لابد أن نحرص على أن يكمل ولدانا تعليمهما ليكون لهما في المستقبل شأن عظيم». هكذا حدث الزوج زوجته في ليلتهما الأخيرة والهادئة المغمورة بدفء العائلة الصغيرة المكونة من الوالدين وثلاثة أبناء آخرهم رضيع يسكن قلب أمه.. صباح اليوم التالي انتهى كل ذلك.. انتهز السيل غفوة أفراد العائلة، أطبق على أنفاس الأب والأم ورضيعهما، ليبقى الطفلان «11عاماً - 9 أعوام» اللذان أرسلت لهما العناية الإلهية جذوع نخل طفت بهما وكانت سبباً في نجاتهما. وسط الأنقاض شوهد أحد الطفلين الناجيين يبحث عن زيه المدرسي ووجده فعلاً.. ربما هو العزم على تحقيق أمنية والديه.. وربما تكون تلك الليلة البداية. على حين غرة في قرية وادي العين الواقعة بالجانب الشرقي لمديرية حوزه يقول خالد مبخوت بن رباع، وهو أحد أبناء هذه القرية: «جاءتنا السيول على حين غرة، وسريعاً راحت تجرف المنازل في طريقها.. لم تترك لساكني تلك المنازل فرصة لتدارك الكارثة». مبخوت الذي اتخذ كبقية الناجين من أبناء قريته - خيمة مأوى مؤقت له، يشعر بالامتنان تجاه الجهود المبذولة والسريعة من قبل الدولة لتأمين خيام ومواد غذائية للمنكوبين، ويشعر أيضاً أن تضافر الجهود الحكومية والشعبية لتعويض المنكوبين ستكون نتائجها طيبة. ذهبوا مع السيل سالم بن اسحاق، من منطقة دار راك الواقعة على طريق ما بين قهوة بن عيفان والهشم، لاتزال آثار الصدمة واضحة عليه وبكلمات مشدوهة وصف لنا كيف داهمهم السيل: «أثناء السيل كنا متواجدين في منازلنا، شاهدناه وسمعنا هديره الذي اتبعه بجرف ثلاثة منازل، حاولنا الاعتصام بقمة جبل قريبة منا، بأعجوبة نجا بعضنا لكن آخرين ذهبوا مع السيل و.. حتى الآن لم يعودوا». خسرنا كل شيء السيول القادمة من مناطق عديدة بحضرموت تجمعت في منطقة الهشم المحاذية بطبيعتها التضاريسية لمجرى السيل.. كانت أكثر قوة في إحداثها للأضرار في سابقة يؤكد محمد باتوم البالغ من العمر ثمانين عاماً أنه لم يشاهد طيلة عمره الطويل أمطاراً وسيولاً بهذه الكثافة والقوة. يقول الشيخ محمد: «لقد خسرنا كل شيء.. غير أن أملاً تلوح بشائره أمامنا، بسرعة تجاوزنا الكارثة وما سببته لنا من آلام وأوجاع خففتها عنا أيادٍ خيرة مدت لنا من كل الوطن». وأد فرحة عروس فجر الجمعة قبيل وقوع الكارثة، خرج الحاج باذيب لأداء صلاة الفجر في جامع مديرية ساه القريب من منزله، في طريق عودته راح يحدث نفسه عن زفاف ابنته الذي اقترب موعده ثلاثة أيام فقط وتحل الأفراح في داره.. لكنه وقتذاك لم يكن يعلم أن السي قد جرف بيته، ليس ذلك وحسب بل وقتل ابنه وابنته التي كانت تتهيأ ليوم زفافها، ونجا الأب وخمسة من أفراد العائلة.. لقد وأد السيل فرحة آل باذيب.. جرفها في طريقه ومنزلهم باستثناء حائط وحيد تشبثت به شنطة العروس وعباءتها. سارية علم قوية! السارية التي حرص أحد أبناء مديرية ساه على أن يعتليها علم الجمهورية اليمنية.. علم الوحدة فوق منزله.. ظلت صامدة أمام تدفق السيول، وبالرغم من ارتفاع منسوب المياه والذي بلغ أكثر من «10» أمتار إلا أنها عجزت عن اقتلاعها وجرفها بعيداً كما فعلت بمنزل ذلك الرجل ومنازل عدة كانت إلى جواره. عديد أشياء استسلمت للسيول رغم ضخامتها كمضخات ومولدات كهربائية، ولم تقوَ على مواجهتها وبقيت السارية، والعلم المرفرف في سماء وطن اختار الوحدة مصيراً وقدراً. درس من الكارثة قوافل الإغاثة انطلقت من مدن ومحافظات مختلفة لوجهة واحدة، حضرموت والمهرة.. الجميع جاد بأفضل ما عنده على اختلاف