في سنة 1983م عندما كنت في الصف الثالث الثانوي دخل مدرس اللغة العربية الذي سمع أننا طلبة مشاغبون وخاصة أن الصف الثالث اختباراته نهائية ( وزارية ) ولا توجد أعمال سنة ، وكان هذا المدرس طويلاً وعريضاً وله صوت غليظ كنا نسميه أبو الهول ، وتعامل معنا بشدة مبالغ فيها وبدأ ( يشطح وينطح ) فصمتنا برهة من الزمن نتأمل هذا الوحش الجديد . وكان كلما يرى زميله مدرس التربية الفنية الذي كنا نستهتر به كان يزداد قسوة في تعامله من صراخ ورفع صوت وتوجيه الإهانات للطلبة ، وما إن مضى زمن ليس بطويل حتى أصبح هذا المدرس ألعوبة بأيدي الطلبة عندما تمكن بعض الطلبة منه ولم يستطع أن يفعل شيئاً سوى رفع الصوت وتوجيه الاهانات التي كانت ترتد إليه حتى انهار كما انهار غول محمد عبد الولي . وهذا يجعلنا نستذكر قيادات سياسية عالمية كان بعضها يتعامل بتساهل كبير حتى أن أحدهم يقول في إحدى الصحف : أولادي لم يصدقوا أني كنت رئيساً ..! وآخرون سيطر على الحكم من تحتهم نوابهم ومساعديهم وأزاحوهم ، والبعض الآخر كانوا قساة وشديدي البطش اخضعوا الشعوب وقتاً من الزمن كسبوا خوف الناس منهم وخسروا الحب وكانت النتائج وخيمة. وهكذا فإن التطرف في التساهل وعدم الحزم يساوي القسوة والتشدد. فعندما كنت في إحدى البلدان الإسلامية كنت أتساءل لماذا تقترن السرقة بقتل المسروقين في هذا البلد ؟، وعندما سألت ما حكم السارق هنا قالوا الإعدام !، أدركت عندها أن حاكم هذا البلد كان يريد أن يحقق عدالة أكثر من عدالة السماء فكان العكس . فالعدالة هي إعطاء كل ذي حق حقه وتكون العقوبة على قدر الجرم ، فالعدالة ليست أحد الطرفين ( التساهل أو التشدد ) إنما هي إعطاء الشيء ما يستحقه فكل شيء بقدر ووزن ، فالفاكهة الطيبة واللذيذة هي التي أخذت ما يناسبها من الوقت فلا تكون غير ناضجة أو نيئة ، وهذا الكلام إن أخذناه في قيادة الناس فلا نقصد به القيادات السياسية فقط بل هو مثل عام ينطبق على جميع أنواع القيادات من قيادات سياسية إلى قيادات إدارية إلى إدارة أسرة أو فصل دراسي أو قيادة فئة من الناس سواء أكانوا أصدقاء أو غير ذلك . ولهذا فإن من كان قاسياً وشديداً مع الناس فإنه حتماً سيصدم بالنتائج التي تجعله يشعر بخيبة الأمل وأنه خسر محبة الناس وصداقتهم وودهم ، ومن تساهل ظلماً ، وانتهكت حقوقه ولن يستطيع السيطرة وقيادة الناس ، فمن هان سهل الهوان عليه ، وبالتالي فإن الإنسان لكي يعيش في سعادة لا بد أن ينجح في إدارة المجموعة التي يقودها ابتداءً من الأسرة وانتهاءً بمجموعات أكبر في العمل مثلاً . ولكي ينجح عليه أن يتأمل بذلك في ذلك المثل وهو ألا يكون الإنسان قاسياً فيكسر ولا ليناً فيعصر ولكن عليه أن يكون قوياً وغضاً لكي لا يكسر ولا يعصر.