروحات الأحرار، الهادفة إلى الوصول إلى نظام ملكي دستوري وعندما وقع الانقلاب الدستوري في 8491م، وقتل الإمام يحيى بادر معظم الطلاب في صنعاء في المدارس المدنية والعسكرية إلى دعم الانقلاب، فمارسوا التأثير والدعاية،والخطابة الثورية ضد الإمام وعهده، بل وحملوا السلاح دفاعاً عن الانقلاب وقادة الانقلاب.. وأصبح طلاب الثانوية وطلاب دار العلوم، وطلاب الصحة وطلاب سلاح الاشارة، أصبح كل هؤلاء معسكراً واحداً، حاول الدفاع عن العاصمة، وصد الهجوم القبلي الأحمدي عنها إلا أن هجوم المعسكر الآخر كان أقوى وأكثر فتكاً، ففشل الانقلاب واقتحمت صنعاء ودفع الأحرار، والطلاب الذين وقفوا إلى جانبهم ضريبة الحماس والثورة والمقاومة، واستشهد من الطلبة عبدالله محمد الوزير، ودخل السجن عبدالملك الطيب، وعلي الواسعي، وفر من قبضة النظام أحمد الخزان، وحسين عثمان، وحسين المقبلي وآخرون.
وفي الخمسينات، زاد عدد المدارس، فازدادت أعداد الطلاب، وبعد أن كان التوهج يأتي من دار العلوم«ثانوية صنعاء» أصبحت مدارس تعز والحديدة وحجة و«كلية بلقيس» في عدن مواقع جديدة أضيفت إلى المواقع القديمة إلا أن هذا التوهج كان يواجه عنف النظام وسطوته ودمويته، فخبا وهجه في النصف الأول من الخمسينات ثم مالبث أن عاد على إثره انقلاب عام 5591م الذي قاده الشهيد الثلايا، حيث أظهر الطلبة رفضاً لعنف الإمام تجاه الثوار، وقد جاء هذا الرفض من طلبة المدرسة«الأحمدية» في تعز، فكان ذلك أول احتجاج شعبي على قطع الرؤوس، والذي كان من يوميات الإمام أحمد، وكانت هتافات المتظاهرين تتقد بالغضب، فكانت بذلك أول مراحل التحول في التاريخ الطلابي، بل وفي التاريخ الشعبي عامة.
وشهد عام 6591م تظاهرات واعتصامات طلابية في صنعاء وتعز، تضامناً مع مصر وشعبها الذي تعرض للعدوان الثلاثي الأثيم، وهتف الطلاب المتظاهرون بمصر وبجمال عبدالناصر، وندد المتظاهرون بالاستعمار، والتحقوا بمكاتب التطوع، وكان رد السلطة أن قامت باعتقال أبرز الطلاب الذين قادوا هذه المظاهرات لمدة واحد وعشرين يوماً وهم علي عبدالمغني، وعبدالله المؤيد، وعلي الشيبه، ومحمد المهدي العلفي، وحمود بيدر، وكذلك مدير المدرسة أحمد حمود الشمسي لتعاونه مع الطلاب في تنظيم المظاهرات وكان ذلك مخالفاً لما كانت تعبر عنه أجهزة الاعلام الحكومية، وهو اجراء كشف حقيقة موقف الإمام من العدوان، إلا أن المظاهرات الطلابية اضافت سبباً وطنياً آخر وبعداً قومياً بقمعها لما أثارته من نقمة على النظام الإمامي الملكي المتهالك.
وفي هذا العام«6591م » تأسس اتحاد طلبة اليمن في القاهرة رائداً جديداً للحركة الوطنية، رفع الاتحاد شعار الوحدة، والدعوة إلى مواصلة النضال ضد الحكم الامامي.
لقد كان قيام نقطة الاتحاد تحول في تفكير الحركة الوطنية، وفي أهدافها المعلنة، فقد كان الأحرار حتى ذلك الحين ونعني بوجه خاص قادة الاتحاد اليمني في القاهرة، وإلى حد ما في عدن أقل ميلاً للخروج عن نطاق اطروحاتهم السابقة الداعية للاصلاح،و التغيير من داخل النظام، وبالتعويل على حدوث تطور في المؤسسة الحاكمة يفضي إلى شيء من الانفراج في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للسكان إلا أن هذه الاطروحات لم تعد تلائم الجيل الجديد، الذي تشرب أفكار الثورة والجمهورية، وتحمس للدعوات القومية والتحررية، بتأثير مباشر وغير مباشر من مواطن النهوض القومي التقدمي، وبتأثير أكثر من ثورة يوليو، واطروحات عبدالناصر وهذا الجيل كان الطلاب يمثلونه خير تمثيل.
لهذا رفض الاتحاد الطلابي اطروحات الاحرار، ودعا إلى اسقاط النظام الإمامي وبدأت حينها عملية فرز في صفوف الحركة على قاعدة الموقف من النظام، فالمحافظون في الحركة الوطنية ظلوا يرددون أفكاراً اصلاحية، ومطالب سطحية، لاتمس كيان النظام، ولاتحدث تغييراً في المجتمع بينما برز التقدميون باطروحاتهم الثورية التغيرية التي أخذت تشق طريقها بقوة، وتستقطب حولها أكثر فأكثر الفئات الاجتماعية المختلفة، ويسندها المثقفون في المؤسسات المدنية والعسكرية.
وفي عام 8591م وخلال موجة الحماس الوطني والقومي العارم، الذي غمر الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه بعد اعلان الوحدة بين مصر وسوريا، ثم انضمام اليمن إلى الجمهورية العربية المتحدة، خرج الطلبة في صنعاء وتعز، في تظاهرات كبيرة مؤيدين للوحدة المصرية السورية، منددين أشد التنديد بأعدائها ، رافعين شعارات قومية، استفزت النظام ودعت مؤسساته إلى قمعها بوحشية، واعتقل القادة من الطلاب الذين حرضوا على التظاهر، ومنهم عبدالحفيظ بهران،ويحيى بهران في تعز، وعبدالعزيز الحبشي، ومحمد علي الربادي، ومحمد عبود باسلامه، وعبدالله المهدي ومحمد منصور الصنعاني، وعلوي المهدي، واسماعيل الصراري، وأحمد شعيب، وعبدالرحمن العنسي وحمود المخده، وأحمد المخادري، من صنعاء.. كما تواصلت بعد ذلك تحركات الطلاب في الداخل والخارج المناهضة للإمام، والمطالبة بتحسين الحياة المعيشية.
وكان الطلاب على صلة بالشباب خارج المدارس من المتخرجين والمعينين في وظائف حكومية والذين كانوا يحملون أفكاراً جديدة، ويتفاعلون مع كل حدث من شأنه احداث ثغرة في نظام الحكم العتيق وكانت الفصائل المتقدمة منهم مثالاً جديداً للانسان الجديد في اليمن، فهم ضد الأفكار البالية، والعادات القديمة، والتقاليد القادمة من العصور السحيقة، كانوا مثالاً للاستقامة، والسلوك الحسن وكانوا أكثر استشعاراً بأن الوقت قد أوشك لاحداث تغيير جذري في الحياة السياسية والاقتصادية في اليمن، تغيير يتجاوز الواقع الذي تحرسه رماح وسيوف الإمامة، لقد شاءت الأقدار أن يدفع النظام ببعض هؤلاء الطلاب إلى الكلية الحربية التي افتتحت في عام 8591م وكلية الشرطة ومدرسة الطيران، فأعدت هذه الكليات مجتمعة ثوار السادس والعشرن من سبتمبر 2691م والذين حسموا مصير الإمامة في اليمن فيما بعد.
ومهدت مظاهرات أغسطس وسبتمبر من عام الثورة تمهيداً مباشراً للحدث الأكبر، فقد خرج طلاب صنعاء في مظاهرة عنيفة احتجاجاً على أوضاعهم المعيشية، مطالبين بتغيير المنهج القديم، وادخال نظم حديثة في التعليم، منددين بالطريقة التي يتم بها تعيين المدرسين من طبقة دون غيرها من طبقات المجتمع، وداعين إلى جعل المنح الدراسية أمراً متاحاً للجميع، وهتفوا بسقوط الإمام، ومزقوا صوره، وداسوا علم المملكة المتوكلية، وحملوا صور عبدالناصر تعبيراً عن رغبتهم في التغيير اقتداء بالمثل المصري وزحف الطلبة على قصر الأمير البدر، فأمر الإمام بمقع المظاهرات، واطلاق النار على الطلبة المتظاهرين، فسقط منهم خمسة قتلى، واعداد غيرقليلة من الجرحى واعتقل منهم 173طالباً، وأغلقت المدارس، وشكلت محكمة عاجلة لمحاكمة ستة عشر طالباً كانوا يمثلون قيادة الحركة الطلابية في الوقت الذي انتشرت فيه إشاعة تفيد أن الإمام سمح بإقامة قواعد عسكرية في اليمن، إلا أن الأمريكيين كذبوا الخبر فيما بعد.
