صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مذكرات أحمد محمد نعمان
نشر في الجمهورية يوم 10 - 02 - 2010


سيرة حياته الثقافية والسياسية
حينما يقول ربتك أمتك.. وهكذا، يومي بإيماءات بعيدة فولي العهد يهتز للشعر ويتأثر به لأنه كان يطرب للشعر ويقرب الشعراء والأدباء إلى جانبه كان يتخذ مقعده فتوزع الرقاع كلها على الموجودين ليجيبوا عليها وكل يساهم في كتابة الجواب ويتولى ولي العهد التوقيع ويقوم المرافقون الآخرون بلف الأوراق وكتابة العناوين عليها لتصديرها (لإرسالها).
وهكذا كانت تمر الأيام والأوقات ونحن منشغلون بتحرير الجوابات الكاذبة على الناس وإرسالها، ونقول لهم اصبروا، واعرضوا مشكلتكم على الحاكم الفلاني وغير ذلك من الاجابات هذا هو حال الدولة، وهذه هي أعمالها تجاه الناس وأخيراً خطرت ببالي فكرة وهي أنه مادمنا باقين في الداخل فإننا لانستطيع فعل شيء.
وداعبتنا العروبة ومانسمع عن العالم العربي ومقاومته للاستعمار، وعن الديمقراطية والحرية في سوريا ولبنان والعراق كل هذا هيج في نفوسنا التساؤل: لماذا لاتكون اليمن كالعراق كنا نقرأ في الصحف ونسمع الراديو يقول بأن لا خلاص لليمن دون الارتباط بالعالم العربي كنا نلتحق بالزعماء والمخلدين مع العلم أنني عندما عدت من مصر كان عندي نوع من الانطباع بأن يقتصر تفكيرنا بالاصلاح على اليمن، وأن كل وطن يعالج مشاكله بنفسه، وان هذه الدعوات والتهاب المشاعر ودعوة العروبة، كلها عبارة عن استهلاك ثقافي، أو أن أشخاصاً من العرب يفشلون في أوطانهم فيتقمصون الدفاع عن العروبة، فيكسبون لهم شعبية ضمن العالم العربي ولو كانوا خاسرين في بلدانهم كان مثل هذا الشعور موجود عندي، وكنت ألمسه أيضاً في الأوضاع العربية ثم أن الإمام يحيى كان لديه نظرة غيرحسنة عن العرب وكنا نحن نأخذها وصمة ضد الإمام لأنه كان يقول إن العرب كذابون ولأنه كان يحارب العرب بسبب هذا النفور أردنا أن نلتحق بالعرب ونطلب منهم أن يساعدوا اليمن.
فكرنا أن نخرج ونذهب إلى عدن، مركز تجمع اليمنيين النازحين، وفيها الحرية لأن الانكليز هناك، فيمكننا من هناك أن نوجه نصائحنا بحرية إلى الإمام، لأنه كان قد حدث أن أشخاصاً كثيرين دخلوا السجن بسبب اتهامهم ببث أفكارهم التقدمية، ولأنهم قدموا مراجعات إلى الإمام ومذكرات يطالبون فيها بالاصلاحات ومن جملتهم الزبيري الذي دخل السجن بأمر من الإمام يحيى وظل فترة مقصياً في جبل الأهنوم في شمال اليمن لم يخرج إلا بعد مدة بوساطة وبعد أن بعث قصائد للإمام يعلن فيها توبته، يقول فيها:
نور النبوة من جبينك يلمع
والمجد فيك إلى الرسالة ينزع
يا أيها المحسود في عليائه
لاتبغ شأوا إن مجدك أرفع
أعرضت عنا لحظة فتحولت
عنا وجوه الناس بعدك أجمع
من أين يأتيك العدو وأنت في
أرض تكاد صخورها تتشيع
وصلت إلى الإمام هذه القصيدة فقال: إن القصيدة طنانة، ولكن الرجل فكره مسموم فمن أين لنا رجوعه كتب الإمام يحيى بقلمه هذا الجواب مرت فترة فجاءوا يتشفعون مرة أخرى، وتقدم عم الزبيري إلى الإمام يحيى وكان أيضاً من جلساء الإمام، فقال له: يامولاي في فمي ماء وهل ينطبق من في فيه ماء؟ رحمتكم على عبدكم محمد محمود الزبيري، فإن نساءه باكيات ليلاً ونهاراً أخيراً أفرج عنه وجاء إلى تعز.
