ولد والقلق، فكانت عبقرية الحرف ،مطواعة بين أنامله كالحبيبة , احترف القصيدة كي يتجاوز رتابة الحياة, وأعاد للدهشة اعتبارها الذي فقدته ذات وجع , تجده في أحضان النثر كلما خيل إليك انه أخذ برهة من الطمأنينة كي يتناول أقراص الصمت إنه الشاعر “علي سليمان الدبعي” مبدع رماه القدر في مدينة تعاني الموات فتمسك بالكلمة كي تبحر به نحو السكينة المخبأة في أزقة الجمال . «شباب الجمهورية» التقته وكان لنا هذا الحوار :- انكسر دائماً - من أنت؟. كائن بسيط يأسرني الاتزان في جماليات الأشياء وتملؤني الرغبة في تجاوز تقاليد مفرطة تصنعها سلبيات اللا إدراك، انكسر دائما أمام صورة لواقع حزين وأفرط في التفكير إلى حد الشرود، أعايش اللحظات بكثير من الحذر وأحلم بعالم جديد، أحاول أن أكون بحياة تخالطها بعض ومضات من صدق تحوي كينونة لجمال اللحظة ولو لحظة. الحرف مطواع - ماذا يعني لك الحرف؟. الحرف يعني لي الجانب الأجمل، فحين تصوغه بفنيات جمالية تعطيه صورته الحقيقة، ومن هنا يأتي الفرق بين الشاعر وغيره، فالحرف مطواع لأنامل شاعرية يشكلها بدهشة ويخلق معه حياة جديدة متجددة خارج رتابة الحياة الملولة التي يعيشها الآخر، والحرف محطات الشاعر وسفر حياته. شيطان الشعر - متى يدهمك شيطان الشعر؟. الشعر ملكة لأرواح ملائكية يأتي وحيه وإلهامه حين اكتمال الصورة ومعايشتها. الشعر لا تأتيه بل يأتيك لأنه وحي جمال وفن، وأنا لست معك في قولك شيطان الشعر، فالجانب الجميل أي الشعر لا يلتقي مع جانب متناقض، وان استخدمت مجازا في تعبيرك للشعر بشيطان، فالشعر يأتينا في فاتحة أملاً ودهشة، حلماً وخطوة أولى لحياة تأتينا لحظة حزن فيكون الشعر متنفسا، وتأتي لحظة فرح فيبغتني الألم فيصعب أن نلتقي معا أو متى يدهمني فالشعر لايخلق إلا الجمال. اعتناق النثر - ما الذي دفع الجيل الجديد إلى اعتناق قصيدة النثر؟. الجيل الجديد اعتنق قصيدة النثر لأنه وجدها متنفسه وواحته الواسعة، اعتنقها ولم يكن معها كاثوليكيا، أحبها بجمالها مع الآخر ويعشقها مع ذاته، أنا لست مع الذين يقولون إن قصيدة النثر تعد هروباً، فكثير من الجيل الجديد يكتب قصيدة النثر والتفعيلة، وإنما جاءت كتابته وصياغته للشعر مع قصيدة النثر لأنها بنظره راقية في آلياتها ولأنها تعرض وجوهاً متعددة من أي الوجوه أتيتها، هي البحر تحمل في طياتها إعجازاً هائلاً من الجماليات واللحظات اللذيذة المتجددة. أجد نفسي فيها - هل أنت متعصب لقصيدة النثر؟. لا تعني كتابتي لقصيدة النثر أني متعصب لها، أبدا إنما أجد نفسي معها وأشعر بكياني فيها كاتبا لها أو قارئا، القصيدة الجميلة تظل جميلة بأي شكل كانت فليس للجمال مقاييس ثابتة ، فالجمال نسبي وكذلك جمال القصيدة، ومع قصيدة النثر أتشكل بصورتها الذائقة لنفسي، أستطيع معها الانطلاق بحرية غير مقيد بمقاييس ونهاية اللحظة مع القصيدة ككل عدم محدودية الجماليات التي ترسمها كلما أوغلت فيها فتحت عن آفاق من كمال وجوانب جمال. لا حدود للشعر - ما الذي تبقى من الشعر؟. الشعر كتاب مفتوح وكون واسع لا حدود له ونحن نغترف منه القليل، ولذا فقطار الشعر في سفر دائم ما الذي تبقى من الشعر، بل ماذا أعطينا للشعر، كل جديد مع الشعر يعد اغترافاً من بحر مداه هناك.. لا نهاية لحدوده:- وما القصيدة إلا نفائس روح من القلب تولد تنمو - تبحر - تسافر ولا تكتمل ... عزوف النقاد - كيف تقيم حركة النقد اليمنية؟. غياب النقد الأدبي في الساحة الأدبية مرجعه إلى عزوف النقاد عن القيام بما يملكونه من آليات في توظيفه وقد يكون لقلة النقاد وعدم امتلاك المقدمات والإشكاليات في الإنتاج، وهناك جانب مهم وهو أن بعض ما يسمى بالنقد الأدبي لا يعد نقدا بل نقصا وانتقاصا في حق نفسه وفي حق الآخر، نحن بحاجة لإظهار العمل الثقافي بكل أطيافه بصورته السليمة والجميلة حتى يعد فنا وعملا أدبيا ولا يتم ذلك إلا بجهود الكل. أدباء الشارع - ما الذي