فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    مجلي: مليشيا الحوثي غير مؤهلة للسلام ومشروعنا استعادة الجمهورية وبناء وطن يتسع للجميع    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطيب صالح نموذج للعمل الثقافي العربي
غيّبه الموت بمهجره في الشمال والسودان يستعد لاستقبال جثمانه
نشر في الجمهورية يوم 20 - 02 - 2009

يستعد السودان لاستقبال جثمان الكاتب والروائي الطيب صالح الذي غيّبه الموت فجر الاربعاء الماضي في بريطانيا ليوارى الثرى في موطنه الذي تركه مهاجرا إلى بريطانيا ليضيف بذلك معنى جديدا لرائعته “موسم الهجرة إلى الشمال”.
وأكد سفير السودان لدى بريطانيا وإيرلندا عمر صديق أن السفارة تتابع إجراءات نقل جثمان الروائي الراحل إلى السودان.
وقال صديق إن الطيب صالح من الأدباء القلائل الذين كتبوا بصدق عن واقع السودان وثقافته وله معجبون ومحبون في السودان وفي العالم، إذ إن رواياته ترجمت لأكثر من 35 لغة عالمية، وبوفاته انطوت صفحة مهمة من تاريخ الأدب السوداني.
وذكر الإعلامي السوداني خالد الأعيسر أن الراحل كان يعاني من فشل كلوي يستوجب غسيلا للكلى ثلاث مرات في الأسبوع، وهو ما كان يحدث له ارتفاعا في الضغط، فيما كان عدم الغسيل يحدث له آلاما كبيرة في الكلى.
وأشار الأعيسر إلى أن الطيب صالح كان في الآونة الأخيرة يرقد في المستشفى في غيبوبة طويلة إلى أن وافته المنية فجر أمس عن عمر يناهز الثمانين، والفقيد كان متزوجا من بريطانية وله ثلاث بنات كلهن متزوجات.
ثروة أدبية
وخلف صالح ثروة أدبية زاخرة تضم عددا كبيرا من الروايات أكثرها شهرة “موسم الهجرة إلى الشمال”.
وبدأ الأديب الراحل الكتابة منذ أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، ومن بين أعماله أيضا “ضو البيت” و”عرس الزين” و”مريود” و”دومة ود حامد” و”منسى” و”بندر شاه”.
ونالت روايته “موسم الهجرة إلى الشمال” شهرتها من كونها أولى الروايات التي تناولت بشكل فني راق الصدام بين الحضارات وموقف إنسان العالم الثالث ورؤيته للعالم الأول المتقدم.
سيرة ومسيرة
وولد الروائي الراحل عام 1929 في إقليم مروي شمالي السودان بقرية كَرْمَكوْل قرب قرية دبة الفقراء، وهي إحدى قرى قبيلة الركابية التي ينتسب إليها.
وتقلب الطيب صالح بين عدة مواقع مهنية، إذ أدار مدرسة في السودان، ثم عمل إعلاميا في القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” وترقى بها حتى وصل إلى منصب مدير قسم الدراما.
ثم عاد الراحل إلى السودان وعمل لفترة في الإذاعة السودانية، ثم هاجر إلى دولة قطر وعمل في وزارة إعلامها وكيلا ومشرفا على أجهزتها. ومن بعد عمل الطيب صالح مديرا إقليميا بمنظمة اليونيسكو في باريس، وعمل ممثلا لهذه المنظمة في الخليج العربي.
وقالت الرئاسة السودانية في نعيها للأديب الراحل اليوم إن “الفقيد كان له القدح المعلى في نشر الأدب والثقافة السودانية في مختلف أنحاء العالم من خلال رواياته ومؤلفاته وكتاباته الرائعة التي ترجم العديد منها باللغات العالمية”.
أما رئيس اتحاد الكتاب السودانيين إبراهيم إسحق فوصفه ببحر الإبداع، مشيرا إلى أنه شغل حيزا كبيرا في خارطة الإبداع العالمية والعربية والأفريقية والسودانية “بعطاء قوي بربطه لقضايا الشرق الأفريقي والعربي من خلال رواياته”.