تأسس حزب الأحرار في عدن
وثورة 1948م
التقينا ثم ذهبنا إلى عدن وكان معنا الزبيري وأحمد محمد الشامي، هذا الذي أصبح الآن وزير خارجية الملكيين في الصف الملكي ونحن مع الجمهوريين، التقينا في عدن، فكان هنالك بدء التجمع،بدأنا نعلن ونؤسس “حزب الأحرار اليمنيين”.
أصدرنا صحيفة اسمها “صوت اليمن” هناك بدأت المشاعر تلتهب في اليمن،وكان هذا حوالي سنة 1943م عندما خرجنا ثم بقينا إلى سنة 1946م سمحوا لنا بإصدار الجريدة ثم أسسنا مطبعة، وكان اليمنيون متمركزين في عدن من عمال وتجار وغير ذلك، فساعدوا الحركة، عندما ابتدأت الحركة تشتد، أنضم إلينا أحد أولاد الإمام وهو سيف الحق إبراهيم،الذي هرب من أبيه ثم انضم إلى الأحرار، وكان هذا أكبر دعاية للأحرار، بقينا نرفع مذكرات إلى الجامعة العربية وإلى العالم العربي،نستنجد ونستغيث بالعالم العربي الذي يعلي رؤوسنا،وكنا نريد وطننا كلبنان، أو كسوريا،نريد شعباً كمصر، هيّج هذا الكلام اليمنيين تهييجاً كبيراً، وبدأ آل الوزير يطمعون بالحكم، فقلنا لنتعامل معهم وليسقط حكم الإمام يحيى ويكون الحكم حكماً دستورياً، وضعنا المطالب ثم بدأت تنتشر، في سنة 1948م قامت الحركة وأطاحت بالإمام يحيى،وكنا نحن في مقدمة الحركة، نحن والأمير إبراهيم وبعض الزعماء الكبار مثل الزبيري، تشكلت الوزارة، فعينت وزيراً للزراعة والزبيري وزيراً للمعارف، ثم أعلن “الميثاق الوطني المقدس” كدستور مؤقت يحدد حقوق الإمام ويحدد حقوق الشعب، كان ولي العهد أحمد بن الإمام يحيى، الذي كنا من قبل عنده، في تعز حين قتل أبوه في صنعاء وأعلن عبدالله بن أحمد الوزير إماماً في صنعاء، غادر أحمد تعز مغامراً يريد الذهاب إلى صنعاء لقمع الثورة.
ولكنه التجأ إلى جبال حجة ولم يلتجئ إلى صنعاء لأن ابن الوزير كان قد سيطر على صنعاء وقتل الإمام يحيى في ذلك التاريخ، وصل جماعة منا، أي من جماعة الأحرار، بالطائرة إلى صنعاء، أما أنا فقد مشيت عن طريق البر ومعي مجموعة، وسار آخرون عن طريق الحديدة.
في سجن نافع
ولكن الإمام أحمد أثار القبائل وهيجهم لنهب صنعاء، وعندما سمعت القبائل، بهذا داست كل شيء لا تدري بدستور ولا بحرية ولا بأحرار، إذ كان الشعب غير واع بشيء وكانت الأفكار كلها محصورة في قلة من أبناء مدن ضائعين ليس لهم جذور.
فاقتحمت القبائل صنعاء تنهب وتسجن كل “المدسترين”، أي أصحاب الدستور، منهم السيد عبدالله الوزير إمام الدستوريين، وسيف الحق إبراهيم ، وجميع الوزراء.
