هنا.. وعن مئات الآلاف من الشباب الذين يتشمسون في الأرصفة كتماسيح هرمة، يثرثرون بملل، يقتلون أوقاتهم، يهدرون طاقاتهم، وهم يترقبون.. لعلّ باباً سينفتح أمامهم.. أي باب، حتى وإن كان ذلك الباب الذي لم يكن يعتزم أحدهم دخوله ويكرهون!... سأكتب.. سأكتب: عن شباب أعلنوا موتهم أكثر من مره.. لأن العيش في الرصيف عذابٌ مستمر، عن خريجين يتسربلون البطالة.. وليس هناك من يجهل بأنهم لا يملكون من مجتمعهم سوى البؤس والإهمال، ولا يملكون من ثمار جهودهم إلا الإرهاق والإحباط، ولا يملكون من المسئولين والجهات الرسمية إلا التهرب والتنكر، ولا يملكون من القطاع الخاص إلا الجفاء، ولا يملكون من منظمات المجتمع المدني العاملة باسمهم سوى الاستغلال، ولا يملكون من حق المواطنة سوى “اللا عدالة”.. ولا يملكون مني إلا التعاطف!! عاماً بعد عام، والبطالة تجلدهم على الأرصفة التي ليست في الحقيقة سوى زنزانات للموت الأكيد.. تلهب أعصابهم حدّ التلف، حدّ احتجاج بعضهم بالقرع على جدران الجريمة والانحراف.. كتأمين هروب سريع من واقعهم المميت.. بعد انفراط الآمال من بين أصابعهم كحفنة من الرمل!! لحظة بعد لحظة، ويُوالى تدوين خيبات أعمارهم في دفاترهم النفسية، فتستيقظ مخاوفهم من المستقبل، وتنتابهم حالة من الذعر الدائم، وتمتزج في دواخلهم كل هذه المشاعر، لتعبر عن مأساتهم بصفارات إنذار فقدان العقل والتي تدوي بكآبة في أوساطهم.. وبشكل هستيري.. هنا، وتحت وطأة هذا الشعور.. سأكتب، عن شباب لا يملكون لهذه الحياة شيئاً، عن شباب صمدوا عاماً بعد آخر، عن شباب شابوا على الرصيف.. عن شباب مرغمين على الزحف بسرعة نحو مدارات اليأس والجنون، عن شباب أمام الموت، وعن شباب يموتون “بالتقسيط”!! وارد العدد القادم: فارس.. بشيخوخة شابة..يفترش الرصيف!