واعتبر رئيس الكتاب والروائيين السودانيين الشاعر والروائي عالم عباس أن الفقد كبير وجاء في الوقت الذي كان الجميع مهموما بالإعداد لتكريمه تكريما يليق بمكانته.
وأضاف أنه “رغم أن الموت حق فإنه لم يكن في تصورنا أن يرحل عنا هذا الهرم في الوقت الذي كنا بحاجة كبيرة إليه وإلى إبداعه وسودانيته”.
ووصفه اتحاد الصحفيين السودانيين بأنه “عبقري الأمة السودانية”، مشيرا إلى أنه كان “إعلاميا شاملا وأديبا اعتلى قمة مراتب الأدب وبقدر وافر كما اعتلى قمما إعلامية وصحفية متعددة”. الإعلامي السعودي عبد الرحمن الراشد مدير قناة “العربية”، الذي ترأس تحرير “المجلة” خلال سنوات عديدة من كتابة الطيب صالح بها، تحدث ل”العربية.نت” عن جزأين عاصرهما واكتشفهما عن قرب، فقد كان مهتما بالسياسة والفكر السياسي، رغم أنه لم يعرف عنه أنه معارض أو مؤيد، لكنه تقريبا ككل المفكرين السودانيين، كان له رأي اتسم بالعقلانية والعاطفة في القضايا والأحداث المختلفة، والأهم أنه عبّر عنه في المنتديات الرسمية والمفتوحة التي كان يحضرها.
ويضيف الراشد أن آراءه تلك انطلقت من صفة الطيب صالح الشخصية كمتابع ومهتم، ولم يكن شخصا طالبا لزعامة سياسية أو أية مكاسب. والأكثر تميزه بعاطفة كبيرة في الموضوع العروبي.
أما الجزء الآخر الذي يتحدث عنه الراشد في شخصية صالح، فيتمثل في اهتمامه بموضوع حقوق الإنسان، فقد كان يشعر بالأسى على التجاوزات التي تحدث في هذا المجال وحقوق المبدعين والمفكرين بشكل عام، وكان له موقف بشأنها.
ويمضي قائلا حقا طغت صورته الروائية على ما عداها من صور في شخصيته، لكنه كانت له اهتماماته التاريخية والأدبية، وكتب فيها دراسات بالغة العمق، منها مجموعة أجزاء في “المجلة” أتمنى لو يتم إصدارها في كتاب.
على المستوى الإنساني يقول الراشد إن الروائي الراحل كان خلوقا خجولا دمث الأخلاق، متواضعا، وبرحيله عن الدنيا فقد العالم أحد أهم الروائيين العرب في القرن العشرين.
صديق وطيب وصالح
أما الإعلامي والروائي السعودي هاني نقشبندي، رئيس تحرير “المجلة” السابق، فيقول -ل”العربية.نت”- كان لي بمثابة صديق قبل أن أتعامل معه كرئيس تحرير، وقبل ذلك كعضو في هيئة التحرير، ثم تعاملت معه مؤخرا من خلال تقديمي لبرنامج في تلفزيون دبي، وذهبت إليه في لندن لمجرد أن أزوره وليس لعمل حوار، وبقيت على تواصل معه طوال الفترة الماضية.
وأضاف كنت آمل أن يشارك معنا في الموسم الصيفي القادم بجائزة باسمه، ولكن على كل الأحوال خسرناه، تاركا لنا إبداعا روائياً هائلاً وكماً كبيرا من المقالات من المهم أن تصدر في كتاب. لقد كان إنسانا طيبا جدا وصالحا جدا، معنيا بالرواية والأدب والشعر.
علاقة مميزة بأرحامه
أما حياته الأسرية والعائلية، فيتطرق إليها ابن أخته الروائي السوداني د. أمير تاج السر، من العاصمة القطرية الدوحة، فيقول ل”العربية.نت”: كان إنساناً في كل مراحل حياته، مثالا للسوداني البسيط الذي تشاهد نموذجه عادة في القرية كأحد المزارعين، وكانت له علاقته المميزة بصلة الرحم “مع شقيقه، وشقيقته التي هي أمي، وكان حريصا على أن يأتي لزيارتها في الدوحة. يدير الأمور بحنكة وكبيرا في كل شيء”.
