وأخيراً أراد الانتحار ، اقترب أكثر من حافة الهاوية وعيناه الشاردتان تجوسان البحر لا تحفلان بأحد ،يتساقط الدمع منهما وهو ينشج بألم .. من فوقه تعالت أصوات طيور النورس المتوجسة ، ونحن من أسفل قلعة صيراء شاخصون بأبصارنا نحوه ، يصاحب صخبنا أصوات لأمواج تتكسر على المنحنى القريب ، لا يصلح شيئاً لإنهاء ذلك ولإنهاء توسلات رجل طاعن في السن أستأنس قربي رافعاً أكف الضراعة إلى الله راجياً أن يؤول الأمر إلى خير سوى سقوط جسده الهزيل على الهضبة المقابلة لنا . بدا لي وأنا من فوق تل صغير أتطلع إليه واجماً متردداً تارةً يتفحص أحد جيوب قميصه كأنه يخبئ شيئاً ثميناً فيه وتارةً يقوس حاجبيه كأنه قد حزم أمره لشيء عظيم . تقدمت ومعي جمع غفير وتسلقنا القلعة وبنا أمل في أن يظل متسمراً في مكانه شارداً ولكن عبثاً ، تفحص مرة أخرى جيب قميصه وهو زائغ البصر وقدماه تتفرصان خوفاً ، تقدمت إحداها فجأة في إقدام إلى الأمام وهوى بنفسه إلى أسفل. أعطيت يدي راحتها لتنسل إلى جيبه الذي كان يتفحصه فأخرجت صورة لفتاتين جميلتين في عمر الزهور ، لم أتمالك نفسي إذ انسابت العبرات مني بحرقه ، وبكيت.