تحرص الجمهورية اليمنية أثناء المشاركة في أغلب اجتماعات القمة العربية، طوال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، على تقديم رؤى ومبادرات تتعلق بمعالجة الأوضاع العربية الراهنة. ولأن الإجماع شرط أساسي لإنجاح أية مبادرة، لم يُذكَر أن قدّم اليمن ما يثير جدلاً سلبياً أو يتجاوز الواقع، بل يستند عليه ويستوحي منه الحل بإدراك واعٍ لمتطلبات الوضع ويحوز الإجماع. وها هو اليمن ممثلاً بفخامة الرئيس علي عبدالله صالح يحمل رؤية يمنية جديدة تشتمل مقترحات تستجيب - حسب تصريحات الدكتور أبوبكر القربي وزير الخارجية - لدعوة التصالح العربية التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود في قمة الكويت الاقتصادية... كما تتفاعل المقترحات اليمنية مع الأحداث المشتعلة عربياً وإقليمياً مما أجمع - ويجمع - دبلوماسيو العرب على أهمية إدراجها ضمن جدول أعمال قمة الإجماع العربي بالدوحة وهي المتنوعة بين محاور الصراع العربي الإسرائيلي بشقيه الظاهرين: قضية فلسطين، واحتلال الجولان السوري. وبين قضايا الأمن القومي العربي: الأوضاع في العراق ولبنان والصومال و"مكافحة القرصنة". وقرار مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية تجاه الرئيس السوداني عمر البشير، والبنود المالية والقانونية والاجتماعية. وإذ تتقدم الرؤية اليمنية وتنطلق الجهود صوب حل هذه القضايا، فهي لا تنفصل عن الجهود المبذولة من كافة القادة العرب. كما لا تشذ عن الإجماع المرتقب من قمة الدوحة لمواجهة التحديات المحدقة بالأمة العربية. وقد دفع إدراك اليمن للواقع العربي وما يتطلبه من تطوير إلى المبادرة مبكراً بجانب مبادرات عربية أخرى، لا يستقيم ذكرها دون أن تذكر مبادرة اليمن، حول تطوير آليات العمل العربي المشترك، وتأكيداً لصوابية الرؤية اليمنية أقر البرلمان العربي مؤخراً مبادرة اليمن الداعية إلى إنشاء «اتحاد الدول العربية» ورفعه إلى أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى ليتولى عرضها على اجتماع القمة في الدوحة. الحضور اليمني اللافت في مؤتمرات القمة يتمثل في المبادرات العملية السابقة للقمة وكذا في الالتقاط البارع لما يصدر في اجتماعات القمة. ويذكر مثالاً على ذلك قمة دمشق 2008م التي أقرت المبادرة اليمنية لحل الخلاف الداخلي الفلسطيني..وقبلها كان فخامة الرئيس علي عبدالله صالح، بخبرته السياسية، أول من أيد المبادرة العربية للسلام (المقدمة من ولي العهد السعودي وقتها) في قمة بيروت 2002م، وشكك في الوقت ذاته بالاستجابة الإسرائيلية لها، إذ يعلم جيداً -كما كل العرب - أن الكيان الصهيوني لا يرى في السلام العادل الشامل فرصة لاستمراره وبقائه بل يفضِّل البقاء مذعوراً من محيطه ليستدر العطف الدولي الذي يحبط ويشل كل تحرك عربي مضاد لهذا العبث العدواني..وليس الشأن الفلسطيني وحده ما يواجه إحباطاً دولياً متعاطفاً مع الكيان الصهيوني إذ يقف هذا الإحباط الدولي اليوم -حسب تصريحات وزير الخارجية د.أبوبكر القربي- أمام الجهود المبذولة عربياً وأفريقياً لتجميد قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بشأن إيقاف الرئيس السوداني عمر البشير بعدما سكت الضمير الدولي تجاه الجرم الصهيوني في غزة!. وأمام كل هذه الحقائق، لا يقف العرب فوق سحب أحلام، بل فوق قاعدة صلبة من وعي الحقائق فباتوا يدركون منذ تنبيه الرئيس علي عبدالله صالح في قمة بيروت 2002م حتى تلويح الملك عبدالله في قمة الكويت 2009م مروراً بإعلان دمشق 2008م وقمة غزةبالدوحة يناير - كانون الثاني 2009م، ألا طائل من استمرار طرح المبادرة السلمية العربية أمام تمادي التعنت الإسرائيلي. بعدما وضع العرب خياراً للتعايش السلمي، لم يُتِحهُ الحكام الإسرائيليون بل استمر إجرامهم وإرهابهم المقترف بحق أبرياء تستصرخ أشلاؤهم ودماؤهم العدالة الإنسانية والطاقات العربية للدفع نحو تحقيق هذه العدالة المرجوة التي لا تستحيل العرب وقد اتحدت دعوتهم - حسب استجابتهم المرجوة للرؤية اليمنية- للمجتمع الدولي وضغوطهم عليه للضغط على إٍسرائيل وليس العكس!.وكذا تصفية النفوس تماماً من آثار الخلاف والاتجاه نحو التوافق في دوحة قطر على اتباع آليات عملية لتنفيذ المقررات السابقة بدلاً عن إصدار القرارات الإعلامية.وليس بغائب عن بال المتابعين للتحضيرات القائمة لعقد القمة، إدراك المسئولين القطريين المعنيين بهذه التحضيرات وخاصة للمقررات الاقتصادية المبنية على مقررات قمة الكويت، أهمية اقتراح آليات تنفيذ كل المقررات المهمة التي من شأنها تسريع وتائر العمل العربي المشترك من خلال قمة التضامن والإجماع العربي.. وأيضاً ما سبق هذه القمة من قمم موسعة ثم مصغرة ثم دورية فنية كمؤتمر وزراء الداخلية العرب ببيروت 22-23 مارس- آذار 2009م، بدأت ما تستكمله الرؤية اليمنية وتستند عليه لتؤكد وحدويتها العربية وعدم الانفصال عن الواقع والتطلع العربي. وفرضت على معظم القادة العرب بما فيهم الرئيس علي عبدالله صالح التحرك المكوكي داخل محيط الجزيرة العربية والاتصال المتواصل ببعض قادة الدول العربية إسهاماً في إنجاح القمة وجعلها قمة نوعية بحق كما يؤمل الشارع العربي.