وعن آخر مرة كلمه فيها قال تاج السر من حوالي 8 شهور، حيث دخل بعد ذلك المستشفى بلندن في أغسطس/آب الماضي، وأصبح من الصعب الوصول إليه نظرا لحالته الصحية، لكنني كنت أكلم زوجته دائما، وتنقل تحياتي وأمنياتي له بالشفاء. تدهورت صحته بعد ذلك ومكث في المستشفى مدة طويلة.
ويضيف كان حنين الطيب صالح للسودان يشد قلبه إلى هناك. ظل فترة طويلة لا يسافر إليه، لكنها زاره في 2005 حيث استعاد كثيرا من الذكريات وذهب إلى مسقط رأسه شمال السودان، حيث منبع روايته “موسم الهجرة إلى الشمال”. لم يكن قلبه منفصلا عن السودان أبدا، عاطفته دائما ملتصقة به وبقضاياه، وبالمثل سكن قلبه حب القاهرة ومن أشد الناس ارتباطا بها، وكان له فيها أصدقاء كثيرون يعتز بهم مثل الأديب الراحل رجاء النقاش، يزورهم ويزورونه.
حنا مينة: لن يتكرر
الروائي السوري البارز حنا مينة أعرب عن صدمته بخسارة الأدب العربي للروائي السوداني، مشيرا إلى أنه سبق والتقى به مرات عديدة، وكانت روايته “موسم الهجرة إلى الشمال” موضع إعجاب جميع الناس.
وذكّر مينة بأنه في السنوات الأخيرة، خطف الموت عددا من الأسماء البارزة في الأدب العربي، أبرزهم محمد الماغوط واليوم الطيب الصالح، معتبرا أن هؤلاء هم عباقرة الأمة الذين ستذكر الأجيال القادمة إبداعاتهم.
وأضاف “كلهم رحلوا قبلي ونحن على هذا الطريق”، مؤكدا أن هذه الأيام لا تكرر أسماء كبيرة في عالم الأدب والكتابة كما حصل في عقود ماضية، قائلا “لأننا في زمن رديء فيه أناس رديئون، ولا شك أن الذين رحلوا من المبدعين الكبار، والإبداع لا يأتي بشكل دوري، وقد تمر سنوات ولا يمر مبدعون مثل الذين رحلوا، الإبداع ليس دوريا ولذلك كل العزاء لأسرته وشعبه وزملائه”.
الجنابي: لهذا حزنت عليه
من جهته، اعتبر الشاعر العراقي المعروف عبد القادر الجنابي أن موت صالح خبر محزن أولا لأنه مبدع بكل معنى الكلمة؛ “فسرده كان شيئا جديدا في عالم الرواية، وثانيا لأنه إنسان طيب القلب وبعيد عن الأضواء”.
وأضاف “هذا خبر محزن بالنسبة لي, فهو عندما شعر بأن ليس لديه هذا الشيء المُبتكر ليقدمه إلى قرائه توقف عن الخوض في لعبة الكتابة... وهو موقف يدفع كل كاتب حقيقي إلى التفكير في جدوى أن تكتب؟ بموت الطيب نخسر كاتبا كان حقيقيا بكل ما كتب، مختلفا عن جل هؤلاء الكتاب المنتشرين الذين ليست لديهم لحظة ليسألوا فيها أنفسهم: هل لديهم فعلا شيء يستحق أن يُكتب... أم أنهم يكتبون مثلما يتقيأون؟”.
أديب غربي: كاتب شجاع
أما نائب رئيس اتحاد الكتاب والأدباء العالمي الروائي البريطاني من أصل تركي، موريس فرحى، فأعرب عن حزنه لوفاة الطيب صالح، وقال للعربية.نت “كتابه موسم الهجرة إلى الشمال رائع وقرأته منذ عشرات السنين، وهو كاتب عبقري وكان أديبا بارزا”.