ساقوهم إلى السجن،وأعلن أحمد أنه الإمام الشرعي، نحن وصلنا إلى ذمار التي تبعد عن صنعاء حوالي 100 كلم، وإذا بالقبائل تحيط بنا وتعتقلنا هناك، دعونا لتناول الغذاء في دار الحكومة لأننا كنا سننزل ضيوفاً في دار الحكومة، دخلنا دار الحكومة الموجود في المركز، وبينما نحن نتاول الغداء كانوا يرتبون لنا قيود الحديد، ولما خرجنا لنغسل أيدينا كانوا يلتقطوننا واحداً واحداً ويضعون قيود الحديد في أرجلنا،ثم ساقونا إلى زريبة أو إسطبل غير مفروش،فجلسنا على الأرض ونحن في ثيابنا ممددين على الأرض،وكنا ننتظر الموت، أيقنا أن ليس لنا حياة بعد الآن، لأن صنعاء سقطت بيد الإمام أحمد وانتهت الثورة، خرج الزبيري مع أحد أبناء الوزير” عبدالله علي” إلى السعودية إلى الملك عبدالعزيز قبل أن تسقط صنعاء ليستنجدوا به.
رفضهم الملك ومن جملة من رفضوا الفضيل الورتلاني الجزائري الذي كان يعمل مع الأحرار.
فلما رفضهم الملك التجؤا نحو عدن ثم ذهب الزبيري وعبدالله علي الوزير إلى باكستان، أما الورتلاني فأتجه نحو لبنان، وقد منعوا من دخول مصر والبلاد العربية لأن حكام العرب اجتمعوا في ذلك الوقت على الاعترف بالإمام أحمد واعتبروا القصة من عمليات الإجرام، أما نحن فبقينا في مدينة ذمار حوالي عشرة أيام حتى أرسل الإمام أحمد بعد أن انتصر انتصاراً كاملاً من يأتي بنا نحن ومن معنا من الأحرار، فسلبوا كل ما معنا من ملابس ووضعوا لنا السلاسل في أعناقنا جاعلين كل عشرة في سلسلة يسمونها “زنجير”،وكل طوق منها مربوط بسلسلة تصل إلى الطوق الثاني،وهكذا ابتدأنا نمشي في الطرقات والقبائل تردد النشيد “الزامل”:
لعنة الله على نعمان وأصحابه
ماعوى الذئب وماحرك أذنابه
وهكذا بقينا نسمع هذا النشيد ونحن في طريقنا، فتخلعت أقدامنا من المشي لأننا مشينا من ذمار إلى معبر من الصباح حتى العصر، كان بعض الرفاق يسقطون أرضاً من الإعياء، فيهددونهم بالقتل ويأمرونهم بالمشي رغماً عنهم، وعندما تعبنا من المشي سمحوا لنا بالركوب على الحمير لكنهم شدوا أيدينا بالمغالق، وهذه المغالق عبارة عن قطعة من الخشب تثقب من أطرافها لتوضع خشبتين وتدخل اليد فيها فتثبت بمسامير من الطرفين تحول دون أن يستطيع السجين تحريك يده، أما رفاقنا الذين كانوا مقيدين بالسلاسل فقد كانوا يمدوننا بالأكل لأن أيديهم مفتوحة.
وإذا أحتاج أحد منا الذهاب إلى الحمام جلبوا العشرة المقيدين معه لكي يساعدوه،كان عندهم خوف منا لأن البلاد جبلية لئلا نهرب.
فمشينا على هذا الحال من ذمار إلى معبر، ثم إلى حزيز حتى وصلنا إلى صنعاء ومنها إلى الروضة ومن ثم إلى حجة، استغرق السير ستة أيام، إلى أن صعدوا بنا جبل حجة عند الإمام أحمد، فلما وصلنا إلى هناك جاء المسئولون الآخرون الذين جيء بهم من الحديدة ومن صنعاء فالتقينا أفواجاً أفواجاً،المشايخ والضباط والمتعلمين كلهم مقيدون بسلاسل، منهم من شدخت رؤوسهم، ومنهم من كانوا ملوثين بالدماء، وبعضهم ألقيت عليهم الأتربة مثل السيد حسين الكبسي الذي كان يسمى مندوب اليمن المستمع في الجامعة العربية، ثم أصبح وزير الخارجية في الحكومة الدستورية، التقت الحكومة الدستورية كلها فاستاقونا إلى سجن اسمه نافع كان طبقات تحت الأرض ومؤلف من غرف ليس فيها حصير، باستطاعتنا أن نسميها دهاليز، وضعونا خمسين هنا وتسعين هناك، كنا ركاماً بعضنا فوق بعض.