إمكاناتهم فمنهم التاجر الكبير والمواطن ذو الدخل المحدود.. إنها لغة تعاضد خلاق لا يجيدها إلا أبناء اليمن الواحد.. لقد ذابت المناطقية التي روج لها الحاقدون على الوطن.. الإيثار كان حاضراً بقوة.. ألم تنطلق قوافل الإغاثة من محافظتي الحديدة وعمران صوب حضرموت والمهرة رغم تعرضهما لنكبة ربما أقل ضرراً لكنها أبداً لم تثنِ عزمهم لنجدة إخوانهم!!.. إنه درس عظيم خرجنا به من الكارثة.. بإمكاننا جميعنا أن نبني وطناً يفخر بنا كما افتخرنا به زمناً طويلاً.. ليس ذلك مستحيلاً، سنجعله نصب أعيننا.. لنجعله قبل الجميع وفوق الجميع.. ولنبحر سوياً فوق سفينة الأمل.. نتجاوز الكارثة ونبني وطناً نستحق العيش فيه.. كلنا يد واحدة.. قلب واحد. لحماة الوطن.. شكراً القوات المسلحة قامت بأدوار إغاثية جبارة ..والحرس الجمهوري كان حاضراً في حضرموت أيضاً يؤدي دوراً وطنياً إنسانياً رائعاً، فبالإضافة لمهام إنقاذ المواطنين من السيول المتدفقة ومن بين أكوام الركام التي خلفها وراءه، كان مخيم 22 مايو الطبي التابع له والمتمركز في منطقة القاهر التي تفصل مديرية تريم عن السوم يستقبل أكثر من «15» ألف حالة مرضية ويجري أكثر من «116» عملية جراحية. هكذا هم حماة الوطن، أرواح تفتديه وسواعد تبنيه وتقيل عثراته. تشققات خلفتها السيول الجمعة الفائتة اطلع نائب رئىس الوزراء للشئون الداخلية صادق أمين أبو راس على الأضرار التي خلفها تدفق السيول على مديرية عمد وأدت إلى تشققات في الصخور الجبلية تهدد بالسقوط على المجمعات السكنية بمدينة عمد الزراعية. قضية التشققات وعد أبو راس طرحها على مجلس الوزراء للبحث في أقرب فرصة ممكنة لإيجاد الحلول المناسبة لهذه المشكلة بما يضمن سلامة أرواح المواطنين في المدينة وممتلكاتهم ومنازلهم من الانهيارات الصخرية. هيئة الجيولوجيا والثروات المعدنية التابعة لوزارة النفط والمعادن أصدرت تقريراً فنياً بين أن الانشقاقات تتقدم بشكل لافت.. اتسعت في أقصى حد لها إلى ثلاثة أمتار.. إنه وضع خطر لتجنبه أوصى تقرير هيئة الجيولوجيا بضرورة عمل حواجز في الجزء الأوسط للجبل تفصل المدينة عن الصخور المعرضة للسقوط لغرض امتصاص الضربة التي قد تحدث نتيجة الانهيارات، وهذا ما قامت به السلطة المحلية حسب سرور شملان مدير عام مديرية عمد الذي لا يخفي قلقه من زيادة الانشقاقات. حجم الأضرار حضرموت التي أصبحت في عهد الوحدة ورشة تنموية إعمارية حولتها إلى محافظة تنعم بالمنجزات والمشروعات العملاقة، ترزح اليوم تحت وقع ثقيل لكارثة لم تتوقعها أبداً.. حجم الأضرار التي لحقت بالمواطنين ومنازلهم والمنشآت الخدمية والخاصة والأراضي الزراعية، كان كبيراً جداً ففي دوعن بلغت المنازل المهدمة بشكل كلي أو جزئي «106» منازل و «70» محلاً تجارياً، وجرف 56% من الأراضي الزراعية وتدمير «90%» من شبكة الكهرباء و«25%» من الطرقات. أما منطقة ثيبي التي تعرضت لأضرار بالغة أدت إلى تهدم «107» منازل بشكل كلي و«27» جزئياً.. الكارثة هناك شردت «254» أسرة إلى العراء، وفي منطقة مشطة بلغ عدد المنازل المهدمة بشكل كلي «145» منزلاً. في المنطقة الشرقية قال وكيل محافظة حضرموت لشئون الوادي والصحراء أحمد الجنيد: بلغت حجم الأضرار في قطاعات البنية التحتية والمنشآت العامة والخاصة ومنازل المواطنين كالتالي: «تهدم «3273» منزلاً تهدماً كلياً وجزئياً، وتضرر «5411» أسرة عدد أفرادها «32» ألفاً و«213» نسمة، كما جرف ساحات واسعة من الأراضي الزراعية ومنشآت الري