وتضامناً مع زملائهم في صنعاء، أضرب طلاب المدرسة الأحمدية في تعز، واستمر إضرابهم أياماً، فقرر الإمام معاقبتهم، وأمر نائب تعز بقطع النور عنهم وحرمانهم من الطعام، وحال دون اتصال الأهالي بهم، إلا أن الطلبة تمكنوا من الخروج إلى المدينة متظاهرين ضد النظام ومنددين بالعنف الذي مارسته السلطة ضد زملائهم في صنعاء منادين بالجمهورية، فأغلق الإمام المدرسة، فعاد الطلبة ثانية للتظاهر، وكانت مطالبهم هذه المرة، ضد مدير المدرسة الجديد الذي عينه، فأمر الإمام باعتقال زعمائهم، الأمر الذي رفع درجة التوتر في المدينة، إذ تضامن مع الطلبة الأهالي، كما تضامنت معهم بعض فرق الجيش، واهتم شيوخ، وأعيان تعز بأمرهم وبلغت الأمور حد الانفجار، لولا أن الإمام تراجع عن إجراءاته، وتدخل بعض العقلاء ومنهم مدير أمن تعز «علي مانع» الذي كان على صلة بالحركة الوطنية، ونجحت جهود التهدئة، لكن ذلك لم يمنع بعض قادة الإضراب من الطلبة من الفرار إلى عدن خشية وهرباً من الإمام والتي كانت هي الأخرى تشهد إضراباً للطلاب، تأييداً للوحدة المصرية السورية.
لقد حرك الطلاب الوضع الاجتماعي ضد النظام، كما لم يحصل من قبل، فبثوا في الجماهير روح المقاومة والرفض والتمرد على كل قديم، وقديم آل حميد الدين على وجه الخصوص، وشكلوا إلى جانب أطراف العمل الوطني جبهة جديدة باتت تستعد للخطوة الهامة اللاحقة، لقد قبلوا التحدي، وعزموا على التضحية، ومثلت حركتهم عنصراً هاماً حسم موقف القوى الأخرى، وخاصة في الجيش للتعجيل بقيام الثورة، بعد أن أثبت الطلاب في صنعاء وتعز أن النظام قد بات على عروشه، وأن عوامل بقائه قد اقتربت على الانهيار والسقوط، فكان لا بد أن يأخذ أحد بزمام الموقف.
2 مظاهر انهيار النظام
لقد راحت كل التنبؤات تشير إلى أن شيئاً ما سيحدث في اليمن، وأن هذا الشيء إما أن يكون ثورة جامحة تحدث تغييراً جذرياً فيسقط النظام، ويحدث الانفراج، وتفتح أبواب المستقبل المغلقة لليمن، وإما أن يكون إصلاحاً يتصدى له القادرون عليه، فينقل اليمن إلى القرن العشرين، وكانت هذه الاحتمالات تدل في الواقع على النيات، فالقوى الحديثة في المجتمع لم تعد تقبل بأفكار سقفها الأعلى إصلاح الحكم، وتقويم الإمامة، فيما ترى بعض القوى الأخرى أن الوقت لم ينته بعد، وأژن هناك فسحة للتحرك للأمام دون الحاجة إلى ثورة تطيح بالأخضر واليابس.
كانت الأوضاع قد بلغت مداها في مطلع الستينيات، فقد حصدت رؤوس وسالت دماء غزيرة منذ أن جاء الإمام أحمد إلى الحكم، وفي هذه الفترة خرجت القبيلة عن طوع الإمام، وكانت قبل ذلك سنده وركيزته، عصاه التي يضرب بها الفلاحين وأداته التي يعيد بها التوازن مع الجنود إذا تمردوا، وقد استهلكت هذه الأداة كما لم تستهلك من قبل في عهد أي من الأئمة السابقين، كانت القبيلة نصيرة له في مواجهة المدينة والمدنية معاً، فإذا بها عليه مع المدينة، ومن أجل المدنية لا له.
وتعددت مواقع التمرد من رؤوس الجبال إلى ثكنات الجنود، وتوالت الانتفاضات هنا وهناك، وكانت هذه الانتفاضات، والتمردات بمثابة الشرارات الأولى، ومع الأيام الأولى لعام2691م ازدادت احتمالات التغيير، حتى لاحت الثورة واقعاً يقين الوقوع، وذلك لتزايد عواملها الظاهرة والكامنة، ولم يعد بإمكان الإمام المريض، ونظام حكمه أن يمنع حدوثها، وإن كان أمامه فرصة أخرى لتأخيرها، إلا أن المتغيرات الاجتماعية الكبرى، من قبيل الثورة، معادلة لا يكفي فيها تحقق شروطها الموضوعية، بل لابد من حدوث شروطها الذاتية، وهذه الأخيرة تشمل فيما تشمل نمو إرادة التغيير بقوة لدى القوى الاجتماعية الحديثة والناهضة، وفي المقابل انهيار القوى التقليدية القديمة، وعدم قدرتها على الاستمرار، وذلك ما كان يحدث فعلاً في اليمن ذلك الحين.
لقد ظهرت عوامل التفسخ على مفاصل السلطة بوضوح أكبر، وكان الصراع بين أطراف هذه السلطة في ذروته، فالحسنيون «أنصار الحسن» لا يرون في البدر ولي العهد، الكفاءة والأهلية للإمام والحكم، ويرونه قومياً وناصرياً، وشيوعياً أحياناً، كما يرونه ضعيفاً منقاداً للأحرار، وكان البدريون «أنصار البدر» يرون في الحسن إماماً آخر من أئمة القرون الوسطى، لا يختلف في كثير أو قليل عن أبيه، ولا عن أخيه الإمام أحمد إلا أنه أمريكي الهوى والمنهج، تدفعه إلى السلطة قوى متنفذة، عُرفت بعدائها الشديد لكل ما هو حديث، وتملك في نفس الوقت عوامل وجودها كالمال، والأرض، والإرث الروحي.
وأراد الإمام بعد محاولة الاغتيال في الحديدة أن يخفف عن نفسه، ويلقي ببعض مما كان يتحمله من أثقال ومسئوليات على كاهل ابنه، فأعاد تشكيل الوزارة في مايو 2691م وجعل ابنه نائباً لرئيس الوزراء، ووزيراً للحربية، لكنه أمام وطأة المرض ما لبث أن كلفه برئاسة الحكومة بعد ذلك بشهر واحد، فقام البدر لكي يحمي نفسه من أعمامه، ومن الرافضين له بتقريب الأحرار إلى جانبه، واتخذ منهم سنداً له.
فأثار ذلك التيار المحافظ، ولجأوا إلى الوقيعة بين الإمام وابنه، محذرين إياه من مغبة سياسة البدر، واتجاهه نحو الأحرار، وبدا للإمام بعد ذلك بشهور أن التوازن القائم بين الأجنحة المتصارعة قد اختل فاستدعى أخاه الحسن من أمريكا في أغسطس 1691م، ليسترضيه، ويسترضي أنصاره ومؤيديه من الغلاة والمحافظين، أولاً، وثانياً: ليخلق منه قطباً، وعاملاً جديداً يعيد التوازن الذي اختل بوضوح لصالح الطرف الآخر، وعندما عاد الحسن من الخارج كانت مطالبه واضحة، لم يقبل بها الإمام كاملة، ولم يرفضها كاملة.
كان يطمح للعودة إلى رئاسة الوزراء باعتبارها الوسيلة الأفضل لمواجهة البدر والأحرار وكل التحديثيين في المجتمع، لافتاً بصراحة انتباه الإمام إلى حالة الفوضى والبلبلة وعدم الرضا في الوسط الذي يمثله، ولم يقبل الإمام.
واقترح لتستقر الأمور، أن يدعو الإمام للمصالحة بين أجنحة السلطة، وهو يعني بالدرجة الأولى الأسرة المالكة، وأن يدلل على ذلك بتعيين بعض أفرادها، ومنهم أبناؤه في مناصب حكومية، واستجاب الإمام لبعض مطالب الحسن، فقام بالجمع بين البدر وبين عمه الحسن، وحاول تحقيق قدر من الوفاق بينهما، وعين شقيقه عبدالرحمن بن يحيى وزيراً للدولة، وعين الحسن بن الحسن- نجل الحسن بن يحيى- نائباً عن الإمام في اتحاد الدول الغربية قبل حله في أكتوبر من نفس العام، كما عين إسماعيل بن يحيى وزيراً مفوضاً في ألمانيا الغربية، وهذه التعيينات على ما فيها من ترضية لأخيه الحسن، فإنها في الواقع لا تؤثر على موقف ابنه في الداخل، وأدرك الحسن أن مصالحة حقيقية مع أخيه وابنه تعطيه ما كان يريد غير ممكنة، فقرر المغادرة، وقبل تكليف الإمام له برئاسة وفد اليمن إلى مؤتمر عدم الانحياز في يوغسلافيا، وفضل البقاء خارجاً، لتكون تلك الزيارة آخر عهده باليمن، الذي حاول العودة إليه كإمام ولم يفلح، إلا أنه بقى على اتصال مع أنصاره ومؤيديه الذين كانوا يحصلون على دعمه.
وكان الحسين بن يحيى ممن أدركوا في وقت مبكر المصير المفجع الذي كان ينتظر الأسرة المالكة أو هو تنبأ بذلك، وكذلك كان الحسن بن علي، لقد بعث الحسين إلى الإمام برسالة لفت انتباهه فيها إلى سوء الأوضاع القائمة، وكثرة الخلافات والفتن، وحذره من استمرار سياسة لن ينتظر إليها مستقبلاً إلا باعتباره سبباً في كل المصائب التي لاقتها اليمن، وأبلغه خوفه من أن تجد الأسرة في يوم من الأيام من يرحمها، أو يرحم نساءها وأطفالها، وكان هذا الأمير واحداً من أفراد الأسرة المالكة الذين فضلوا العيش خارج اليمن، أو الهجرة المؤقتة.