وأكد أن الأسماء الكبيرة من قامة الطيب صالح لا تتكرر في العالم العربي والشرق الأوسط، مرجعا ذلك إلى الخوف والكبت الذي يتعرض له أصحاب الأقلام الحرة، مضيفا “الأدباء يتعرضون الآن للقتل والسجن والرقابة، وبعضهم يصاب باليأس ويتوقف عن الكتابة، وهذا سبب لعدم تكرر أسماء بارزة في الشرق الأوسط”.
وذكر الأديب العالمي، وهو عضو الجمعية الملكية البريطانية للأدب، بأن صالح “يذكّرنا بالواجب الرئيس للكاتب، وهو انتقاد الخطأ في مجتمعه، وأن يسعى لإيجاد عالم أفضل؛ ولذلك على الأدباء أن يكونوا سياسيين هدفهم تطوير ظروف مجتمعاتهم”.
رباعية لم تكتمل
أما الكاتب والناقد المصري حلمي النمنم، فيقول ل”العربية.نت”، كان إنسانا عظيما وجميلا، له مساهمات بارزة في الرواية العربية والمقالات التي كان يكتبها. غير رواياته المعروفة، فقد كان لديه مشروع لكتابة رباعية صدر منها جزء لكنه لم يستكملها، وبرحيله فقدنا مثل هذا العمل الضخم الذي كان سيضيف الكثير للمكتبة العربية.
وأضاف أن صالح نموذج للعمل الثقافي العربي مهم جدا سنخسره برحيله بلا شك، وروائي سوداني عاش فترة في مصر وكتب فيها وتم تقديمه من خلالها، ثم سافر إلى لندن، ليقدّم من هناك، مع مجموعة من المثقفين العرب في أوروبا، الثقافة العربية للغرب عموما. والغريب أن وفاته تأتي في ذكرى مرور عام على وفاة صديقه رجاء النقاش.
وتابع أن الطيب صالح كان عروبيا جدا، محبا لمصر. “أصدقاؤه الحقيقيون كانوا فيها، وعندما يأتي للقاهرة يحرص على لقائهم. محبا للناس ويمكن حتى لغير الأصدقاء أن يتواصلوا معه بسهولة ويستمعوا إليه. تميز بشفافية ونفاذية شديدة جدا في آرائه. لا أنسى حين فاز بجائزة القاهرة للرواية العربية، أنه ألقى كلمة بديعة تصلح أن تكون دستورا للمبدعين في علاقتهم بالثقافة والأنظمة السياسية والمجتمع”.
ويشير النمنم إلى مداومة الراحل، في سنواته الأخيرة، على كتابة المقالات في “المجلة”، والتي كانت نموذجا للمقال الأدبي المتميز الذي لا يبتعد عن قضايا الحياة. كإنسان له حضوره الطاغي، “لا تمل من الجلوس معه والاستماع إليه، وتشعر أنك تستفيد من ذلك بالفعل، وأن الجلوس معه فيه إثراء لك سواء كنت مشاركا أو حتى مستمعا، وكانت القضايا العربية حاضرة في كل كلامه”.
غادة السمان: كاتب الانفتاح
من جهتها قالت الأديبة غادة فؤاد السمان إن الطيب صالح كان من “الرواد الذين عملوا حركة انتقالية في الأدب عبر نقله من المحلية، ورسخ حضوره بشكل جيد عبر “موسم الهجرة إلى الشمال”. وهو واحد من الذين شقوا في طريق الانفتاح وتكلم عن الجنس بحرية غير مسبوقة في بلاده، ويبدو أن هذه العوامل هي من أقصر الطرق إلى النجاح”.
وأضافت “أنا كنت في السودان لأسبوع كامل، وكل شخص منهم يمكن أن يكون بداخله الطيب صالح؛ لأن الشعب السوداني مثقف جدا. وما ميّز الطيب صالح هو جرأته، ولكنها لم تخدم مجتمعه ولا مثقفا عربيا تقريبا ساهم أصلا في تحرير مجتمعه من الجهل”.
