18 محافظة على موعد مع الأمطار خلال الساعات القادمة.. وتحذيرات مهمة للأرصاد والإنذار المبكر    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    خطر يتهدد مستقبل اليمن: تصاعد «مخيف» لمؤشرات الأطفال خارج المدرسة    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    رواية حوثية مريبة حول ''مجزرة البئر'' في تعز (أسماء الضحايا)    اسباب اعتقال ميليشيا الحوثي للناشط "العراسي" وصلتهم باتفاقية سرية للتبادل التجاري مع إسرائيل    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    جامعي تعزّي: استقلال الجنوب مشروع صغير وثروة الجنوب لكل اليمنيين    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    ما الذي يتذكره الجنوبيون عن تاريخ المجرم الهالك "حميد القشيبي"    الزندان أحرق أرشيف "شرطة كريتر" لأن ملفاتها تحوي مخازيه ومجونه    الحوثيون يلزمون صالات الأعراس في عمران بفتح الاهازيج والزوامل بدلا من الأغاني    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    وفاة شابين يمنيين بحادث مروري مروع في البحرين    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    ضربة قوية للحوثيين بتعز: سقوط قيادي بارز علي يد الجيش الوطني    عملية تحرير "بانافع": شجاعة رجال الأمن تُعيد الأمل لأهالي شبوة.    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يعزز مركزه بفوز على بلباو    تشيلسي ينجو من الهزيمة بتعادل ثمين امام استون فيلا    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    قيادية بارزة تحريض الفتيات على التبرج في الضالع..اليك الحقيقة    إصابة شخصين برصاص مليشيا الحوثي في محافظة إب    الشيخ الأحمر: أكرمه الأمير سلطان فجازى المملكة بتخريب التعليم السعودي    قبل شراء سلام زائف.. يجب حصول محافظات النفط على 50% من قيمة الإنتاج    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    فريق طبي سعودي يصل عدن لإقامة مخيم تطوعي في مستشفى الامير محمد بن سلمان    اختطاف خطيب مسجد في إب بسبب دعوته لإقامة صلاة الغائب على الشيخ الزنداني    ارتفاع إصابات الكوليرا في اليمن إلى 18 ألف حالة    أسفر عن مقتل وإصابة 6 يمنيين.. اليمن يدين قصف حقل للغاز في كردستان العراق    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    لماذا يخوض الجميع في الكتابة عن الافلام والمسلسلات؟    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    ريال مدريد يقترب من التتويج بلقب الليغا    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيرة حياته الثقافية والسياسية
مذكرات أحمد محمد نعمان
نشر في الجمهورية يوم 23 - 02 - 2010

حينما وصلت أنا والزبيري إلى عدن احتفل بنا اليمنيون وكانت أسماؤنا قد اشتهرت من خلال جلوسنا بجانب ولي العهد أحمد في الاحتفالات ولهذا قال لنا أحد الأخوة، وهو جازم الحروي: “بدلاً من أن تظلوا تبعثرون أدبكم وأفكاركم في تقديس الحكام، اخرجوا نحو الشعب” قلنا له: “ولكن قد تعوزنا المادة”، قال: “أنا أرسل لكم”، كان تاجراً كبيراً وشخصية نادرة في التجارة فلما خرجنا إلى عدن واستقبلنا هناك الأخوة، أراد الناس أن نقوم بحركة وكانت جماعة قد خرجت قبلنا وتحدثوا في الصحف، لكن خروج الزبيري ونعمان كان له