وكان هناك صراع يجرى على نحو أقل بروزاً بين الأسر الهاشمية الطامحة هي الأخرى في الحكم، وبينها أحياناً وبين آل حميد الدين، فهذا محمد عباس سليل أحد أئمة اليمن يدعو لنفسه بالإمامه، وقد بايعته سراً بعض الأسر الهاشمية، بعض ممن يعرفون بأهل الحل والعقد، الذين لهم ولو نظرياً حقا اختيار الإمام، كما كان هناك صراع يجرى بين عبد الرحمن أبو طالب، وهو وزير اليمن المفوض في مصر، وصالح محسن سكرتير الإمام، وأخر يجرى بين حسن إبراهيم، وزير الخارجية حينها، ومحمد عبدالله العمري الذي وصف دائماً بالوطنية وبعلاقته الطيبة بالأحرار، وبالخبرة والأداء الرفيع في الخارجية اليمنية، وقد توفي العمري بحادث طائرة كانت تقله ووفداً يمنياً معه إلى الصين في أغسطس 0691م، وخلافات أخرى كان أحمد السياغي وزير الداخلية سابقاً طرفاً فيها، فلجأ إلى عدن مرة أخرى، وحالف الحسن في الصراع على السلطة ضد البدريين، وانضم إلى الإمام المخلوع بعد الثورة، وكان واحداً من رموز الثورة المضادة.
لقد كان الفساد علامة أخرى من علامات الفوضى، ومظهراً من مظاهر الترهل، ففي الوقت الذي كان الإمام يهدم بعض بيوت المواطنين في صنعاء بتهمة ارتكاب الفجور، وشرب الخمر، كان هو نفسه مدمناً على المورفين، وكان بعض الأمراء الشباب يعاقرون الخمر نهاراً جهاراً، وقد عرف الناس أن حادث مقتل الأمير يحيى بن المطهر بن يحيى كان سببه أنه كان ثملاً، ومخموراً وفي إحدى المرات اختل توازنه فسقط من الدور الثالث جعلت منهم فئة متميزة في المجتمع، في الوقت الذي عاشت فيه الأغلبية الساحقة من المواطنين في فقر مدقع.
وكانت الرشوة والمحسوبية في جهاز الدولة، المتخلف أصلاً، من أكثر مثالب النظام الإداري، وهي تمارس علناً، وقد شجع الإمام موظفيه على ممارستها حتى لا يدفع لهم أجوراً ورواتب عالية، وقصة حاكم منطقة «برع» الذي عينه الإمام حاكماً لها بمرتب ضئيل، وأعطاه الإذن بالارتشاء، إذا تيسر له ذلك، مشهورة، وما كان سائداً في أجهزة الدولة المركزية، وفي الجيش- وقد تحدثنا عنه- كان أيضاً سائداً في الألوية، والاقضية، والنواحي.
وقد نخرت هذه العوامل جسم الدولة الإمامية، ونالت من بنيانها القائم على أسس دينية وعرقية، فتآكلت قواعدها، واهتزت أركانها، وقد حاول الإمام بما أوتي من سطوة أن يحافظ على ما ظن أنه حكم دائم، وإمامة لا تزول بادعاء الحق الإلهي، لكن عوامل التغيير كانت أشد أثراً، وأكثر فتكاً، وهذه العوامل ترافقت مع عوامل خارجية.
ففترة الخمسينيات كانت فترة نهوض قومي، وصحوة عروبية، وانطلاقة نحو العصر، بكل ما فيه من اتجاهات، وتيارات، ومتناقضات، ولم تكن اليمن بعيدة عن هذه المؤثرات، أو في منأى عنها، وكان لابد لليمن هي الأخرى أن تخطو نحو المستقبل، وأن تغادر حياة العصور الوسطى التي فرضتها الإمامة الدينية والسياسية وقد عجز الأئمة عن إدراك حقيقة وجوهر العصر الراهن، وكان الدور التغييري منوطاً ومتروكاً للقوى الحديثة في المجتمع، والتي تخلقت في أحشاء النظام الإمامي الإقطاعي الكهنوتي ذاته، وهذا ما حدث فعلاً.
3 تنظيم الضباط الأحرار
في ديسمبر 1691م، أي قبيل قيام الثورة بأقل من عام، بادر بعض الضباط إلى عقد لقاءات فيما بينهم، تمخضت عن عقد أول اجتماع تأسيسي لمنظمة عسكرية ذات طابع سياسي سميت «بمنظمة الضباط الأحرار»، وهذه التسمية على ما فيها من محاكاة لتنظيم الضباط الأحرار بمصر، فإنها تمثل امتداداً لحزب الأحرار، الذي تحول إلى «الاتحاد اليمني»، كما إنها امتداد لتجمعات كانت موجودة، عملت على تغيير الأوضاع القائمة ومنها ذلك التنظيم العسكري الذي انتمى إليه كل من اللقية والعلفي، ولكن هذه التنظيمات لم تبلغ المستوى الذي بلغه الضباط الأحرار، تخطيطاً وإعداداً وتنفيذاً لثورة غيرت مسار التاريخ في اليمن.
كان من بين أبرز المؤسسين لمنظمة الضباط الأحرار علي عبدالمغني، وعبداللطيف ضيف الله، وحسين السكري، وعلي قاسم المؤيد، ومحمد مطهر زيد، وصالح الأشول، وأحمد الرحومي، بالإضافة إلى عبدالوهاب ناصر جحاف، الذي عقدت الاجتماعات التمهيدية في بيته، وجميع هؤلاء كانوا برتبة ملازم، ما عدا عبداللطيف ضيف الله، وحسين السكري، الذي كانا يحملان رتبة «رئيس» في الجيش بحسب الألقاب اليمنية حينها «مقدم»، أي أن التنظيم تشكل من مجموعة من صغار الضباط، وهؤلاء وربما آخرون شكلوا ما عرف في التنظيم بالقاعدة الأساسية لمنظمة الضباط الأحرار، التي عُدل اسمها إلى «تنظيم الضباط الأحرار» وانتخبوا لمرات لجنة قيادية، ضم آخر تشكيل لها قبل الثورة بشهرين تقريباً، كلاً من علي عبدالمغني، وعبداللطيف ضيف الله، وأحمد الرحومي، وصالح الأشول، ومحمد مطهر زيد، وجاء اسم علي عبدالمغني في المقدمة من بين كل هذه الأسماء.
وللحقيقة فإنه ليس فيما كتبه الضباط الأحرار ما يشير إلى رأس قيادي لهذا التنظيم، وهو أمر يثير الاهتمام، والقول بأن أحداً من بين أعضاء اللجنة القيادية، لم يكن يمارس دوراً قيادياً رائداً، هو من قبيل القول بتساوي المواقع والأدوار، وهذا الأمر مما لا يحدث في كل التنظيمات العسكرية منها على وجه الخصوص، حيث هناك مكانة للقيادة وللمسئولية تحقق الانضباط والطاعة لتحقيق المهام، وكان بعض قادة التنظيم قد لمحوا، ولم يصرحوا إلى مكانة علي عبدالمغني القيادية، وذكر الضباط الأحرار بأن اللجنة القيادية التي قادت التنظيم حتى قيام الثورة كانت تحت رئاسته، ثم دلت الوقائع فيما بعد «التنسيق مع الأحرار، والاتصال بالقيادة المصرية، والتراسل باسم التنظيم مع عبد الناصر» على هذه المكانة، ثم وجوده عند لحظة إصدار الأوامر للقوات المسلحة بإسقاط النظام الملكي في الكلية الحربية وجوداً مميزاً، وأخيراً تعيينه في مجلس قيادة الثورة كاسم أول عن التنظيم، كما أشير إليه بأنه العضو الأكثر ثقافة بين زملائه.
والوحيد الذي أعطى لنفسه حق الادعاء بحق أو بباطل زعامة التنظيم، كان العقيد عبدالله جزيلان قائد الكلية الحربية، وقد حاول فيما كتب إثبات ذلك، لكن زملاءه في التنظيم لا يعترفون له بهذه المكانة وهذا الحق، وهو بدوره قلل من مكانة بعضهم، ويبدو أن الجزيلان قد انضم مؤخراً إلى التنظيم، ربما في الأسابيع الأخيرة قبل قيام الثورة، وقد سمحت له رتبته العسكرية الأعلى أن يمارس دوراً مميزاً بين قادة التنظيم والأمر الذي أثبته الضباط الأحرار، ويعترف به الجميع، وفي حضور علي عبدالمغني وعبد اللطيف ضيف الله أبرز شخصيتين في التنظيم، أن الجزيلان كان صاحب الأمر العسكري للقوات المسلحة بالتحرك والانقضاض على قصر الإمام، وإسقاط النظام برمته، وقد مارس هذا الدور القيادي بكل كفاءة واقتدار حتى وصول السلال بعد ساعات من المعارك إلى مقرالقيادة، وقد برز بعد ذلك كرجل ثان في التشكيلات القيادية للثورة.
شكل تنظيم الضباط الأحرار فرعاً له في تعز، وفي الحديدة، وكان الاهتمام كبيراً بفرع تعز، لوجود الإمام هناك، والقضاء عليه أصبح بمثابة ضرورة حتمية لسقوط النظام برمته،وكانت الحركة الوطنية في أوج نشاطها، وكان همها الوحيد يتركز في التخلص من الحكم الإمامي، إلا أنها كانت تفتقر إلى القوة اللازمة لتحقيق ذلك، وقد وجدت هذه القوى بغيتها في مجموعة الضباط الذين انتقلوا إلى المدينة لتدريب الحرس الملكي، وبعض الوحدات العسكرية على الأسلحة الحديثة.
وجرت الاتصالات بين هؤلاء الضباط، وبين زعماء الأحرار في تعز، وقد أكد عبدالغني مطهر هذه الاتصالات التي كانت تجري في سرية تامة وخلال هذه الاتصالات أبلغ الملازم علي عبدالمغني زعماء الأحرار بوجود تنظيم عسكري ثوري تم تأسيسه في أول ديسمبر 1691م، وأن لهذا التنظيم فرعاً في تعز، كلف ببعض المهام ومنها إقامة الصلات مع زعماء الأحرار، وقادة المنظمات السياسية الأخرى «القومية على وجه التحديد»، كما أبلغه أنه وزملاؤه على اتصال وتنسيق مع زعماء الأحرار في صنعاء وبقية المدن اليمنية.
