كانت عدن ومازالت محطة انطلاق الثوار سواء ضد الحكم الرجعي المتخلف في شمال الوطن أو في جنوب الوطن ضد المحتلين الإنجليز ولأن الهم الوطني واحد هو كيفية التخلص من النظامين: الاحتلال والأئمة, وإدراكاً من الأحرار اليمنيين بأن خلاص الشعب اليمني لا يمكن إلا بتوحيد جبهته الداخلية خصوصاً الكفاح المسلح والنضال الوطني, فقد وجد الأحرار مدينة عدن مكاناً مناسباً لتصعيد نشاطهم المعارض لحكم الأئمة في المحافظات الشمالية، وللثبات مع إخوانهم في المحافظات الجنوبية، وإدراكاً لما تمثله عدن حينها من نهضة في المجال الثقافي بوجود النوادي والجمعيات والصحافة المتطورة.ولأن الهم الوطني واحد والقضية هي قضية كل الشرفاء الوطنيين فقد كان لوجود العديد من أبناء المحافظات الشمالية في مدينة عدن دور نضالي لا يستهان به في إشعال جذوة الثورة وتنمية الوعي الوطني بأهمية الخلاص من الحكم الإمامي الكهنوتي في شمال الوطن والمحتل الغاصب لجنوب الوطني وجعل هؤلاء المناضلين من أنفسهم وأرواحهم فداء للوطن، وإذكاء الروح الوطنية في أوساط أبناء الشعب. ولأن مدينة عدن كانت ولا تزال هي القلب النابض للوطن والحاضنة دوماً لكل أبناء الوطن دون استثناء والكل فيها يعمل لمصلحة الوطن فقد انطلقت من عدن وبرزت فيها العديد من الشخصيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومن الأحرار والمناضلين الذين قدموا إليها من المناطق الشمالية فكانوا باكورة للمجد في مسيرة العمل النضالي لمقارعة الحكم الإمامي وكذلك في مناصرة مسيرة الكفاح المسلح ضد المحتلين ومنهم من أسهم بماله وما يمتلك من ثروة أو مسكن لإيواء إخوانه من الأحرار والمناضلين ومدهم بجميع أساليب الدعم ووسائل العون. ومن هؤلاء المناضلين أستاذ الأحرار المناضل الكبير أحمد محمد نعمان وأبو الأحرار الشهيد محمد محمود الزبيري والقائمة طويلة لذكر هؤلاء المناضلين وإعطائهم حقهم في التوثيق التاريخي لتاريخ الثورة اليمنية. حركة الأحرار - يقول الدكتور علوي عبد الله طاهر: إن حركة الاحرار اليمنيين تم إنشاؤها لغرض توعية الجماهير وحشد همة المناضلين لمقارعة الحكم الإمامي, ووجدت أن النوادي والاتحادات تطرح قضايا عامة أي قضايا وطنية للوطن بشكل عام وكانت القوانين الانجليزية لا تسمح بإنشاء أحزاب سياسية في الشمال فما كان أمامهم إلا تأسيس الجمعية اليمنية الكبرى في عدن. النوادي والجمعيات وكان للنوادي والجمعيات والهيئات الشعبية التي ظهرت في عدن دور بارز في نشر الوعي خصوصاً مع تطور الصحافة, ففي عهد الحكم الإمامي في المحافظات الشمالية ومع بداية الأربعينيات كانت سياسة الإمام في حكم البلاد قد خلقت جواً مشحوناً بالتذمر وبدأت أفواج وطلائع الأحرار تتوجه إلى عدن التي كانت الصدر الرحب لاستقبالهم, ووجد الاستاذان أحمد محمد نعمان ومحمد محمود الزبيري الظروف المواتية لنقل حركة المعارضة إلى مرحلة جديدة مرحلة التماسك والتنظيم عندما وجدا تجاوباً شعبياً كبيراً في وقت كان النازحون من أبناء شمال اليمن قد أسسوا نوادي قروية لتسهيل استقبال الواصلين