فلا يدخلون الشخص إلى هناك إلا بعد أن يضعوا في رجليه ثلاثة من قيود الحديد.
أما الذين يتشددون معهم فيضعون لهم قيداً يسمى المرود، في وسطه قطعة الحديد ثقيلة، والبعض في أقدامهم السك، وهو عبارة عن وصلة من الحديد ليس فيها حلقات،توضع ما بين الساقين حتى لا يستطيع الحركة، وقد وضعوا لي هذا السك ووضعوا اثنين من القيود المتحركة في أسفل الساقين وثالث ملزوز بالرجلين، بهذا الشكل لا أستطيع الحراك أبداً، وبعد أن انتهوا من وضع هذه السلاسل قالوا لي :قم ياعدو الله وعدوا الإمام، قلت لهم: كيف أقوم بعد أن وضعتم لي أسطولا من الحديد؟
فأخذوا يدفعونني بالقوة قائلين: عادك تتلغلغ؟ وحملني الذين كانت قيودهم أخف حملاً على ظهورهم إلى أن وصلنا القاعة مع المجموعة، وكان عمي عبدالوهاب نعمان، شقيق والدي وأبو زوجتي، مسجوناً هناك، جيء به من صنعاء وكان مسجوناً من عهد الإمام يحيى لمدة 27 سنة ،تلافينا هناك في ذلك الوقت، وكنا كالمرضى كل يئن في مكان من أثقال الحديد، ولكن كان يتحلى بالصبر، وقد خففوا عنه الحديد، أما نحن فباعتبار أننا كنا في عدن مع “النصارى” فقد أشتد العقاب.. وكنا نتساءل أين المرحاض؟
كانت توجد جماعة يساعدون بعضهم البعض فيحملون الواحد إلى هناك ثم يأتون به، أما بالنسبة للغذاء فمن سيأتي به! في اليوم الثاني أخذ يأتينا، وكنا نعتقد أن الإمام أحمد سيقضي علينا نهائياً، وهذا شيء طبيعي لأننا متهمون بقتل أبيه وثائرون ضده، استمر الحال لمدة ثمانية عشر يوماً على هذا النحو، لا نتحرك ،ثم بدأت المناداة للاستعداد لقطع الرؤوس،فكانت تأتي الأوامر من تعز تلغرافياً ،لأن الإمام أحمد ترك حجة وذهب إلى تعز منتصراً على أعدائه جميعاً أدخلهم السجن وذهب،وابتدأ الآن يجري الأحكام غيابياً على المسئولين بالتهم تثبت عليهم وإدانتهم، وكل من أدين بعث أمراً بقطع رأسه، فيأتي أحد المعنيين “السجّانين” وينادي باسم الشخص الذي صدر عليه الحكم،يعلم أنه ذاهب إلى الإعدام فيودع إخوانه ويذهب، ونصاب نحن بشيء من الشلل في نفوسنا وجفاف وزهد في كل شيء، وكل واحد منا ينتظر الموت، عندما كان يعود السياف الذي يقطع الرؤوس ويقول اليوم انتهينا،نبدأ نتحرك لتناول طعامنا،وعندما كانت تعترينا حالة الشلل النفساني كنا نتساءل هل السب الألم على الذين ذبحوا أم خوفاً من أن نذبح؟ ولكن ثبت أنه خوف من أن نذبح، لأننا بعد أن نأمن أننا غير مذبوحين اليوم نتهيأ للأكل.
وكان يوجد بيننا شخص اسمه علي عقبات، بمجرد ما يسمع صوت النفير يلتف بالحصير حتى لا يسمع الصوت، لأن ذلك الصوت كان دعوة ليجتمع الناس لمشاهدة القتل، وليعلم كل واحد بأن هناك من سيقتل ذلك اليوم، كان علي عقبات يبدأ من الصباح بلف نفسه في الحصير حتى لا يسمع الصوت.