السيلي وأشجار النخيل والمحاصيل الزراعية الأخرى، بالإضافة إلى خلايا نحل العسل». بدوره عوض عبدالله حاتم وكيل محافظة حضرموت لشئون مديريات ساحل حضرموت يؤكد أن حجم الأضرار في مديرية غيل باوزير لم تكن متوقعة. وفاة أربع حالات، وتضرر «400» أسرة، تدمير «200» منزل وتهدم «1300» منزل تهدماً جزئياً و«489» منزلاً آيلة للسقوط وجرف «36» فداناً للمحاصيل الزراعية بالإضافة إلى بعض الأضرار في الممتلكات الخاصة بالصيادين. وبحسب المهندس عبدالقادر حنش الوكيل المساعد لقطاع المياه بوزارة المياه والبيئة فإن التكاليف الأولية للأضرار الناجمة عن تدفق السيول على المناطق الحضرية تجاوزت «436» مليون ريال.. هذه التكاليف هي فيما يتعلق بالمنشآت والمضخات والمولدات اللازمة لتجهيز شبكات المياه في مدن سيئون، تريم، القطن، شبام، ومركز مديرية ساه. نتائج أولية للأضرار كشفت آخر نتائج الحصر الأولية للأضرار والخسائر المادية جراء كارثة فيضانات السيول في مناطق مديريات وادي وصحراء حضرموت عن تضرر «96» طريق اسفلت في كل من سيئون وتريم والقطن وعمد وحريضة و5 طرق ترابية في مديرية عمد. أما إجمالي الخسائر المرصودة في شبكات المياه وصلت إلى «1004» شبكات مياه بواقع أربع شبكات في سيئون وخمسمائة شبكة في مديرية السوم و12 شبكة في مديرية عمد وثلاث شبكات في مديرية ساه و485 شبكة في مديرية حريضة، فضلاً عن تضرر 50 شبكة ري في مديرية سيئون. الخسائر المرصودة في شبكات الكهرباء شملت 132 شبكة منها 125 شبكة في مديرية شبام وثلاث شبكات في مديرية سيئون وأربع شبكات في مديرية حريضة فيما شملت الخسائر في المولدات الكهربائية 11 مولداً بواقع ثمانية مولدات في مديرية وادي العين وثلاثة مولدات في مديرية عمد. وصلت الخسائر المرصودة في شبكات الاتصالات إلى 25 شبكة بواقع شبكة في مديرية سيئون و22 شبكة في مديرية حريضة وشبكتين في مديرية عمد.. وأظهرت الإحصائية تضرر 58 مسجداً جراء كارثة السيول منها مسجدان في مديرية سيئون و 14 مسجداً في مديرية تريم وثلاثة مساجد في مديرية القطن وثلاثة مساجد في مديرية السوم وثمانية مساجد في مديرية وادي العين و25 مسجداً في مديرية ساه وثلاثة مساجد في مديرية عمد. كشفت آخر نتائج الحصر الأولي عن تضرر 112 مدرسة في مديريات الوادي والصحراء شملت 45 مدرسة في مديرية سيئون وسبع مدارس في مديرية تريم وثمان مدارس في مديرية القطن وثلاث مدارس في مديرية شبام و13 مدرسة في مديرية السوم و27 مدرسة في مديرية وادي العين وست مدارس في مديرية العمد وثلاث مدارس في مديرية حريضة. ورصد المختصون في فرق الحصر الميدانية خسائر في الوحدات الصحية بواقع 18 وحدة صحية شملت وحدتين في مديرية سيئون ووحدة صحية في مديرية تريم ووحدة صحية في مديرية القطن ووحدتين صحيتين في مديرية شبام وتسع وحدات صحية في مديرية ساه وثلاث وحدات صحية في مديرية عمد. فيما شملت الخسائر المرصودة في المباني الحكومية بمديريات الوادي والصحراء 20 مبنىً حكومياً بواقع مبنيين في مديرية سيئون ومبنيين في مديرية شبام وتسعة مبانٍ في مديرية السوم ومبنى في مديرية وادي العين وستة مبانٍ في مديرية حريضة.. أما الخسائر في المحلات التجارية فوصل عددها إلى 30 محلاً تجارياً في مديرية شبام. يذكر أن إحصائية الخسائر البشرية في مديريات الوادي والصحراء أظهرت وفاة 45 شخصاً من أصل 68 شخصاً هم إجمالي الضحايا لكارثة السيول في محافظة حضرموت، في حين لايزال 21 شخصاً في عداد المفقودين.