وبرغم انفتاحهم المحدود على القوى الوطنية الأخرى، فإن تنظيم الضباط الأحرار قد حافظ على قدر كبير من السرية في نشاطه، كما أنهم قد سعوا إلى كسب تأييد ودعم زملائهم في فروع الجيش الأخرى، لاعتقادهم أن تغيير نظام الإمامة لن يتم إلا من خلال الجيش، وفي أذهانهم تجارب الفشل للحركة الوطنية في 8491م و5591م.
وكان أعضاء التنظيم ينحدرون من فئات اجتماعية فقيرة، وربما انتسب بعضهم إلى فئات متوسطة، إلا أن أغلبهم من أصول فلاحية، أو حرفية، ولم يكن بين الأعضاء من ينتمي إلى الطبقة العليا في المجتمع، ولم تكن هناك فروق اجتماعية حادة بينهم وأفراد الجيش، مما جعل مهمتهم في كسب الضباط والجنود إلى صفهم أمراً ممكناً، وفي ظل ظروف تخلف رهيبة، عمل الضباط الأحرار في بيئة معادية للنظام أكسبتهم الثقة بإمكانية تحقيق الهدف الأكبر وهو الإطاحة بالنظام وإقامة نظام جمهوري بديل، وكانت مشاربهم الفكرية واحدة، ومنابع ثقافتهم متقاربة تأثروا بأحرار اليمن، بالجيل الأول منهم، وتسربت إليهم الثقافة القومية، عبر الأحزاب القومية والتيارات الأخرى المناهضة للإمامة، وكان تأثرهم بثورة مصر، وزعامة عبد الناصر واضحاً في أهدافهم، وفي الطريق الذي رسموه لأنفسهم، كما إنهم قد تأثروا بالفكر الإنساني، والأطروحات المعادية للقوى الامبريالية والاستعمار العالمي، وكان اهتمامهم بالسلوك الشخصي لعضو التنظيم من أهم مقومات تنظيمهم، وقد بدا بعضهم مثالياً في تفكيره وفي سلوكه، وقد أكسبهم ذلك احترام المواطنين.
وفي ضوء تكوينهم الفكري الثوري،وانتمائهم الاجتماعي، وتطلعاتهم الثورية صاغ الضباط الأحرار أهدافهم الوطنية على مرحلتين، وجاءت الصياغة النهائية تدل على هذا التكوين، وهذا الانتماء، فكانت الأهداف الستة، التي أضحت فيما بعد أهدافاً للثورة اليمنية مع شيء من التطوير:
أولاً: التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما،وإقامة حكم ديمقراطي جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات.
ثانياً: بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد، وحراسة مكاسبها.
ثالثاً: رفع مستوى الشعب، ومضاعفة الدخل القومي، زراعياً وصناعياً.
رابعاً: إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني اشتراكي،مستمداً نظمه من روح الإسلام.
خامساً: العمل على تحقيق الوحدة الوطنية،ضمن الوحدة العربية.
سادساً: المساهمة في إقرار الأمن والتعايش السلمي في العالم.
وقد دلت هذه الأهداف على التوجه الوطني المعادي للاستعمار، وللاستعمار البريطاني على وجه الخصوص، والاستبداد الإمامي في الشمال، كما أنها دلت على الانتماء الطبقي للتنظيم، بالنص على إلغاء الامتيازات الطبقية، وعبرت عن الطموح في تجاوز آثار التخلف والعزلة، وذلك عن طريق بناء مجتمع ديمقراطي تعاوني اشتراكي، وهي عبارات كانت في الواقع تدل على الحماس والثورية، ولا تدل بالضرورة على الوعي بتعقيدات الواقع، وفي الأغلب فإن هذه النصوص قد انتقلت إليهم بتأثير الثورة المصرية، وجاء موقفهم من الوحدة اليمنية غامضاً، ربما لأنهم اعتبروا مفهوم الوحدة الوطنية يعني بالضرورة الوحدة اليمنية أرضاً وشعباً، وجاءت رؤيتهم للعلاقات الدولية متطابقة مع رؤية القوميين العرب من الصراع بين المعسكرين: الشرقي والغربي، ومطابقة لما تتبناه مصر العروبة حينها.
وأدرك تنظيم الضباط الأحرار أهمية التواصل مع التيارات الوطنية العاملة في الساحة اليمنية، ففي الواقع فإن معظم الضباط كانوا بصورة أو بأخرى أعضاء نشطين في تجمعات وطنية وقومية أبرزها جماعة الأحرار والبعث والقوميون العرب.
كانت جماعة الأحرار أقدم الجماعات نشأة، وأوسعها انتشاراً وجرت الاتصالات الأولى بين الأحرار وقادة التنظيم مع اكتمال تأسيس هياكل التنظيم وعبر الحوارات مع قادة الأحرار: عبدالسلام صبرة، وعبدالله السلال، وحسن العمري والجزيلان وآخرين، ووحد الأحرار والمدنيون والعسكريون جهودهم للإطاحة بالنظام الملكي، وما كان محل اتفاق مع قادة الأحرار في صنعاء، كان محل اتفاق مع قادة الأحرار من أمثال الإرياني، وعبدالغني مطهر في تعز، وكذلك الأمر في بقية المدن والحواضر اليمنية، وتعمقت الصلات بين الأحرار وبين قادة التنظيم لدرجة أن البعض نظر إلى هذه العلاقة وكأنها تتم في إطار تنظيمي واحد.
وهذه الصلة والعلاقات الحميمة في الداخل، لم تكن على نفس المستوى مع الأحرار في الخارج، فقد كان قادة التنظيم يعتقدون أن النعمان في القاهرة كان يؤيد “البدر” تأييداً واضحاً، وأنه كان لا يرى مبرراً لقيام الثورة ضد الحكم الإمامي، بحجة خوفه من عواقب فشلها إن هي فشلت، وكانت لديه قناعة أن البدر سوف يسير بالبلاد نحو حياة جديدة،وأن من اليسر احتواؤه، حتى بعد أن يصبح إماماً، بينما كان الشهيد الزبيري، ومعه العيني على قناعة تامة بضرورة قيام الثورة، وكان واضحاً قبل وبعد قيام الثورة قرب الزبيري والعيني من قادة التنظيم، وزعماء الثورة من ناحية، وبعد النعمان من ناحية أخرى، وللحقيقة فإن النعمان كان من الأوائل الذين أيدوا الثورة بمجرد وقوعها.
وكان البيضاني على قربه من فكر قادة التنظيم ، بعيداً هو الآخر عنهم، فقد اعتبرت أطروحاته الداعية للثورة وللجمهورية المستندة إلى رؤية طائفية مدعاة للقلق والرفض في الوسط القيادي، «ضباط، وأحرار، ومثقفين، ورجال دين، وشيوخ» فتنظيم الضباط الأحرار قام على فكرة الوحدة الوطنية، وكل فكرة كانت تعيد إلى الأذهان فكرة الصراع القحطاني العدناني في اليمن كانت فكرة تؤدي إلى تمزيق الصفوف، وإضعاف جبهة الأحرار، والذين من بينهم عدنانيون هاشميون، كما سترى لاحقاً.
4 موت الإمام، ولحظة التحول
منذ نشوء تنظيم الضباط الأحرار وهو يستعد للقيام بالثورة وكان على الضباط الصغار أن يقدروا الموقف تقديراً جيداً، وأهم عناصر الموقف أن السلطة لا زالت تملك بعض القدرات والإمكانيات لمقاومة أي عمل عسكري مضاد، وتخضع لها وحدات من المشاة، والأسلحة، ويمتلك بعض أفراد الأسرة أسلحة خاصة بهم، ولها سيطرة تامة على مخازن السلاح، ويحيط الإمام نفسه بأعداد غير قليلة من الجنود والأنصار، كما أن هذه السلطة لازالت تتمتع بقدر لايستهان به من التأييد الشعبي يدعم سياستها المحافظة.وكانت إمكانيات الثوار محدودة، لكنهم كانوا يتمتعون بإرادة صلبة، وإيمان عميق بالثورة، وكانت لديهم الشجاعة، وروح الإقدام على خوض المعركة بجرأة عظيمة، وكانوا في حاجة ماسة إلى الوقت والمال ليقوموا بأعمال كثيرة تضمن لهم تنفيذ الخطة بنجاح أكبر، وهذا بدوره كان يتطلب جهداً وتعاون قادة وأفراد التنظيم حيثما وجدوا.
لقد كان من أولويات التنظيم مهمة السيطرة على بعض أو كل الأسلحة الثقيلة، وضمان الحد الأدنى من الذخائر لهذه الأسلحة، «الدبابات والمدفعية» أما الأسلحة الخفيفة فقد جمعوا منها قدراً يكفي للقيام بالمهمة، سواء عن طريق الشراء، أو تهريبها من مخازن السلطة وإعادة خزنها في أماكن كان القليل منهم يعرف بوجودها، وكان أحد التجار ويدعى ناصر الكميم، ممن عرفوا بمواقفهم الوطنية التحررية قد اتخذ كل وسيلة لشراء وتخزين هذه الأسلحة، كما كان محله التجاري مقراً لاجتماعاتهم.
