الكل منهمك في عمله ولا يسمع غير طقطقات صادرة من أصابع التلاميذ كحوافر خيل جامح والذين تراصوا كأشجار الصفصاف حول أجهزتهم ، والعقول سرحانة في هذا الجهاز العجيب الذي حول العالم إلى قرية صغيرة . لم تكن بينهم سوى وردة نمت في رحم البحر ، تخفي وجهها بنقاب أسود لا تظهر منه سوى تلك العينين الحزينتين . سألتني بكل أدب .. التفت إليها .. بريق غريب لمع في عيني فاصبح هذا الجهاز الذي أمامي لا قيمة له .. اعترتني رعشة في بدني كأنها مس كهربائي. سألتها: ماسر مسحة الحزن هذه التي في عينيك؟ اختفت عن ناظري بعد أن رمقتني بنظرة تحمل في طياتها أشياء كثيرة من تحت النقاب ، ثم رأيتها تظهر في زاوية الفصل محاولة الابتعاد ونظراتي تتبعها . تستمر عيناي مركزة على شاشة الجهاز ونفسي تحدثني قائلة : - سيخترعوا كل شيء وسيفتحون صفحات لراغبي الزواج ولكن لن يستطيعوا أن يخترعوا شيئا” اسمه الحب . تقربت إليها .. خطونا خطواتنا الأُولى في درب الصداقة .. ذات يوم أهديتها قصيدة سميتها ذات النقاب ، وطلبت مرافقتها لي في رحلة عائلية إلى البحر .. فجأة عادت كل قصائدي كأنها سموم وأهدتني قطيعة ! ، أوصدت كل أبوابها الحديدية أمامي ..منعت كل حراسها أن يدخلوني .. تعالت صرخات عشقي علها تسمعني فتعالى صوت كوكب الشرق من مذياعي الموضوع بجانبي على السرير ببيت من قصيدة الأطلال!! ( هل رأى الحب سكارى) .. وصلت أوردتي وشراييني الى قرار مع قلبي .. لابد من عمل سياج حديدي ووسم سطحي لجرح يمكن أن يكبر . وبعد زمن عادت تسألني قائلة : لماذا لم تعتذر!؟ - على ماذا - انك دعوتني إلى رحلة وقصيدة - وماالغريب في ذلك!؟ - سبق أن دعى والدتي والدي ورماها في قاع المحيط !! - ياإلهي .. أهذا سبب حزنك!!؟ - نعم - أصابع اليد لا تتساوى. وتأكدي اني لست كوالدك! ابتسمت قائلة: - خلاص سماح. يستمر صوت المذياع يردد (ما بأيدينا خلقنا تعساء) وأنا ممتد على سرير. - وما رأيك في القصيدة؟ - في منتهى الروعة!! - إذا” هل تقبلين دعوتي مرة أخرى للإبحار إلي مرافئ العشق؟ - نعم - وضحكنا معا” ومشينا…. في ذلك اليوم انتظرتها في قاربي طويلا” كما ينتظر العصفور أمه في العش .. . استمر صوت المذياع يحاكي قصتي(ومضى كل إلى غايته لاتقل شئنا فإن الحظ شاء).