يتحدث.. يتحدث.. أثناء مروري في الشارع، يتحدث.. وبلا انقطاع.. يتحدث، يتحدث، والشارع شبه فارغ، والوقت ليلٌ، لا كلب، لا قط، لا مار، لا شيء حوله سوى: سيارات تنام القيلولة.. برميل قمامة فارغ.. وشبه لمبة كهرباء! وجه مشعث، متعب، لشاب في الثلاثين، متكئ ويمضغ القات على الرصيف.. توقفت في الشارع الخاوي، أحدق بذهول وقد انفتحت عينايّ حتى أقصى مداها، إنني غير مصدق بأن هذا الذي هو أمامي الآن.. فارس!.. الطالب في كلية الحقوق قبل ما يزيد على أربع سنوات تقريباً؟؟؟ لا! بل.. هو ذاته، فارس!، فارس الحبشي.. نعم، وهذه هي حارته.. التي شهدت شبابه..... ...بعيداً عن هذا المشهد، عرفت فارس، طالباً في كلية الحقوق، شاباً يفيض حيوية وحماساً يؤهلانه لقيادة رأي عام!!، يعشق العصافير، والكبسي، ويردد أغانيه مقلداً.. ليرسم الابتسامة على وجه صديق اتجه صوب رصيف العمارة التي أسكن فيها، والذي اعتاد فارس الجلوس عليه.. - ولكن.. ما الذي حدث له..؟! سألتُ آخر قادم لتوه.. - هذا هو فارس حالياً، والسبب عدم استقراره وحاجته إلى الاستقرار، أتتبعه منذ سنوات، وبعد أن تخرج من الجامعة.. -إلى هنا والحزن ملأ عينيه.. وعاد يتحدث-.. بعد تخرجه من الجامعة تنقل من عمل إلى آخر.. وقد تعب.. تعب من التشرد والركض خلف الاستقرار.. حتى أيقن بأنه لن يدرك الاستقرار الذي يبحث عنه.. أبداً.... وجه فارس طالعنا بشيخوخة شابة، وتساءل: - مالكم؟ بتتسلوا بي..؟! لأتوقف هنا، عند هذا السؤال والذي لم أجد فيه نكتة، كما لم يثر في نفسي أي دهشة.. غير أني وجدت سؤاله العفوي هذا (بتتسلوا بي..؟!) يعبر عن انطباع شبه عام عما حدث.. ويحدث.. معه.. ومعنا!