أثره، وأحدث ردة فعل داخل اليمن، وبخاصة أنهما كانا يمثلان القيادة الفكرية داخل اليمن،في المناسبات والأعياد، بالخطب، وبالأشعار، ولم يكن نعمان والزبيري يفترقان، وكانا السبب في ظهور حركة الأحرار وشيوع فكرتهم.. هذه هي البداية بعد اعتقال الأخوة الذين في الداخل، لفتت هذه البداية أنظار الناس إلينا، ولا شك في أنها تثير في نفوس الآخرين المنافسة، لكن هؤلاء الناس غامروا وأقدموا بهذه الجرأة، فبدأنا نحقق شيئاً فشيئاً بعض النجاحات، كانت عدن خلال الحرب العالمية الثانية لا تسمح بأي نشاط سياسي لئلا تحدث بينها وبين اليمن خلافات، لذلك منعنا من النشاط السياسي بعد أن كنا قد عقدنا ندوات جمعت كثيراً من اليمنيين للحديث عن اليمن، لأن الكتابة في الصحف كانت ممنوعة، فكنا نحتال على المنع ونقدم كتاباتنا على أساس أنها مواضيع أدبية في صحيفة “فتاة الجزيرة” التي كان يديرها محمد علي لقمان، وهذا أيضاً مصدر من مصادر الفكر في جنوب الجزيرة، كنا نعقد ندوات، وأسسنا نادي الأحرار، وأصدرنا أول ميثاق لحزب الأحرار حددنا فيه مطالب الأحرار في اليمن، وقد طبع هذا الميثاق ووزع وأحدث ضجة، بدأ ولي العهد أحمد يسعى للتفاهم مع الإنجليز لإسكات صوت الأحرار ومنعهم من أي نشاط، وخرج الإنجليز على قانونهم ومنعونا من أن نتكلم أو أن نقوم بأي شيء، وفرضوا علينا أن نجلس لاجئين سياسيين دون إحداث أية ضجة.
وهكذا توقف نشاطنا واجتماعاتنا ولقاءاتنا،وكنت أنا والزبيري،والتحق بنا في عدن السيد أحمد محمد الشامي والسيد زيد الموشكي،السيد أحمد الشامي هو الآن وزير خارجية الملكيين، كان زميلنا ضد الإمام، والسيد زيد الموشكي من سادة اليمن ومن رجالها الأفذاذ، وقد أعدم سنة 1948م بقيت أنا والزبيري في عدن، أما الإخوة جميعاً ومن ضمنهم الشامي والموشكي وآخرون مثل مطيع دماج، وعقيل عثمان، وعبدالله بن حسن أبو رأس،وكان هؤلاء قد ارتبطوا بنا،وكذلك بعض مشايخ القبائل مثل الشيخ محمد بن ناجي القوسي،والشيخ مقبل جميزة، جاءوا إلى عدن يظنون أننا سنقوم بحركة عسكرية، وتبين أننا حركة فكرية سياسية، ولكن بمجرد ما سمعوا أننا في عدن اعتقدوا بأننا سننظم غزوا لليمن لندخلها فاتحين.
رجع الأخوة جميعهم وبقيت أنا والزبيري رفقاء،بقينا الاثنين لأننا قطعنا خط الرجعة.
الحروى خرج من السجن واشترى مطبعة “صوت اليمن” وسيف الإسلام انضم إلى الأحرار.
ظل ولي العهد أحمد يبعث إلينا رسائل يستميلنا للرجوع إليه ويقول إنه لا داعي للبقاء في عدن، وإننا بخروجنا نكون عوناً للأعداء عليه، ولكننا كنا نقدم المطالب ونقول حينما تتغير الأوضاع وحينما يوجد دستور وحينما يوجد مجلس شورى وحينما توجد حكومة مسئولة نعود، أما أن يظل الحكم بيد الإمام وأولاده فهذا غير مرغوب فيه، هذه هي مطالبنا كنا نكتبها وننشرها ونقول إننا نريد حكماً دستورياً في اليمن، ولا يهمنا أن يكون الإمام يحيى هو الحاكم ولكن يجب أن تكون الوزارة من أبناء الشعب ويؤسسوا مجلساً للشورى، كانت هذه المطالب تعتبر خيالية بالنسبة لليمن في ذلك الوقت، إنما كنا نحن متأثرين بالبرلمانات التي في البلاد العربية وبالديمقراطية ونريد التغيير وفقاً لها، ولكن ظروف الحرب كانت تمنعنا من القيام بأية حركة، وكان الانكليز يريدون هدوءاً شاملاً وإن كانوا يرون أن منعنا خروجاً على دستورهم، لأن الدستور عندهم يسمح بالحريات.