ولم يكن الضباط ليهملوا قضية إعداد ضباط وجنود الجيش للمشاركة في المهمة، ولكن سرية عملهم فرض عليهم حدوداً لم يكونوا قادرين على تجاوزها، لذلك تركوا العمل مع الجنود إلا القليل منهم للساعات الأخيرة، وتم التركيز على ضباط الوحدات والأسلحة، وكان بعض هؤلاء الضباط يتواجدون في وحدات مهمة تسيطر على أجزاء مفصلية من العاصمة، “كفوج البدر” مثلاً، وفي الوقت نفسه كان عليهم أن يضمنوا دعماً أكبر من الأوساط الشعبية الغاضبة والثائرة على النظام عندما تحين ساعة الصفر، فلربما خذلتهم هذه الجماهير كما خذلت قادة الانقلابات السابقة، وأخيراً فقد كان عليهم أن يعملوا بتلاحم أكبر من زعماء الأحرار في الداخل مثل الإرياني، وعبدالسلام صبرة، والسلال، وعبدالغني مطهر وحسن العمري، ومحمد علي عثمان، وأن يحرصوا على ضمان تأييد العدد الأكبر من زعماء القبائل فموقف الشيوخ سوف يكون حاسماً في تحديد مسار الأحداث، ولم يكن بعض هؤلاء الشيوخ بأقل إحساساً بظلم الإمامة، أو أقل انتماء للوطن من غيرهم، وقد سبق أن حمل بعضهم لواء المقاومة منذ وقت مبكر، وكانت فكرة الجمهورية مقبولة لدى أكثر شيوخ حاشد وبكيل وهم الأكثر أهمية والأعلى مكانة اجتماعية في الوسط القبلي.
كما جرت الاتصالات بالأحزاب القومية «البعث وحركة القوميين العرب» وكذا الماركسيين للغرض ذاته،وقام أحرار اليمن في عدن والقاهرة بدور تحريضي فعال، فبعد النهاية البائسة للاتحاد بين اليمن والجمهورية العربية المتحدة في ديسمبر 1691 وهي الفترة ذاتها التي نشأ فيها تنظيم الضباط الأحرار أصبح بإمكان الزبيري والنعمان والبيضاني أن يعودوا إلى التحريض المباشر عبر “صوت العرب”وبعض الصحف المصرية.
وفي الواقع فإن فكرة قيام الثورة ليست جديدة، وكذلك فكرة التخلص من الإمام أحمد، فقد ذهب الأحرار بعيداً بهذه الفكرة عندما عرضوا رؤيتهم على القوى المحيطة في محاولة لكسب تأييد إقليمي وشرعية عربية لأية محاولة كانوا يزمعون القيام بها، وعلينا أن نتذكر ما قاله الإرياني، عند لقائه الملك سعود والأمير فيصل «الملك فيما بعد» في موسم حج 9731«مايو9591» وقد تحدث مع الملك والأمير وكان حديثه مع الأمير واضحاً بهدف التعرف على رؤية المملكة من أي فعل قادم في اليمن، فقد أخذ الإرياني يشرح الموقف، ولم يكن الأمير على جهل بأوضاع اليمن، وتطرق الإرياني إلى التغيير، بل تغيير جذري يمكن أن يأتي بنظام جديد، وكان تعقيب الأمير قاطعاً مانعاً، فقد قال للإرياني: بإمكانكم أن تختاروا ما ترونه مناسباً، وسندعم اختياركم للبديل، إلا أن لنا عليكم شرطاً واحداً، وهو أن لا يتغير النظام إلى جمهورية ، فإذا فعلتموها «جمهورية» فإنني أقول لكم من الآن بأننا لن نقف مكتوفي الأيدي،وسوف نحارب حتى النهاية، وكان في الحقيقة يعني ما يقول. وكانت السعودية تود لو أن الظروف تهيأت لمجيء الحسن إلى العرش، فالمملكة قد حددت موقفاً واضحاً من البدر، وهو في نظرهم أمير أحمر، وقومي ناصري، ولم تكن علاقتهم حينها بمصر حسنة، وكانت الأفكار والشعارات التي تعلنها الثورة المصرية تثير قلق القادة السعوديين.
بعدها لم يعد لدى الأحرار أية أوهام حول إمكانية كسب الموقف السعودي، وإن كان بعضهم يأمل في أن تقف السعودية على الحياد، وقد دل نشاطهم لاحقاً على أنهم قد احتاطوا للأمور وبحثوا عن التوازن في الموقف العربي، ولم يكن بالإمكان خلق هذا التوازن إلا بالاعتماد على موقف قومي وداعم من الجمهورية العربية المتحدة، لكنهم أرادوا أن يستوقفوا من هذا الموقف.
وبحث الضباط في الطريقة المناسبة للاتصال بمصر فأحياناً لاتنفع الوسائل التقليدية في إجراء اتصالات في مثل هذه الأمور التي تتسم بالسرية والخطورة، ولكنهم مع ذلك لم يجدوا أمامهم غير الممثل الرسمي لمصر في اليمن محمد عبدالواحد فبعثوا إليه عبدالوهاب جحاف لجس النبض، ومع تقدم الاتصالات تولى علي عبدالمغني الحوار والاتصال معه، وأبلغه بناء على تكليف زملائه له بأن هناك تنظيماً للضباط الأحرار يعمل في المؤسسات العسكرية، وأن هذا التنظيم يسعى لإسقاط النظام الملكي، وإقامة نظام جمهوري وأن الضباط يودون لو يعرفون موقف مصر، وإمكانية مساعدتها إذا ما قامت ثورة في اليمن، وعلى نحو خاص إذا ما حدث تدخل خارجي محتمل، وكان هناك احتمالين لهذا التدخل، وجاء رد فعل مصر، بأنها تبارك العمل الوطني، وأنها على استعداد لتقديم العون في حينه، حسب ظروف وإمكانيات مصر، وكان هذا الرد يتطلب بالضرورة رفع مستوى الحوار ، والتوجه إلى القيادة المصرية مباشرة لمعرفة حدود هذه الإمكانيات ومداها.
وبحث الضباط عن شخصية وطنية يمكن الاعتماد عليها والوثوق بموقفها للقيام بهذه المهمة، دون أن تلفت إليها الانتباه، ولم يجدوا من هو أفضل من عبدالغني مطهر، التاجر، وأحد رموز الأحرار في القطاع المدني، وغادر عبدالغني مطهر صنعاء إلى القاهرة، وقد خالجه شعور بالأمل في أن تحقق زيارته نتيجة هامة، تكون بداية النهاية لقرون طويلة من الألم والعذاب والذل عاشها الشعب اليمني.
وكان عبدالمغني يحمل معه رسالة من علي عبدالمغني إلى القيادة المصرية، وكانت فحواها أن الضباط الأحرار يخططون لثورة يخلعون بها نظام الإمامة في اليمن، وهم يريدون معرفة كيف تستطيع مصر أن تساعدهم، وفي الرسالة هناك بعض التفاصيل وتصور حول حكومة ثورة مرتقبة،. واستقبل عبدالغني من قبل المخابرات المصرية ثم من قبل السادات، وأخيراً جمال عبدالناصر، الذي كانت لديه بعض الشكوك، ربما المخاوف من احتمال فشل الانقلاب، إلا أن السادات راح يؤيد بقوة، وبتأثير من البيضاني مطالب ثوار اليمن، وكان بارعاً في عرضه السياسي حيث قال: إن قيام ثورة في اليمن الآن يمكن أن يكون رداً على ضربة الانفصال التي وجهت لمصر، بإخراج سوريا من الوحدة في العام السابق، كما أن هذه الثورة إذا نجحت سوف تحدث آثاراً كبيرة في شبه الجزيرة العربية.
واعتبر عبدالغني لقاءه بعبدالناصر الأكثر أهمية، ففي هذا اللقاء الذي حضره السادات، طرح عبدالناصر عدداً من الأسئلة، وأبلغ غبدالغني أن تشكيل حكومة الثورة أمر “يمني” خالص، وليس لمصر فيه تدخل، وطلب من قادة التنظيم الكتمان حتى تحقيق النجاح، ثم قال: كونوا على يقين أننا معكم، وسنمدكم بالمال والسلاح، وسنعمل على حمايتكم من أي تدخل خارجي “ وكان ذلك أهم مافي المقابلة.
لقد حققت الاتصالات قدراً من الطمأنينة لدى الضباط في صنعاء،وها قد حصلوا على ما كانوا يتوقعون من وعد قاطع، ومنذ تلك اللحظة حصل الثوار على الدعم المادي والمعنوي من مصر، وبالرغم من ملاحظة عبدالناصر حول الحكومة القادمة، إلا أن البيضاني الذي أصبح قطباً في القضية، وطرفاً من أطرافها لقربه من السادات، سلم عبدالغني رسالة شخصية إلى قادة التنظيم أوحى لعبدالغني أنها تمثل وجهة النظر المصرية، تضمنت اقتراحات مهمة، أولها تعيين عبدالرحمن الإرياني رئيساً للجمهورية ، وعبدالرحمن البيضاني نائباً للرئيس، ورئيساً للوزراء ووزيراً للخارجية، ولم يدرج فيها اسم الزبيري والنعمان، وقال الإرياني وهو الخبير بأسرار الحركة إن مقترحات البيضاني غير واقعية.
ورفض المقترح، وأبلغ عبدالغني رأيه أنه إذا لم يشترك الزبيري والنعمان في الحكومة فهو الآخر لن يشترك فيها، ومن المحتمل أن تلك الآراء كانت من اقتراحات السادات، أو ربما هي آراء خاصة بالبيضاني، وأقحمت القاهرة فيها إقحاماً؛ لأن موقف عبدالناصر من الحكومة القادمة كان صريحاً وواضحاً، وعندما عرض عبدالغني نتائج زيارته على علي عبدالمغني امتعض هذا تعبيراً عن الرفض.
