تعانق صمتها الأزلي، تلوك أوجاعها بمفردها، تحاول أن تتواصل مع الحياة وترتمي بحضنها فتتذكر أشياء في داخلها زرعت منذ زمن بعيد. أمها التي كانت تحدثها كيف يجب عليها أن تكون زوجة مطيعة، كيف تحافظ على نفسها إلى أن يأتي نصيبها. والدها الذي قال لها: «المرآة ليس لها إلا بيت زوجها أو القبر». حرم عليها كل شيء الضحك، الفرح، التواصل مع العالم الخارجي المحيط بها. شقيقها الذي سلبها أحلامها ووجودها فأصبحت كدمية تتقاذفها أيديهم. فذكر ذات حزن عندما كانت تجلس أمام المرآة، تنظر إلى وجهها بولع طفولي، دخل عليها والدها فاستشاط غضباً، حطم المرأة، فتكسر وجهها المنعكس في المرأة، تحطمت كل الأشياء الجميلة داخلها ومن ذلك الحين وهي لاتعرف وجهها هل مايزال طفولياً كما رأته؟ الآن هي وحدها في هذه الغرفة التي تحتويها كتابوت ألفته بمرور الأيام، إن هي خرجت منه ستموت، تشعر بكل الأشياء من حولها ميتة والدها توفي منذ خمس سنوات أمها التي لحقت به بعد مرور عام. شقيقها تركها لحزنها ليرى حياته الخاصة به كما قال، أصبحت وحيدة، تريد أن تمنح نفسها شيئاً من الحرية، ستتصرف دون أن يمنعها أحد، ستغني، سترقص، ستخرج من هذا المكان الموحش. تتلمس وجهها المجهول، تسيطر عليها رغبة بالتعرف عليه، يتلاشى ذلك الخوف الذي يحتلها منذ زمن بعيد، تشعر بنشوة الانتصار لأول مرةٍ في حياتها، تأخذ المرآة التي لم تجرؤ على أخذها من قبل ننظر فيها فلاترى شيئاً.