الجمعية اليمانية الكبرى
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية سمح لنا بتأسيس الجمعية اليمنية الكبرى وإصدار صحيفة “صوت اليمن” كان الجو ملائماً، وافقوا على هذا وأعطوا التصريح سمعوا في اليمن بأن التصريح قد أعطي لنا، وكانت في مصر حرية صحافة وكان هناك صحيفة يصدرها عبدالغني الرافعي بعنوان “الرابطة العربية” تبنت قضية اليمن ووقفت إلى جانب الأحرار، فكنا نبعث الأخبار إلى الرابطة العربية في مصر، فتنشر كل شيء, وبعد ذلك حصلنا على جريدة اسمها “الصداقة” كان يديرها الشهيد محمد صالح المسمري والسيد يحيى أحمد زبارة وسلام فارع الاسم غير واضح في التسجيل كان هؤلاء يصدرون الجريدة وكنا نحن ننفق عليها وننفق على الصحف لأن مركز تمويل الحركة كان في عدن، وتأتي التبرعات للحركة من التجار، كان التجار يدفعون المساهمة باسم مساعدتنا شخصياً وليس على أساس رصيد معين، ثم لنا علاقات بأشخاص أصدقاء كانوا يرسلون لنا ما ننفقه وننفق نحن على أنفسنا ثم نصدر هذه الصحيفة ونمولها ونمول القائمين عليها، عندما علم ولي العهد أحمد الذي كان في تعز أقرب ما يكون إلى عدن، بأن الانكليز أعطونا تصريحاً للصحيفة قرر أن ينزل إلى عدن بنفسه ليقيم علاقات مع الانكليز حتى يسحبوا التصريح، اقترح الإمام يحيى عليه أن يرسل القاضي محمد راغب، وزير خارجيته وكان القاضي راغب من رجال تركيا الذين بقوا في اليمن بعد خروج تركيا من العالم العربي ومن اليمن، وكان رجلاً متديناً ويتكلم اللغة العربية، وقد أخذ يحسن العلاقات بين اليمن والدول الأخرى ليقيم دولة اليمن، فجاء بنفسه إلى عدن وأخذ يتصل بي وبالزبيري ويسأل: هل أعطي لكم التصريح؟ قلنا له: نعم قال: سيكون رفض طلبكم عبثاً، لأن هذه دولة ديمقراطية لا يمكن أن ترفض، اتصل بالحاكم الانجليزي في عدن فقال له الحاكم: نحن لا نستطيع أن نلغي شيئاً يقره القانون، ولا نستطيع تغيير القانون البريطاني لمنع الحريات، بالإضافة إلى أن معاملة اليمنيين في اليمن معاملة سيئة، فقد وصل إلى عدن حتى الآن 25الف لاجئ غير من هم أصحاب أعمال ويبلغون حوالي مائة ألف قدموا من اليمن، فما هذا؟ لماذا لا تحسنون الأحوال في اليمن؟
فشل وزير الخارجية فنزل ولي العهد أحمد بنفسه واستقبلته عدن واليمنيون استقبالاً كبيراً، خشينا على أنفسنا أنا والزبيري واختفينا في تلك الليلة لئلا تهاجمنا الجماهير المتأثرة بمجيء ولي عهد اليمن سيف الإسلام أحمد، خشينا أن يقتحموا منزلنا لأنه بعث من يدعونا إليه وأرسل لنا رسائل فرفضنا، وذات يوم أحسسنا بأنه سيرسل جماعة لاختطافنا، فاختفيت أنا والزبيري عند رجل اسمه الشيخ خير الدين علم الدين من لبنان، وهو شيخ طائفة البهرة في عدن وكان رجلاً خيراً، ووجهاً وضاء، وكان يعطف على قضيتنا لأن الإسماعيلية في اليمن من أتباعه وهم مضطهدون من الإمام، فكان مغتبطاً بوجودنا لأننا ضد الإمام إذ يوجد خلاف بين الطائفة الإسماعيلية وأئمة الزيدية في اليمن، وكان الشيخ خير الدين علم الدين هذا شيخا لطائفة البهرة، يتقاضى منهم الزكاة ويعلمهم معالم الدين ويصلح شئونهم، ويقضي بينهم، والبهرة تجار من الهند ومن كل مكان، آوينا إلى داره في تلك الليلة.