هل نادوا على اسمه أخيراً؟
نعم، دعي ولكن بالغلط، وأغمي عليه، أراد الذي دعاه أن يمزح معه، فلعنه لعنا شديداً، كنا نلتقي مع بعضنا البعض ونتبادل الأشعار والأذكار، فكان هذا الشيء يخفف عنا إلى أن أعدم مجموعة من الأشخاص.
لماذا لم يدعوا الحكومة كلها واكتفوا بأخذ البعض من أعضائها؟
كان الإمام يحكم “ يصدر أحكاماً” ويعمل بحكمه، وحقيقة كان متخذاً نفسه إماماً، والذي كان يخالف الشريعة من الشعب يحاكمه، وكان يراعي ولا يستهتر،فقد حكم على من كانوا مشاركين في العمل.
أما بالنسبة لي،كانت الحملة من الكثيرين تحرض على أن أكون أول من يقتل،
يقولون يجب أن يكون نعمان في مقدمة من يقتل، ولكن الإمام نفسه كان يدافع عني ويقول” ماذا فعل؟ كتب في الجريدة! لم يثبت عليه شرعاً أي شيء،هكذا أتخذ هذا الموقف مني، كان يوجد بيننا ود, كان هناك جماعة لم يحاكموا، وكان الناس يحكمون عليهم، أما هو فلم يرغب في أن يتلقى الأحكام من أفواه الناس، بل حكم على من ثبت أنه متآمر في قضية القتل، ومن المصادفة أننا اعتقلنا في ذمار ولم نصل إلى صنعاء ولذلك لم نبايع الإمام الجديد، وكل الذين كانوا معنا لم يقتل منهم أحد،الناس الذين سبقونا إلى صنعاء وقعوا على الميثاق ووقعوا على الدستور، فكانت هذه من المبررات، وكان يوجد بعض الأشخاص المؤثرين على الإمام، إلى جانب أنه يقول شرعاً لم يثبت عليه شيء، وبعضهم يسألونه لماذا تترك فلان وهو فعل وفعل، فكان يقول إنه لن يحكم إلا على من ثبت عليه شرعاً، بعد عدة أيام طلبوني للتحقيق، ألقوا على أسئلة فأجبت إجابات صريحة وبكل صدق،حاولوا أن يستدرجوني بأن فلاناً فعل كذا، فكنت أقول لهم لا، ويسألون من الذي كان يساعد الأحرار ومن الذي كان يمدهم؟
أذكر أسماءهم؟ فقلت: إن “الجمعية اليمنية الكبرى” مجرد ضجيج ودعاية، والذين كانوا يساعدوننا أناس كانوا يتصدقون علينا بالقوت، وأقسم بالله أنني أقدم نفسي إلى المشنقة دون أن أدلي باسم من الأسماء، واصنعوا بي ما تشاؤون، هذه الحادثة بالذات نقلت إلى الإمام أحمد، فقال: هذا رجل وفي، ولما رأى السجان هذا الموقف خفف عني القيد الذي كان يضم الرجلين فارتحت، وكتبت أجوبة صريحة وبجانبها نصيحة إلى الإمام تقول: “قد أظهرك الله على أعدائك ونصرك، فقل ما قاله رسول الله عندما دخل إلى مكة وقال ماتظنون إني فاعل بكم؟ فقالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: أذهبوا فأنتم الطلقاء،وربما أن أعداءك بالأمس يكونون أصدقاءك في الغد”،وكانت هذه الرسالة بجانب الأجوبة، وبعد هذا التصريح أصبح الإمام يأخذ ويرد مع بعض المسجونين،وبعد حوالي أربعة أشهر انتهت محاكمة المباشرين بالقتل من المتآمرين الذين بلغوا حوالي أربعة وثلاثين شخصاً، ومن الذين تولوا الخلافة مثل الإمام عبدالله بن أحمد الوزير وعلي بن عبدالله الوزير ومن آل الوزير حوالي خمسة، كان الإمام يعتبرهم منافسين له على العرش وأنهم تصدروا للحكم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.