لقد كانت رئاسة الجمهورية، وقيادة الثورة محل نقاش في الوسط القيادي للتنظيم وبينهم وبين زعماء الأحرار، وسبب هذه المناقشة الجادة والحادة في آن واحد، أن قادة التنظيم جميعهم من ذوي الرتب الصغيرة، وأن الثورة لكي تنجح تحتاج إلى شخصية عسكرية بارزة، وقد انصبت المناقشات على اثنين مؤهلين للقيام بهذا الدور: الأول هو العقيد حمود الجائفي والثاني هو عبدالله السلال،وعرض الموضوع على حمود الجائفي، إلا أن الجائفي اعتذر، ربما لاعتقاده أن الوقت لم يحن بعد.وربما لغيابه عن الإعداد المباشر للثورة، لكنه أبدى استعداده للمشاركة فيها، وقد كان الجائفي الأقرب إلى الجزيلان، وعلي عبدالمغني، ومعظم قادة التنظيم، وقام الجزيلان بمحاولة أخيرة يوم 42 سبتمبر بصحبة أحمد الرحومي، لكنهما فشلا في إقناع الجائفي، فلم يبق أمام الثوار غير عبدالله السلال، وكان السلال في تقدير الكثيرين جديراً بالتكليف، كان نقي الصفحة أمام الجيش وأمام الشعب، فلم يستغل منصبه العسكري ولا استغل منصبه الإداري على ميناء الحديدة، ولاتسبب في الإضرار بأحد مهما كان مناوئاً للعهد، ولا أوصلته مناصبه ورتبته إلى حد الثراء، على حين كان يثرى سواه من مناصب أدنى، إلى جانب هذا تجلت له مواقف بطولية في إخماد فوضى القناصة بذمار، عندما حاولوا نهبها أثر تسريحهم من الجيش في تعز عام 9591م كما تجلت للسلال مواقف شعبية عندما أناط به القصر «الإمام» مهمة سحق الطلاب المتظاهرين في أغسطس 2691م فأبدى تعاطفاً معهم إلى حد اتهام الحاشية له بالتواطؤ.
وكلف عبدالسلام صبره بنقل قرار التنظيم للسلال، فلم يتردد، وقبل المهمة على مافيها من خطورة، وبالتالي قبل زعامة الثورة، وعاد عبدالسلام صبره يبلغ قادة التنظيم بموافقة السلال دون شروط أو قيود.
لقد كان الاتفاق بين قادة التنظيم، وزملائهم من الأحرار، الذين غدوا أكثر توحداً مع اقتراب موعد الثورة، أن تكون تعز هي المسئولة عن القيام بالثورة نظراً لوجود الإمام فيها، وكذلك بعض الأمراء وكبار الموظفين، وكان على ضباط تعز والأحرار هناك أن يقوموا بالهجوم على قصر الإمام، ثم تتم السيطرة على صنعاء وبقية مدن اليمن الأخرى تباعاً، وقد تم تأجيل العملية والتي كان مقرراً لها يوم 32سبتمبر لأسباب تتعلق باستكمال الاستعدادات ، ولما تبين أن حالة الإمام الصحية قد تأخرت إلى حد بعيد.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تأجيل موعد قيام الثورة، فعندما اندلعت المظاهرات الطلابية، وعم الغضب صنعاء وتعز في أغسطس من جراء الطريقة التي تعامل بها النظام مع الطلاب، رأى البعض أن تلك فرصة مناسبة للتحرك وتفجير الثورة ولم يكن ذلك رأي الأغلبية فتأجل الموعد.
وفي وقت متأخر من مساء 91سبتمبر 2691م توفي الإمام أحمد على فراشه في تعز، وتمكنت حاشية الإمام من إخفاء الخبر، حتى يتم إبلاغ البدر، وهو بدوره تكتم عليه حتى اليوم الثاني ليقوم بالاستعدادات اللازمة من حوله ، وفي 02سبتمبر أعلن البدر إلى الشعب اليمني وفاة والده، وأعلن عن توليه الإمامة، ومنح لنفسه لقب “المنصور بالله”.
ونُقل جثمان الإمام المتوفي إلى صنعاء، التي استعادت دورها على التو كعاصمة للبلاد، ومقراً دائماً للإمام الجديد، فأحدث موت الإمام أحمد، ووجود الإمام الجديد في صنعاء تغييراً في خطة الأولويات لدى الثوار، وعاد الجدل من جديد حول الموعد المناسب للقيام بالثورة، ورأى بعضهم أن لحظة دفن الإمام أحمد هي الأكثر ملائمة، حيث يتواجد كل أعمدة النظام،باستثناء الحسن،وبعض الأمراء،لكن الجائفي الذي تكلف إلى جانب السلال والعقيد عبدالله الضبي مدير أمن صنعاء بالترتيبات الأمنية للجنازة رفض الفكرة،إذ توقع ضحايا أكثر من كل الطبقات الاجتماعية نتيجة كثرة مشيعي الجنازة،وهذا ما يؤدي إلى انفلات الأمن،وسيمنح الحسن فرصة ليؤلب الرأي العام،وقد ثبت صواب رأي الجائفي.
لقد أبرق البدر إلى الملوك والرؤساء العرب يبلغهم موت أبيه،ويعلمهم أن أعيان اليمن،وعلماءها،ورؤساءها،وأعضاء البيت المالك قد اختاروه إماماً شرعياً،وقد خص جمال عبدالناصر ببرقية مطولة،لاتخلو من معان كثيرة،ولكنها تخلو من أي عبارات توحي حقيقة بتوجهات قومية للبدر،الذي كثيراً ما استخدم مفاهيم الثورة ومقولات عبدالناصر في خطاباته العامة.
وفي خطاب العرش الذي ألقاه في 02 سبتمبر تعهد البدر بالولاء للشعب وبنصرة المظلومين،وإقامة العدل بين أفراد الشعب،والتصميم على الوقوف إلى جانب الضعيف.
ووعد بإصدار القوانين التي تضمن للمواطنين نفس الحقوق التي يتمتع بها مواطنو العالم المتحضر. والتزم برفع مستوى المواطنين ومعاملتهم بالمساواة في الحقوق والواجبات،ووضع اليمن على ركب الإنسانية باتجاه الرخاء والسلام والأمن، وأكد سعيه لتحقيق أمنية العرب الكبرى في قيام أمة عربية واحدة.
وحدد البدر الاتجاه العام لسياسته الخارجية معلناً أن اليمن سوف تستمر في انتهاج سياسة الحياد الايجابي،وانه سيبقى وفياً لمبادئ الأمم المتحدة، وميثاق جامعة الدول العربية،ومبادئ«مؤتمر باندونج» وفي الأيام الأولى لعهده القصير وقع الإمام البدر على عدد من المراسيم الحكومية،ففي المرسوم الأول والثاني،احتفظ البدر للوزراءو ونواب الإمام في الألوية، وكبار قادة الجيش بمناصبهم،وتضمن المرسوم الثالث العفو عن كل مرتكبي الأحداث السياسية السابقة التي أودت بمرتكبيها إلى السجن أو إلى الهجرة خارج البلاد،وألغى المرسوم الرابع نظام الرهائن والتنافيذ،وأطلق سراح السجناء السياسيين،وأعفى المرسوم الخامس المواطنين من البقايا«بقايا الضرائب» التي لم تورد إلى خزينة الدولة حتى عام 0691م،باستثناء القروض والسلفيات،ونص المرسوم السادس على رفع مرتبات الضباط والجنود ومخصصات القبائل.
وقد ظن البدر أنه بهذه الإجراءات قد أمسك العصا من وسطها،فهو من ناحية أرضى النخبة الحاكمة في عهد والده،وكبار موظفي الدولة وضباط الجيش وشيوخ القبائل الذين ارتبطت مصالحهم بالنظام،ومن ناحية أخرى أرضى المعارضة بالحديث عن العدالة والمساواة ونصرة المظلومين،وفي محاولة لتحسين صورة العهد الجديد ألغى نظام الرهائن الذي كان وصمة عار في جبين النظام،وبدأت إذاعة صنعاء تبدأ بثها باسم المملكة العربية اليمنية بدلاً من المملكة المتوكلية اليمنية.
كان البدر في الواقع وفي الممارسة العملية ينوي الارتداد عن وعوده السابقة،واقعا تحت تأثير أفراد العائلة المالكة،المحافظة بطبيعتها،والتي أشارت عليه بدعوة عمه الحسن من الخارج،وإعادة ترميم البيت المالك من الداخل،في مواجهة المعارضة،وقد أفصح خطابه إلى عمه عن هذه النوايا،فهو لم يكتف بدعوته للعودة،بل وعرض عليه أن يتولى مجلس «الشورى» الذي أصدر به مرسوماً،كما اقترح عليه منصب «نائب الإمام» ومسئولية المناطق الشمالية،التي يعرف أن لعمه الحسن تأثيراً على قبائلها،وذاك «لملاقاة زحف الأخطار في المستقبل،.. ويكون كل منا رداً للآخر من مركزه القوى.. وإعادة التراث في حب الآل إلى نفوس الاخوان هناك،واصفاً لعمه الحسن المعارضة بأنها «زنقلة من بعض الشباب سيما شباب المشايخ الذين تغذيهم القاهرة».
وأعلن بعد أيام من توليه السلطة عن عزمه على مواصلة سياسة والده الإمام أحمد،وكان هذا يعني بالنسبة لأحرار اليمن تراجعا عما وعد به في خطاب العرش،الأمر الذي أثار التيقظ والحرص والقلق؛لأن البدر بهذا الإعلان قد ركن إلى الطرف الآخر وانحاز إلى جانب المحافظين،وغلاة الرجعية في أسرته المالكة،فظهر لا كملك مستنير كما كان يؤمل فيه،ولكن كطاغية جديد،وحاكم رجعي،اقتفى أثر والده وجده،وهو ما جعل الأحرار ينددون في منشوراتهم بمواقفه،ويتهمونه بعدم الوفاء،وكان هو الآخر،ينظر لنشاط الأحرار،بشيء من القلق،خصوصاً بعد أن أبلغه حاكم إب العجوز القاضي والحاكم المخضرم محمد عبدالله الشامي أن هناك ثورة تدبر ضده،وربما حذره من بعض الأشخاص والرموز المدنية والعسكرية.