وبلغ الانجليز أنه توجد نية لاختطافنا، بحثوا عنا فلم يجدونا، فظنوا أننا اختطفنا، وثارت أزمة بينهم وبين ولي العهد، قالوا هذا فعل لا يمكن قبوله وأطلقوا البوليس في شوارع عدن للبحث عنا، كانوا يأتون يطرقون الباب على الشيخ خير الدين على وهم ربما نكون عنده، فكان يخرج وينزل إليهم، ونحن مختفون في غرفة صغيرة وكنا من جانب نعيش حالة خوف، ومن جانب آخر كنا نعلق في مرح ونتبادل النكت، قلت للزبيري: يا قاضي محمد الليلة ستعلن الحرب بين بريطانيا واليمن قال: لماذا، قلت له: لأننا لاجئون سياسيون وتسليم اللاجئ السياسي محرم، وإذا اختطفته دولة أخرى تقطع العلاقات وتعلن الحرب، قال: إذن ما رأيك بدلاً من أن نخلق حرب ومشكلة لليمن نسلم أنفسنا بدلاً من القتل والقتال قلت له: لا تفكر بهذا
فلو كان لي رأسان جدت بواحد
ولكنه رأس راح أعطل
بقينا مختبئين في هذه الغرفة المغلقة، وجاء الشيخ خير الدين أثناء الليل يقرع الباب ويقول: ابشروا يا أبنائي خيراً، إن شاء الله فتحنا الباب، قال: إن البوليس الذي يبحث عنكم إنما يفعل ذلك ليحميكم، خشيت الحكومة في عدن من أن تكونوا قد اختطفوكم وهذا لا يقبله أحد، فاخرجوا الآن من مخبئكم، أخرجنا وأدخلنا غرفته وهو ينام على سرير يتهدل في الهواء، وجاءنا بالأكل أثناء الليل، وفي الصباح خرجنا وإذا منازلنا قد أحيطت بالحراسة لحمايتها من أن يتسلل إليها أحد، وكانت هناك تعليمات لحراسة منزل أحمد محمد نعمان ومحمد محمود الزبيري، ومنها أن لا يزورهم أحد إلا بإذن منهما مكتوب وموقع منهما، هذا ما فعله الانجليز لأن ولي العهد موجود والجماهير في عدن يمنية كلها، فربما يختطفوننا، وخوفاً علينا بقينا في البيوت فكر ولي العهد أن يأتي بنفسه لزيارتنا لكن الانجليز منعوه فرجع وبعدها خرجنا.
