[email protected] بينما أفراد مجتمعه مشغولون: بإنفاق ثرائهم المادي، أو بتربية رؤوس الأموال، أو بمضغ القات وحكم العالم من على متاكئهم، أو بفقرهم ولهاثهم وراء لقمة العيش، أو بتربية الأنعام.. كان هو يعيش حياته غير العادية.. بعيداً عن كل هاتيك.. على الرصيف..!! كلب يأنس معه في غربته الإنسانية، غربة شاب في صباه أصبح كهلاً عندما سقطت أقنعة أفراد مجتمعه واهتزت مفاهيمهم، وظل هو في غياهب رصيف شارع عام في عز ليل مدينة تخلو تماماً من الإنسانية! مشهد أيقظني من تخدير الشعارات؛ جعلني في مواجهة حقائق الحياة المريرة: الألم، القهر، العذاب البشري.. ونفى امتلاك المجتمع للحد الأدنى من القيم الأخلاقية والإنسانية.. والتي كان مصيرها كمصير أي زبد: يذهب.. مهما تفاقمت رغوته الآنية....ليس نادراَ أن يكون الإنسان بلا إنسانية، بل هذا هو الشائع!، ويؤسفني أن أعترف بأن هذا ليس استنتاجاً لأنه أصبح بديهياً في واقع حياتنا.. وفي ظل ما يسودها من تهريج! ...أفيق من شرود لم يطل لأكثر من ثوانٍ وعينايّ تحومان في الصبي ومن يجلس بمحاذاته، إنه كلب بدت لي عيناه داكنتي السواد في عتمة ذلك المساء، بينما كانت يدا الصبي تلتفان حول عنقه لتربتا على خديه بلطف في مشهد حميم، ينطلق من حرية يحياها الصبي.. أو.. خيال يتوهمه! ومن جديد أشرد.. هل يستلهم هذا الصبي واقعه من فانتازيا أفلام الكرتون -”بيل وسبستيان” أنموذجاً- لينفرد بعيشها مغامرة واقعية..؟!، أم أن تقاربهما –الصبي والكلب- شاهد قبر إنسانية مجتمع كان إنسانياً..؟!! ..”يبدو أنه قد لاحظ اهتمامي به” قلت لنفسي عندما رمقني بنظرة امتزج فيها الاستغراب بالزهو، حاملة ابتسامة ترتسم على شفتيه بحرص، فما كان مني إلا أن حاولت رسم ابتسامة على الرغم من ألمي، وامتدت يدي نحوه بارتجاف لتمتد يده بدورها وتصافحني بقوة، تحدثت إليه بأسى حقيقي فارتد صوته جهورياً غير مرتجف، ولم يمانع من التقاط صورة لوجهه الصامد العتيق.