وانشغل الإمام بمهام الترتيبات الأولى لعهده الجديد،وبدأ في استقبال المهنئين ومن بينهم شيوخ القبائل،وقد وفد إلى الإمام عدد غير قليل منهم،كان من بينهم شيوخ وطنيون، كانت لهم إسهامات بارزة في مقاومة العهد البائد،ومنهم علي أبو لحوم،وعلي عبدالله القويسي، ومحمد علي الرويشان،ومحمد أحمد القبري،وآخرين.
وكانوا على تنسيق واتفاق مع الضباط الأحرار على عدم مبايعة الإمام إلا إذا وعد بتحقيق بعض المطالب،ومنها إعفاء الوزراء الفاسدين وتنحيتهم عن مناصبهم،وفتح المدارس التي أغلقها والده الإمام في أثناء المظاهرات الطلابية في أغسطس الماضي وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين،وكان البدر قد أعلن عن إطلاق سراحهم،لكن يبدو أن المشايخ لم يكونوا على ثقة أن الإمام سيفي بما أعلنه ووعد به،وجاء في مطالب الشيوخ دعوة الإمام إلى إعادة الاتحاد بين اليمن والجمهورية العربية المتحدة،والذي كان قد تم حله في ديسمبر من العام الماضي 1691م،وربما كان هذا المطلب هو التعبير غير المباشر عن التوجه السياسي للشيوخ،وفي 42 سبتمبر أي قبل الثورة بيومين فقط وضع الشيوخ هذه المطالب ومطالب أخرى أمام الإمام عندما قابلهم،وليبعد نفسه عن الحرج أحال مطالبهم على وزير خارجيته حسن إبراهيم،الذي أصبح مستشاراً خاصاً للإمام،وكان هذا من غلاة المحافظين في الحكم.
وتمت المقابلة بين الوزير والشيوخ،وقرأ الشيخ محمد عبدالله القوسي من مشايخ الحداء المطالب ذاتها،فاستشاط الوزير غضباً، ولم يكن موفقا في رده على المشايخ، إذ اعتبر ذلك خروجاً على التقاليد المرعية في مثل هذه الظروف، وتدخلاً من جانبهم فيما لايعنيهم من قريب أو بعيد، بل واعتبره عملاً منكراً يستحق أقسى العقاب،وفي حين كانت المطالب في نظر أصحابها مشروعة،ولاتستهدف أكثر من تخفيف الجور على الناس،وتأمين أبسط الحقوق الإنسانية،وهكذا انتهت هذه اللقاءات مع الشيوخ دون مبايعة البدر،وكان هؤلاء يمثلون قطاعاً واسعاً من السكان، بل يمكن اعتبارهم القطاع الشعبي الأكثر حضوراً سياسياً وعسكرياً عند الأزمات،وقد أشار البدر إلى هؤلاء في رسالته إلى عمه الحسن ووصفهم «بالزناقلة» وهو مايؤكد بعد المسافة التي كانت تفصله عن هذه الشريحة الاجتماعية الواسعة في المجتمع،وبعد ذلك أمر الإمام باعتقال الشيخين عبدالوهاب دويد،وعبدالولي القبري،كما اختفى الشيخ القوسي حتى قيام الثورة،فترتب على ذلك أن اقترب الشيوخ من مطلب الإطاحة بالنظام أكثر فأكثر.
ومن المرجح أن موقف المشايخ قد عزز لدى الإمام الإحساس بوجود خطر حقيقي يقترب من عرشه،ويهدد نظام حكمه،فأخذ مع من حوله يفكر في كيفية التعامل مع هذا الاحتمال،كما قد بدأ الشك في بعض رجاله،ومنهم السلال الذي لاحظ عزوف الإمام عنه،وربما تأكد أن معلومات رجل الدولة محمد الشامي كانت صحيحة، فقرر المبادرة باتخاذ موقف كان قد بدأ على التو التفكير فيه،وهو القيام بضربة «استباقية ووقائية» بمصطلح اليوم،يقوم من خلالها باعتقال عدد من ضباط الجيش،وزعماء المعارضة،كان يراهم مصدر شكه وظنونه،وعن طريق السلال قائد حرسه،والمرشح لقيادة الثورة ورئاسة الجمهورية عرف الضباط الأحرار بنية الإمام،فبادروه قبل أن يبادرهم،وانقلبوا عليه قبل أن يقضي عليهم،وكانت الثورة،ويبدو أن أطرافاً أخرى قد سربت إلى البدر معلومات غاية في الأهمية عن تنظيم الضباط الأحرار،الذين عرفوا أن هناك قائمة من 51 ضابطاً سوف يتم اعتقالهم والبطش بهم،وكان على رأس هذه القائمة علي عبدالمغني،وعبدالله جزيلان،وعبداللطيف ضيف الله وآخرون.
وهكذا تشابكت العملية،وبدأت تأخذ مجرى سريعاً،ضاعف من احتمالات قرب الانفجار التهديدات التي أطلقها حسن إبراهيم لبعض الضباط،فكانت المسألة فقط من يبدأ أولاً الثوار أم الملك،وكانت الساعات الأخيرة قبيل الثورة مشحونة،ومفتوحة على كل الاحتمالات،وقد أدار الضباط الأحرار هذه الساعات الفاصلة باقتدار فيما بينهم وفيما بينهم وبين بقية الأحرار، ويشهد البعض أن المناضل عبدالسلام صبره كان همزة الوصل بين جميع الفرقاء والفعاليات،من عسكريين ومدفعيين ومشايخ،ومحط تقدير الجميع.
5 الثورة، نهاية عهد،وبداية مرحلة
في المقولات الثورية،الطغيان يبرر الثورة،وقد بلغ الطغيان الإمامي في اليمن أقصى مداه،وكان لابد أن تتحول التجربة الإنسانية التحررية لمناضلي اليمن إلى فعل ثوري مع الزمن،وكانت الثورة قادمة سواء جاءت من الثكنات العسكرية أم جاءت انتفاضة شعبية،تكون تتويجا للانتفاضات الشعبية التي تعاقبت على البلاد منذ قيام الدولة المتوكلية،أو مزيج بين ماهو شعبي وماهو عسكري.
بعد ظهر اليوم السادس والعشرين من سبتمبر 2691م قرر الضباط الأحرار التحرك وفي سلسلة اجتماعات ولقاءات اعتبروا الساعات القادمة ستكون بمثابة ساعات فاصلة في تاريخ اليمن، حيث أمرت قيادة الثورة، «قيادة التنظيم» بفتح مستودعات الذخائر والأسلحة الخفيفة وتوزيعها على الضباط،ونقل ذخائر الدبابات إلى موقع الدبابات في «الفوج» عن طريق أسطح الكلية الحربية،وأعطيت التعليمات للثوار بتنفيذ خطة الهجوم على القصر الملكي «قصر البشائر» والاستيلاء على السلطة عنوة،والقضاء على النظام الملكي الإمامي في اليمن،وإقامة النظام الجمهوري،وكانت الساعات الأخيرة قبل الهجوم على قصر البشائر،مقر الإمام البدر مشحونة بالتوتر،وملأى بالمفاجآت لكن الثوار الذين تجمعوا في الكلية الحربية،أو الذين بقوا خارجها أخذوا ينتشرون في أماكن مختلفة من العاصمة.
كانت المهمة الأولى في هذا التحرك الكبير قد أوكلت إلى النقيب حسين السكري ليقوم باغتيال الإمام عند خروجه من اجتماع ضمه وبعض وزرائه،لكن السكري فشل في مهمته،لأن بندقيته التي غرزها في ظهر الإمام لم تنطلق،وأدرك الثوار فشل زميلهم في قتل الإمام،ولم يعد أمامهم المزيد من الوقت،فتقدمت دباباتهم نحو القصر،ست دبابات أحاطت به من نواح مختلفة،كان يقودها ستة أبطال،من أعضاء التنظيم هم عبدالله عبدالسلام صبره،ومحمد الشراعي،وعبدالله محسن المؤيد،ويحيى جحاف،وأحمد مطهر زيد،وعبده قائد،وجميعهم كانوا برتبة ملازم،وانضمت إليهم دبابة سابعة يقودها الملازم عبدالكريم المنصور، وإلى جانب هذه الدبابات كان هناك عدد من السيارات المدرعة يقودها الملازم أحمد الرحومي،أوكلت إليها مهمة حماية الدبابات أثناء الهجوم،يدعمهم عدد غير قليل من المشايخ وأبناء القبائل،بعضهم كان قد رفض مبايعة الإمام،وبعضهم كان ملاحقاً من قبل أجهزته،وقد ساهموا في اقتحام القصر الملكي والاستيلاء عليه،وعلى مواقع أخرى لاتقل أهمية.
وبمجرد ظهور أول دبابة على مدخل قصر «البشائر» بادر حراسه بإطلاق نار كثيف،وهو الأمر الذي عطل رغبة الثوار في إنذار الإمام في البداية،ودعوته للاستسلام قبل فوات الأوان وحقنا للدماء،لكن ذلك لم يحدث،وانطلقت مدافع الدبابات تدك قصر الإمام البدر،ولكن دون إسراف؛لأن الطلقات التي كانت بحوزة الأطقم المهاجمة محدودة،وكانت الذخائر في قصر «السلاح» الذي رفض حراسه فتحه إلا بإذن من الإمام مباشرة،أو من عبدالله السلال قائد الحرس الملكي،ومع استمرار المعركة لساعات،كانت الذخيرة تقترب من النفاذ،ويزداد موقف الثوار حرجاً،وبدت لحظات ربما ظن فيها البعض أن كارثة كبيرة قد تحل بالثورة وبالثوار، وكانت الحاجة إلى عبدالله السلال،كالحاجة إلى المنقذ من هلاك وموت زؤام.