علاقة الأستاذ والتلميذ
وننتقل إلى الإعلامي والأديب السوداني خالد عويس، الذي قال ل”العربية.نت”: “منذ نعومة أظفاري كنت أسمع كثيرا عن الطيب صالح. شخصية أشبه ما تكون بالأسطورية في فن الرواية، وبعد أن نضجت بدأت أقرأ أعماله، وعندما سلكت طريق الكتابة الروائية ظهر تأثري به مع مجموعة أخرى من الروائيين”.
ويتحدث عويس عن الظروف التي أسعدته حين التقى لأول مرة بالطيب صالح، “تعرفت عليه في الرياض في مهرجان الجنادرية 2001، وبعدها تكررت لقاءات كثيرة معه في الرياض ولندن، وآخرها في دبي قبل أقل من سنة. اتخذت العلاقة شكل الأستاذ والتلميذ ثم تطورت إلى علاقة صداقة. ومن يعرف الطيب صالح عن قرب يدرك أن عظمته لا تكمن في إبداعه الأدبي والروائي وإنما في إنسانيته وتواضعه المدهش وزهده، كما حدثني عنه صديقه الكبير محمد بن عيسى وزير الثقافة ثم الخارجية المغربي سابقا، أنه أشبه بالولي الصالح، وهو من أطلق عليه” الطيب الصالح”.
أديب مشوق ومتحرر
ومن السعودية يقول ميرزا الخويلدي، مسؤول تحرير جريدة “الشرق الأوسط” في المنطقة الشرقية، “بالنسبة للجيل الذي تفتحت مداركه الثقافية على روايتي “عرس الزين” و”موسم الهجرة إلى الشمال” فقد كان صالح رمزاً لثقافة تقوم على التجديد والتواصل، دون أن تغفل الإحساس بالزمان والمكان”.
وأضاف “ظاهرة جديدة في فضاء الأدب العربي، تمكن من خلالها أن يرسم صورة الحياة اليومية الدقيقة لمجتمع حافل بالتفاصيل، وأن ينقل القارئ من زقاق القرية في وسط السودان إلى عالم حديث في أقصى الشمال الأوروبي الفاره، المتخم، الذي يضج هو الآخر بتفاصيل العلاقة المتناقضة بين منظومتين من الفكر والثقافة، ومن الإرث الثقيل للعلاقات المستعرة بين الضفتين التي كانت تقوم على التفوق والاستعلاء والهيمنة الحضارية”.
وتابع “كانت رواية “موسم الهجرة إلى الشمال” قفزة نوعية في الأسلوب الروائي العربي، مثلما هي نقلة نوعية في طبيعة التفكير القائم على الحوار والتواصل بدلاً عن القطيعة والاستلاب. وفي الأسلوب فقد كانت مشوقة ومتحررة من اليقينيات الضاربة في الوجدان الشعبي. ومبكراً انحاز الطيب الصالح لنمط فكري وأدبي يقوم على الحداثة، بالرغم من أنه انغمس عميقاً في التفاصيل الشعبية والتراثية للبيئة التي كونت نصوصه الأدبية.. وأضاف “على الصعيد الإنساني كان الطيب الصالح شخصية تتسم بالتواضع والانفتاح، وحيث كنا نلتقيه في مشاركاته الكثيرة في المهرجان الوطني للتراث والثقافة “الجنادرية”، الذي يقوم كل عام في العاصمة السعودية الرياض كان الطيب الصالح أبرز المثقفين العرب الذين أعطوا زخماً هائلاً للأمسيات الثقافية هناك، مثلما أعطى زخماً مماثلاً لمجالس المثقفين السعوديين الذين كانوا يستضيفونه، أو يلتقون به في بهو الفندق الذي يقيم فيه. وكان صدره واسعاً وهو يجيب على أسئلة المثقفين الشباب، وخاصة الذين كانت أدبيات الصحوة تلهب عواطفهم وترسم داخلهم خطوطاً ومسارات أيديولوجية للأعمال الأدبية المحلية والعربية، وتجتزئ من السياق فقرات لمحاكمتها وتصنيف أصحابها. في العديد من تلك الأمسيات كان الطيب الصالح يغلب محاوريه بأفق رحب وابتسامة عريضة وحسّ إنساني رفيع”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.