لإيوائهم, وشكلت تلك النوادي مراكز نشاط اجتماعي وثقافي وتجمع أثناء تناول القات في فترة الظهيرة وكانت تلك التجمعات فرصة لتناقل الأخبار والأحداث في شمال اليمن وما يقوم به نظام الأئمة من ظلم للمواطنين وقد سهل انتشار النوادي للنعمان والزبيري فرصة الالتقاء بأكبر عدد من الساخطين على نظام الإمامة وفي مقدمة تلك النوادي نادي الاتحاد الأغبري ونادي الاتحاد الذبحاني وغيرهما.. حيث استطاع النعمان والزبيري من خلال محاضراتهما رفع مستوى التوعية وإثارة الحماس للعمل الوطني وتوج ذلك بتأسيس أول حزب سياسي. حزب الأحرار تأسس حزب الاحرار برئاسة أحمد محمد نعمان وتولى الشاعر محمد محمود الزبيري المدير العام للحزب في يونيو 1944م, وأول نشاط للحزب كان القيام بتوجيه رسالة إلى الإمام يحيى تضمنت المطالب لمعالجة الأوضاع والمظالم التي يعاني منها الشعب والتي تلخصت بالمطالبة بإنقاذ الأمة من المجاعة والسماح لأبناء الأمة ببث شكواهم، والعمل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وإعفاء الفقراء من الضرائب والتقيد بأحكام الشريعة الإسلامية وإزالة الفوارق والتورع في جمع الزكاة وعدم فرض العقوبات على المواطنين بدون محاكمة والنظر في قضايا الأوقاف وغيرها.. وقد رفضها الإمام يحيى, ومضى الأحرار في تكثيف الاتصالات بالمهاجرين في الخارج أمثال الشيخ عبدالله الحكيمي في بريطانيا وعبدالقوي الخرباش وأحمد عبده ناشر في الحبشة. الدور البريطاني كانت بريطانيا قد سمحت لحزب الأحرار بممارسة نشاطه بهدف إتاحة الحرية النسبية من جهة, واستخدام ذلك النشاط للضغط على الإمام من جهة أخرى, ولكن حزب الأحرار لم يحقق آمال البريطانيين بل العكس, فقد لعب دوراً بارزاً في نشوء الحركة الوطنية وبلورة الوعي الوطني ونشر الأفكار الوطنية المعادية للاحتلال وقد أوفد الإمام يحيى إلى عدن وفداً برئاسة القاضي محمد بن عبدالله الشامي للتفاوض مع البريطانيين وإبلاغهم بالاحتجاج على نشاط الأحرار في عدن والمعادي للنظام الإمامي ووفق أي نشاط وإعادة الهاربين وعدم السماح لهم بالبقاء في عدن, وعلى ضوء ذلك أصرت السلطات البريطانية بوقف أي نشاطات لحزب الأحرار. الجمعية اليمنية الكبرى لما رفعت بريطانيا الأحكام العرقية في مستعمرة عدن بعد الحرب العالمية الثانية قام النعمان والزبيري بتأسيس “الجمعية اليمنية الكبرى” والحصول على امتياز لإصدار صحيفة “صوت اليمن” في يناير 1946م كامتداد لحزب الأحرار ووضعت برنامجاً لنشر الوعي الثقافي والوطني عن طريق المحاضرات وإصدار صحيفة صوت اليمن وترأس الجمعية الزبيري, فيما تولى النعمان سكرتيرها العام وجاء في بيان إنشاء الجمعية المطالبة بإنشاء مجلس شورى منتخب وإقرار دستور للبلاد وكفالة الحرية لكل فرد والمساواة بين المواطنين وقد اتسع نشاط الأحرار بين أوساط الجماهير بعد تأسيس الجمعية وكان همهم هو إنشاء مطبعة خاصة بالجمعية تمكنهم من طباعة صحيفتهم ونشراتهم وما يصدر من مؤلفات وكتيبات. وقد قيل إن الشهيد الزبيري كتب أروع قصائده الوطنية في مقر الجمعية اليمنية الكبرى بعدن.. ابرزها