واتصل عبدالسلام صبره،والذي كان حلقة وصل بين جميع الفرقاء،الضباط الأحرار،وأحرار اليمن،والشيوخ،اتصل بالزعيم،السلال،الذي أبدى استعداده للانتقال فوراً إلى مقر القيادة،لكن وصوله كان متعذراً بسبب النيران بين خط سيره والكلية الحربية،حيث يتواجد رفاقه هناك،ولإنقاذ الموقف بادرت القيادة إلى إرسال الملازمين أحمد الرحومي،وصالح الرحبي على رأس مجموعة لمنزل السلال،حيث نقل إلى مقر القيادة،وباشر على التو مهمته كقائد،وأصدار أمره الأول إلى مفرزة القصر «قصر السلاح» بأن «افتحوا الباب لنزول الذخائر»باعتباره قائد الحرس الملكي،وتلكأ قادة قصر السلاح في تنفيذ الأمر في البداية،ولكنهم مالبثوا أن فتحوا أبواب القصر،وتحت تأثير الخوف من ردود الفعل كما يقول السلال،وبدأت الذخائر تنتقل إلى الأطقم المقاتلة وتنفس قادة الثورة الصعداء.
وتدريجياً كانت مقاومة الحرس الملكي تضعف،وبعد ساعات من بدء إطلاق النار اختفى حرس الإمام،الذي عرض على السلال استعداده لتنفيذ ماكان يطلبه الثوار ماعدا التنازل عن العرش،لكن قادة الثورة ردوا عليه بأن يسلم نفسه،وله الأمان،ويبدو أن الإمام قد تيقن من فشل المقاومة،لذا قرر الهرب.
وبمساعدة أحد الضباط،وفي الساعة العاشرة من صباح 72 سبتمبر تمكن الإمام البدر من الخروج من القصر متجها نحو منطقة «ضلاع همدان» شمال غرب صنعاء،وهناك استقبله الشيخ عاطف المصلي،وأعطاه مايكفي من المال والرجال لتوصيله إلى عمران،فاصطدم في عمران بالقوات الموالية للثورة،فقرر الذهاب إلى حجة،لكنه وجد حجة وقد أعلنت ولاءها للثوار،فيمم وجهه شطر المملكة العربية السعودية،ومن السعودية قاد حرب الملكيين ضد الثورة.
لقد خمدت المقاومة من بيوت الأمراء،وتمت السيطرة على الإذاعة في الساعات الأولى لقيام الثورة،كان على رأس المجموعة التي قادت عملية السيطرة على الإذاعة حسن العمري وعلي أبو لحوم،وصالح الأشول،ومثنى الحضيري،وعلي قاسم المؤيد،وأحمد ناصر،وطاهر الشهاري،وحسن السخيمي،ولم تجد هذه المجموعة مقاومة كبيرة،لكن علي أبو لحوم أصيب في الاشتباك الخفيف الذي جرى مع قائد حامية الإذاعة،فكان أول المصابين على ما يبدو ونجحت السيطرة على الإذاعة لأن العمري كان وجماعته على علم بساعة الصفر،ونجحت عملية تشغيل الإذاعة رغم بعض المقاومة من بعض بيوت الأمراء؛لأن مجموعة أخرى كانت موجودة بها،وكانوا على استعداد لإذاعة البيانات الأولى للثورة ومن هؤلاء محمد عبدالله الفسيل وعبدالعزيز المقالح،وحسين المروني مدير الإذاعة،وهذه المجموعة بالإضافة إلى عبدالسلام صبره هي التي اقترحت أولى الوزارات الحكومية في عهد الثورة،بناء على طلب السلال.
وأثناء عملية السيطرة على العاصمة اعتقلت قوات الثورة الأمراء من البيت الحاكم،وكبار رجال الدولة،وقادة الجيش الموالين للإمام،وأعلنت حالة الطوارئ في البلاد وأغلقت الموانئ والمطارات،وتم الاستيلاء على المرافق الحيوية للدولة،وقصور أفراد الأسرة الحاكمة،وقدم للمحاكمة أرباب النظام القديم،وجرى إعدام بعض الأمراء ورموز العهد البائد،الأمير إسماعيل بن يحيى وحسن إبراهيم وزير الخارجية،وعبدالقادر بن طاهر قائد جيش تعز وحمود الوشلي نائب الملك السابق في تعز،وزيد عباس وزير التربية وأحمد يحيى عباس قاض سابق،ويحيى عبدالقادر حاكم الحديدة،وحمود عبدالملك حاكم الحجرية،والأمير علي بن يحيى،والأمير الحسن بن علي الذي عرف بمواقفه الوطنية والتحررية،وصودرت أملاكهم،وتمكن من الفرار بعض المسئولين.
وواحد من الأمراء هو الأمير عبدالله بن الحسن،وكان الأمير الوحيد الذي دعا إلى تأييد الثورة هو الأمير الحسن بن القاسم،وبالرغم من أن الثوار حرصوا على تشكيل محكمة شعب لتنظر في جرائم قادة العهد الإمامي،إلا أن هذه المحكمة كانت في الواقع تتخذ قراراتها بالاتفاق مع قادة الثورة الآخرين،وكان وجودها رمزياً، أو صورياً، وكان الحماس الزائد يغلب على أعضائها.
لقد ارتكب الثوار خطيئة كبرى عندما تركوا لعواطفهم العنان،ووقعوا في أخطاء النظام ذاته،كان ينبغي أن تعطى للذين وقفوا أمام المحكمة العسكرية فرصة للدفاع عن أنفسهم،وكان يجب أن تكون هذه الفرصة حقيقية لاشكلية،وكان من المفترض ألا تصادق القيادة العليا للثورة على قرارات المحكمة العسكرية إن كانت هناك محكمة حقاً، إلا بعد رؤية وتبصر،مع قدر عال من الحرص على عدم سفك المزيد من الدماء،وكان من المفترض التفريق بين من قاوموا أو ارتكبوا أعمالاً إجرامية وبين من اعتقلوا من بيوتهم، أو كانوا فارين واعتقلوا كما حدث للحسن بن علي،فما بالكم إذا كان الحسن بن علي هو ماكان عليه من اتصال وعلاقة طيبة مع الأحرار،وكان رجلاً معتدلاً بل ومتقدماً بمقاييس ذلك الزمان، وليس له سابقة ضد الأحرار، إن لم يكن قد حمى بعضهم من بطش الإمام وجبروته، لقد كانت هذه الممارسة بداية لتجربة امتد أثرها فيما بعد وعُرفت بثقافة العنف والعنف المضاد في التجربة الثورية اليمنية، ومع ذلك وبالنظر إلى ماكانت عليه اليمن من حال، وماتركه الأئمة من تاريخ دموي أسود دام طويلاً، يبقى حدث الثورة ذاته عظيماً، وإنجازاً إنسانياً رائعاً برغم ماعلق به من شوائب.
وسيطر الثوار على مدينتي تعز والحديدة وقد سلمت تعز للثورة دون إراقة دماء.
فعلي الآنسي مدير الأمن في المدينة كان كما عرفنا قريباً من الأحرار، وعندما علم أن صنعاء قد أصبحت بيد الثوار، أعلن تأييده للثورة خاصة وقد اطمأن أن الجائفي الذي تربطه به علاقات قرابة كان واحداً من قادتها، واعتقل في تعز نحو 54 من الأمراء، وقادة النظام السابق، وعمت الفرحة المدينة، واعترف قادة التنظيم بدور فاعل لعبد الغني مطهر، وعلى محمد سعيد، وسعيد الجناحي وآخرين وكان علي سعيد والجناحي من قادة فرع حركة القوميين العرب في اليمن.
وقد ساد الحديدة شيء من الارتباك، وظل الموقف فيها هادئاً، وفجأة خرجت المظاهرات في الحادية عشرة ظهراً مؤيدة للثورة، كان يقودها يوسف هبه، ويوسف الشحاري وإبراهيم صادق، وعبدالله الصيقل، وآخرون، بينما ساد الهدوء أنحاء اليمن، وتأكدت سيطرة الثوار على البلاد، إلا أن ذلك لايعني عدم وجود بعض المقاومة، وبعض فلول النظام السابق لازالت تثير بعض الإشكاليات.
وكان موقف القبائل من الثورة مسألة حيوية للنظام الجديد، فقد سبق لبعض الشيوخ أن شاركوا بفعالية في الزحف على القصر الملكي، وساهموا في السيطرة على العاصمة، ولم ينتظر الثوار طويلاً موقفاً واحداً من الشيوخ الأكثر أهمية، وهو موقف الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، الموجود في سجن المحابشة، وماكان للشيخ عبدالله أن يتنكر لتاريخ جده وأبيه وأخيه حميد الذي كان أول من دعا إلى الجمهورية من رجال القبائل، ودفع حياته في سبيلها، وكذلك فعل والده، وكان السلال يعرف مكانة الأحمر بين قبائل الشمال الحاشدية، والأهم أنه يعرف موقفه من النظام، فأمر في يوم 72 سبتمبر بإطلاق سراحه من سجن “المحابشة” واستقبله استقبالاً يليق به في صنعاء، وكلفه بمطاردة الإمام وأنصاره على الحدود الشمالية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.