يبدو أن المحاولات العديدة التي اتخذت سواء من قبل الحكومات المتعاقبة أو من قبل المنظمات الناشطة للحد من شعبيته وسيطرته المحكمة على شغاف قلوب وعقول الملايين صغاراً وكباراً شباباً وشيوخاً قد باءت جميعها بالفشل والفشل الذريع أيضاً، لأن عشق القات والاستمتاع بمضغه لعدة ساعات يومياً قد تغلغل بعيداً في أعماق متعاطيه وما أكثرهم، بحيث أصبحت الورقة الخضراء جزءاً لايتجزأ من أساسيات الحياة اليومية للسواد الأعظم من الشعب اليمني ولايمكن الاستغناء عنها تحت أي ظرف من الظروف لدرجة جعلت البعض يتعاطاها، متجاهلين بذلك تحذيرات الأطباء من مخاطر محتملة بل وأكيدة قد تشكلها على حياتهم وتعرضهم للخطر. غير أننا هنا لن نعرض على المنغصات الصحية والمالية والاجتماعية التي يتسببها «القات» فهي كثيرة ومعروفة وملموسة لكن مايهمنا في هذا التحقيق هو أن سحر الورق الخضراء ودلالها الأخاذ لم يعد حكراً على المواطن اليمني الذي طالما تغنى بها وبذل الغالي والنفيس من أجلها حيث تجاوزت هذا النطاق وبقوة إلى مغازلة أفكار واهتمامات شرائح واسعة من العرب الوافدين علينا ضيوفاً كراماً فلسطينيين كانوا أم عراقيين وأغلبهم من الطلاب الذين جاؤوا لاكمال دراساتهم الجامعية والعليا بعد أن تقطعت بهم السبل نظراً للظروف والأحداث القاسية التي مرت ومازالت تمر بها بلدانهم والتي لاتخفى على أحد. في أيام عيد الأضحى المبارك أعاده الله علينا وعلى أمتنا الإسلامية بالخير والبركات أمكن لنا مشاركة هؤلاء أو بعض منهم جلساتهم القاتية التي زادت على المقايل اليمنيية بحضور مكثف للنارجيلة «الشيشة» وبما أن الفضول الصحافي لايهدأ ولايقر له عين حتى يصل مبتغاه فقد لبى الاخوان طلبنا وخرجنا بانطباعاتهم وتعليقاتهم تجاه «القات» والأسباب الكامنة وراء اندفاعهم لمشاركة إخوانهم اليمنيين «الولعة». فرصة لإقامة صداقات أحمد نبيل السعافين فلسطيني: عندما لاحظت وعايشت إقبال اليمنيين منقطع النظير على شراء القات يومياً أردت من باب حب الاستطلاع أن أجرب «التخزينة» وبعد طول تردد قررت أخيراً أن أبتاع حزمة من القات وبدأت أخزن، صحيح أنني حين تناولت الأوراق الأولى لم استسيغه ولم تقبله نفسي لكن تحت إلحاح بعض من الزملاء اليمنيين وأيضاً الفلسطينيين استمررت في مضغ القات ورقة بعد أخرى حتى استويت على الولعة تماماً ولا أخفيكم أنني استمتعت بتناول القات رغم أعراضه الضارة ورغم ذلك أنا لا أواظب على مجالس القات بشكل يومي ولكن متى كان المزاج ملائماً وأحببنا الالتقاء بالإخوة الزملاء كل أسبوع أو كل أسبوعين وأحياناً كل شهر وأعتقد أنه فرصة مواتية يتيح لنا الالتقاء بأشخاص وفتح علاقات صداقة لم نكن نستطيع إقامتها لولا مقايل القات. ساعدنا على المذاكرة أنس محمد عيسى طالب في جامعة الملكة أروى يقول: كانت تجربتي مع القات بعد أشهر قليلة من السنة الأولى التي وصلت خلالها إلى اليمن وهو فضول قادني إلى أن أصبح بعد فترة قصيرة من كبار «المخزنين» وصدقني قد أفوق اليمنيين في «الكيف» وفي الحقيقة أن القات ساعدني كثيراً على الاستقرار أكثر في المنزل والعكوف على مذاكرة دروسي وأعتقد أن هذا الأمر لم يكن ليتوفر على صورته الحالية لولا القات،لكن رغم ذلك أنا لم أصل إلى درجة الإدمان المرضي الذي وقع في براثنه أغلب الشعب اليمني الشقيق الذي أكرمنا وفتح لنا ذراعيه لاستقبالنا والسبب أننا طلاب جئنا للدراسة والتأهيل ولا يستطيع وضعنا المالي مواجهة استنزاف القات اليومي ومتطلباته وملحقاته كالمياه المعدنية والغازية إضافة إلى أن أغلب العرب الوافدين من طلاب وأساتذة جامعات ممن يفضلون مضغ القات لايحلو لهم المقيل إلا بمصاحبة «النارجيلة أو ماتسمونه أنتم الشيشة» وهذا مايزيد من إرهاق الميزانية الشخصية خاصة ولدينا احتياجات ضرورية يجب مجابهتها مثل الإيجار ومتطلبات الدراسة والمعيشة اليومية. لايشبه المخدرات في شيء مأمون أبو هشهش كلية الطب بذمار يؤكد أن القات بالنسبة له وبعض زملائه هو العزاء الوحيد لحرقة فراقهم من أهلهم وبالذات أنهم من فلسطين الداخل الذين يرزحون تحت وطأة الاحتلال.. ويشير إلى أن تجربته مع القات أثبتت أن القات ليس بتلك الصورة السيئة التي كانوا يسمعون عنها قبل وصولهم اليمن حيث صور لهم بأنه أشد فتكاً من المخدرات والأفيون وبالعكس يستطيع الإنسان من خلاله أن يفكر وأن يستذكر دروسه وأن يتعامل مع الآخرين بكل سهولة ويستطيع قيادة السيارة وهذه الأمور مخالفة لماقيل بأن فيه مادة مخدرة تؤثر على متعاطيه وتجعله يغيب عن وعيه. وبالرغم من ذلك فنحن وزملائي الذين أسكن معهم في شقة واحدة لانحرص على شراء القات يومياً ولكن حينما نجد أنفسنا مهيئين تماماً لمضغ القات، نتفق على عدة أمور قبلها بيوم أو يومين لعقد جلسة «قات» يشاركنا فيه عدد من إخواننا وأهلنا اليمنيين الذين لاتكتمل حلاوة الجلسة إلا بهم وبحضورهم الرائع والجميل الذين نحس معهم بأننا أسرة واحدة لايفرق بيننا شيء وهذه ميزة حقيقة لم نجدها في أي مجتمع عربي آخر وهذه ليست مجاملة بل حقيقة نجمع عليها جميعاً. أقصد القات متوسط الثمن محمد حجازي طالب عراقي يزكي ماقاله زميله السابق ويضيف بأن أجمل الساعات التي يقضيها مع القات ويؤكد أن مستوى تحصيله الدراسي تحسن مع تناوله القات ولذلك يقوم بشراء القات والتخزينة بصورة يومية أو شبه يومية.. مشيراً إلى أن القات لاضرر منه ناصحاً الذي يريد أن يخزن يومياً أن يقصد القات متوسط القيمة بأن يبتعد عن حزم القات الغالية الثمن!!