قصيدته التي مطلعها يقول: سجل مكانك في التاريخ ياقلم فها هنا تبعث الأجيال والأمم هنا البراكين هبت من مضاجعها تطغى فتكتسح الطاغي وتلتهم الإعلان عن أول حزب في منزل المناضل سلاّم المناضل الحاج محمد عبده سلام حاجب يتصدر قائمة الأحرار المناضلين الذين بذلوا كل جهودهم وطاقتهم وسخروا كل ما يملكون في سبيل مصلحة الوطن في التخلص من الحكم الإمامي والاستعمار, وذلك من خلال تحقيق الهدف الأساسي، أولاً في توعية الجماهير وإثارة الحماس للعمل الوطني فلقد كان الحاج محمد عبده سلام حاجب من أكثر الأحرار تحمساً وحرصاً على المصلحة الوطنية فجعل من منزله الكائن في عدن مكاناً لاجتماعات الأحرار أمثال النعمان والزبيري اللذين كانا يلتقيان بالناس المتمردين عليهما فيعرضان أفكارهما الثورية والتي لقيت تجاوباً وحماساً واسعاً فزاد عددهم في غضون فترة قليلة بانضمام مجموعة كبيرة من قيادة النضال الوطني التي تزحف في المحافظات الشمالية كالشاعر أحمد الشامي وزيد الموشكي اللذين فرا من تعز ليساهما في النقاش حول إنشاء تنظيم للأحرار، ولم يكن النشاط مقتصراً على المحاضرات وبلورة المشروع فقد امتد إلى الاتصال والتواصل بالمهاجرين في الخارج مع الحورش والمسمري في مصر ومع المغتربين في الحبشة وشرق أفريقيا .. وتوج هذا العمل النضالي بتشكيل حزب الأحرار الذي أعلن تأسيسه في منزل الحاج محمد سلام حاجب ولقيت هذه الخطوة ترحيباً وحماساً وتأييداً من المستنيرين اليمنيين من أبناء الشمال والجنوب, واستمر المناضل سلام حاجب في مواصلة نضاله ودعم كل مراحل الكفاح النضالي الذي كان له الاثر الكبير على زخم المسيرة النضالية فيما بعد. (مطبعة النهضة الوطنية) حرص المناضلون على أن يكون لهم مطبعة خاصة لطباعة المنشورات والكتيبات التي تلهب وتزيد الحماس الثوري وتنمي الوعي الوطني وتفضح ظلم حكم الأئمة والاحتلال, فقد كان للمناضل الوطني جازم الحروي الفضل بعد الله, والذي تمكن - بعد الإفراج عنه من سجن حجة من السفر إلى مكة لأداء فريضة الحج ثم انتقل إلى الحبشة ومنها إلى عدن - من أن يطلب من المناضلين أ. أحمد محمد نعمان وأ. محمد محمود الزبيري أن يوكلا إليه توفير المطبعة باذلاً استعداده في توفير المال اللازم لشرائها وبعد جهود مضنية من قبل المناضل الحروي وصلت المطبعة وهي مطبعة مستعملة كانت تسمى «بمطبعة نهضة مصر» لتصبح مطبعة لنهضة الحركة الوطنية اليمنية وفي عدن سموها مطبعة «النهضة اليمانية» وبذلك تمكن الأحرار من إعداد وسائل النشر للتخفيف من التزاماتهم المالية وتمكنت قيادة الجمعية اليمنية الكبرى من التغلب على المصاعب بمساعدة المغتربين اليمنيين وتولى العمل في المطبعة مجموعة من الشباب الوطنيين منهم عبدالله عبدالوهاب نعمان الذي أصدر صحيفة «الفضول» فيما بعد وقد صدر أول عدد لصحيفة صوت اليمن في 31 أكتوبر 1946 وتعالى ذلك الصوت الذي استنهض الوعي الوطني, وكانت صوت اليمن ميداناً رحباً لانطلاق العمل الوطني وصرخة الشعب الذي لم يستكن للطغيان الإمامي في الشمال والسيطرة الاستعمارية في جنوب الوطن.