في الصباح الباكر.. يرتدي ملابسه بسرعة.. ويذهب إلى الرصيف! جالساً على الرصيف الموازي لمكتب التربية والتعليم.. أشرب الشاي الذي أدمنته من يد هذا الشاب الذي يتنقل بحيوية.. ويوزع لزبائنه الكؤوس والابتسامات! طاولة.. أباريق.. بوتوجاز.. اسطوانة غاز.. أوانٍ.. كؤوس! أتمنى أن أظل صامتاً.. قلت لنفسي.. وقد بدأت عينايَ الفضوليتان تتفحصان المكان، وبدت في وجه عبدالله اشراقة تقترن بالحيوية..أحسست أن لدي سؤالاً أقوله: أتدرس..؟! .. ولم يجب!.. ارتسمت على وجهه ابتسامة ساخرة..صمت برهة.. تمنيتُ أن يقول شيئاً ما.. ونطق!: لا!. أحسستُ أنه ليس لديّ ما أقوله.. وما الذي كان بإمكاني قوله وأنا أعرف أن كل إطراء أو مواساة يمكن أن تخطر في بالي قد سبق أن قيلت له.. ولا أغالي إن قلت بأنه يعرف أيضاً ما الذي يمكن أن أقوله وما سيكون رده بعدئذ.. التعليم متاح، وما أكثر الشباب الذين صرفتهم الظروف عن إكمال تعليمهم... أظنني كررت سؤالي السابق لعبدلله هذا الصباح، نعم فعلت ولكن بصيغة أخرى، فأضاف مفسراً “بالتأكيد درست.. وأنا الآن في المرحلة الحادية عشرة.. لست منتظماً بالدراسة.. غير أنني أتقدم للاختبار كل عام...”. صرنا نتحدث ببساطة..بارتياح.. كنت أظن أن حاجزاً ما سيفصل بيننا.. لكنني أدركت بعدئذ أن ذلك الحاجز صنعه وهمي! فبقدر رغبتي في الاستماع إليه.. كانت رغبة عبدالله بالتحدث معي!! وبصوت كله تحد وتجلد حدثني، لم يكن وعيه بأهمية التعليم سطحياً.. إنه يعي أهميته أكثر مما أعي ذلك!، ولكنه قصر في طلبه للعلم بسبب الظروف المعيشية.. والرغبة في الحياة الكريمة.. فهو منذ تسع سنوات يعمل، تحت المطر أو الشمس..على الرصيف.. يعمل.. وعلى الرغم من ذلك.. ما زال يفكر في الغد.