أضافته رابطة أدباء الشارع إلى المشهد الثقافي؟. عندما تتأمل المشهد الثقافي يتضح أمامك الانحدار من الجانب الرسمي المعنى بالثقافة والأدب، حينها يعتري الأدباء أو المهتمين بالأدب والكتابة إحباط لا محدود وركود مميت، وبرأيي نتج عن ذلك قيام بعض الشباب أو الأدباء هنا وهناك بإحياء الموات الثقافي، فجاءت رابطة أدباء الشارع (العراطيط ) بالبعث الثقافي في حدود إمكاناتهم التي تجاوزت طاقات الجهات الرسمية التي لا تحمل إلا مسميات الثقافة والأدب. وفعاليات العراطيط شاهدة على أقوالهم وكتاباتهم في كل الصحف يعد رافدا ثقافيا ولو قدرت إمكانيات لهم من وجهة نظري لكان لهم شأن كبير في إضافة الكثير والكثير للمشهد الثقافي. سياج - هل فقد الجيل الجديد التواصل مع القديم وضاع في دروب التلاشي والنسيان؟. سؤالك هذا لا يمس ما يدور في نفسي بل ما في نفسك وعند الآخرين، الجيل الجديد حقيقة فقد التواصل مع القديم لان الجيل القديم وضع حول نفسه سياجا يمنع اقتراب الآخر منه - لا أعمم- ولو كان القديم يود رافدا حقيقيا له لوظف كل آلياته للجيل الجديد، وهذا لم يحصل وما نراه من ركود في المشهد الثقافي جاء نتاج ذلك إضافة للواقع الذي نعيشه له أثر في غياب التواصل وضاع الجميع في دروب النسيان. الشباب محجوبون - لماذا يتأخر ظهور المبدعين الشباب في الساحة الثقافية؟ المبدعون الشباب محجوبون عن إبراز أعمالهم وإظهارها وهم في خطواتهم الأولى والسبب مقصود وهو تهميش وتجاهل جهودهم وهذا يعد ضررا على الرافد الثقافي وعلى المسيرة الثقافية بشكل عام لأن الثقافة واجهة حقيقية لأي أمة. الكلمة المعبرة - بمن تأثرت؟. تأثرت بالكلمة المعبرة التي لها الحياة الأطول، لست على إمكانيات كبيرة، فأنا أعرف قدر نفسي، أقرب إلى نفسي الشعر الذي يطويه القلق لأنه يعرض نفسيتي القلقة. القلق من ألا يسود السلام، من ألا يعيش معنا الأمل لنرى الحلم والجمال والحب، مسيرة الشاعر القلق طويلة وأبدية من وجهة نظري: خليل حاوي - أمل دنقل - شاعرنا الكبير محمود درويش هنا أجد نفسي، وهنا أتأثر. المشهد الثقافي بشكل عام - لماذا أصبحت تعز ميتة إبداعيا؟. ليست تعز في موات ثقافي فقط بل المشهد الثقافي بشكل عام ليس بالصورة المؤمل بها ولكن تعز كونها تزخر بالإنسان المثقف يعد العيب منها اكبر وباعتقادي (المخرج عايز كده) تعز ماتت إبداعيا بفعل فاعل، ولا تعليق أكثر فالصورة واضحة. قلق - هل أنت تائه؟. أنا تائه وقلق لأني متحفز دائما للمزيد، أحاول أن أكون ولا أكون، تطاوعني الحياة حينا، وتعارضني مرات ومرات: الم يجدك / تحاول أن تكون ولا تكون / تحاول أن تصوغ من روحك نغم القوافي / فيبدو وميضا / يحط رحاله في منتهى الوقت / هناك حيث المنافي/ يراودك الشوق عن نفسه/ بشيء يسمى الحنين / وأين الحنين إذا الليل سجى. أنا لست تائهاً فقط بل يعتصرني التيه: لم يبق من روحي/ سوى عيناي في شط الغروب مرفأ/ والموجة وجهي غائب في أحداق أعينهم دمعا/ وفي أعماق قلبي احتراق. لحظة انكسار - متى تجهش بالبكاء ؟ تأتيني لحظة ضعف وانكسار أمام صورة لواقع حزين فأجهش بالبكاء ولحظات حين أتمعن في قدري:- فأسخر من قدري الذي استضعفني دون خلق الله/ وأجهش بالبكاء. الشاعر يتعامل مع اللحظة - متى تستوقفك اللحظة؟. اللحظة قد تستوقف كل الناس إلا أن الشاعر باعتقادي يتعامل مع اللحظة بحذر ومشاعر تتبلور معها وضوح الصورة أو الفكرة وحين تخونه اللحظة ويغتاله الوقت يتصاعد معها الألم والقلق وتأتي نتيجة ذلك لحظة وجع: يغتالني الوقت/ واللحظة العابرة في اندهاش/ حين مر الأمس ولم أكن/ والزمان استدار كهيئة الليلة البارحة / والمستقبل الآن والآتي في وجع. بذل الجهد - كلمة أخيرة؟. كلمتي التي أوجهها للشعراء الشباب هو بذل الجهد في إدراك ومواصلة مسيرتهم متسلحين بالقراءة والتوجه نحو أطر أخرى يجدون بها محطة لأعمالهم الأدبية عند من يقدرون للحرف قدره وللأدب رسالته.