جازم الحروي ومطبعة صوت اليمن
زاد هذا الحدث من مشاعر الناس نحونا، وجاءت البرقيات من المهاجرين اليمنيين في مهاجر مختلفة إلى حكومة عدن تحثها على حماية الزعيمين، بعدها سمح لنا بإصدار جريدة “صوت اليمن” ماذا نعمل ومن يطبعها؟ الانجليز سمحوا بصدورها، ولكن منعت المطابع من طبعها، كانت قد جرب علي جازم الحروي أحداثاً كثيرة بعد أن خرجنا، واتهم بأنه الذي أخرجنا إلى الخارج فاعتقل وأخرب بيته، وسيق يمشي على قدميه مسافة 7أيام، مابين صنعاء وتعز هو ومجموعة من أشخاص آخرين اتهموا وقيدوهم بسلسلة من حديد، كانوا قد اطلعوا على أبيات قالها الزبيري في مدح جازم تقديراً لمواقفه يقول فيها إنه لشيء غريب أن يوجد إنسان بهذه المزايا، تاجر يسخر ماله من أجل القضية الوطنية، ويساعد الأحرار من أجل القضية، فعلم ولي العهد بهذه الأبيات مما زاد تأكده من أن جازم هو مصدر القضية، لأن الزبيري يقول فيه:
إلا فليعش في مهجة الشعب جازم
تغذى به أيامها والعزائم
فتى راعني بالبذل حتى ظننته
ملاكاً طهوراً أنجبته الغمائم
تبسم لي بشراً فخلت ابتسامه
ظروف فؤاد أثقلته المكارم
وكم بسمة لاحت بثغر منافق
هي الزور إن حققتها والمزاعم
فيا ملكاً من أمة سبئية
لقد بعدت عنك اللذات التوائم
لقد أخرجتك الأرض وحدك معجزاً
كما أخرجت تبرا نظارا مناجم
فبالله قل لي كيف جئت مهذبا
نبيلاً وما بالحى إلا السوائم
بلغت هذه الأبيات إلى الإمام فاستفزت ولي العهد بالذات عبارة “وما بالحي إلا السوائم” أي أنه لا يوجد في اليمن من الرجال الكرام غير جازم، ومن جازم وما قيمته عند ولي العهد؟ سجنوه وبقينا في عدن مذهولين متخوفين عليه، ومرت الأيام، وإذ به يخرج من السجن ولما خرج هرب هو نفسه إلى عدن وجاء إلينا في الوقت الذي أردنا أن نقدم له ما كان قد أعطانا عند خروجنا واصل مساعدتنا أيضاً من أجل قضية اليمن، تاه الزبيري بهذا والشاعرية توحي للإنسان بهذه المواقف.
وجلس يقص علينا ما لقيه في السجن هو وأصحابه، وكيف خرب بيته أخيراً ماذا يعمل؟ خرج بنفسه إلى المهاجر اليمنية من أجل أن يجمع قيمة مطبعة تكون خاصة بصحيفة صوت اليمن، خرج وجمع التمويل ولأول مرة يقوم اليمنيون بحركة من هذا، جمع النقود لشراء مطبعة للأحرار وصل جازم بالمطبعة بنفسه إلى عدن وركبها تحيرنا فيمن يطبع، أتى برجل من أديس أبابا، يمني يجيد الطباعة بدأ الانجليز بمضايقتنا بمسألة إصدار الصحيفة، ولكن القانون كان قد صدر، فأتينا بهذا الرجل إلى البيت في الليل، وكان يرصف الحروف في البيت وفي الليل يطبع.
وتدرب على يده مجموعة من اليمنيين وحالاً أجادوا الطباعة، صدر العدد الأول من “صوت اليمن” والعدد الثاني وإذا بضجة هائلة في اليمن من أقصاها إلى أقصاها، ماذا يحدث؟ وخرج سيف الإسلام إبراهيم بن الإمام يحيى وانضم إلى الأحرار، وإذا بقضية الأحرار تنتشر، كان سيف الإسلام إبراهيم معتقلاً في سجن أبيه هو وأخواه إسماعيل وعلي، ثلاثة من أولاد الإمام يحيى كانوا يترددون على السجون.
