الكاتب عبدالقوي العصفور، أحد أعمدة التوجيه المعنوي، غيّبته صواريخ الغدر الصهيونية بالأمس، لكنه سيظل باقٍ في ذاكرة كل من عرفه.. لم يكن مجرد موظف يؤدي عمله، بل كان أنموذجًا نادرًا في الإخلاص والانضباط، ورجلاً عصاميًا تجاوز عقده الخامس أو السادس بعزيمة لا تلين. كان مثقفًا واسع الاطلاع، عاشقًا مغرماً بالقراءة حتى صار موسوعة معرفية متحركة. يحدثك عن السياسة والتاريخ والدين بوعي عميق وأسلوب راقٍ، يقنعك بالحجة ويأسر مسامعك بتهذيبه ورصانته. لم يكن الشهيد العصفور له أهل يزورونه أو يسألون عنه، فأهله كانوا زملاءه في التوجيه، ومكتبه كان بيته الذي لم يفارقه حتى في الأعياد. لم يعرف معنى الإجازة؛ فالعمل بالنسبة له عبادة ورسالة، يؤديها بدقة متناهية وهمّة لا تعرف الكسل. كان زاهدًا في الدنيا إلى حد يثير الدهشة؛ لا يسعى إلى المال إلا بقدر ما يسد احتياجه اليومي، ولا يطلب من أحد عونًا أو عطية. يكتفي بالقليل، لكنه تشبع بالكثير من القيم والمبادئ. أربعون عامًا قضاها بين جدران التوجيه المعنوي، لم يؤذِ فيها أحدًا، بل كان موضع التقدير والاحترام. يتولى المهام بصدر رحب، وينجز أعمال غيره بحب، يكتب المذكرات الرسمية، يصوغ المقالات، يراجع الكتب ويعيد صياغتها بإتقان، دون أن يطلب أجرًا أو مكافأة. حتى أوراق المبنى ورفوفه تعرفه جيدًا، فقد احتضنته طويلًا. واليوم يفتقده الركام، فيما يفتش زملاؤه عنه بين الحجارة منذ ليلة الأمس، كما يفتشون عن يوسف الذي وجدوه جالسًا على كرسيه والركام فوق رأسه، وعن كثير من الزملاء الذين باغتهم الموت بصواريخ العدوان الغادرة. لقد رحل الصحفي عبدالقوي العصفور شهيدًا، كما رحل معه الكثير من زملائه، وبقيت ذكراهم جرحًا نازفًا في قلوبنا. رحم الله الشهيد عبدالقوي، ورحم الشهيدة أمل وكل الشهداء، وشفى الله الجرحى، وجعل من دمائهم بشارة لنصر قريب بإذن الله.