انضمام سيف الإسلام إبراهيم للأحرار
لماذا؟
كانت عندهم أفكار حرة وتطلعات وتطرف، وكان ابوهم يجازيهم بالسجن خرج الأمير إبراهيم بحجة المرض ليتعالج في أسمره، ومن أسمره ذهب إلى الحبشة واستقبله امبراطور الحبشة باعتبار أنه ابن الإمام يحيى، واتصل به الأحرار إلى أسمره ورتبوا معه الانضمام إليهم جاء إلى عدن أولاً لينزل ضيفاً على حكومة عدن، فاستقبلته الحكومة واستقبله سلطان لحج، وأنزلوه قصر السلطان في عدن إلى أن رتبنا له سكناً ودبرنا الأمور، ثم خرج وأعلن دعوته وانضمامه إلى الأحرار وأصدر بياناً شكل ذلك وثبة في قضية الأحرار وبهذا الانضمام تجاوب مع قضية الأحرار الإخوان المسلمون في مصر، وكان الإخوان المسلمون في ذلك التاريخ يدعمون هذه الحركة، وكان الورتلاني صديقنا الذي تعرفنا عليه في مصر، من الرواد الذين خرجوا إلى عدن وطافوا باليمن، بدأت قضية الأحرار تنتشر وكانت القضية في اليمن بسيطة فاستجاب لها الناس، وكان الزبيري ونعمان هما الرائدين اللذين أطلقا هذه الحركة، وباسمها كانت تصدر صحيفة صوت اليمن، وكنا نحن لا نفترق ولا نختلف، وينضم إلينا اليمنيون تحت مظلة حركة الأحرار لا يوجد خلاف ولا شقاق.. بعض الأخوة، وأحمد محمد الشامي وزيد الموشكي رجعوا من عدن وبقينا.. ترك هذا في نفوسهم شيئاً «انظروا انشقاقات الأحرار من أين جاءت».
كانوا يرون أننا محتكرون للقضية، أنا أحتكر المال والزبيري مرتبط بي، ولكن العلاقات بيني وبين الزبيري علاقات إخاء وعلاقات تفاهم فكري والتقاء من أيام كنا في مصر ثم بعد عودتنا إلى تعز، كان ارتباطي به ارتباطاً يمتاز عن الارتباط بالآخرين نتشارك في السراء والضراء والزبيري أطهر مخلوق عرفته الدنيا، حتى أنني كنت أقول فيه معنى حديث عن الرسول في أبي ذر:”ما أقلت الغبراء، ولا أظلت الحمراء رجلاً أطهر من أبي ذر” فكنت أطلقه على الزبيري حقيقة، كان يعرف أن لي أقارب في عدن ويكاد يكون أبناء اليمن الموجودون في عدن من أبناء قضاء الحجرية، وقضاء الحجرية هذا يبلغ سكانه حوالي 200ألف نسمة، كانت زعامة الحجرية معقودة في بني نعمان فكان بعض المهاجرين في عدن مرتبطين بي بحكم الأصول، مع أن النكبة قد نزلت ببني نعمان بالاعتقالات التي جرت لمشايخ اليمن حين جاء الإمام يحيى ثم كنت مدرساً في بادئ الأمر كما أخبرتكم سابقاً وكان أبناء الآباء يدرسون عندي ويتعلمون، وعندما كنت في مصر تعلق بي بعضهم أيضاً فأصبح للانسان أولياء كثيرون ولذلك كان الناس لايثقون إلا بي خوفاً من أن تعرف الحكومة أن لهم صلة بحركة الأحرار كانوا يأتوني سراً للمساعدة، وأنا كان عندي حالة زهد يعني أعد نفسي مسئولاً عن كل جبهة(عن كل قضية) قد أتضور جوعاً لكي لا أنفق أي مبلغ إلا في سبيل القضية، في طباعة، في نشر في برقيات، في مذكرات، لمن يعمل (في مقابل عمله) وأما مع أولادي نعيش في عدن كأبأس المخلوقين وكان الزبيري يعرف الحقيقة ويشاركنا في هذا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.